فقه المواريث - الجد والإخوة [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! انتهينا من القول الأول الذي يقرر أن الجد ينزل منزلة الأب، وعليه لا يرث معه أحد من الإخوة من أي صنف كانوا، سواء أشقاء أو لأب أو لأم، وهذا قول صديق هذه الأمة، وبه أخذ فقيه الملة أبو حنيفة رحمة الله ورضوانه عليهم جميعاً، وانتقلنا بعد ذلك إلى القول الثاني الذين ورثوا الإخوة مع الجد، وقلت: سنتدارس قولهم ضمن ثلاثة أمور: أولها: في أن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم، بل اختلفت أقوال الواحد مع بعضها، وذكرت أقوال عمر، وأقوال علي، وأقوال زيد رضي الله عنهم أجمعين، وكيف اختلفوا فيما بينهم، هذه الأقوال تعارضت، وأنه حفظ عن عمر رضي الله عنه مائة قضية في الجد مختلفة ينقض بعضها بعضاً.

والأمر الثاني: قلت سنتدارس حجج الذين ورثوا الإخوة مع الجد، وكما قررت حجج القول الأول، وقلت: إنها عشر حجج بأن الجد ينزل منزلة الأب، فلا يرث أخ مع الجد، قلت: هذا القول سأقرره بعشر حجج أيضاً، وإذا انتهينا منه ننتقل إلى آخر المباحث في مبحث الجد والإخوة، ألا وهو في كيفية توريث الجد مع الإخوة على هذا القول، غالب ظني هذا بدأنا فيه، ثم ذكرنا الأمر الأول منه، أعيده لتكون الحجج العشرة متتابعة مع بعضها.

الدليل الأول: ثبوت الإرث للإخوة بالنص والإجماع

أول حجة من حجج هذا القول: قالوا: إن الإخوة الأشقاء أو لأب ثبت إرثهم بالنص من كتاب وسنة، وعلى ذلك الإجماع، فما ينبغي أن يحجبوا إلا بنص أو إجماع، أي بأمر متفق عليه، ولا يجوز أن ينقض بأمر مختلف فيه.

إرث الإخوة مجمع عليه، وورد في النصوص الشرعية من الآيات القرآنية وأحاديث خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، وأجمع علماء الشريعة الإسلامية على أن الإخوة وارثون، إذا كنت ستحجبهم بالجد لا بد من نص أو إجماع، فإذا كان هناك إجماع، انتهينا فلا خلاف ولا معارضة، وإذا كان هناك نص فالأمر كذلك، أما من ثبت إرثه بنص وإجماع، ثم يحجب عن الإرث ويمنع منه بأمر مختلف فيه، ففي الحقيقة لا يتكافأ الأمران، هذه الحجة الأولى، ولذلك قالوا: لا بد من توريث الإخوة مع الجد، وقلت: هذا الدليل أشار إليه الإمام ابن قدامة في المغني (7/65).

الدليل الثاني: استواء الإخوة مع الجد في سبب الاستحقاق

الحجة الثانية: قالوا: الإخوة يستوون مع الجد في سبب استحقاق الإرث، فينبغي أن يتساووا في الإرث.

ووجه الاستواء في سبب استحقاق الإرث أن كلاً من الإخوة والجد يدلي بالأب، فالجد أبو الأب، والأخ ابنه، فبما أن الإخوة والجد يدلون بالأب، فلا ينبغي أن يقدم واحد ويمنع الآخر.

أي: فإذا استووا في سبب استحقاق الإرث، ينبغي أن لا يحجب بعضهم بعضاً، قال أئمتنا: ولا تنقص قرابة البنوة عن قرابة الأبوة إن لم تكن أقوى منها، وهذا أشار إليه أيضاً الإمام ابن قدامة في المغني في المكان المتقدم.

الأخ ابن الأب، والجد أبو الأب، فإذا لم تزد قرابة البنوة وهو الأخ على قرابة الجد الذي هو يعتبر أباً للأب، فلا أقل من أن تكون مساوية لها، مع أن في الأصل البنوة أقوى من الأبوة، يعني: الفرع أقوى من الأصل، فالابن يقدم على الأب في التعصيب، ولذلك لو وجد فرع وارث ذكر حجب الأب عن التعصيب، وهنا الأخ ابن الأب.

