خطب ومحاضرات
فقه المواريث - قسمة التركات
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
كنا نتدارس بعض الحساب، وانتهينا من التأصيل والتصحيح وما يتعلق بهما من أمر العول، وشرعنا بعد ذلك في قسمة التركات ووقفنا عندها.
بقي علينا ثلاثة مسائل، وقلت لكم: تحلونها في البيت بعد الانتهاء من قسمة التركات نتدارسها إن شاء الله، لأنتهي من هذا البحث الذي هو الحساب بجميع جزئياته إن شاء الله، ثم ندخل بعد ذلك في الدروس الآتية في المباحث الأخرى من المناسخات فما بعدها بعون الله.
القسمة: هي القسْم، من قولك: تقاسموا المال واقتسموه اقتساماً وقسمة، وهي مؤنثة القسمة، وذكرها الله جل وعلا في كتابه عندما قال: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النساء:8] فلم يقل: منها، بل قال: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) لأنها بمعنى الميراث أو بمعنى المال.
(وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) أي: حضر الميراث، وإلا فهي مؤنث، فإذا عاد الضمير إليها فالأصل أن يقال: فارزقوهم منها، لكن قال: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) بمعنى: المال، أو بمعنى: الميراث.
والتركات: جمع تركة، وهي تراث الميت، أي: المال الذي يخلفه، وقد جمعت مع أنها اسم جنس، فالأصل أن يقال: قسمة التركة، قال أئمتنا: لاختلاف أنواعها، فالتركات متعددة، منها: نقدية مالية، ومنها: عروض تجارة، ومنها: عقار، ومنها: أرقاء وعبيد ... ونحو ذلك، كل هذا يدخل تحت اسم التركة، فأنواع التركات مختلفة مع أنها اسم جنس، والمراد من قسمة التركات: إعطاء كل وارثٍ ما يستحقه من مال مورثه.
أهمية هذا المبحث: كل ما تقدم معنا من تأصيل المسائل، وتصحيحها، كل هذا وسيلة إلى مبحث قسمة التركات، فقد أصلنا وصححنا لأجل أن نعرف بعد ذلك ما سيأخذه كل وارث من التركة، فالتركة قد تكون فوق، أي: أكثر من أصل المسألة أو من مصحها، وقد تكون أقل من أصل المسألة أو من مصحها، فلابد من تحديد وتعيين وتبيين نصيب كل وارث منها، لنفرض أن أصل المسألة أربعة وعشرون، والتركة مائة ألف، فمن كان نصيبه الثمن (ثلاثة أسهم من أربعة وعشرين) وقيل لك: كم له من مائة ألف؟ فتقول: لا أعلم، هذا لا يصلح، إذاً: قد تكون التركة فوق أصل المسألة، أو فوق مصحها، أو تكون أقل من أصل المسألة أو من مصحها، فلا يحسن التعبير عن الأنصبة (أنصباء الورثة) بالسهام المطلقة، فلا تقل مثلاً: هذا له ثلاثة سهام، له اثنا عشر سهماً من أربعة وعشرين، فهل هذا من أصل المسألة أم من مصحها؟ إذاً كم له من التركة؟ يقول: لا أعلم، فلا يحسن أن تعبر عن الأنصبة بالسهام المطلقة، فهذا كما قال أئمة الفرائض: بعيد من الأفهام وغير مفيد للعوام، فلابد من أن تبين نصيبه من التركة التي تركها مورثه، وتقدم معنا في أول مباحث الفرائض بالتعاريف الأولية: أن المقصود من علم الفرائض: إعطاء كل وارث حقه، وإعطاء الحقوق إلى أربابها ومستحقيها، هذا هو المطلوب، وهنا لابد من أن توصل إلى الوارث نصيبه من مال مورثه.
