خطب ومحاضرات
هكذا صلى الأنبياء
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
(هكذا صلى الأنبياء) هذا هو عنوان هذا الدرس، ورقمه واحد وسبعون، وهو ينعقد هذه الليلة بـالرياض في ليلة الإثنين العاشر من شهر ربيع الأول من سنة ألف وأربعمائة وثلاث عشرة للهجرة.
لقد سبق أن تحدثت تحت عنوان: هكذا عَلَّمَ الأنبياء، وكان حديثاً عن دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إلى ماذا دعو، وبماذا أمروا، وكيف ووجهوا، وماذا كانت عاقبة دعوتهم وعاقبة من ناوأهم وحاربهم، أما اليوم فنحن ننتقل إلى أعظم عمل بعد التوحيد كلف به الأنبياء، وهو الصلاة، فإنها من خير أعمالكم، وهي خير موضوع كما قال: النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلهذا لا غرابة أن يخصص لها حديث، ويدندن حولها المتكلمون، لأنها معراج للقلب والروح إلى بارئها جل وعلا.
أولاً تمهيد: إن من عظيم نعمته تعالى وهو الأحد الصمد، أن يجود في عليائه على ذلك العبد الفقير، فيبسط يده إليه، ويأذن له بذكره وشكره وعبادته وسؤاله، كما قال الله تعالى: أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ[النور:36] فإن مجرد إذنه لنا بأن نذكره وندعوه هو نعمة عظمى، فكيف وقد أمرنا بذلك وأوجبه علينا وجعل لنا عليه الأجر العظيم؟! إنه سبحانه يفتح أبوابه لعباده دون أن يجعل بينهم وبينه وسيطاً: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] وهما دعاءان:
الأول: دعاء عبادة، كالصلاة والقرآن والذكر والتسبيح، فهذا دعاء عبادة له تعالى.
أما الدعاء الثاني فهو: دعاء مسألة، أي أن تسأل الله تعالى وترجوه فيما تريد وتحب من خير الدنيا والآخرة.
وذكره تعالى هو في حقيقته دعاء، لأنك إن أثنيت عليه تعالى بأسمائه وصفاته، فأنت تتعرض له بالسؤال، فإذا قلت اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فكأنك تقول: اللهم لا مانع لما أعطيت فأعطني، ولا معطي لما منعت، فلا تمنع عني فضلك، ولا تحرمني بذنوبي، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فأغنني بفضلك يا رب عمن سواك.
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباءُ |
إذا أثنى عليك العبد يوماً كفاه من تعرضه الثناءُ |
إنه ينـزل في ثلث الليل الآخر، فيقول لعباده: هل من سائل؟ هل من داع؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟
لا تسألن بني آدم حاجةً وسل الذي أبوابه لا تحجبُ |
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضبُ |
:{يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة} اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وصلنا ولا تقطعنا، وجد علينا بكريم نوالك وتتابع إفضالك، اللهم خذ بأيدينا إلى ما تحب وترضى، اللهم زَكِّ أقوالنا وأعمالنا، وعقولنا وقلوبنا، واهدنا ويسر الهدى لنا، اللهم لو عذبتنا لفعلت وأنت غير ظالم لنا، ولو رحمتنا كانت رحمتك خيراً من أعمالنا، فيا من لا يعاجل بالعقوبة، ألهمنا حسن التوبة إليك، وجميل التوكل عليك، وعظيم الزلفى لديك، نحن بك وإليك، تباركت وتعاليت.
اللهم إنا نناجيك بقلوب أرهقتها الذنوب، وندعوك وقد علمت ما فرط منا مما وسعه حلمك، وستره عفوك، وغمره برك، فيا أهل المغفرة اغفر لنا، ويا أهل التقوى استعملنا في طاعتك، ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، سبحانك وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
هذه الصلاة شأنها عظيم، ولماذا أتكلم أنا أو يتكلم غيري وقد تكلم الرب جل وعلا؟! ولماذا يتحدث الإنسان وقد تحدث سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم فيبن ما في هذه الصلاة من الأسرار والمعاني الكبار؟!
فالصلاة عهد، قال الله تعالى: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً * لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً [مريم:86-87]. وقال صلى الله عليه وسلم كما في السنن: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} فمن حُرِم الصلاة فقد حُرِم الشفاعة يوم الحساب.
والصلاة عبادة تصل العبد بربه تعالى، فتجعل هذا العبد الضعيف الفقير الفاني المخلوق من تراب الأرض تجعله عظيماً، لأنه موصول بالله تبارك وتعالى، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77].
وهي إيمان، وكل الأعمال بلا إيمان لا قيمة لها ولا ثمرة، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143].. يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس، قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة في البيت الحرام.
ولهذا أيضاً بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك الصلاة كفر، فقال كما في صحيح مسلم: {بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة} وتركها أيضاً نفاق، كما في قوله: عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: {أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً}.
والصلاة توبة قال الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] وقال في الآية الأخرى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5].
والصلاة ذكر لله تعالى، قال الله عز وجل: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] أي: لتذكرني بها.
والصلاة طمأنينة للقلب، وسكينة للنفس، وهناء للروح، قال الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103].
والصلاة شكر: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء:3] وكان عبداً شكوراً بكثرة الصلاة، ولهذا لما قالت عائشة كما في الصحيحين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أطال الصلاة حتى تفطرت قدماه: {تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: يا
والصلاة عون للعبد على ما يعانيه ويواجهه من المشكلات في الدنيا والآخرة، ولهذا قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] فالذين يواجهون مشاكل الدنيا وصعوباتها ويتصدون لجلائل الأعمال، خاصة من أهل العلم وأهل الدعوة وأهل الجهاد، الذين يلقون التعب في هذه الدار، ويواجهون من المشاكل الصغيرة والكبيرة، ويحط الناس بهم كل قضاياهم وكل مشكلاتهم، لا بد أن يستعينوا على ذلك بالصلاة، وإلا عجزوا وانقطعوا، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يصلي الفجر، ثم يجلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى يتعالى النهار ويرتفع، ثم يصلي ركعتين، ثم يقول: هذه غدوتي، لو لم أتغدها لم تحملني قدماي.
والصلاة مناجاة لله تعالى وبين يديه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: {إذا قام العبد في الصلاة فإنه يناجي ربه} ثم نهى صلى الله عليه وسلم أن يبصق العبد بين يديه أو عن يمينه، ولكن من تحت قدميه أو عن شماله. والذي يناجي ربه تعالى أنى له أن يقبل على غيره، أو ينصرف عنه، أو يجعل بصره يلتفت يمنة ويسرة، والله تعالى قبالة وجهه.
