فقه المواريث - تفصيل آخر لمذهب التنزيل


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! آخر مباحث توريث ذوي الأرحام، ألا وهو كيفية توريث ذوي الأرحام على القول بتوريثهم، وقلت: إن خلاصة أقوال أئمتنا الكرام في هذه المسألة ثلاثة أقوال: قول شاذ مهجور لم يصل به أحد من أئمتنا الأربعة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وهو التوريث عن طريق الرحم، والتسوية بين ذوي الأرحام من أي جهة كانوا، وفي أي درجة كانوا، قلت: وقال بهذا نوح بن دراج ، الذي توفي سنة (182هـ) للهجرة، وقلت قوله شاذ مهجور، لم يقل به أحد من أئمتنا، وذكرته لبيان ما قيل في توريث ذوي الأرحام.

بقي معنا قولان معتبران معتمدان قال بهما أئمة الإسلام من أهل المذاهب الأربعة، القول الأول هو الذي قال به الإمام المبجل أحمد بن حنبل عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وقلت: هو المعتمد عند الشافعية والمالكية على القول بتوريث ذوي الأرحام عندهم، إذا لم ينتظم بيت المال.

وخلاصة هذا المذهب أننا نورث ذوي الأرحام على طريقة التنزيل، أي: ينزل ذوو الأرحام منزلة من أدلوا به، فما أخذه من أدلوا به صار لهم وأخذوه، وأعيد إليهم، هذا يقال له مذهب أهل التنزيل.

إخوتي الكرام! بعد أن شرحت هذا القول، وفصلت الكلام فيه، قلت: كيفية توريث ذوي الأرحام على هذا القول، لذلك حالتان:

الحالة الأولى: إذا لم يكن هناك أحد الزوجين، ثم إذا لم يكن هناك أحد الزوجين، يوجد أيضاً عدة أحوال لذوي الأرحام:

كون الوارث واحداً من ذوي الأرحام

الحالة الأولى: أن يكون الوارث من ذوي الأرحام فرداً واحداً، فله جميع المال، كما إذا لم يوجد إلا خالة أو عمة، أو ابن بنت وما شاكل هذا.

كون ذوي الأرحام جماعة يدلون بشخص واحد

الحالة الثانية: أن يكون ذوي الأرحام جماعة لكن يدلون بشخص واحد، فلهم حالتان أيضاً:

الحالة الأولى: أن تستوي منزلتهم ممن أدلوا به، فالمال بينهم بالتساوي بلا تفضيل الذكر على الأنثى، والسبب في ذلك أن إرثهم بسبب الرحم المجردة، فينبغي أن يستووا في الإرث كما يستوي الإخوة لأم في الإرث؛ وهذا إخوتي الكرام هو المعتمد عند الحنابلة كما تقدم معنا، وضربت لذلك أمثلة.

خمسة أبناء بنت، المال واضح، المسألة واضحة، أن يستووا المال مع، المسألة من عدد رؤوسهم من خمسة، لكل واحد واحد، يعني: كما لو كانت البنت واحدة تأخذ كل المال فرضاً ورداً، وهذا المال من عدد رؤوسهم.

ست بنات بنت، المسألة من ستة. أربع بنات بنت مع ابني بنت، وهذان الابنان هما من تلك البنت التي لها أربع بنات.

المسألة كما تقدم معنا من عدد رؤوسهم، يستوي الذكر مع الأنثى، فالمسألة من ستة، يعني: كأن البنت ماتت وتركتهم، لكن هؤلاء الآن يرثون بالرحم المجردة كالإخوة لأم، فلا يفضل الذكر على الأنثى، فالمسألة من ستة، لكل واحد واحد، هذا القول المعتمد كما قلت، وعندنا بعد ذلك قولان آخران في المسألة.

القول الثاني: وهو للإمام أحمد ، وهو المعتمد عند المالكية والشافعية في توريث ذوي الأرحام على القول بتوريثهم إذا لم ينتظم بيت المال عندهم، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأننا نجعل كأن البنت ماتت وتركتهم.

أما لو اختلفت الأمهات، فهذا يختلف، يعني: لو كانت هذه أماً لأربع بنات، وهذه أماً أخرى للابنين فيختلف؛ لأننا سنجعل بعد ذلك أنه ترك بنتين لكل واحدة نصف المال، ثم يصير إلى ورثتها الذين يدلون بها وهم ذوو الأرحام.