المدار في قسمة التركات وفي استخراج نصيب الوارثين والوارثات يقوم على العلم بنسبة ما لكل وارث من أصل المسألة أو من مصحها كنسبة ما له من التركة إليها، فالأعداد عندنا أربعة:
العدد الأول: نصيب كل وارث من أصل المسألة من مصحها وهو الذي يعبر عنه: سهام كل وارث، وهذا معلوم عندنا، فله مثلاً: ثلاثة أو أربعة من أربعٍ وعشرين، أو من اثني عشر، هذا معلوم.
والعدد الثاني أيضاً معلوم وهو: أصل المسألة أو مصحها.
والثالث: مجهول، وهو: نصيب كل وارث من التركة.
والرابع: معلوم وهو: التركة ما تركه من مال.
إذاً: العمدة والمدار في استخراج نصيب كل وارث من التركة: نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثالث إلى الرابع، فكم لهذا الوارث من سهام من أصل المسألة؟ لو افترضنا أن له ثلاثة سهام من أربعٍ وعشرين، وهي الثمن، فلو ترك الميت مائتي ألف فنعطيه الثمن وهي: خمسة وعشرون ألفاً، فنسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثالث إلى الرابع، فبما أن عندك أربعة أعداد: ثلاثة معلومة وواحد مجهول، فإخراج المجهول يسير، وذلك بنسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثالث إلى الرابع، وهذا سنطبقه معنا إن شاء الله الآن.
وقد قلنا: إن الأعداد عندنا أربعة: أولها: نصيب كل وارث من أصل التركة من مصحها التي هي سهام.
الثاني: أصل المسألة أو مصحها، وهذان معلومان.
الثالث: مجهول، وهو نصيبه من التركة، وهذا هو الذي سنخرجه.
التركة إما أن تكون مساوية لأصل المسألة أو مصحها، وإما ألا تكون كذلك، فهي إما أكثر أو أقل، إما مساوية مماثلة، وإما أكثر أو أقل، فلو قدرنا أنك صححت المسألة وخرج المصح -مثلاً- عشرة آلاف، ومقدار التركة عشرة آلاف ريال، فإنك تعطي كل وارث من مصح المسألة بدل السهام ريالات؛ لأنها الآن متماثلة، أصل المسألة مصح المسألة مع التركة، وهذا سيأتينا إيضاحه وإذا كانت التركة أكثر أو أقل فسنأتي إلى هذه الطريقة التي وضعناها إن شاء الله.
الحالة الأولى: أن تكون التركة مساوية لأصل المسألة أو مصحها
هذه الدينارية من الزيديات الأربع ليست الدينارية الصغرى، فتلك فيها ترك سبعة عشر ديناراً، أما هذه فترك تسعين ديناراً، وورثت إحدى الإناث ديناراً واحداً وهي الأخت لأب.
الأم لها السدس لوجود جمع من الإخوة، والجداً تقدم معنا أن الأحظ له ثلث الباقي، والأخت الشقيقة سيفرض لها هنا النصف؛ لأنه سيبقى أكثر من النصف ولا تعطى أكثر من النصف، والمسألة من ثمانية عشر على اعتبار أن ثلث الباقي سيكون لها أصلاً، وإذا كان مصحاً ستعود إلى ذلك في النهاية هي هي.