والصلاة زلفى إلى الرب تبارك وتعالى، فإن العبد بعيد عن الله إن غفل عن ذكره، فكلما ذكر الله وصلى اقترب من الله تعالى، وقال الله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى [العلق:9-10] ثم قال في آخر السورة: كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] اقترب إلى الله تعالى بالسجود له. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء، فَقَمِن أن يستجاب لكم}.
والصلاة كفارة، قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] فالعبد يحترق بالذنوب والمعاصي: هذه نظرة حرام، وهذه كلمة ما حسب لها حساباً، وهذه خطوة إلى معصية، وهذه يد تمتد إلى ما لا يرضي الله، فإذا جاءت الصلاة كَفَّر العبد بها عن ذنوبه وخطاياه، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: {أن العبد يغفر له ما بين الصلاتين ما لم يأت كبيرة وذلك الدهر كله} ولما جاءه الرجل يشتكي ذنباً قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {أشهدت معنا الصلاة؟ قال: نعم، قال: اذهب فقد غفر لك} {وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: الصلاة بنهر غمر جارٍ بباب أحدكم يغتسل منه العبد كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا والذنوب}.
والصلاة عصمة من الشيطان، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب}.
وهي نور، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم: {والصلاة نور}.
وهي شغل أي شغل، ولهذا في حديث ابن مسعود: {إن في الصلاة لشغلاً} أي: عن أمور الدنيا، بل حتى عن أمور من غير الصلاة مما لا يتعلق بها، فإذا أقبل العبد على صلاته ينبغي أن يفرغ قلبه من جميع الشئون والهموم، ويقبل عليها بقلب حاضر ولسان ذاكر.
وهي أيضاً حقن لدم الإنسان، ولهذا لما وقف الرجل أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم، فقال: {اعدل يا محمد، وفي رواية أنه قال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فاستأذن رجل من الصحابة في قتله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لعله أن يكون يصلي} فاعتبر أن صلاته تعصم دمه من أن يقتل، ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حكام الجور وحكام السوء، قال بعض الصحابة: {يا رسول الله، أفلا ننابذهم ونقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا}.
وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] بل هي أفضل الأعمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سئل كما في الصحيح: {أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها}.
وهي شعار الإخاء والحب والمودة بين المصلين المترددين على المساجد، ولهذا جاء في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن المملوك: {مملوكك كافيك، فإذا صلى فهو أخوك، فإذا صلى فهو أخوك} أي أن العبد الذي تستخدمه إذا أدى الصلاة فهو أخوك، فعليك أن تحسن معاملته وتبتعد عن إيذائه بالقول أو بالفعل.
بل هي وصية الله تعالى لأفضل خلقه، للرسل عليهم الصلاة والسلام: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً [مريم:30-ُ31].
وبالتالي فإن الرسل نقلوا هذه الوصية لمن وراءهم من أهليهم وأقوامهم وأتباعهم، قال الله تعالى: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ [مريم:55] وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] وفي الصحيحين: {أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فزار البقيع، فسلم على أهل البقيع، ثم صلى، وقال: إني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: من يوقظ صواحب الحجرات؟ -يعني أزواجه رضي الله عنهن- من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة} وكان يقول في مرض موته الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم: {الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم}.
كل هذا شأن الصلاة، فهل ترى هذه المعاني العظيمة، وهذه الدلالات الربانية، وهذه الأوصاف النبوية؛ هل هي تصدق على كل صلاة أم تصدق على تلك الصلاة التي أمر الله بها ورسوله؟
لا شك أنه كم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، حتى المنافقون كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وربما تأخروا عن بعض الصلوات كصلاة العشاء وصلاة الفجر، ولكنهم ربما شهدوها، وبالتأكيد هم يشهدون غيرها، وكثير من ضعفاء الإيمان يصلون، ولكن لا تتحقق تلك المعاني العظام في صلاتهم، لأن صلاتهم صورة مجردة عن الحقيقة، ولهذا لا بد أن نعلم كيف صلى الأنبياء.
كل الأنبياء بعثوا بالصلاة، ولهذا لو تأملت هديهم لوجدت الصلاة مذكورة في سيرة كل نبي، قال الله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم:58] ثم قال: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59].
إذاً: فالأنبياء بعثوا بالصلاة، وإذا قرءوا القرآن خروا ساجدين وخاشعين باكين لله تعالى، أما الذين من بعدهم ممن غيروا وبدلوا وخالفوا هديهم، فقد اتبعوا الشهوات وأضاعوا الصلاة، وقال الله تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنـزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [الأنعام:92].
وكأن صلاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت متقاربة في شكلها وهيئتها ومظهرها ومخبرها وسرها وجوهرها، ففي حديث ابن عباس وابن عمر -وهما حديثان صحيحان- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنا -معاشر الأنبياء- أمرنا أن نعجل إفطارنا، ونؤخر سحورنا، ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة} فهؤلاء الأنبياء كلهم أمروا أن يقفوا في الصلاة خاشعين لله تعالى، مخبتين بين يديه، منكسرين إليه، واضعاً أحدهم يده اليمنى على يده اليسرى على جزء من بدنه في صلاته، على صدره أو غيره، هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء جميعاً.
ووضع اليد على اليد في الصلاة هو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت فيه أحاديث كثيرة أوصلها بعض العلماء إلى درجة المتواتر الذي ثبت ثبوتاً قطعياً، وهو أنه عليه الصلاة والسلام كان: {يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة} وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد: {كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة} وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {مررت على موسى وهو يصلي في قبره} وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {أفضل الصلاة صلاة داود} وذكر عليه الصلاة والسلام أنه لما أسري به إلى بيت المقدس، جمع له الأنبياء هناك، فصلى بهم إماماً وهم يصلون بصلاته، ولا شك -والله تعالى أعلم- أن هؤلاء المأمومين من أنبياء الله ورسله كانوا يقتدون بإمام الأئمة محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا كبر كبروا، وإذا قرأ أنصتوا، وإذا قام قاموا، وإذا ركع ركعوا، وإذا سجد سجدوا، وإذا قعد قعدوا، وإذا سلم سلموا من ورائه صلى الله عليه وعليهم جميعاً وسلم.
فهذا ما يقتضيه الشرع في اقتداء المأموم بالإمام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه } فكيف تظنون هؤلاء الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام صلوا خلف إمامهم نبينا محمد، إلا أن يكونوا يصلون بصلاته حذو القذة بالقذة، ويتبعونه في كل أفعاله عليه الصلاة والسلام.