الدليل الثالث: القياس على أم الأب في عدم حجبها بالجد

الحجة الثالثة: قالوا: إن الأخ الذي يدلي بأب، سواء كان شقيقاً أو لأب يعتبر ولداً للأب، وهو يدلي به، فما ينبغي أن يسقطه الجد أبداً، لم؟ قال: كأم الأب، لا يسقطها الجد، لو مات وترك أباه وأم أبيه التي هي جدة للميت، فهل تسقط بالأب أم لا؟ قولان، لكن إذا كان مكان الجد أب فلا تسقط بالإجماع، لأنها لم تدل به.

فإذاً أم الأب تدلي بأب ولا يسقطها الجد، والأخ شقيقاً كان أو لأب يدلي بأب، فلا ينبغي أن يسقطه الجد.

كما أن الجدة عندما أدلت بأب ما أسقطها الجد، وهكذا الإخوة الأشقاء أو لأب يدلون بأب فما ينبغي أن يسقطهم الجد، يعني: هو لو كان في المسألة أب لأسقط أمه التي هي جدة على بعض الأقوال، ولأسقط الإخوة بالاتفاق، لكن إذا جاء مكان الأب جد، فكما أنه لا يسقط الجدة فلا ينبغي أن يسقط الإخوة الذين يدلون بأب؛ لأن الأمر واحد، الجدة أدلت بأب فما سقطت، والإخوة أدلوا بأب فما ينبغي أن يسقطوا، ولا يجوز أن ينزل الجد منزلة الأب في هذه الأحوال.

وهذه حجج كما ترون معتبرة، وما بعد ذلك هل هي أقوى من حجج القول الأول أو دونها هذا موضوع آخر، لكن هذا القول ما أتى من فراغ، وما أتى من بنيات الأذهان, وهي أقوال معتبرة قررها أئمتنا الكرام، لكن في الحقيقة حججها معتبرة.

وهذه الحجة ذكرها في العذب الفائض (1/108).

الدليل الرابع: القياس على عدم حجبه للبنت

الحجة الرابعة: قالوا: إن الأخت التي تدلي بأب فرضها النصف إذا انفردت سواء كانت شقيقة أو لأب، فحالها كحال البنت، وإذا تعددت أختان أو أكثر، ففرضهما الثلثان كحال البنات، وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي للجد أن يسقط الأخوات، كما أنه لا يسقط البنات.

يعني: هذه أنثى لها فرض، تنزل منزلة البنت، هي لا ترث بوجود البنت؛ لأنه لو وجدت بنت لا ترث الأخت فرضاً بالاتفاق، إذا وجد الفرع الوارث إن كان ذكراً حجب الإخوة والأخوات كلهم، وإن كان الفرع الوارث أنثى لا يرث أحد من الأخوات عن طريق الفرض، وممكن أن يرثن عن طريق تعصيب مع الغير كما تقدم، إنما الآن لا يوجد بنات، الأخوات يأخذن ميراث البنات، فالواحدة لها النصف، وإذا تعددت الأخوات لهن الثلثان.

فإذاً: كما أن الجد لا يسقط البنت ويحجبها عن فرضها، فما ينبغي أن يسقط الأخت والأخوات، وهذا أشار إليه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (12/23).

الدليل الخامس: قوة قرابة الأخ

الحجة الخامسة لهذا القول: إن الأخ يعصب أخته، كالابن يعصب أخته، بخلاف الجد، فلا يعصب الجدة أبداً، وهذا دليل على قوة قرابة الأخ، وأنها تزيد على قوة قرابة الجد، لينتفع هذا الأخ بالإرث أكثر من الأنثى.

لو وجد أخ وأخت فله ضعف ما لها، فلها نصف ما لأخيها؛ لكن لو وجد جد وجدة، قد يأخذ هو السدس، وتأخذ هي السدس عن طريق الفرض، يعني: الآن ما زاد عليها في التضعيف، فإذاً الجد لا يعصب الجدة بحال، سواء هناك فرع وارث أم لا، فلا يعصبها، أما الأخ متى ما وجدت معه أخته عصبها، والتعصيب في الذكر الوارث للأنثى الوارثة التي من جهته وفي درجته يدل على قوة قرابته، أي: دليل على قوة القرابة في الإخوة، سواء كانوا ذكوراً أو أناثاً، فهذا دليل خامس ذكره صاحب العذب الفائض في المكان المتقدم.

الدليل السادس: تعقيب الإخوة لأخواتهم بخلاف الجد

الحجة السادسة: ويقرب من الدليل الرابع الذي ذكره الحافظ ابن حجر: لكن هناك بخصوص الأخوات، أما هنا فالإخوة والأخوات من ذكور وإناث.