فالسدس للأم ثلاثة، وبقي خمسة عشر، وثلث الباقي للجد هو خمسة، وبقي عشرة والأخت لا تأخذ أكثر من النصف، فلها تسعة سهام، وبقي سهم للأخت لأب والأخوين لأب، ورءوسهم خمسة لا ينقسم عليها السهم فنضرب كامل عدد الرءوس (وهو خمسة) في أصل المسألة: خمسة في ثمانية عشر فيصبح مصح المسألة تسعين، وهو ترك تسعين ديناراً، فالتركة إذن مساوية ومماثلة لأصل المسألة أو مصحها، فلا تحتاج من الفرضي إلى عمل، فبدلاً من أن تعطيه سهامه من مصح المسألة أعطه السهام من التركة، قل: خذ بمقدار كل سهم ديناراً، فالأم نصيبها: ثلاثة في خمسة يساوي خمسة عشر ديناراً، والجد: خمسة في خمسة بخمسة وعشرين ديناراً، والأخت الشقيقة خمسة وأربعون ديناراً، والباقي خمسة: للأخت دينار واحد، وهذه التي ورث ديناراً، ولكل واحدٍ من الأخوين ديناران، وقد تقدمت معنا هذه المسألة وهي الدينارية التسعينية، وليست الدينارية الصغرى، وهي إحدى الزيديات الأربع، وهكذا الدينارية الصغرى أيضاً منقسمة لأنه تقدم معنا أنه ترك سبعة عشر ديناراً، وكل واحدة أخذت ديناراً، وصورتها: إذا ترك جدتين وثلاث زوجات وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات شقيقات فهذه سبع عشرة أنثى، كل واحدة تأخذ ديناراً بالتساوي، وهي منقسمة، وقلنا: الجدتان لهما السدس لعدم الأم، والزوجات لهما الربع لعدم الفرع الوارث، والأخوات لأم لهن الثلث بالشروط الموجودة التي متى توفرت فيهم يستحقون بسببه الثلث، والشقيقات لهن ثلثان، أصل المسألة: بين الثلاثة والثلاثة تماثل، وبين الثلاثة والستة تداخل، وبين الستة والأربعة توافق، وحاصل النظر: أصل المسألة من اثني عشر، السدس اثنان، والربع ثلاثة، والثلث أربعة، والثلثان ثمانية، عالت المسألة إلى سبعة عشر، وهو ترك سبعة عشر ديناراً، فهي منقسمة ولا تحتاج إلى تصحيح: اثنان للجدتين منقسمة، وثلاثة سهام للثلاث الزوجات، وأربعة سهام للأربع الأخوات لأم، وثمانية سهام للثمان الأخوات الشقيات، فهي منقسمة؛ لأن التركة سبعة عشر ديناراً، فبدلاً من أن تقول: لكل جدة سهم من سبعة عشر الذي هو عول المسألة، تقول: لكل جدة دينار، ولكل شقيقة دينار، ولكل أخت لأم دينار، ولكل زوجة دينار.. وهكذا.
ومثلها الدينارية الكبرى فهي منقسمة أيضاً وقد تقدمت معنا، وهي من ستمائة وصورتها: مات ميت عن زوجة، وأم، وبنتين، واثني عشر أخاً لأب، وأخت لأب، هذه التي سترث ديناراً واحداً، فللزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث، وللأم السدس كذلك لوجود الفرع الوارث، وللبنتين الثلثان، والإخوة عصبة.
أصل المسألة من أربعة وعشرين، ثلثاها ستة عشر، للبنتين، وللأم السدس أربعة، وللزوجة الثمن ثلاثة، بقي معنا واحد للإخوة، ورءوسهم خمسة وعشرون غير منقسمة، فنصححها فنضرب خمسة وعشرين في أربعة وعشرين يكون الناتج: ستمائة، وهو ترك ستمائة دينار، فنصيب الأم أربعة في خمس وعشرين يساوي مائة دينار، ولكل واحدة من البنتين مائتا دينار، نصيبهما أربعمائة، والزوجة نصيبها ثلاثة في خمسة وعشرين يساوي خمسة وسبعين ديناراً، ونصيب الإخوة واحد في خمسة وعشرين، لكل أخ اثنان وللأخت واحد، أخذت ديناراً واحداً.
الشاهد: أنها صحت من ستمائة والتركة ستمائة فهي مساوية مماثلة لا تحتاج من الفرضي إلى عمل، بدلاً من أن تكون السهام من أصل المسألة أو من مصحها، قل: له كذا من الدنانير أو من الريالات أو من الدولارات على حسب وضع التركة؛ لأنها مساوية مماثلة، فهذه لا تحتاج إلى عمل.
الحالة الثانية: أن تكون التركة غير مساوية لأصل المسألة أو مصحها
الطريقة الأولى
الأول: نصيب كل وارث من أصل المسألة أو من مصحها.
الثاني: أصل المسألة أو مصحها.
الثالث: نصيبه من التركة وهو مجهول.
الرابع: التركة وهي معلومة، فعندنا ثلاثة معلومة وواحد مجهول، وهو الثالث، والعمل: أن نقسم الرابع على الثاني، أي: نقسم التركة على أصل المسألة ومصحها، فما خرج يعتبر جزء سهم، فنضربه في سهام كل وارث، وهذا مثل عملية التصحيح تماماً.
مثال ذلك: ماتت وتركت بنتاً وبنت ابن، وزوجاً، وأباً وأماً، ومقدار التركة أربعون ألفاً، وأوصت بعشرة آلاف منها، وبعد إخراج الوصية يبقى ثلاثون ألفاً هي التركة التي ستقسم على الورثة، فالبنت لها النصف، وبنت الابن لها السدس تكملة للثلثين، والزوج له الربع لوجود الفرع الوارث، والأب له السدس مع التعصيب إن بقي شيء، والأم لها السدس فقط، أصل المسألة: بين الاثنين والستة والأربعة تداخل، وبين الستة والستة تماثل، وبين الستة والأربعة توافق، وحاصل النظر: أصل المسألة من اثني عشر.
نصفها ستة، وسدسها اثنان، وربعها ثلاثة، وسدسها اثنان، وثلثها اثنان، عالت المسألة ولم يبق للأب شيء مع فرضه ليأخذه، فتعول المسألة إلى خمسة عشر، والتركة ثلاثون ألفاً، وأصل المسألة أو مصحها خمسة عشر، فهما غير متساويين، فالحل: أن نقسم الرابع على الثاني، ثم نضربه في نصيب سهام كل وارث ليخرج نصيبه من التركة، فنقسم ثلاثين ألفاً على خمسة عشر الناتج اثنان، أي: ألفان، فهذه صارت جزء سهم، ونصيب كل وارث سيضرب في جزء السهم هذا ويوضع نصيبه أمام التركة، فنقول: نصيب البنت ستة في ألفين باثني عشر ألفاً، وبنت الابن اثنان في ألفين بأربعة آلاف، والزوج ثلاثة في ألفين بستة آلاف، والجد اثنان في ألفين بأربعة آلاف، والأم أربعة آلاف كذلك، وإذا جمعنا ذلك سيكون الناتج ثلاثين ألفاً.
هذه الطريقة الأولى، وهي أسهل الطرق وأيسرها، وهي مثل عملية التصحيح، تخرج حاصل القسمة على أنه جزء سهم لأصل المسألة، وتضرب سهام كل وارث في جزء السهم؛ لأننا قلنا: الجزء بمعنى: النصيب، وجزء السهم أي: نصيب كل سهم، فينبغي أن يضرب بهذا المقدار، وهنا كذلك.
فهذه أيسر الطرق: أن تقسم التركة على أصل المسألة أو مصحها، فما خرج يعتبر كأنه جزء السهم، ثم تضربه في سهام الورثة من أصل المسألة أو من مصحها، أو من عولها، والناتج هو نصيبه من التركة.
الطريقة الثانية
خلاصة هذه الطريقة: أن تضرب الأول في الرابع، ثم نقسم الحاصل على الثاني، فيخرج معك الثالث الذي هو مجهول، نحن نريد أن نخرج الثالث وهو نصيب الوارث من التركة، فضربنا الأول في الرابع، ثم قسمناه على الثاني فخرج الثالث.
والرابع: التركة.
والحالة الأولى أسهل من هذه بكثير؛ لأنك هنا ستضرب سهم كل وارث في التركة ثم تقسمه على أصل المسألة أو عولها أو مصحها، بينما هناك قسمت التركة على أصل المسألة أو مصحها فخرج جزء السهم ثم تضرب نصيب كل وارث في جزء السهم فيكون هو نصيبه من التركة، ثم تجمع بعد ذلك الأنصباء من التركة فستساوي التركة قطعاً وجزماً.
فالأولى أيسر في الحل وأسهل، لكن هذه طريقة جائزة، لو أراد طالب العلم أن يتفنن ويخرج نصيب كل وارث من التركة بهذه الطريقة فهي طريقة مقبولة، وهذا حال علمائنا الفرضيين رحمة الله ورضوانه عليهم.
فهذا طريق ثانٍ مقبول ولا إشكال فيه.
الطريقة الثالثة
نقسم الثاني على الأول والخارج نقسم عليه الرابع الذي هو التركة.
مثاله: نصيب الأم في المسألة السابقة هو السدس، أي: اثنان، ومصح المسألة خمسة عشر، اقسمها على اثنين يكون الناتج سبعة ونصف، ثم نقسم التركة على هذا العدد، فيخرج معنا نصيب هذا الوارث ولابد، والتركة ثلاثون ألفاً، فنقسم ثلاثين ألفاً على سبعة ونصف فيكون الناتج أربعة آلاف، وهي نصيب الأم من التركة.
الطريقة الرابعة
الطريقة الخامسة: أن ننسب الأول إلى الثاني، والأول هو نصيب كل وارث من أصل المسألة أو عولها أو مصحها، ننسبه إلى الثاني إلى أصلها عولها مصحها، ثم نعطيه بمقدار تلك النسبة من الرابع وهو التركة.
فمثلاً: السهم ثلاثة إذا أردت أن تنسبها إلى خمسة عشر ستكون خُمساً؛ لأن ثلاثة في خمسة بخمسة عشر، فهي خُمس، فنعطيه خمس التركة، والتركة هي ثلاثون ألفاً، نقسمها على خمسة سيخرج معك الخمس فتضرب الخمس في الثلاثين فتعطينا نفس النسبة، فلو قسمت الثلاثين على خمسة سيخرج معك ستة وبعده الأصفار تضعها ستة آلاف هي هي.
الطريقة الخامسة
قال: وهو أن تضرب نصيب كل وارث من التصحيح في التركة، وتقسم الحاصل على التصحيح فما خرج من القسمة فهو حصة ذلك الوارث.
وإن شئت -وهي الطريقة الثانية- فاقسم التركة على المسألة، وهذه الطريقة الأولى التي ذكرتها، وقلت: هي من أيسر الطرق، واضرب ما ظهر بالقسمة في سهام كل وارث فيحصل نصيبه من التركة.
وإن شئت فاقسم المسألة على التركة -هذه التي ما ذكرناها- أي: نقسم الثاني على الرابع، واقسم على خارج القسمة سهام كل وارث فيخرج نصيبه.
فالطريقة الخامسة: أن نقسم الثاني على الرابع فما خرج نقسم عليه نصيب كل وارث سهام كل وارث من أصل المسألة أو من عولها أو من مصحها، إذاً: نقسم المسألة على التركة، أي: نقسم الثاني على الرابع، فما خرج نقسم عليه الأول الذي هو سهام الوراث، يخرج نصيبه من التركة، فمثلاً: نصيب الأب أربعة آلاف، قلنا: نقسم الثاني وهو أصل المسألة وهو خمسة عشر، نقسمها على الرابع الذي هو ثلاثون ألفاً، والناتج يضرب به نصيب كل وارث، والناتج هو نصيبه من التركة.
على كل حال هذه خمس طرق لقسمة التركة، والأولى هي أيسر هذه الطرق.
فإن كانت التركة مساوية مماثلة لأصل المسألة أو مصحها، فالأمر واضح، ولا يحتاج من الفرضي إلى عملٍ ما، فتعطيه نصيبه من التركة بمقدار نصيبه من أصل المسألة أو مصحها؛ لأنها متماثلة ومتساوية، وقد تقدم معنا في إحدى الزيديات الأربع وهي الدينارية، وقلت: صورتها: مات رجلٌ وخلف ثلاثة ذكور، وثلاث إناث، وترك تركة مجموعها تسعون ديناراً، وترك أماً وجداً وأختاً شقيقة، ومعها أختٌ لأب وأخوان لأب، والأخت لأب ورثت ديناراً واحداً، فكل واحدٍ أخذ سهامه من التركة بمقدار سهامه من أصل المسألة أو من مصحها بلا زيادة ولا نقصان؛ لأن المسألة صحت من تسعين وهو ترك تسعين ديناراً.
هذه الدينارية من الزيديات الأربع ليست الدينارية الصغرى، فتلك فيها ترك سبعة عشر ديناراً، أما هذه فترك تسعين ديناراً، وورثت إحدى الإناث ديناراً واحداً وهي الأخت لأب.
الأم لها السدس لوجود جمع من الإخوة، والجداً تقدم معنا أن الأحظ له ثلث الباقي، والأخت الشقيقة سيفرض لها هنا النصف؛ لأنه سيبقى أكثر من النصف ولا تعطى أكثر من النصف، والمسألة من ثمانية عشر على اعتبار أن ثلث الباقي سيكون لها أصلاً، وإذا كان مصحاً ستعود إلى ذلك في النهاية هي هي.
فالسدس للأم ثلاثة، وبقي خمسة عشر، وثلث الباقي للجد هو خمسة، وبقي عشرة والأخت لا تأخذ أكثر من النصف، فلها تسعة سهام، وبقي سهم للأخت لأب والأخوين لأب، ورءوسهم خمسة لا ينقسم عليها السهم فنضرب كامل عدد الرءوس (وهو خمسة) في أصل المسألة: خمسة في ثمانية عشر فيصبح مصح المسألة تسعين، وهو ترك تسعين ديناراً، فالتركة إذن مساوية ومماثلة لأصل المسألة أو مصحها، فلا تحتاج من الفرضي إلى عمل، فبدلاً من أن تعطيه سهامه من مصح المسألة أعطه السهام من التركة، قل: خذ بمقدار كل سهم ديناراً، فالأم نصيبها: ثلاثة في خمسة يساوي خمسة عشر ديناراً، والجد: خمسة في خمسة بخمسة وعشرين ديناراً، والأخت الشقيقة خمسة وأربعون ديناراً، والباقي خمسة: للأخت دينار واحد، وهذه التي ورث ديناراً، ولكل واحدٍ من الأخوين ديناران، وقد تقدمت معنا هذه المسألة وهي الدينارية التسعينية، وليست الدينارية الصغرى، وهي إحدى الزيديات الأربع، وهكذا الدينارية الصغرى أيضاً منقسمة لأنه تقدم معنا أنه ترك سبعة عشر ديناراً، وكل واحدة أخذت ديناراً، وصورتها: إذا ترك جدتين وثلاث زوجات وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات شقيقات فهذه سبع عشرة أنثى، كل واحدة تأخذ ديناراً بالتساوي، وهي منقسمة، وقلنا: الجدتان لهما السدس لعدم الأم، والزوجات لهما الربع لعدم الفرع الوارث، والأخوات لأم لهن الثلث بالشروط الموجودة التي متى توفرت فيهم يستحقون بسببه الثلث، والشقيقات لهن ثلثان، أصل المسألة: بين الثلاثة والثلاثة تماثل، وبين الثلاثة والستة تداخل، وبين الستة والأربعة توافق، وحاصل النظر: أصل المسألة من اثني عشر، السدس اثنان، والربع ثلاثة، والثلث أربعة، والثلثان ثمانية، عالت المسألة إلى سبعة عشر، وهو ترك سبعة عشر ديناراً، فهي منقسمة ولا تحتاج إلى تصحيح: اثنان للجدتين منقسمة، وثلاثة سهام للثلاث الزوجات، وأربعة سهام للأربع الأخوات لأم، وثمانية سهام للثمان الأخوات الشقيات، فهي منقسمة؛ لأن التركة سبعة عشر ديناراً، فبدلاً من أن تقول: لكل جدة سهم من سبعة عشر الذي هو عول المسألة، تقول: لكل جدة دينار، ولكل شقيقة دينار، ولكل أخت لأم دينار، ولكل زوجة دينار.. وهكذا.
ومثلها الدينارية الكبرى فهي منقسمة أيضاً وقد تقدمت معنا، وهي من ستمائة وصورتها: مات ميت عن زوجة، وأم، وبنتين، واثني عشر أخاً لأب، وأخت لأب، هذه التي سترث ديناراً واحداً، فللزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث، وللأم السدس كذلك لوجود الفرع الوارث، وللبنتين الثلثان، والإخوة عصبة.
أصل المسألة من أربعة وعشرين، ثلثاها ستة عشر، للبنتين، وللأم السدس أربعة، وللزوجة الثمن ثلاثة، بقي معنا واحد للإخوة، ورءوسهم خمسة وعشرون غير منقسمة، فنصححها فنضرب خمسة وعشرين في أربعة وعشرين يكون الناتج: ستمائة، وهو ترك ستمائة دينار، فنصيب الأم أربعة في خمس وعشرين يساوي مائة دينار، ولكل واحدة من البنتين مائتا دينار، نصيبهما أربعمائة، والزوجة نصيبها ثلاثة في خمسة وعشرين يساوي خمسة وسبعين ديناراً، ونصيب الإخوة واحد في خمسة وعشرين، لكل أخ اثنان وللأخت واحد، أخذت ديناراً واحداً.
الشاهد: أنها صحت من ستمائة والتركة ستمائة فهي مساوية مماثلة لا تحتاج من الفرضي إلى عمل، بدلاً من أن تكون السهام من أصل المسألة أو من مصحها، قل: له كذا من الدنانير أو من الريالات أو من الدولارات على حسب وضع التركة؛ لأنها مساوية مماثلة، فهذه لا تحتاج إلى عمل.
الحالة الثانية: إذا كانت التركة غير مساوية لأصل المسألة أو مصحها، ففي قسمتها أوجهٌ كثيرة عند الفرضيين مذكورة مسطورة أشهرها خمسة، كما في العذب الفائض في الجزء الثاني صفحة خمس عشرة ومائة، وهذه الطرق الخمس كلها مبنية على المدار الذي تقدم معنا في استخراج نصيب الوارث من التركة، وهو نسبة سهامه من أصل المسألة أو من مصحها كنسبة نصيبه من التركة تماماً، أي: نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثالث إلى الرابع، هذا المدار الذي يقوم عليه قسمة التركات.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فقه المواريث - الحجب [1] | 3822 استماع |
فقه المواريث - الرد على الزوجين [1] | 3589 استماع |
فقه المواريث - حقوق تتعلق بالميت | 3573 استماع |
فقه المواريث - ميراث الخنثى [1] | 3539 استماع |
فقه المواريث - توريث ذوي الأرحام | 3484 استماع |
فقه المواريث - المسألة المشتركة | 3438 استماع |
فقه المواريث - أدلة عدم توريث ذوي الأرحام | 3346 استماع |
فقه المواريث - متى يسقط الجدات ومن يحجبهن | 3308 استماع |
فقه المواريث - أصحاب الفروض | 3258 استماع |
فقه المواريث - الجد والإخوة [7] | 3226 استماع |