وفي آخر الزمان ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن عيسى ينـزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيصلي الفجر مع المسلمين يقتدي بإمامهم، ويقول: {أنتم أئمة بعضكم لبعض تكرمة الله تعالى لهذه الأمة} ولا شك أن عيسى حين يصلي سوف يقتدي بسنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، إذ أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم باقية إلى يوم الساعة، وهي حق واجب على كل الناس الذين يأتون من بعده.
فبذلك تعلم أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا بالصلاة، وأُمروا بها، وأمروا بها غيرهم، وأن صفة الصلاة عند الأنبياء جميعاً -والله تبارك وتعالى أعلم- متقاربة.
بل حتى الملائكة يصلون، ولهم صلوات كصلاة المسلمين: قيام وركوع وسجود، ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {نـزل جبريل فأمني فصليت معه} وفي الحديث الذي رواه أهل السنن: {أن جبريل أتى في اليوم الأول، فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ثم الفجر، في أول الوقت، وفي اليوم التالي نـزل عليه السلام فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ثم الفجر، في آخر الوقت، وقال له: الصلاة بين هذين الوقتين} وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: {ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟! قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصف الأول فالأول، ويتراصون في الصف}.
وفي الحديث الذي رواه أصحاب السنن وغيرهم -وهو حديث صحيح- عن أبي ذر وغيره أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها من موضع شبر إلا وفيها ملك واضع جبهته ساجد لله تعالى يسبح الله تعالى بحمده، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى} قال الله تعالى: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ [فصلت:38] وهم الملائكة، إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف:206].
الكيفية الباطنة لصلاة الأنبياء
الكيفية الأولى: الكيفية الباطنة، وهي كمال الذل والخشوع لله تعالى، وصدق التعبد والإقبال عليه، والانقطاع إليه عمن سواه، ولهذا قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] وقال: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:107-109].. وقد قام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة تامة حتى أصبح يقرأ آية واحدة من كتاب الله تعالى يرددها ويبكي، كما في حديث أبي ذر عند النسائي وغيره وهو قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] فالخشوع سر الصلاة ولبها وجوهرها وثمرتها، ولا شك أن من الخشوع قدراً واجباً، يأثم المرء بتركه والتفريط فيه، كما في حديث أبي قتادة الذي رواه أحمد والدارمي والحاكم وصححه -وسنده جيد- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قالوا: يا رسول الله! وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها}.
ولا شك أن السرقة حرام، بل هي من كبائر الذنوب، فكون النبي صلى الله عليه وسلم وصف ذلك الذي لا يتم خشوع الصلاة ولا ركوعها ولا سجودها بأنه قد سرق، بل عد سرقته أسوأ سرقة، وعده هو أسوأ الناس سرقة، أن هذا دليل على أن من إتمام الركوع والخشوع والصلاة قدراً واجباً لا تتم الصلاة إلا به، ويأثم الإنسان بتركه والتفريط فيه، ولا شك أن الخشوع من أعمال القلب، وأعمال القلب هي الأصل لأعمال الجوارح، وفي الصحيحين من حديث النعمان: {إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب}.
فالأصل في أعمال الجوارح أعمال القلب، فإذا صلح القلب وأعماله صلحت أعمال الجوارح، وإذا فسد القلب فسدت أعمال الجوارح، والناس يتنافسون في أعمال الجوارح، فربما تنافسوا في التبكير إلى الصلاة، وفي الخشوع الظاهر في الصلاة، وفي تطبيق السنن الواردة في الصلاة، ربما تنافسوا في تطويل الصلاة، وهذا كله حسن وجيد ومشروع: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] وهو خير من التنافس في الدنيا أو الأموال أو الأولاد أو في الرياسات أو في غير ذلك، ولكن أعظم من هذا التنافس على الأمور الظاهرة أن يتنافس الناس على الأمور الباطنة -أعمال القلوب- ولكنهم لا يتنافسون فيها، لأنها ليست مما تراه العين أو تسمعه الأذن أو تمسه اليد؛ فهي سر لا يعلمه إلا العالم بالأسرار وبالخفيات، وهو الله تبارك وتعالى، فلا يتسابق الناس إليه كما يتسابقون إلى الأمور الظاهرة.
فالمقصود الأعظم للصلاة يحصل بخشوع القلب وانكساره وإقباله على عبادته، وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله} يا سبحان الله! أي خير نريد بعد هذا؟! كفارة لما قبلها من الذنوب، وهي لا تستغرق منك أكثر من عشر دقائق، والمقصود الذنوب الصغائر شريطة أن تحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {في الصلاة تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع، وتقنع يديك، وتقول: يا اللهم يا اللهم، فمن لم يفعل فهي خداج فهي خداج} وفي صحيح البخاري أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم ولا سجودكم}.
والخشوع علم، ولا غرابة أن يتسابق الطلاب إلى حضور المجالس التي فيها علم لبعض الأحكام، لكن كم رأينا ممن يتسابقون إلى المجالس التي فيها علم القلوب، كعلم الخشوع أو علم اليقين أو علم الإقبال على الله والمعرفة به ومحبته وغير ذلك، الخشوع علم لأنه علم بالله وأسمائه وصفاته ومعرفة لعظيم قدره، حتى لا يكون في صدرك شيء أكبر وأعظم من الله تعالى، ولهذا تستفتح الصلاة لتقول: الله أكبر، وغير الخاشع يعد من الجاهلين وقد قال شداد بن أوس وهو صحابي لـجبير بن نفير [[: أتدري ما ذهاب العلم؟ قال: لا، قال: ذهاب العلم ذهاب أوعيته وهم العلماء، قال له: هل تدري أي العلم يرفع أولاً؟ قال: لا أدري، قال: أول علم يرفع من الناس علم الخشوع، يوشك أن تدخل المسجد الجامع، فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً]] وهذا الأثر رواه أحمد في مسنده والدارمي وأهل السنن وهو حديث صحيح.
أسباب الخشوع
الأول: تفريغ القلب، فصاحب القلب المشغول بهموم الدنيا المملوء بمشاغلها المستغرق في قضاياها، أنى له أن يجد في وقته خانة فارغة يملؤها بشأن الصلاة، فالصلاة تحتاج إلى القلب، فإذا احتاج العبد قلبه في الصلاة وجده ملآناً مشغولاً بهموم الدنيا، فلا يفرغ للصلاة، فلا بد أن يكون في قلب الإنسان خانات فارغة دائماً وأبداً لأمر الآخرة ولأمر الدين، لا يسمح أن تملأ بشيء دنيوي قط.