الإخوة والأخوات يرثون كالأولاد من بنين وبنات فرضاً وعصوبةً، بخلاف الجد، فالجد لا يعصب الجدة، وليس حاله كحال الإخوة في ذلك، فالإخوة والأخوات ينزلون منزلة الأولاد من بنين وبنات، وأقوى الورثة قرابة في الإرث هم الأولاد من بنين وبنات، فالإخوة ملحقون بهم في ذلك، فالأنثى ترث فرضاً والذكر يرث تعصيباً، وإذا اجتمعا عصب الذكر الأنثى، والجد ليس كذلك، فهذه الاعتبارات لا تحصل للجد، فما ينبغي أن يحجب الجد الإخوة، هذا ذكره صاحب العذب الفائض أيضاً.

الدليل السابع: تنزيل الإخوة منزلة الفرع الوارث في حجب الأم

الحجة السابعة: قالوا: إن الأخ الذي يدلي بأب يقوم مقام الولد في حجب الأم من الثلث إلى السدس، وليس كذلك الجد، يعني: مات وترك أماً وأخوين شقيقين، الأم الآن لها سدس، وحجبت من الثلث إلى السدس والباقي للأخوين، لكن لو مات وترك أماً وجداً، الأم لها ثلث ولا يحجبها الجد.

فإذاً كون الإخوة ينزلون منزلة الفرع الوارث في حجب الأم من الثلث إلى السدس يدل على قوة القرابة فيهم بالنسبة للميت؛ لينتفعوا بالإرث أكثر من انتفاع الأم، ولئلا تنفرد بالثلث كاملاً جاءوا وأخذوا نصف الثلث منها وهو السدس، فأعطوها سدساً وأخذوا سدساً.

وأما الجد فإذا كان أقوى قرابة من الإخوة، -يعني: على قولكم- ينبغي أن نسقط الأم، وإذا لم يسقطها فلا أقل من أن ينزلها من الثلث إلى السدس، وهذا ما حصل في الجد، وإذا كان كذلك فكيف يحجب الإخوة بالجد؟ وهذا ذكره الحافظ في الفتح في المكان المتقدم (12/23).

الدليل الثامن: إسقاط فرع الأخ لفرع الجد

الحجة الثامنة: يقول: فرع الأخ -وهو ابن الأخ، من ابن أخ شقيق أو ابن أخ لأب- يسقط فرع الجد، وهو العم، وقوة الفرع تدل على قوة الأصل، وهذا ذكره صاحب العذب الفائض.

وهذا محل إجماع، فلو أن الميت مات وترك فرع أخيه (ابن أخ)، وفرع جده الذي هو عم شقيق أو عم لأب، فالمال كله لابن الأخ تعصيباً، والعم محجوب.

طيب إذا كان فرع الأخ أقوى من فرع الجد، أما يدل على أن الأخ أقوى من الجد؟ بلى؛ لأن قوة الفرع تدل على قوة الأصل.

تقدم معنا في ترتيب العصبات، قلنا: يقدم الإخوة ثم بنوهم على الأعمام وبنيهم، مهما نزل الإخوة فالأخ يقدم على أبناء الإخوة، فإذا لم يوجد أخ شقيق أو لأب نأتي لأبناء الإخوة، ابن أخ، ابن ابن أخ، ابن ابن ابن أخ، مهما نزل يقدم على العم؛ كما تقدم معنا:

فبالجهة التقديم ثم بقربه وبعدهما التقديم في القوة اجعلا

فجهة الإخوة وجهة أبناء الإخوة تقدم على جهة العمومة، ومهما علت جهة العموم أو مهما نزلت جهة أبناء الإخوة، ففرع الأخ الذي هو ابن أخ، يقدم على فرع الجد الذي هو عم، والتقديم يدل على القوة، وإذا كان هذا الفرع أقوى من ذلك الفرع، أي: فرع الأخ أقوى من فرع الجد، فينبغي أن يكون الأخ أقوى من الجد؛ لذلك تقدم معنا أن زيد بن ثابت كان في أول الأمر يورث الإخوة ويحجب الجد، على عكس قول أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، إذاً هذا دليل ثامن ذكره صاحب كتاب العذب الفائض،(1/107).

الدليل التاسع: كون البنوة أقوى من الأبوة

الحجة التاسعة: الأخ ابن أب الميت، والجد أبو أبيه، وهذا يختلف عن الدليل الثاني الذي ذكرناه وقلنا: يستوون في سبب الاستحقاق.