لكن الآن هنا نقول: الأم واحدة لها أربع بنات ولها ابنان على القول الثاني في التوريث وقلت: هذا قول ثان للإمام أحمد وهو المعتمد عند الشافعية والمالكية على القول بتوريث ذوي الأرحام عندهم، فهنا إذا كان من أدلوا به واحداً للذكر مثل حظ الأنثيين، فسيكون من ثمانية لأنه عدد رؤوسهم، لكل أنثى سهم، ولكل ذكر سهمان.

قول ثالث ذكره الخرقي وقال الإمام ابن قدامة : لا أعلم له موافقاً، ولا علمت وجه قوله، وهو أننا نسوي بين ذوي الأرحام ذكوراً وأناثاً إلا في حال الخال والخالة فقط.

فلو مات وترك خالاً شقيقاً، وخالة شقيقة فقط، فهما يدليان بواحد، وهي الأم، فإذاً على القول المعتمد عند الحنابلة، الخال والخالة نسوي بينهما فالمسألة من اثنين، وعلى القول الثاني في التفريق بين الذكور والإناث إذا كان مجرد شخص واحد ومنزلتهم منه واحدة، نجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا الذي قاله الخرقي ، قال: نسوي بين جميع ذوي الأرحام، ولا نفضل الذكور على الإناث إلا في حال الخال والخالة، هذا الذي يقول عنه الإمام ابن قدامة : لا أعلم له موافقاً، ولا علمت وجه قوله؛ لأن الشافعية والمالكية فرقوا ليس بين الخال والخالة، بل بين جميع ذوي الأرحام فللذكر مثل حظ الأنثيين، أما الخرقي ففي الخال والخالة فقط، فالمسألة عند الخرقي هنا من ثلاثة، الخال له اثنان، والخالة واحدة.

والقول الثاني الذي هو عند الحنابلة كما قلت، والمالكية والشافعية عندهم المسألة من ثلاثة، لكن ليس بخصوص هذه المسألة، واضح هذا.

إذاً: هذا كما قلت إذا أدلى جماعة بواحد، واستوت منزلتهم منه، فالمعتمد عند الحنابلة أن المال بينهم بالتساوي لا يفضل الذكر على الأنثى؛ لأن قرابتهم بسبب الرحم المجردة، فصار حالهم كحال الإخوة لأم تماماً، وهناك قول ثان كذلك إلا في الخال والخالة، قاله الخرقي ، وهناك قول ثالث نفضل الذكر على الأنثى، وهو قول للإمام أحمد وهو المعتمد عند الشافعية والمالكية، كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام النووي في فقه الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله في روضة الطالبين (6/47)، وهكذا في حاشية الدسوقي (4/416)، وهذا الخلاف إخوتي الكرام! هل نسوي بينهم أو نفضل الذكر على الأنثى، أو نسوي بينهم ونفضل الذكر على الأنثى في حال الخال والخالة فقط، هذا كله في غير الإخوة لأم، أي: في غير أولاد الإخوة لأم، فقد اتفقوا على التسوية بينهم، فلو مات وترك بنت أخ لأم، وابن أخ لأم، فقد اتفقوا هنا على التسوية بينهم؛ لأن من يدلون به سوى بينهم، بخلاف الأخ الشقيق والأخت الشقيقة، والابن والبنت، هناك في الأصل لو لم يكونوا من ذوي الأرحام لما سوي بينهم، أما هنا من أدلوا به سوى بينهم فلا يفضل ذكرهم على إنثاهم، فهكذا ذوو الأرحام يسوى بينهم إذا كانوا يدلون بأخ لأم، أو بأخت لأم، قال الإمام ابن قدامة : إلا على قول وقياس من أمات السبب، فينبغي أن لا نسوي بينهم، يعني: السبب أن هؤلاء في الأصل -كما قلت- يدلون بأخ لأم، والإخوة لأم في الأصل لا يفضل ذكرهم على أنثاهم، فإذا أمتنا هذا السبب وقلنا: كون الأصل لا يفضل الذكر على الأنثى، ونظرنا الآن إلى أنه ذكر وأنثى على حسب قواعد الفرائض العامة، كما هو في ذوي الأرحام على القول بالتفضيل، فينبغي أن نفضل ابن الأخ لأم على بنت الأخ لأم، لكن هذا ما قال به أحد هذا ما قال به أحد.