الثاني: التبكير إلى المساجد، وإحسان الطهور، والتنفل قبل الصلوات، وقراءة ما تيسر من القرآن، فإن هذا يفرغ القلب ويجرده من الشواغل، ويهيئه للإقبال على الله تبارك وتعالى، ولهذا شرعت السنن الرواتب: أربع قبل الظهر أو ركعتان، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر، وبين كل أذانين صلاة: ركعتان قبل العصر بين الأذان والإقامة، وركعتان قبل المغرب بين الأذان والإقامة، وركعتان قبل العشاء بين الأذان والإقامة، حتى يتفرغ القلب ويتجرد للإقبال على الفريضة.
الثالث: الإقبال على الصلاة بقراءتها وذكرها ودعائها، فيتأمل العبد ماذا يقرأ في صلاته، وبماذا يدعو، أما أن يدعو وقلبه في واد آخر فهذا بعيد من الإجابة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة وابن عمر وهو حديث حسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ} فلا بد أن يقبل العبد على ربه ويدعوه، وإذا قرأ القرآن أن يعرف ماذا يقرأ، وإذا ذكر الله يعرف ماذا يقول، وإذا ذكر فقال: الله أكبر أو سمع الله لمن حمده، أو غير ذلك، عرف معنى ما يدعو به.
الرابع: ألا يصلي العبد وذهنه مشغول، فينتظر قضاء الصلاة حتى يذهب إلى حاجته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان} وذلك لأن النفس إذا استشرفت إلى شيء من أمر الدنيا طعاماً أو شراباً أو عملاً أو خبراً أو غير ذلك، فإن العبد يصلي وهو ينتظر قضاء الصلاة لينظر هذا العمل، وينبغي أن يخلص من عمل الدنيا، ويقبل على الصلاة بقلب حاضر متفرغ، ولهذا وصف الله تعالى الصالحين بالمحافظة على الصلوات، وهذا يشمل المحافظة على الوقت والطهور وأعمال الصلاة والخشوع وغير ذلك، وبضدهم ذكر المنافقين، فقال: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142] وذكر المشركين، فقال: وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35] وذكر المرائين فقال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:4-7].
إن الصلاة عبادة محضة، ليس لها مُرتَّبات وليس فيها فوائد دنيوية، ولا داعي أن نقول للناس: إن العبد إذا صلى كسب رياضة وصحة، واستقام حاله، وتخلص من بعض الأمراض.. إلى غير ذلك؛ فالعبد لا يأتي إلى المساجد ليكسب مالاً أو ليكسب صحة، ولا ليكسب ثروةً أو ليكسب جاهاً أو ليكسب مكانةً اجتماعية، إنما يمشي هذه الخطوات إلى الله تعالى ليضع جبهته في التراب لربه جل وعلا، ويقول: سبحانك وبحمدك، أنا عبدك وبين يديك، أعترف بذنبي، وأعترف لك بكل معاني الكمال والجمال فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
فليس في الصلاة كبير ولا صغير، ولا مأمور وأمير، ولا غني وفقير، بل الجميع فيها سواسية، أقدامهم سواء، وأكتافهم سواء، وجباههم كلهم في التراب معفرة لرب الأرباب.
إذاً: هذه هي الكيفية الأولى والعظمى وهي الكيفية الباطنة لصلاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن الواحد منهم إذا قام إلى صلاته أقبل على ربه أشد الإقبال، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [المزمل:1-5] عبء الدعوة ومسئولياتها وتكاليفها وهمومها وتبعاتها لا يقوم لها إلا من استعان بالله تعالى، وعبد الله تعالى وذكر الله وصلى، ولهذا قال: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [المزمل:5].
وصلاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها كيفيتان:
الكيفية الأولى: الكيفية الباطنة، وهي كمال الذل والخشوع لله تعالى، وصدق التعبد والإقبال عليه، والانقطاع إليه عمن سواه، ولهذا قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] وقال: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:107-109].. وقد قام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة تامة حتى أصبح يقرأ آية واحدة من كتاب الله تعالى يرددها ويبكي، كما في حديث أبي ذر عند النسائي وغيره وهو قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] فالخشوع سر الصلاة ولبها وجوهرها وثمرتها، ولا شك أن من الخشوع قدراً واجباً، يأثم المرء بتركه والتفريط فيه، كما في حديث أبي قتادة الذي رواه أحمد والدارمي والحاكم وصححه -وسنده جيد- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قالوا: يا رسول الله! وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها}.
ولا شك أن السرقة حرام، بل هي من كبائر الذنوب، فكون النبي صلى الله عليه وسلم وصف ذلك الذي لا يتم خشوع الصلاة ولا ركوعها ولا سجودها بأنه قد سرق، بل عد سرقته أسوأ سرقة، وعده هو أسوأ الناس سرقة، أن هذا دليل على أن من إتمام الركوع والخشوع والصلاة قدراً واجباً لا تتم الصلاة إلا به، ويأثم الإنسان بتركه والتفريط فيه، ولا شك أن الخشوع من أعمال القلب، وأعمال القلب هي الأصل لأعمال الجوارح، وفي الصحيحين من حديث النعمان: {إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب}.
فالأصل في أعمال الجوارح أعمال القلب، فإذا صلح القلب وأعماله صلحت أعمال الجوارح، وإذا فسد القلب فسدت أعمال الجوارح، والناس يتنافسون في أعمال الجوارح، فربما تنافسوا في التبكير إلى الصلاة، وفي الخشوع الظاهر في الصلاة، وفي تطبيق السنن الواردة في الصلاة، ربما تنافسوا في تطويل الصلاة، وهذا كله حسن وجيد ومشروع: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] وهو خير من التنافس في الدنيا أو الأموال أو الأولاد أو في الرياسات أو في غير ذلك، ولكن أعظم من هذا التنافس على الأمور الظاهرة أن يتنافس الناس على الأمور الباطنة -أعمال القلوب- ولكنهم لا يتنافسون فيها، لأنها ليست مما تراه العين أو تسمعه الأذن أو تمسه اليد؛ فهي سر لا يعلمه إلا العالم بالأسرار وبالخفيات، وهو الله تبارك وتعالى، فلا يتسابق الناس إليه كما يتسابقون إلى الأمور الظاهرة.
فالمقصود الأعظم للصلاة يحصل بخشوع القلب وانكساره وإقباله على عبادته، وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله} يا سبحان الله! أي خير نريد بعد هذا؟! كفارة لما قبلها من الذنوب، وهي لا تستغرق منك أكثر من عشر دقائق، والمقصود الذنوب الصغائر شريطة أن تحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {في الصلاة تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع، وتقنع يديك، وتقول: يا اللهم يا اللهم، فمن لم يفعل فهي خداج فهي خداج} وفي صحيح البخاري أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم ولا سجودكم}.