هناك يدلون بأب، هذا ابنه وذاك أبوه، هنا تقريباً نفس عرض تلك الحجة لكن من وجهة أخرى يستدل بها أيضاً، وهو دليل تاسع:

الأخ ابن أب الميت؛ لأنه يدلي ببنوته لأب الميت، والجد أبو أبيه، والبنوة أقوى من الأبوة باتفاق الفرضيين، بدليل أن الابن مهما نزل يحجب عصوبة الأب، كما في كتاب العذب الفائض.

اختلف الدليل، هناك قلنا: الجد يدلي بأب، والأخ يدلي بأب، فإذا استووا بسبب الاستحقاق فلا ينبغي أن يقدم واحد منهما عن الآخر.

لكن هنا نقول: الأخ أقوى؛ لأن الأخ ابن أب الميت، والجد أبو أبيه، والبنوة أقوى من الأبوة، فكيف يحجب الأخ بالجد؟!

الدليل العاشر: قرابة الأخ لأخيه

الحجة العاشرة وهي: آخر الحجج لهذا القول: المثال الذي وضح به حال الإخوة مع الجد في قول زيد وعلي رضي الله عنهم وأجمعين، وتقدم معنا أن زيداً ضرب مثالاً بالشجرة، لكن في كتاب المغني كأنه حصل قلب، فهل عند الإمام ابن قدامة، أو عند الذين طبعوا كتابه؟ لا أدري! فوضع مثال الشجرة لـعلي، ومثال السيل لـزيد ، وهذا خلاف ما هو ثابت في كتب الآثار والحديث كما نقلت لكم، وذكرت سابقاً هذه الآثار، لكن أعيدها من باب تقريرها، وحجيتها لهذا القول.

زيد رضي الله عنه يقول: الجد حاله كحال الشجرة لها ساق واحد تقوم عليه وهو الجد.

هذا الساق انشعب منه غصن، ثم نبت منه غصنان، فالساق هو الجد، وهذا الغصن هو الأب، والغصنان هذا أخ وهذا أخ، يقول زيد : فإذا تلف أحد الغصنين بأن مات وعطب، أين يذهب غذاؤه؟ يذهب إلى أخيه، فالغذاء الذي يمتد إلى أعلى كان ينصرف إلى غصنين منشعبين من الأب فبدأ يذهب إلى غصن واحد، فينبغي إذاً أن يأخذ الأخ مال أخيه ولا نعيده إلى الساق.

لو كان الأب حياً فالأمر واضح؛ لأنه سيذهب إليه قبل أن يذهب إلى الفرع يقول: تعال أنت عدت إلى مجراك الطبيعي فيأخذه الأب، هذا محل اتفاق.

وعلي رضي الله عنه شبهه بسيل، وهذا السيل انشعبت منه أيضاً شعبة (نهر صغير، أو ساقية تجري منه)، وانشعبت منها شعبتان، فماء هذا السيل يصب في هذه الشعبة، هذه الشعبة هي الأب، هذه الشعبة انفتح منها فتحتان: هذه شعبة وهذه شعبة، فلو سدت هذه وتعطلت، فالماء الذي يندفع من الأب سيأتي إلى هذه الشعبة، يعني: ماء هذه الشعبة سينصرف إلى هذه، وعليه فالأخ أولى بإرث أخيه من جده.

هذا المثال العاشر التشبيه الذي حصل في قول زيد وقول علي يقرر هذا القول، وأن قرابة الأخ لأخيه إن لم تقدم على قرابة الجد فلا أقل من أن تساويها، وأن يشترك الأخ مع الجد في الإرث، والعلم عند الله عز وجل.

أول حجة من حجج هذا القول: قالوا: إن الإخوة الأشقاء أو لأب ثبت إرثهم بالنص من كتاب وسنة، وعلى ذلك الإجماع، فما ينبغي أن يحجبوا إلا بنص أو إجماع، أي بأمر متفق عليه، ولا يجوز أن ينقض بأمر مختلف فيه.

إرث الإخوة مجمع عليه، وورد في النصوص الشرعية من الآيات القرآنية وأحاديث خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، وأجمع علماء الشريعة الإسلامية على أن الإخوة وارثون، إذا كنت ستحجبهم بالجد لا بد من نص أو إجماع، فإذا كان هناك إجماع، انتهينا فلا خلاف ولا معارضة، وإذا كان هناك نص فالأمر كذلك، أما من ثبت إرثه بنص وإجماع، ثم يحجب عن الإرث ويمنع منه بأمر مختلف فيه، ففي الحقيقة لا يتكافأ الأمران، هذه الحجة الأولى، ولذلك قالوا: لا بد من توريث الإخوة مع الجد، وقلت: هذا الدليل أشار إليه الإمام ابن قدامة في المغني (7/65).