إذاً: هذه الحالة الأولى مما لو أدلى جماعة بشخص واحد، بحالة ما إذا استوت منزلتهم منه، فقلت: إرثهم بالتساوي لا يفضل الذكر على الأنثى، هذا المعتمد، وهناك قولان آخران: قول بالتفضيل قال به الشافعية والمالكية، وقول بالتفضيل في خصوص الخال والخالة، والعلم عند الله جل وعلا، يقول في المغني: ويورث الذكور والإناث من ذوي الأرحام بالسوية، إذا كان أبوهم واحداً وأمهم واحدة، أي: بشخص واحد كما قلت، أما الخال والخالة فيقال: للخال الثلثان وللخالة الثلث، هذه فقط.

يقول ابن قدامة عليه رحمة الله: اختلف في الرواية عن أحمد في توريث الذكور والإناث من ذوي الأرحام، إذا كانوا من أب واحد وأم واحدة، فنقل الأثرم وحنبل وإبراهيم بن الحارث في الخال والخالة يعطون بالسوية، وهكذا في غيرهم.

فظاهر هذا التسوية في جميع ذوي الأرحام، وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي عبيد وإسحاق عن ابن حماد لأنهم يرثون بالرحم المجرد، فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم، ونقل يعقوب بن بختان إذا ترك ولد خاله وخالته، قال: اجعلوه بمنزلة الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك ولد العم والعمة، ونقل عنه المروزي فيمن ترك خاله وخالته للخال الثلثان وللخالة الثلث، فظاهر هذا التفضيل وهو قول أهل العراق وعامة المنزلين.

كما قلت هو الذي قال به الشافعية والمالكية؛ لأن ميراثهم معتبر بغيرهم فلا يجوز حملهم على ذوي الفروض لأنهم يأخذون المال كله، ولا على العصبة البعيد أن الذكر منفرد بالميراث دون الإناث، فوجد اعتبارهم بالقرب من العصبات من الإخوة والأخوات، ويجاب عن هذا بأنهم معتبرون بولد الأم، عندما يأخذون كل المال بالفرض فقط.

واتفق الجميع على التسوية بين ولد الأم لأن آباءهم يستوي ذكرهم وأنثاهم، إلا في قياس قول من أمات السبب، فإن للذكر مثل حظ الأنثيين، والذي نقل الخرقي التسوية بين الجميع إلا في الخال والخالة لم أعلم له موافقاً على هذا القول، ولا علمت وجهه.

وأما قوله إذا كان أبوهم واحداً وأمهم واحدة، فلأن الخلاف إنما هو في ذكر وأنثى أبوهما وأمهما واحد، أما إذا اختلف آباؤهم وأمهاتهم كالأخوال والخالات المتفرقين، والعمات المفترقات، وإذا أدلى كل واحد منهم بغير من أدلى به الآخر كابن بنت وبنت بنت أخرى، فلذلك موضع آخر سيأتينا.

الحالة الثانية: يدلي جماعة بشخص لكن تختلف منزلتهم ممن أدلوا به، فاجعل المدلى به كالميت، واقسم المال بينهم كأنه تركهم.

كما لو مات عن ثلاث خالات متفرقات، أو ثلاثة أخوال متفرقين.

خالة شقيقة، خالة لأب، خالة لأم، يدلون الآن لأم لكن منزلتهم مختلفة؛ الخالة الشقيقة أخت شقيقة، وهذه أخت لأب، والخالة لأم أخت لأم، الأم ماتت وتركت أختاً شقيقة لها النصف، وتركت أختاً لأب، سيكون لها السدس تكملة للثلثين، والأخت لأم لها السدس أيضاً، المسألة من ستة، ترد إلى خمسة.

أن تدلي جماعة بجماعة

الحالة الثالثة: أن تدلي جماعة بجماعة، فاقسم المال بين من أدلوا به، فما صار له أعطي للمدلي، كما سبق، فإن كان واحداً أخذه، وإن كانوا جماعة قسم عليهم على حسب التفصيل المتقدم.

مثال: كما لو مات عن بنت بنت، وبنتي بنت ابن، أي: بنت بنت، وبنت بنت ابن، بنت بنت، الآن أدلى جماعة بجماعة، بنت البنت تدلي ببنت، وبنتا بنت ابن، البنتان هنا أمهما واحدة، طيب اجعل الآن الميت كأنه مات وترك بنتاً وبنت ابن، البنت لها النصف، وبنت الابن السدس، تكملة للثلثين، المسألة من ستة، للبنت ثلاثة ولبنت الابن واحد ترد إلى أربعة، ثم هذا الذي صار للبنت تعطيه لبنت البنت، والذي صار لبنت الابن تعطيه لبنتي بنت الابن، لكن الواحد لا ينقسم عليهما، نصحح المسألة، بين الواحد والاثنين مباينة، اثنين في أربعة بثمانية، اثنان في ثلاثة ستة لبنت البنت، واثنان في واحد باثنين، لكل واحدة واحد.

أدلى جماعة بجماعة، نقسم المال بين من أدلوا به، كما لو مات الميت وتركهم على حسب قواعد الإرث معنا، ثم ما أخذه أولئك الورثة قسم على من أدلوا به وهم ذوو الأرحام، فإن كان واحداً أخذه، وإن كان جماعة قسمناه بينهم.

مثال آخر: لو مات وترك خالة وابن بنت، الخالة بمنزلة الأم، وابن البنت بمنزلة البنت، الأم لها السدس لوجود الفرع الوارث، والبنت لها النصف، المسألة من ستة، ترد إلى أربعة، ابن البنت له ثلاثة، والخالة لها واحد.

الحالة الأولى: أن يكون الوارث من ذوي الأرحام فرداً واحداً، فله جميع المال، كما إذا لم يوجد إلا خالة أو عمة، أو ابن بنت وما شاكل هذا.

الحالة الثانية: أن يكون ذوي الأرحام جماعة لكن يدلون بشخص واحد، فلهم حالتان أيضاً:

الحالة الأولى: أن تستوي منزلتهم ممن أدلوا به، فالمال بينهم بالتساوي بلا تفضيل الذكر على الأنثى، والسبب في ذلك أن إرثهم بسبب الرحم المجردة، فينبغي أن يستووا في الإرث كما يستوي الإخوة لأم في الإرث؛ وهذا إخوتي الكرام هو المعتمد عند الحنابلة كما تقدم معنا، وضربت لذلك أمثلة.

خمسة أبناء بنت، المال واضح، المسألة واضحة، أن يستووا المال مع، المسألة من عدد رؤوسهم من خمسة، لكل واحد واحد، يعني: كما لو كانت البنت واحدة تأخذ كل المال فرضاً ورداً، وهذا المال من عدد رؤوسهم.

ست بنات بنت، المسألة من ستة. أربع بنات بنت مع ابني بنت، وهذان الابنان هما من تلك البنت التي لها أربع بنات.

المسألة كما تقدم معنا من عدد رؤوسهم، يستوي الذكر مع الأنثى، فالمسألة من ستة، يعني: كأن البنت ماتت وتركتهم، لكن هؤلاء الآن يرثون بالرحم المجردة كالإخوة لأم، فلا يفضل الذكر على الأنثى، فالمسألة من ستة، لكل واحد واحد، هذا القول المعتمد كما قلت، وعندنا بعد ذلك قولان آخران في المسألة.

القول الثاني: وهو للإمام أحمد ، وهو المعتمد عند المالكية والشافعية في توريث ذوي الأرحام على القول بتوريثهم إذا لم ينتظم بيت المال عندهم، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأننا نجعل كأن البنت ماتت وتركتهم.

أما لو اختلفت الأمهات، فهذا يختلف، يعني: لو كانت هذه أماً لأربع بنات، وهذه أماً أخرى للابنين فيختلف؛ لأننا سنجعل بعد ذلك أنه ترك بنتين لكل واحدة نصف المال، ثم يصير إلى ورثتها الذين يدلون بها وهم ذوو الأرحام.

لكن الآن هنا نقول: الأم واحدة لها أربع بنات ولها ابنان على القول الثاني في التوريث وقلت: هذا قول ثان للإمام أحمد وهو المعتمد عند الشافعية والمالكية على القول بتوريث ذوي الأرحام عندهم، فهنا إذا كان من أدلوا به واحداً للذكر مثل حظ الأنثيين، فسيكون من ثمانية لأنه عدد رؤوسهم، لكل أنثى سهم، ولكل ذكر سهمان.

قول ثالث ذكره الخرقي وقال الإمام ابن قدامة : لا أعلم له موافقاً، ولا علمت وجه قوله، وهو أننا نسوي بين ذوي الأرحام ذكوراً وأناثاً إلا في حال الخال والخالة فقط.

فلو مات وترك خالاً شقيقاً، وخالة شقيقة فقط، فهما يدليان بواحد، وهي الأم، فإذاً على القول المعتمد عند الحنابلة، الخال والخالة نسوي بينهما فالمسألة من اثنين، وعلى القول الثاني في التفريق بين الذكور والإناث إذا كان مجرد شخص واحد ومنزلتهم منه واحدة، نجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا الذي قاله الخرقي ، قال: نسوي بين جميع ذوي الأرحام، ولا نفضل الذكور على الإناث إلا في حال الخال والخالة، هذا الذي يقول عنه الإمام ابن قدامة : لا أعلم له موافقاً، ولا علمت وجه قوله؛ لأن الشافعية والمالكية فرقوا ليس بين الخال والخالة، بل بين جميع ذوي الأرحام فللذكر مثل حظ الأنثيين، أما الخرقي ففي الخال والخالة فقط، فالمسألة عند الخرقي هنا من ثلاثة، الخال له اثنان، والخالة واحدة.

والقول الثاني الذي هو عند الحنابلة كما قلت، والمالكية والشافعية عندهم المسألة من ثلاثة، لكن ليس بخصوص هذه المسألة، واضح هذا.

إذاً: هذا كما قلت إذا أدلى جماعة بواحد، واستوت منزلتهم منه، فالمعتمد عند الحنابلة أن المال بينهم بالتساوي لا يفضل الذكر على الأنثى؛ لأن قرابتهم بسبب الرحم المجردة، فصار حالهم كحال الإخوة لأم تماماً، وهناك قول ثان كذلك إلا في الخال والخالة، قاله الخرقي ، وهناك قول ثالث نفضل الذكر على الأنثى، وهو قول للإمام أحمد وهو المعتمد عند الشافعية والمالكية، كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام النووي في فقه الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله في روضة الطالبين (6/47)، وهكذا في حاشية الدسوقي (4/416)، وهذا الخلاف إخوتي الكرام! هل نسوي بينهم أو نفضل الذكر على الأنثى، أو نسوي بينهم ونفضل الذكر على الأنثى في حال الخال والخالة فقط، هذا كله في غير الإخوة لأم، أي: في غير أولاد الإخوة لأم، فقد اتفقوا على التسوية بينهم، فلو مات وترك بنت أخ لأم، وابن أخ لأم، فقد اتفقوا هنا على التسوية بينهم؛ لأن من يدلون به سوى بينهم، بخلاف الأخ الشقيق والأخت الشقيقة، والابن والبنت، هناك في الأصل لو لم يكونوا من ذوي الأرحام لما سوي بينهم، أما هنا من أدلوا به سوى بينهم فلا يفضل ذكرهم على إنثاهم، فهكذا ذوو الأرحام يسوى بينهم إذا كانوا يدلون بأخ لأم، أو بأخت لأم، قال الإمام ابن قدامة : إلا على قول وقياس من أمات السبب، فينبغي أن لا نسوي بينهم، يعني: السبب أن هؤلاء في الأصل -كما قلت- يدلون بأخ لأم، والإخوة لأم في الأصل لا يفضل ذكرهم على أنثاهم، فإذا أمتنا هذا السبب وقلنا: كون الأصل لا يفضل الذكر على الأنثى، ونظرنا الآن إلى أنه ذكر وأنثى على حسب قواعد الفرائض العامة، كما هو في ذوي الأرحام على القول بالتفضيل، فينبغي أن نفضل ابن الأخ لأم على بنت الأخ لأم، لكن هذا ما قال به أحد هذا ما قال به أحد.

إذاً: هذه الحالة الأولى مما لو أدلى جماعة بشخص واحد، بحالة ما إذا استوت منزلتهم منه، فقلت: إرثهم بالتساوي لا يفضل الذكر على الأنثى، هذا المعتمد، وهناك قولان آخران: قول بالتفضيل قال به الشافعية والمالكية، وقول بالتفضيل في خصوص الخال والخالة، والعلم عند الله جل وعلا، يقول في المغني: ويورث الذكور والإناث من ذوي الأرحام بالسوية، إذا كان أبوهم واحداً وأمهم واحدة، أي: بشخص واحد كما قلت، أما الخال والخالة فيقال: للخال الثلثان وللخالة الثلث، هذه فقط.

يقول ابن قدامة عليه رحمة الله: اختلف في الرواية عن أحمد في توريث الذكور والإناث من ذوي الأرحام، إذا كانوا من أب واحد وأم واحدة، فنقل الأثرم وحنبل وإبراهيم بن الحارث في الخال والخالة يعطون بالسوية، وهكذا في غيرهم.

فظاهر هذا التسوية في جميع ذوي الأرحام، وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي عبيد وإسحاق عن ابن حماد لأنهم يرثون بالرحم المجرد، فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم، ونقل يعقوب بن بختان إذا ترك ولد خاله وخالته، قال: اجعلوه بمنزلة الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك ولد العم والعمة، ونقل عنه المروزي فيمن ترك خاله وخالته للخال الثلثان وللخالة الثلث، فظاهر هذا التفضيل وهو قول أهل العراق وعامة المنزلين.

كما قلت هو الذي قال به الشافعية والمالكية؛ لأن ميراثهم معتبر بغيرهم فلا يجوز حملهم على ذوي الفروض لأنهم يأخذون المال كله، ولا على العصبة البعيد أن الذكر منفرد بالميراث دون الإناث، فوجد اعتبارهم بالقرب من العصبات من الإخوة والأخوات، ويجاب عن هذا بأنهم معتبرون بولد الأم، عندما يأخذون كل المال بالفرض فقط.

واتفق الجميع على التسوية بين ولد الأم لأن آباءهم يستوي ذكرهم وأنثاهم، إلا في قياس قول من أمات السبب، فإن للذكر مثل حظ الأنثيين، والذي نقل الخرقي التسوية بين الجميع إلا في الخال والخالة لم أعلم له موافقاً على هذا القول، ولا علمت وجهه.

وأما قوله إذا كان أبوهم واحداً وأمهم واحدة، فلأن الخلاف إنما هو في ذكر وأنثى أبوهما وأمهما واحد، أما إذا اختلف آباؤهم وأمهاتهم كالأخوال والخالات المتفرقين، والعمات المفترقات، وإذا أدلى كل واحد منهم بغير من أدلى به الآخر كابن بنت وبنت بنت أخرى، فلذلك موضع آخر سيأتينا.

الحالة الثانية: يدلي جماعة بشخص لكن تختلف منزلتهم ممن أدلوا به، فاجعل المدلى به كالميت، واقسم المال بينهم كأنه تركهم.

كما لو مات عن ثلاث خالات متفرقات، أو ثلاثة أخوال متفرقين.

خالة شقيقة، خالة لأب، خالة لأم، يدلون الآن لأم لكن منزلتهم مختلفة؛ الخالة الشقيقة أخت شقيقة، وهذه أخت لأب، والخالة لأم أخت لأم، الأم ماتت وتركت أختاً شقيقة لها النصف، وتركت أختاً لأب، سيكون لها السدس تكملة للثلثين، والأخت لأم لها السدس أيضاً، المسألة من ستة، ترد إلى خمسة.

الحالة الثالثة: أن تدلي جماعة بجماعة، فاقسم المال بين من أدلوا به، فما صار له أعطي للمدلي، كما سبق، فإن كان واحداً أخذه، وإن كانوا جماعة قسم عليهم على حسب التفصيل المتقدم.

مثال: كما لو مات عن بنت بنت، وبنتي بنت ابن، أي: بنت بنت، وبنت بنت ابن، بنت بنت، الآن أدلى جماعة بجماعة، بنت البنت تدلي ببنت، وبنتا بنت ابن، البنتان هنا أمهما واحدة، طيب اجعل الآن الميت كأنه مات وترك بنتاً وبنت ابن، البنت لها النصف، وبنت الابن السدس، تكملة للثلثين، المسألة من ستة، للبنت ثلاثة ولبنت الابن واحد ترد إلى أربعة، ثم هذا الذي صار للبنت تعطيه لبنت البنت، والذي صار لبنت الابن تعطيه لبنتي بنت الابن، لكن الواحد لا ينقسم عليهما، نصحح المسألة، بين الواحد والاثنين مباينة، اثنين في أربعة بثمانية، اثنان في ثلاثة ستة لبنت البنت، واثنان في واحد باثنين، لكل واحدة واحد.

أدلى جماعة بجماعة، نقسم المال بين من أدلوا به، كما لو مات الميت وتركهم على حسب قواعد الإرث معنا، ثم ما أخذه أولئك الورثة قسم على من أدلوا به وهم ذوو الأرحام، فإن كان واحداً أخذه، وإن كان جماعة قسمناه بينهم.

مثال آخر: لو مات وترك خالة وابن بنت، الخالة بمنزلة الأم، وابن البنت بمنزلة البنت، الأم لها السدس لوجود الفرع الوارث، والبنت لها النصف، المسألة من ستة، ترد إلى أربعة، ابن البنت له ثلاثة، والخالة لها واحد.