والخشوع علم، ولا غرابة أن يتسابق الطلاب إلى حضور المجالس التي فيها علم لبعض الأحكام، لكن كم رأينا ممن يتسابقون إلى المجالس التي فيها علم القلوب، كعلم الخشوع أو علم اليقين أو علم الإقبال على الله والمعرفة به ومحبته وغير ذلك، الخشوع علم لأنه علم بالله وأسمائه وصفاته ومعرفة لعظيم قدره، حتى لا يكون في صدرك شيء أكبر وأعظم من الله تعالى، ولهذا تستفتح الصلاة لتقول: الله أكبر، وغير الخاشع يعد من الجاهلين وقد قال شداد بن أوس وهو صحابي لـجبير بن نفير [[: أتدري ما ذهاب العلم؟ قال: لا، قال: ذهاب العلم ذهاب أوعيته وهم العلماء، قال له: هل تدري أي العلم يرفع أولاً؟ قال: لا أدري، قال: أول علم يرفع من الناس علم الخشوع، يوشك أن تدخل المسجد الجامع، فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً]] وهذا الأثر رواه أحمد في مسنده والدارمي وأهل السنن وهو حديث صحيح.
وللخشوع أسباب لا بد من تحصيلها:
الأول: تفريغ القلب، فصاحب القلب المشغول بهموم الدنيا المملوء بمشاغلها المستغرق في قضاياها، أنى له أن يجد في وقته خانة فارغة يملؤها بشأن الصلاة، فالصلاة تحتاج إلى القلب، فإذا احتاج العبد قلبه في الصلاة وجده ملآناً مشغولاً بهموم الدنيا، فلا يفرغ للصلاة، فلا بد أن يكون في قلب الإنسان خانات فارغة دائماً وأبداً لأمر الآخرة ولأمر الدين، لا يسمح أن تملأ بشيء دنيوي قط.
الثاني: التبكير إلى المساجد، وإحسان الطهور، والتنفل قبل الصلوات، وقراءة ما تيسر من القرآن، فإن هذا يفرغ القلب ويجرده من الشواغل، ويهيئه للإقبال على الله تبارك وتعالى، ولهذا شرعت السنن الرواتب: أربع قبل الظهر أو ركعتان، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر، وبين كل أذانين صلاة: ركعتان قبل العصر بين الأذان والإقامة، وركعتان قبل المغرب بين الأذان والإقامة، وركعتان قبل العشاء بين الأذان والإقامة، حتى يتفرغ القلب ويتجرد للإقبال على الفريضة.
الثالث: الإقبال على الصلاة بقراءتها وذكرها ودعائها، فيتأمل العبد ماذا يقرأ في صلاته، وبماذا يدعو، أما أن يدعو وقلبه في واد آخر فهذا بعيد من الإجابة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة وابن عمر وهو حديث حسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ} فلا بد أن يقبل العبد على ربه ويدعوه، وإذا قرأ القرآن أن يعرف ماذا يقرأ، وإذا ذكر الله يعرف ماذا يقول، وإذا ذكر فقال: الله أكبر أو سمع الله لمن حمده، أو غير ذلك، عرف معنى ما يدعو به.
الرابع: ألا يصلي العبد وذهنه مشغول، فينتظر قضاء الصلاة حتى يذهب إلى حاجته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان} وذلك لأن النفس إذا استشرفت إلى شيء من أمر الدنيا طعاماً أو شراباً أو عملاً أو خبراً أو غير ذلك، فإن العبد يصلي وهو ينتظر قضاء الصلاة لينظر هذا العمل، وينبغي أن يخلص من عمل الدنيا، ويقبل على الصلاة بقلب حاضر متفرغ، ولهذا وصف الله تعالى الصالحين بالمحافظة على الصلوات، وهذا يشمل المحافظة على الوقت والطهور وأعمال الصلاة والخشوع وغير ذلك، وبضدهم ذكر المنافقين، فقال: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142] وذكر المشركين، فقال: وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35] وذكر المرائين فقال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:4-7].
إن الصلاة عبادة محضة، ليس لها مُرتَّبات وليس فيها فوائد دنيوية، ولا داعي أن نقول للناس: إن العبد إذا صلى كسب رياضة وصحة، واستقام حاله، وتخلص من بعض الأمراض.. إلى غير ذلك؛ فالعبد لا يأتي إلى المساجد ليكسب مالاً أو ليكسب صحة، ولا ليكسب ثروةً أو ليكسب جاهاً أو ليكسب مكانةً اجتماعية، إنما يمشي هذه الخطوات إلى الله تعالى ليضع جبهته في التراب لربه جل وعلا، ويقول: سبحانك وبحمدك، أنا عبدك وبين يديك، أعترف بذنبي، وأعترف لك بكل معاني الكمال والجمال فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
فليس في الصلاة كبير ولا صغير، ولا مأمور وأمير، ولا غني وفقير، بل الجميع فيها سواسية، أقدامهم سواء، وأكتافهم سواء، وجباههم كلهم في التراب معفرة لرب الأرباب.
إذاً: هذه هي الكيفية الأولى والعظمى وهي الكيفية الباطنة لصلاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن الواحد منهم إذا قام إلى صلاته أقبل على ربه أشد الإقبال، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [المزمل:1-5] عبء الدعوة ومسئولياتها وتكاليفها وهمومها وتبعاتها لا يقوم لها إلا من استعان بالله تعالى، وعبد الله تعالى وذكر الله وصلى، ولهذا قال: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [المزمل:5].
أما الكيفية الثانية: فهي الكيفية الظاهرة، والمقصود بها أعمال الصلاة وأقوالها، وهذه أمرها كبير وطويل، ولكنني أختصر شيئاً منها في هذه الدقائق، وسوف أتجاوز كثيراً من الأشياء المعروفة المتداولة التي لا إشكال فيها حفظاً للوقت:
تكبيرة الإحرام
وهذه التكبيرة ركن من أركان الصلاة، وينبغي أن يرفع يديه مع التكبير، يرفعهما إلى منكبيه -كما جاء في بعض الأحاديث- أو إلى أطراف أذنيه، كما جاء في أحاديث أخرى، ورفعهما إلى المنكبين هو مذهب الجمهور، وأكثر الأحاديث عليه، ولو رفعهما إلى أطراف الأذنين فلا حرج، فقد جاء في أحاديث أخرى، وتوسط بعض أهل العلم فقال: يكون أسفل اليد إلى المنكب، وأطراف الأصابع إلى فروع الأذنين.