الحجة الثانية: قالوا: الإخوة يستوون مع الجد في سبب استحقاق الإرث، فينبغي أن يتساووا في الإرث.

ووجه الاستواء في سبب استحقاق الإرث أن كلاً من الإخوة والجد يدلي بالأب، فالجد أبو الأب، والأخ ابنه، فبما أن الإخوة والجد يدلون بالأب، فلا ينبغي أن يقدم واحد ويمنع الآخر.

أي: فإذا استووا في سبب استحقاق الإرث، ينبغي أن لا يحجب بعضهم بعضاً، قال أئمتنا: ولا تنقص قرابة البنوة عن قرابة الأبوة إن لم تكن أقوى منها، وهذا أشار إليه أيضاً الإمام ابن قدامة في المغني في المكان المتقدم.

الأخ ابن الأب، والجد أبو الأب، فإذا لم تزد قرابة البنوة وهو الأخ على قرابة الجد الذي هو يعتبر أباً للأب، فلا أقل من أن تكون مساوية لها، مع أن في الأصل البنوة أقوى من الأبوة، يعني: الفرع أقوى من الأصل، فالابن يقدم على الأب في التعصيب، ولذلك لو وجد فرع وارث ذكر حجب الأب عن التعصيب، وهنا الأخ ابن الأب.

الحجة الثالثة: قالوا: إن الأخ الذي يدلي بأب، سواء كان شقيقاً أو لأب يعتبر ولداً للأب، وهو يدلي به، فما ينبغي أن يسقطه الجد أبداً، لم؟ قال: كأم الأب، لا يسقطها الجد، لو مات وترك أباه وأم أبيه التي هي جدة للميت، فهل تسقط بالأب أم لا؟ قولان، لكن إذا كان مكان الجد أب فلا تسقط بالإجماع، لأنها لم تدل به.

فإذاً أم الأب تدلي بأب ولا يسقطها الجد، والأخ شقيقاً كان أو لأب يدلي بأب، فلا ينبغي أن يسقطه الجد.

كما أن الجدة عندما أدلت بأب ما أسقطها الجد، وهكذا الإخوة الأشقاء أو لأب يدلون بأب فما ينبغي أن يسقطهم الجد، يعني: هو لو كان في المسألة أب لأسقط أمه التي هي جدة على بعض الأقوال، ولأسقط الإخوة بالاتفاق، لكن إذا جاء مكان الأب جد، فكما أنه لا يسقط الجدة فلا ينبغي أن يسقط الإخوة الذين يدلون بأب؛ لأن الأمر واحد، الجدة أدلت بأب فما سقطت، والإخوة أدلوا بأب فما ينبغي أن يسقطوا، ولا يجوز أن ينزل الجد منزلة الأب في هذه الأحوال.

وهذه حجج كما ترون معتبرة، وما بعد ذلك هل هي أقوى من حجج القول الأول أو دونها هذا موضوع آخر، لكن هذا القول ما أتى من فراغ، وما أتى من بنيات الأذهان, وهي أقوال معتبرة قررها أئمتنا الكرام، لكن في الحقيقة حججها معتبرة.

وهذه الحجة ذكرها في العذب الفائض (1/108).

الحجة الرابعة: قالوا: إن الأخت التي تدلي بأب فرضها النصف إذا انفردت سواء كانت شقيقة أو لأب، فحالها كحال البنت، وإذا تعددت أختان أو أكثر، ففرضهما الثلثان كحال البنات، وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي للجد أن يسقط الأخوات، كما أنه لا يسقط البنات.

يعني: هذه أنثى لها فرض، تنزل منزلة البنت، هي لا ترث بوجود البنت؛ لأنه لو وجدت بنت لا ترث الأخت فرضاً بالاتفاق، إذا وجد الفرع الوارث إن كان ذكراً حجب الإخوة والأخوات كلهم، وإن كان الفرع الوارث أنثى لا يرث أحد من الأخوات عن طريق الفرض، وممكن أن يرثن عن طريق تعصيب مع الغير كما تقدم، إنما الآن لا يوجد بنات، الأخوات يأخذن ميراث البنات، فالواحدة لها النصف، وإذا تعددت الأخوات لهن الثلثان.

فإذاً: كما أن الجد لا يسقط البنت ويحجبها عن فرضها، فما ينبغي أن يسقط الأخت والأخوات، وهذا أشار إليه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (12/23).