فضل الأشهر الحرم والعمرة في ذي القعدة
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
تعظيم الأشهر الحرم وفضل عمرة شهر ذي القعدةالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين، أما بعد:
فالأشهر الحرم، وهي الأشهر التالية: (ذو القعدة وذو الحجة ومحرَّم ورجب)، يعظُم فيها أجر العمل الصالح، ويعظم فيها وزرُ السيئات؛ قال سبحانه فيها: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].
ومن صفات المؤمنين التي مدَحهم الله عليها: تعظيم شعائر الله، ومن شعائره الأشهر الحرم، ومن صفاتهم تعظيم حُرماته مطلقًا، وزيادة تعظيمها في الأشهر الحرم؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾ [الحج: 30].
فلنتق الله فيها أكثرَ من غيرها، ولنجتهد فيها بزيادة الورع، والبعد عن المعاصي، وبأنواع متعددة من القربات، فقد ذكر الإمام القرطبي وغيره بأنه كما يَعظم وزرُ المعاصي في الأشهر الحرم، فكذلك يعظم أجر الأعمال الصالحة، ومن هذه الأشهر الحرم شهر ذي القعدة.
وقد اعتمَر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمرات، كلُّها في شهر ذي القعدة.
ولذا أفتت اللجنة الدائمة وكذلك سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله بأن عمرة ذي القعدة هي التي تلي عمرة رمضان في الفضل.
فإن رغبتَ في عمرة ذي القعدة، فاجعلها في أوله؛ (لأنه في آخره يكثر الحُجَّاج، وأيضًا قد يصعب دخول مكة دون تصريح الحج).
ولعل الأحوط لمن أراد العمرة هذه الأيام أن يشترط عند عقد النية قائلًا: (لبيك عمرة، فإن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني)؛ حتى لا تترتب فدية ولا حلق لو مُنع من دخول مكة، وعليه أن يتقيد بجميع الاحترازات التي وضعتها الدولة وفقها الله لأداء العمرة؛ حرصًا منها على سلامة المعتمرين، ومنها الحصول على تصريح أداء العمرة، والكمام، والتباعد، وأن يكون محصنًا باللقاحات.
وأعظم من هذه الأسباب سبب شرعي مهم جدًّا، وهو صدق التوكل على الله عز وجل، وعدم التعلق بالأسباب مهما عظمت قيمتها.
قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]؛ أي إن الذي يتقي الله يـدفع عنـه المضرة، ويجعل لـه مخرجًا من أي كرب أو ضيق، ويجلب له مـن المنفعـة، بما ييسـره له مـن الرزق، والرزق اسم لكل ما يغتذي به الإنسان، وذلك يعم رزقَ الدنيا والآخـرة.
ولا تنسوا دائمًا في الأشهر الحرم وفي العمرة والحج والصلاة خاصة وفي غيرها - ملازمةَ الدعاء بصدق وإخلاص؛ فهو من أعظم أسباب تيسير الأمور ودفع الشرور.
وتذكروا في الأشهر الفاضلة خاصة وفي غيرها دائمًا أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة؛ فأكثِروا من التوبة والاستغفار؛ قال سبحانه مؤكدًا لذلك:
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].
قال السعدي في تفسيره:
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾ أي: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب، واستغفروا الله منها.
﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ كثير المغفرة لمن تاب واستغفر، فرغَّبهم بمغفرة الذنوب، وما يترتب عليها من حصول الثواب، واندفاع العقاب.
رزَقكم الله تعظيم شعائره وتعظيم حُرماته.
ورفع الله البلاء عنا وعن المسلمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.