وهذا الرفع مسنون عند تكبيرة الإحرام، كما هو مسنون أيضاً عند تكبيرة الركوع، وعند الرفع من الركوع، وهو أن يقول: سمع الله لمن حمده ويرفع يديه، كما هو مسنون في موضع رابع عندما يقوم من التشهد الأول، فهذه أربعة مواضع، ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر وغيره أنه يشرع للإنسان أن يرفع يديه فيها مع التكبير أو مع التسميع، وهو سنة على كل حال، كما هو مذهب الجماهير من العلماء بما في ذلك الأئمة الأربعة، رفع اليدين عند التكبير والركوع والرفع من الركوع والقيام من التشهد الأول هو سنة وليس بواجب، كما هو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم.
دعاء الاستفتاح
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه عليه السلام كان يستفتح فيقول: {اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد} وإن دعا بغير ذلك من الاستفتاحات الواردة، وهي نحو أربعة عشر استفتاحاً، فلا بأس بذلك، ولو جمع بين استفتاحين لم يكن عليه في ذلك إن شاء الله حرج.. كما رجحه الإمام ابن تيمية رحمه الله، ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].
وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر
وهناك أقوال: بعضهم يقول: يرسل يديه، وبعضهم يقول: يضعهما فوق السرة، وبعضهم يقول: يضعهما تحت السرة، وأود أن أقول: إن الأمر في ذلك كله واسع، فأما السنة فلا شك أن السنة وضع اليمنى على اليسرى، وليست إرسال اليدين، ثم إن وضعهما على صدره أو تحت الصدر قليلاً أو فوق السرة أو تحت السرة فذلك كله واسع، والأولى أن يضعهما فوق الصدر.
إنما ينبغي ألا تكون هذه المسألة من المعضلات، وألا تكون مثاراً للجدل والإشكال والقيل والقال، وينبغي أن يكون فيها تعاذر وتناصح وتغافر، فلو خالفتني في هذه المسألة فلا حرج عليك إن شاء الله، وأرجو ألا تؤاخذني إن خالفتك أيضاً، فإن الصلاة -كما أسلفت- عبادة المقصود فيها ما يقرب إلى الله تعالى، وليس المقصود فيها الجدل والقيل والقال وارتفاع الأصوات واختلاف القلوب، ولأن نضع أيدينا مختلفين، فهذا وضعهما على صدره، وهذا وضعهما فوق سرته، وهذا وضعهما تحت سرته، مع اتفاق القلوب وسلامتها والنصح للمسلمين لهو خير عند الله تعالى من أن نفعل غير ذلك، وتكون القلوب مختلفة متناحرة مليئة بالبغضاء لإخوانك المسلمين.
حكم قراءة الفاتحة للمأموم والإمام والمنفرد
قال بعض المفسرين: أجمع العلماء على أن ذلك في الصلاة، فإذا كان الإجماع على أن هذه الآية نـزلت في الصلاة، فكيف نستثني منها الحالة الوحيدة التي يمكن أن يقرأ فيها الإمام والمأموم، وهي ألا يسكت الإمام بعد قراءة الفاتحة؟! فإذا لم يسكت الإمام فعليك أن تسمع وتطيع لما قال الله، فتسكت رجاء أن تدخل في رحمة الله تعالى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأئمة: {يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فعليهم ولكم} فقوله: (يصلون لكم) دليل على أن قراءة الإمام قراءة لمن وراءه، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا...} فقوله: { وإذا قرأ فأنصتوا } بعد ما بين ما يقول الإمام، بين ما يقول المأموم، فإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، قال المأموم: ربنا ولك الحمد، وإذا ركع الإمام ركع المأموم، فبين ما يجب عليهم جميعاً، وهو الركوع -مثلاً- والوقوف والسجود وغير ذلك.
وبين ما يجب على الإمام دون المأموم، وهو قول: سمع الله لمن حمده، وبين ما يجب على المأموم مع الإمام، وهو قول: ربنا ولك الحمد، ثم قال: {وإذا قرأ فأنصتوا } فدل على أن المأموم مطالب بالإنصات متى شرع إمامه في القراءة حتى لو لم يتمكن من قراءة الفاتحة، وقد جاء في ذلك حديث: {من كان له إمام فقراءته له قراءة} وهذا الحديث جاء عن أنس بن مالك وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر وجابر وغيرهم وصححه جماعة من أهل العلم، كالإمام البوصيري والإمام شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين الشيخ الألباني وغيرهم، وضعفه آخرون.
وعلى كل حال فإنه لم يثبت قطعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت وهو إمام، حتى يتمكن من وراءه من القراءة، ولو كانت قراءة الفاتحة واجبة على المأموم، لسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتمكن المأموم من قراءتها، وقد قال عليه الصلاة والسلام يوماً بعدما انصرف من صلاة الفجر، قال: {ما لي أنازع القرآن؟! لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، فنهاهم قال
قراءة سورة بعد الفاتحة
أما في الظهر فإنها أقل من الفجر، ولكنها أطول من العصر، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ أحياناً في الظهر بطوال المفصل، فقرأ بالذاريات، بل قرأ في الظهر بلقمان، فثبت هذا عنه عليه الصلاة والسلام، والغالب أنه يقرأ قراءة أقل من صلاة الفجر وأطول من صلاة العصر، أما في العصر فيقرأ بأواسط المفصل كسورة النبأ والمطففين والتكوير والبروج ونحوها، أما المغرب فيقرأ أحياناً بالقصار كما في حديث سليمان بن يسار { أنه كان يقرأ بقصار المفصل، وقال
ومثله حديث الصنابحي وقد ذكر أنه صلى خلف أبي بكر بـالمدينة وذكر أنه وكان يقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد قرأ صلى الله عليه وسلم في المغرب بغير ذلك، فقرأ بالطور مرة، وقرأ بسورة المرسلات، بل قرأ بسورة الأعراف طولى الطوليين في مرة أو أكثر من ذلك، أما في العشاء فهو يقرأ فيها كالعصر بأواسط المفصل، وقد قرأ عليه الصلاة والسلام في العشاء: إذا السماء انشقت ذات مرة، وسجد فيها، وكذلك في الصحيحين من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـمعاذ بن جبل: {أفتان أنت يا
الركوع والذكر فيه
أما الوجوب فمرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين نـزل قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال: {اجعلوها في ركوعكم} وهذا يتحقق بمرة واحدة، وأما أدنى الكمال فكما قال الفقهاء: ثلاثاً، ويدعو في الركوع أيضاً بما ورد، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في ركوعه كما في حديث عائشة المتفق عليه: {سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي} إلى غير ذلك من الأدعية.
