ثقة الدعاة في آلات الدعوة
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
دأب كثير من الدعاة في زماننا إلى استخدام وسائل الإقناع المساعدة وجعلوها مكان الطرق الأصلية.. وأعني بالأصلية كتاب الله وسنة رسوله فهما الذخيرة والركيزة وفيهما مفاتيح القلوب.
وأعني بالمساعدة ما يستهويه الناس من نقولات عن الغربيين أو قصص وحكاوي. وأنا أعلم تماما أن هذه الوسائل المساعدة لها مكانها وقيمتها ولكن عندما توضع في نصابها..
ولكن أن تجعل هي الأصل ويصبح القرآن فرعا فهذا ما نحذر منه.
خصوصا عندما يظن البعض أن القرآن وسيرة العدنان وأسلوبه ليسا بكافيين ولا يوفيان بالغرض. والذي يقرأ القرآن ويفهمه ويتعرف على أساليبه ومضامينه وعظمة تراكيبه ومبانيه ومعانيه لا يمكنه أن يتركه لغيره أو أن يستعيض عنه بسواه خصوصا مع معرفة مدى أثره في نفس السامع وإن كان من غير المسلمين.
ففي كتاب الله مزايا وخصائص لا توجد في غيره، وفي طريقة المصطفى ما يغني عن أساليب وعبارات في كلام البشر فالقرآن والسنة هما السهل الممتنع في الدعوة كما هما كذلك في غيرها..
ولا يبقى إلا ثقة الداعية وحسن استدلالاته واختياراته وحسن تأتيه. وأثر القرآن في سامعيه هو الذي دعا قريشا أن تتجنب سماعه بكل طريقة (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت:26)، وقال تعالى: (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (هود:5) بل إن كفار مكة كانوا يحذرون الناس من سماعه كما يحكي الطفيل بن عمرو الدوسي قصة إسلامه التي أوردها ابن إسحاق في سيرته يقول الطفيل: "أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلاً شريفا شاعراً لبيبا، فقالوا له: يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وقد فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئاً.
قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه..
قال فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، قال فقمت منه قريبا فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله قال فسمعت كلاما حسنا قال فقلت في نفسي واثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفي علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته وإن كان قبيحا تركته.
قال فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلاً أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك فسمعته قولاً حسناً فاعرض علي أمرك قال فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمراً أعدل منه..
قال فأسلمت وشهدت شهادة الحق.
ومثل الطفيل كان ضماد الأزدي رحمه الله وكان من أزْدِ شَنُوءَة من اليمن، وكان يرقى من هذا الريح (يعني الجن)، قدم مكة فسمع سفهاءها يقولون : إن محمدًا مجنون، فقال : لو إني أتيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدى، فلقيه، فقال : يامحمد، إني أرقى من هذا الريح، فهل لك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
أما بعد) . فقال : أعد عليّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال : لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن قاموس البحر، هات يدك أبايعك على الإسلام، فبايعه. وقد ذكرت أن للقرآن أثرا ليس على المسلمين فحسب ولكن على من سمع للاعتبار وأراد الله له الهداية وفي قصة إسلام عمر بن الخطاب ما يدل على المراد.. والأعجب من ذلك أن يمتد تأثير القرآن الكريم ليشمل من لا بفهم العربية ولا يتذوق معانيها فيبقى الأثر للقرآن وحده..
يذكر الأستاذ الداعية عبد الرحمن السميط أن رجلا أسلم من إفريقيا لأنه كان يسمع في الإذاعة القرءان الكريم، ووبالطبع لم يكن يفهم العربية، ولكنه كان يحس بالأنس والراحة النفسية عندما يسمعه، وظل فترة كبيرة يستمع، ثم لما التقى بالأستاذ في أحد زياراته لإفريقيا أعلن إسلامه وتعلم دين الله هو وأسرته . ولم يقف إعجاز القرآن في هداية الخلق على لفظه بل انتقل الأمر إلى ترجمة معانيه لتقود من لا يحسنون العربية إلى نفس الطريق الذي يقود إليه الأصل، وإن لم تكن هي كالأصل، ولكنها بركة كلام الله وعظمة كتابه التي أخذت بلباب عقول الكثيرين إلى دين الإسلام كما ذكر الشيخ جعفر إدريس ـ وهو الذي عاش في أمريكا ردحا من الزمن ـ يقول حفظه الله: "إننا وجدنا بالتجربة، ووجد بعض إخواننا بالدراسة العلمية أن أكثر ما يدخل الناس في دين الله هو قراءتهم لترجمة هذا الكتاب العزيز.
ولو رحت أحدثكم عما سمعت أنا وحدي عن مشاعر الرضى والطمأنينة واليقين لبعض من هداهم الله تعالى بالاطلاع على ترجمة تنزيل رب العالمين لطال الحديث.
لكنني سأكتفي ببعض ذلك عسى أن تكون فيه لنا ذكرى، وزيادة إيمان ويقين.
فهذا شاب هو الآن في صحبتنا يحدثنا أنه قرأ كتابا لمؤلف غير مسلم عن الأديان في العالم، وكان مما قرأ عن الإسلام ترجمة لسورة الفاتحة.
يقول الشاب إنني كثيرا ما كنت أتأثر تأثرا فكريا ببعض ما أقرأ، لكنني حين قرأت ترجمة هذه السورة شعرت بالتأثير في قلبي.
ذهب الشاب يبحث عن المسلمين، فأسلم ثم انتقل من بلده إلى واشنطن ليلتحق بمعهد العلوم العربية والإسلامية ليدرس اللغة العربية، وليتعلم دينه.
ومن قبله فتاة قالت إنها لأبوين لا اهتمام لهما بالدين، لكنها عثرت في بيتها على كتاب ديني قديم أثار اهتمامها فبدأت تبحث عن الأديان، فكان مما قرأته شيئا عن الإسلام.
قالت – وهي تسكن في مدينة نائية أشبه بالقريةـ إنها صحبت بعض زميلاتها في الذهاب إلى سوق خارج القرية، لم تصحبهن إلا لتبحث عن ترجمة للقرآن الكريم.
عثرت على طُلبتها، ثم بدأت تقرأ.
تقول الفتاة إنها لم تتجاوز الآية الثانية من سورة البقرة " ذلك الكتاب لا ريب فيه" حتى وضعت المصحف المترجم، وشهدت بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وهي محجبة حجاباً كاملاً! إن هذا الكتاب هو حقا كلام الله تعالى يميل كل قلب مهتد إلى ما يناسب حاله منه.
فما علينا نحن إلا أن نوفره لكل من نقدر أن نوصله إليهم ليتناولوا منه ما يشتهون فيهتدون.
وصدق الله العظيم: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15،16).