الرفع منه والذكر فيه
(ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) معناه: هذا الحمد الذي نحمدك يا رب هو حمد كثير طيب لا ينتهي أبداً، يملأ السموات ويملأ الأرضين ويملأ غيرها مما تشاء يا رب.
ثم قال: (أهل الثناء والمجد) يا ربنا أنت أهل الثناء والمجد، (أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد) كلنا عبيد لك، وأفضل وأعظم كلمة قالها عبد هي: (اللهم لا مانع لما أعطيت) فهذه أعظم كلمة قالها العبد وأحق كلمة قالها عبد (اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) فذو الحظ والغنى، وذو الملك والسلطان، وذو المال والثراء، وذو الصحة والقوة.. لا ينفعه منك ذلك، إنما ينفعه عمله الصالح، أما جده وحظه الدنيوي فلا ينفعه.
فليس لأمر قدر الله جمعه مشت ولا ما فرق الله جامعُ |
فالعبد الذي يقول هذا أَنَّى له أن يطأطئ رأسه لغير الله، أو يذل لسواه، أو يطلب الدنيا ويختلها بالدين، أو يضعف ويخاف من الطواغيت وأعداء الله وأعداء رسوله عليه الصلاة والسلام، إن المؤمن الذي يقول هذا الدعاء بقلب حاضر سيمتلئ قلبه ثقةً بالله وتوكلاً عليه، وشجاعةً وجرأةً وقوةً وإعراضاً عن الدنيا، وهكذا كانت مثل هذه العبادات والأذكار والصلوات تخرج الناس خلقاً آخر غير ما عهد الناس، فكان الواحد منهم يهجم على الموت يبحث عنه ويطلبه في مظانه رجاء أن يكتب الله تعالى له أجر الشهداء في سبيله.
أما المسلم اليوم فإنه يقول هذا الدعاء، ثم يمد يده طلباً للدنيا، ويقول هذا الدعاء، ثم يخاف من القوى العظمى -كما تسمى- أو يخاف من رجال الأمن، أو يخاف من الدول، أو يخاف من أعدائه وخصومه، أو يخاف من الجن -كما نجد عند الكثيرين- أو يخاف من الشياطين، أنى لإنسان يقول بلسانه وقلبه يواطئ لسانه: لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، أن يطلب الدنيا من غير الله تعالى، أو يقف بباب غير باب الله تعالى!
وهذا الموضع -موضع القيام من الركوع- هو موضع قنوت ودعاء، فهو أحد المواضع التي يشرع فيها الدعاء في الركعة الأخيرة من الوتر وكذلك في غير الوتر في الصلوات في النوازل والمصائب العامة التي تنـزل بالمسلمين، ويمكن للإنسان أن يقنت ولو سراً منفرداً أو غير منفرد، فيطيل الوقوف كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل ويدعو الله تعالى بما أحب من خير الدنيا والآخرة.
السجود والذكر فيه
في ذلك خلاف طويل بين أهل العلم، وقد نقل الإمام ابن تيمية رحمه الله الإجماع على أن صلاة من قدم يديه أو ركبتيه صحيحة، وإنما الخلاف في الأولى والأفضل من ذلك، إذن ينبغي أيضاً أن نعطي هذه المسألة قدرها، فلا نعظمها ونضخمها، ونجعلها مجالاً للخصومات والعداوات والقيل والقال واختلاف القلوب، بل نبحثها بحثاً علمياً هادئاً رزيناً بعيداً عن التشنج والانفعال والإثارة، فنقول: من أهل العلم من قال: السنة أن يقدم الإنسان ركبتيه ثم يديه ثم جبهته بهذا الترتيب، وهذا الذي رجحه الإمام ابن القيم، ورجحه جماعة من علمائنا المعاصرين كسماحة الشيخ ابن باز وسماحة الشيخ محمد بن العثيمين وغيرهم من أهل العلم.
ومن أهل العلم من قال: السنة أن يقدم الإنسان يديه ثم ركبتيه إذا هوى إلى السجود، وكأن هذا أشبه وأقرب إلى السنة -أن يقدم الإنسان يديه ثم ركبتيه- وفي حديث أبي هريرة: {إذا سجد أحدكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه} ومثله حديث ابن عمر بمعناه، وهو أصح من حديث وائل بن حجر الذي ذكر تقديم الركبتين قبل اليدين.
وعلى كل حال فسواء قدم الإنسان يديه أو قدم ركبتيه، فإنه ينبغي ألا يتشبه بالحيوانات في هذا الهوي، فإن الإنسان إذا انحط بجملته وكليته مرة واحدة كان متشبهاً ببروك البعير، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: { لا يبرك كما يبرك البعير } والتشبه بالحيوانات مذموم خاصة في الصلاة، فعلى الإنسان إن هوى بركبتيه أن ينـزل تدريجياً، وإن هوى بيديه أيضاً أن ينـزل تدريجياً.
ويقول: وعليه في سجوده أن يباعد جسمه بعضه عن بعض، فيباعد بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه ليعطي كل عضو حقه من السجود.
ويقول في ذلك السجود: سبحان ربي الأعلى، والواجب مرة واحدة، وما زاد فهو من الكمال والفضل، ولما نـزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اجعلوها في سجودكم} ويستحب له أن يكثر من الدعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: {أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء، فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم} ومن الدعاء المشروع أن يقول: {سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي} وكذلك: {سبوح قدوس رب الملائكة والروح} وكذلك: {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك}.
الجلوس بين السجدتين
جلسة الاستراحة
وقد اختلف أهل العلم كثيراً، فقال بعضهم: من السنة أن تجلس هذه الجلسة الخفيفة، وقال بعضهم: مكروه، وقال بعضهم: يفعلها للحاجة، والأولى والأقرب والله أعلم أن يفعلها تارة ويتركها تارة جمعاً بين النصوص، وهذا ما كان يفعله الإمام أحمد، كما في كتاب: مسائل الإمام أحمد لـابن هانئ فإنه قال: كان يفعلها مرة، ويتركها مرة، وفي ذلك جمع بين الأقوال، ولو حافظ الإنسان على هذه الجلسة لم يكن عليه من حرج أو بأس إذا اعتقد سنيتها، لأن أمامه أدلة قوية، وأمامه علماء جهابذة عظام قالوا بمشروعية هذه الجلسة في كل حال وعلى الإطلاق.
التشهد الأول والأخير
ويدعو في التشهد الأخير بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، ومن الأدعية الواردة كما في الصحيحين: {أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال} بل قال بعض أهل العلم: هذا الدعاء واجب، وأمر طاوس ابنه لما ترك هذا الدعاء أن يعيد صلاته، ومن الدعاء الوارد: {اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني.. إنك أنت الغفور الرحيم} ومنه أيضاً: {اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} ومنه: {اللهم اغفر لي ما قد مت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت؛ أنت المقدم، وأنت المؤخر.. لا إله إلا أنت} إلى غير ذلك من الأدعية، فالتشهد الأخير من مواضع الدعاء.
جلسات الصلاة
النوع الأول الافتراش: وهو أن يقعد على رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وهذا يكون في القعدة بين السجدتين، ويكون في التشهد الأول أيضاً، ويكون أيضاً في التشهد الأخير في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد، كصلاة الفجر أو النافلة ونحوها.
أما الجلسة الثانية فهي التورك: ويقصد به أن يفضي الإنسان بمقعدته إلى الأرض ويجعل قدميه عن يمينه، فينصب اليمنى ويجعل اليسرى مفروشة تحتها أو يجعل اليسرى بين فخذه وساقه أو غير ذلك، وهذه القعدة وهي التورك إنما تفعل في التشهد الأخير في الصلاة التي يكون فيها تشهدان، كصلاة المغرب أو العشاء أو الظهر أو العصر، وقيل: بل يفترش في كل تشهد، وقيل: بل يتورك في كل تشهد، والاعتدال أنه يتورك في التشهد الأخير من الصلاة الثلاثية والرباعية، ويفترش في التشهد الأول، ويفترش أيضاً في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد.
تنوع بعض الألفاظ والأدعية
ومثله أيضاً الجهر بالبسملة والإسرار بها، فقد جاء في بعض الأحاديث وهي صحيحة -وهو مذهب كثير من أهل العلم- أنه يجهر بالبسملة أي الإمام في الصلاة الجهرية من سورة الفاتحة، وقال آخرون: بل يسر بها، والأفضل كما رجح الإمام ابن القيم وغيره أن الغالب أنه يسر بها، ولكنه يجهر بها أحياناً كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثله أيضاً التسليم، فقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم مرة فقال: {السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته} ومرة أخرى قال: {السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله } والغالب أنه كان يقول: {السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله} وربما قال: {السلام عليكم، السلام عليكم} وكل ذلك جائز، ويتم به الانصراف من الصلاة، وأكثر ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم: {السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله}.. ومما ينبغي أن يعلم أن الواجب هو التسليمة الأولى فقط، أما التسليمة الثانية فهي سنة، ونقل ابن المنذر إجماع العلماء على عدم وجوبها.
التسبيح والدعاء وقت القراءة في الصلاة
هل يشرع له أن يقول: سبحانه، إذا جاء ذكر الله تعالى، أو يسأل الله الجنة إذا جاء ذكر الجنة، أو يستعيذ من النار إذا جاء ذكر النار؟
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في صلاة الليل، كما في حديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة والنساء وآل عمران، لا يمر بآية فيها تسبيح إلا سبح، ولا تعوذ إلا استعاذ، ولا سؤال إلا سأل، ومثله حديث عوف بن مالك الأشجعي كما روى موسى بن أبي عائشة قال: {كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فوق سطح بيته، فكان إذا قرأ قول الله تعالى في آخر سورة القيامة: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] قال: سبحانك فبلى، سبحانك فبلى، فسأله، فقال: سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم } والحديث رواه أبو داود وسنده جيد.
وفي المسألة أقوال، قيل: يكره ذلك مطلقاً في الفريضة والنافلة، وقيل هو مشروع مطلقاً، والاعتدال أن ذلك مشروع في النافلة لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جائز في الفريضة أيضاً فلا دليل على منعه، والأصل أن ما جاز في النفل جاز في الفرض إلا أن يدل الدليل على غير ذلك، فقد ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يسبحون الله تعالى ويسألونه ويستعيذون به في الفريضة.
الأدعية والأذكار دبر كل الصلوات
وينبغي أن يراعى في مسألة الجهر والإسرار أمور:
منها: ألا يكون الجهر شديداً بحيث يؤذي من حوله ومن وراءه، بل يجهر جهراً معتدلاً حتى تختلط الأصوات ويضيع بعضها في بعض، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أهل السنن وسنده صحيح: {كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض} ففي المسجد ذاكرون، وفيه من يقضون الصلاة، فينبغي أن يجهر الإنسان بقدر لا يسمعه من حوله، فيكون للجهر دوي لا يتميز، فلا يؤذي بذلك أحداً، ويكون فيه تعليم للجاهل، ورفع للذكر، وطرد للشيطان، واتباع لسنة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
أولاً: يرفع العبد يديه في مبدأ الصلاة، ويقول: الله أكبر، وهذه تكبيرة الإحرام، وبها يدخل الإنسان في الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم} فإذا كبر دخل في الصلاة وأحرم بها، فأصبح محرماً عليه أن يأكل أو يشرب أو يتكلم أو ينصرف عن القبلة أو يعاني أي عمل من أعمال الدنيا التي تتنافى مع الصلاة.
وهذه التكبيرة ركن من أركان الصلاة، وينبغي أن يرفع يديه مع التكبير، يرفعهما إلى منكبيه -كما جاء في بعض الأحاديث- أو إلى أطراف أذنيه، كما جاء في أحاديث أخرى، ورفعهما إلى المنكبين هو مذهب الجمهور، وأكثر الأحاديث عليه، ولو رفعهما إلى أطراف الأذنين فلا حرج، فقد جاء في أحاديث أخرى، وتوسط بعض أهل العلم فقال: يكون أسفل اليد إلى المنكب، وأطراف الأصابع إلى فروع الأذنين.
وهذا الرفع مسنون عند تكبيرة الإحرام، كما هو مسنون أيضاً عند تكبيرة الركوع، وعند الرفع من الركوع، وهو أن يقول: سمع الله لمن حمده ويرفع يديه، كما هو مسنون في موضع رابع عندما يقوم من التشهد الأول، فهذه أربعة مواضع، ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر وغيره أنه يشرع للإنسان أن يرفع يديه فيها مع التكبير أو مع التسميع، وهو سنة على كل حال، كما هو مذهب الجماهير من العلماء بما في ذلك الأئمة الأربعة، رفع اليدين عند التكبير والركوع والرفع من الركوع والقيام من التشهد الأول هو سنة وليس بواجب، كما هو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5155 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |