شرح اعتقاد أهل السنة [16]


الحلقة مفرغة

من عقيدة أهل السنة الترضي عن الصحابة والكف عن الوقيعة في الصحابة، وتأول القبيح عليهم، ويكلونهم فيما جرى بينهم على التأويل إلى الله عز وجل، وسبب إدخال هذا في العقيدة أن هناك أعداءً للصحابة أخذوا يولدون عليهم قصصاً ويلصقونها بهم ويعيبونهم بها.

إما من الخوارج الذين قاتلهم علي ومن معه من الصحابة، ولا بد أن يكون لهم بقايا، وإما من الرافضة الذين غلوا في علي وذريته وجفو في حق بقية الصحابة، ولما غلب عليهم هذا الجفاء وحقدوا على الصحابة كان من آثار حقدهم أن ولدوا عليهم حكايات لا أصل لها، وتتبعوا عثرات وجدت من بعضهم، فجعلوا من الحبة قبة ومن الصغيرة كبيرة، وحملوا كلامهم على محامل بعيدة عن العقول، ونسوا أو تناسوا فضائل الصحابة وأعمالهم الجليلة التي تميزوا بها عمن سواهم، وأخذوا يكيلون لهم من التهم ويرمونهم بالعظائم ويسبونهم، من أجل ذلك كان من اعتقاد أئمة الحديث الكف عن الوقيعة فيهم، أي: عن السب لهم، وذلك يستلزم ذكر فضائلهم ومحاسنهم، والثناء عليهم والترضي عنهم، واعتقاد أنهم خير قرون هذه الأمة، كما خيرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، كما أن الأمة أفضل الأمم، فإذا كانت الأمة المحمدية أفضل الأمم التي سبقتها فإن هذه الأمة أيضاً تتفاضل، فأفضلهم القرن الذي بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان كذلك فإن ما يرويه أعداؤهم من تلك المثالب والعيوب التي يقدحون بها فيهم أكثره كذب لاشك فيه، وذلك لأن العدو لابد أن يكذب على من عاداه، وما أكثر ما افترى عليهم أعداؤهم وقالوا عليهم ما لم يقولوا، وظنوا بهم ما ليس له أصل ولا حقيقة، ولم يبالوا أنهم يقولون الكذب.

فإذا قرأنا في كتب الرد على الرافضة نجد أنهم يتعمدون الكذب عليهم، حتى يقول بعض السلف لما ذكر الرافضة: لو كذبت لهم حديثاً لملئوا جيبي ذهباً. أي: لو كذبت لهم حديثاً يناسبهم لكافئوني وأعطوني ما يقدرون عليه. وهذا يدل على أنهم يتعمدون الكذب.

ونقول أيضاً: إذا كان فيها شيءٌ واقع فإن الأعداء يحملونه ما لا يحتمل، وإذا كان فيها شيء صحيح فإنه يغير عن هيئته ويزاد فيه، ويروونه على غير ما هو عليه، فيكونون قد زادوا فيه أو غيروا أسلوبه، ومعلوم أن الأسلوب يغير الحقيقة، فالإنسان قد يحكي قصة يعبر عنها بأسلوب تكون مدحاً، ثم يعبر عنها بأسلوب آخر يكون ذماً، يقول الشاعر:

في زخرف القول تزيين لمنهجه والحق قد يعتريه سوء تعبير

تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيئ الزنابير

إن قلت: هذا مجاج النحل -تعني العسل- فهذه كلمة مدح، وإن قلت: هذا قيئ الزنابير فهذه كلمة ذم، والكل صحيح.

فالحاصل أن تلك القصص إذا رويت بأسلوب فيه قدح أصبحت معايب ومثالب، مع أنها في الحقيقة قد تكون مدائح، ولنأت على ذلك بأمثلة مما يذكر عند الرافضة.

قصة صلح الحديبية ورد طعنهم

لما اصطلح النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش في صلح الحديبية على أن يرجعوا في ذلك العام، وعلى أن من جاءهم مسلماً من أهل مكة يردونه إلى أهل مكة، ومن ارتد من المسلمين فإنه لا يرد على المسلمين كانت هذه الشروط مما ساءت الصحابة جميعاً، وتمنوا أنهم يدخلون مكة ويقاتلون، وقد كانوا بايعوا قبل ذلك بيعة الرضوان، فاستاء لذلك الصحابة، وكان ممن ظهر استياؤه عمر رضي الله عنه، فهو الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: ألست تعدنا أننا ندخل مكة ونطوف بالبيت قال: بلى. ولكن هل قلت لك: إنك تدخلها هذا العام؟ قال: لا. قال: فإنك داخل البيت ومطوف به. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: إني رسول الله، ولن يضيعني، ولست أعصيه).

هذه قصة عمر في هذه المقالة، فماذا تفهم منها أيها السني؟ أفهم منها أنها دليل على حماسه وغيرته، وأنه يحب أن يتجشم المشقة ويقاتل ولو قتل؛ لأنه إذا قتل فإنه في الجنة، وأنه مع ذلك يحب أن يذل هؤلاء الكفار الذين أخرجوا الرسول من بلده وصدوه عن البيت، وتحمس أيضاً لأن بعضاً من الذين يأتون مسلمين مع ذلك يردون إلى المشركين ويلقون الأذى والعذاب، هذه أفعال تدل على حماسه وغيرته، وتدل على محبته للجهاد وللتفاني في سبيل الله ولنصرة الإسلام.

هذا الذي نفهم منها، ولكن الرافضة تحملها ما لا تحتمل، وقالوا: إنه بذلك ينتقد حكم الرسول، ويعترض على حكم الله ورسوله، إنه بذلك يرد تدبير الرسول ويرد أمره، إن ذلك دليل على حقده على دين الإسلام. وغير ذلك، فجعلوها مثالب وحملوها ما لا تحتمل.

وعمر رضي الله عنه ندم بعد ذلك، يقول: (فعملت لذلك أعمالاً) يعني: بسبب هذا الاعتراض، فتجرأت وتسرعت ومع ذلك فإني ندمت على ذلك وعملت أعمالاً صالحة أكفر بها مما فعلت. لا شك أنه ما حمله على هذا إلا الحماس، ثم أيضاً ليس هو وحده الذي كره ذلك، كل الصحابة كرهوا هذا الصلح، حتى إنه لما أمرهم بأن يحلقوا وبأن يتحللوا توقفوا، وقالوا: أنحلق قبل أن نكمل عمرتنا؟! فامتنعوا كلهم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة فأخبرها أنه يأمر ولا ينفذ أمره، فأرشدته إلى أن يخرج ويدعو الحلاق فيحلق رأسه، فلما رأوه بدأ يحلق رأسه أخذ بعضهم يحلق لبعض، فكراهيتهم لذلك كلهم يدل على أنهم يحبون أن يقاتلوا المشركين ولا يرجعوا قبل أن يكملوا عمرتهم، ومنهم عمر ، ولكن الرافضة ما توجهوا إلا على عمر .

وفاة النبي وطعنهم في عمر بصرف الخلافة عن علي

لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم زاره بعض أصحابه فأخذ يوصيهم بوصايا قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بما كنت أجيزهم، وسكت في الثالثة أو نسيها، وقال في تلك الحال: ائتوني بكتاب أكتب لكم عن كتاب لا تضلوا بعده)، وكان في البيت أصوات، فقال عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعب وشق عليه فدعوه وعندنا كتاب الله تعالى لا نضل بعده، فلم يكتب لهم، هكذا ورد الحديث عنه أنه قال: (عندنا كتاب الله) والرافضة قالوا: هذا حقد من عمر ، أراد بذلك أن يصرف الإمامة عن علي، وإن الرسول لما طلب كتاباً ما أراد بذلك إلا أن يكتب الخلافة لـعلي ، ولكن عمر لما فطن لذلك صرفهم عن الكتاب ومنع الرسول أن يكتب الكتاب، فجعلوا ذلك عيباً لـعمر ، ويذكر أن ذلك يذكره صاحب الكتاب الذي عنوانه (ثم اهتديت)، وهو مغربي ضل لما زار الرافضة ونصرهم، وصاحب كتاب (المراجعات)، وكذلك ابن المطهر .

فالحاصل أنه في هذه الحال ما أراد إلا الرفق بالنبي صلى الله عليه وسلم لما رآه متعباً مجهداً، وعلم أيضاً أن في الكتاب ما يدل عليه في كتاب الله تعالى، فهل يكون عليه عيب في هذا؟ نقول: لا شك أنه ليس عليه عيب، بل الأصل أنه رضي الله عنه ما أراد إلا خيراً، ولم يرد أن يصرف النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء يريده، ثم أيضاً أهل السنة يقولون: إنه لو استخلف لما استخلف غير أبي بكر ، ويدل عليه أنه استخلفه في الصلاة، وأنه قال: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر)، وغير ذلك من الأدلة التي أشار إليها تدل على أن الخليفة بعده أبو بكر ، فلو كتب كتاباً في الولاية لما ولى غير أبي بكر .

إذاً الرافضة في قولهم: إن عمر أراد بذلك أن يحقد على علي، وإنه أراد بذلك صرفه عن أي وصية لـعلي هذا من بهتانهم وكذبهم.

ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وتحقق موته أنكر ذلك كثير من الصحابة، ومنهم عمر ، وظنوا أنه إغماء، فكان عمر يقول: لا تقولوا مات، إنه حي، وسيجلد أناساً قالوا ذلك. وما أرد بذلك إلا إحسان الظن، وأن الله تعالى سيمتعه حتى يعيش، وفي نظره أنه مغمى عليه وأنه لم يمت، ولكن الرافضة حملوا فعله هذا على محمل بعيد، فقالوا: ما أراد بذلك إلا أن ينشئ انشغالاً عن استخلاف علي حتى يأتي أبو بكر ، وكان أبو بكر غائباً، فأراد بذلك أن ينشغلوا، وإلا فإنه متيقن بأنه قد مات وبأن الموت واقع لا محالة، ولكن لما خاف أنهم يقولون: إنه استخلف علياً ، وإنه ولى علياً . أراد بذلك أن يشغلهم.

وعلي لم يقل: إني خليفة. ولم يقل أحد: إنه خليفة. ولم يقل أحد: إنه إمام وإنه استخلفه أو ولاه. وأبو بكر أيضاً لم يقل: إني مستخلف. ولم يكن يطلب خلافة، ولكن يظنون الظنون البعيدة، فيحملون الكلام ما لا يطيقه وما لا يتحمله.

ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد جهز جيشاً إلى الشام وأمر عليهم أسامة بن زيد ، وأمر أن يكون فيهم أبو بكر وعمر ، فلما توفي صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر قد استخلف وأصبح والياً على المسلمين، فلابد أن يجلس في المدينة ، ومن الضروري أن يجلس معه عمر؛ لأنه معه كالوزير، أما الجيش فإنه جهزه أبو بكر وأرسله إلى الشام، فأغار على الدور ورجع سالماً غانماً، فجعلوا هذا أيضاً من المثالب، فقالوا: لماذا تخلفوا عن جيش أسامة ؟ ما أردوا بذلك إلا أن يظلموا علياً حقه، وأن يبخسوه ويتولوا الولاية ويأخذوها عنه. ونحو ذلك، وكل هذا أيضاً من البهتان والكذب عليهم.

فالحاصل أنهم بذلك وجهوا هذه المثالب إلى الصحابة رضي الله عنهم يريدون بذلك التشفي وتبرير مواقفهم ومعتقداتهم.

مكفرات الذنوب للصحابة

معلوم أن الصحابة كغيرهم بشر ليسوا معصومين، فإذا قدر أن أحداً منهم وقع منه ذنب فنحمله على أنه قد تاب منه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

ثانياً: أن يكون عمل أعمالاً صالحة تمحو عنه ذلك الذنب.

ثالثاً: أن يكون غفر لهم بفضل سبقهم إلى الإسلام وسابقتهم إليه، فيكونون أحق بأن تغفر لهم تلك الذنوب.

رابعاً: أنها تغفر لهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم أولى الناس بشفاعته لكونهم أهل صحبته وأهل رفقته والاجتماع معه، فإذا كان هذا في الذنوب الحقيقية أنها تغفر له بالتوبة أو بالأعمال الصالحة، أو لسابق الإسلام، أو بالشفاعة، أو بالابتلاء والامتحان والمصائب التي حصلت عليهم، أو باستغفار السلف لهم ودعاء الأمة لهم -وإلى الآن وهي تترضى عنهم وتترحم عليهم- إذا كان هذا في الذنوب الحقيقية فكيف بتلك الأمور التي وقعت منهم وليست ذنوباً، ولكنها اجتهادات منهم رضي الله عنهم؟! والاجتهاد معروض على النظر، فإن كانوا مصيبين فلهم أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن كانوا مخطئين فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور؛ لأنهم لم يتعمدوه.

لما اصطلح النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش في صلح الحديبية على أن يرجعوا في ذلك العام، وعلى أن من جاءهم مسلماً من أهل مكة يردونه إلى أهل مكة، ومن ارتد من المسلمين فإنه لا يرد على المسلمين كانت هذه الشروط مما ساءت الصحابة جميعاً، وتمنوا أنهم يدخلون مكة ويقاتلون، وقد كانوا بايعوا قبل ذلك بيعة الرضوان، فاستاء لذلك الصحابة، وكان ممن ظهر استياؤه عمر رضي الله عنه، فهو الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: ألست تعدنا أننا ندخل مكة ونطوف بالبيت قال: بلى. ولكن هل قلت لك: إنك تدخلها هذا العام؟ قال: لا. قال: فإنك داخل البيت ومطوف به. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: إني رسول الله، ولن يضيعني، ولست أعصيه).

هذه قصة عمر في هذه المقالة، فماذا تفهم منها أيها السني؟ أفهم منها أنها دليل على حماسه وغيرته، وأنه يحب أن يتجشم المشقة ويقاتل ولو قتل؛ لأنه إذا قتل فإنه في الجنة، وأنه مع ذلك يحب أن يذل هؤلاء الكفار الذين أخرجوا الرسول من بلده وصدوه عن البيت، وتحمس أيضاً لأن بعضاً من الذين يأتون مسلمين مع ذلك يردون إلى المشركين ويلقون الأذى والعذاب، هذه أفعال تدل على حماسه وغيرته، وتدل على محبته للجهاد وللتفاني في سبيل الله ولنصرة الإسلام.

هذا الذي نفهم منها، ولكن الرافضة تحملها ما لا تحتمل، وقالوا: إنه بذلك ينتقد حكم الرسول، ويعترض على حكم الله ورسوله، إنه بذلك يرد تدبير الرسول ويرد أمره، إن ذلك دليل على حقده على دين الإسلام. وغير ذلك، فجعلوها مثالب وحملوها ما لا تحتمل.

وعمر رضي الله عنه ندم بعد ذلك، يقول: (فعملت لذلك أعمالاً) يعني: بسبب هذا الاعتراض، فتجرأت وتسرعت ومع ذلك فإني ندمت على ذلك وعملت أعمالاً صالحة أكفر بها مما فعلت. لا شك أنه ما حمله على هذا إلا الحماس، ثم أيضاً ليس هو وحده الذي كره ذلك، كل الصحابة كرهوا هذا الصلح، حتى إنه لما أمرهم بأن يحلقوا وبأن يتحللوا توقفوا، وقالوا: أنحلق قبل أن نكمل عمرتنا؟! فامتنعوا كلهم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة فأخبرها أنه يأمر ولا ينفذ أمره، فأرشدته إلى أن يخرج ويدعو الحلاق فيحلق رأسه، فلما رأوه بدأ يحلق رأسه أخذ بعضهم يحلق لبعض، فكراهيتهم لذلك كلهم يدل على أنهم يحبون أن يقاتلوا المشركين ولا يرجعوا قبل أن يكملوا عمرتهم، ومنهم عمر ، ولكن الرافضة ما توجهوا إلا على عمر .

لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم زاره بعض أصحابه فأخذ يوصيهم بوصايا قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بما كنت أجيزهم، وسكت في الثالثة أو نسيها، وقال في تلك الحال: ائتوني بكتاب أكتب لكم عن كتاب لا تضلوا بعده)، وكان في البيت أصوات، فقال عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعب وشق عليه فدعوه وعندنا كتاب الله تعالى لا نضل بعده، فلم يكتب لهم، هكذا ورد الحديث عنه أنه قال: (عندنا كتاب الله) والرافضة قالوا: هذا حقد من عمر ، أراد بذلك أن يصرف الإمامة عن علي، وإن الرسول لما طلب كتاباً ما أراد بذلك إلا أن يكتب الخلافة لـعلي ، ولكن عمر لما فطن لذلك صرفهم عن الكتاب ومنع الرسول أن يكتب الكتاب، فجعلوا ذلك عيباً لـعمر ، ويذكر أن ذلك يذكره صاحب الكتاب الذي عنوانه (ثم اهتديت)، وهو مغربي ضل لما زار الرافضة ونصرهم، وصاحب كتاب (المراجعات)، وكذلك ابن المطهر .

فالحاصل أنه في هذه الحال ما أراد إلا الرفق بالنبي صلى الله عليه وسلم لما رآه متعباً مجهداً، وعلم أيضاً أن في الكتاب ما يدل عليه في كتاب الله تعالى، فهل يكون عليه عيب في هذا؟ نقول: لا شك أنه ليس عليه عيب، بل الأصل أنه رضي الله عنه ما أراد إلا خيراً، ولم يرد أن يصرف النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء يريده، ثم أيضاً أهل السنة يقولون: إنه لو استخلف لما استخلف غير أبي بكر ، ويدل عليه أنه استخلفه في الصلاة، وأنه قال: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر)، وغير ذلك من الأدلة التي أشار إليها تدل على أن الخليفة بعده أبو بكر ، فلو كتب كتاباً في الولاية لما ولى غير أبي بكر .

إذاً الرافضة في قولهم: إن عمر أراد بذلك أن يحقد على علي، وإنه أراد بذلك صرفه عن أي وصية لـعلي هذا من بهتانهم وكذبهم.

ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وتحقق موته أنكر ذلك كثير من الصحابة، ومنهم عمر ، وظنوا أنه إغماء، فكان عمر يقول: لا تقولوا مات، إنه حي، وسيجلد أناساً قالوا ذلك. وما أرد بذلك إلا إحسان الظن، وأن الله تعالى سيمتعه حتى يعيش، وفي نظره أنه مغمى عليه وأنه لم يمت، ولكن الرافضة حملوا فعله هذا على محمل بعيد، فقالوا: ما أراد بذلك إلا أن ينشئ انشغالاً عن استخلاف علي حتى يأتي أبو بكر ، وكان أبو بكر غائباً، فأراد بذلك أن ينشغلوا، وإلا فإنه متيقن بأنه قد مات وبأن الموت واقع لا محالة، ولكن لما خاف أنهم يقولون: إنه استخلف علياً ، وإنه ولى علياً . أراد بذلك أن يشغلهم.

وعلي لم يقل: إني خليفة. ولم يقل أحد: إنه خليفة. ولم يقل أحد: إنه إمام وإنه استخلفه أو ولاه. وأبو بكر أيضاً لم يقل: إني مستخلف. ولم يكن يطلب خلافة، ولكن يظنون الظنون البعيدة، فيحملون الكلام ما لا يطيقه وما لا يتحمله.

ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد جهز جيشاً إلى الشام وأمر عليهم أسامة بن زيد ، وأمر أن يكون فيهم أبو بكر وعمر ، فلما توفي صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر قد استخلف وأصبح والياً على المسلمين، فلابد أن يجلس في المدينة ، ومن الضروري أن يجلس معه عمر؛ لأنه معه كالوزير، أما الجيش فإنه جهزه أبو بكر وأرسله إلى الشام، فأغار على الدور ورجع سالماً غانماً، فجعلوا هذا أيضاً من المثالب، فقالوا: لماذا تخلفوا عن جيش أسامة ؟ ما أردوا بذلك إلا أن يظلموا علياً حقه، وأن يبخسوه ويتولوا الولاية ويأخذوها عنه. ونحو ذلك، وكل هذا أيضاً من البهتان والكذب عليهم.

فالحاصل أنهم بذلك وجهوا هذه المثالب إلى الصحابة رضي الله عنهم يريدون بذلك التشفي وتبرير مواقفهم ومعتقداتهم.

معلوم أن الصحابة كغيرهم بشر ليسوا معصومين، فإذا قدر أن أحداً منهم وقع منه ذنب فنحمله على أنه قد تاب منه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

ثانياً: أن يكون عمل أعمالاً صالحة تمحو عنه ذلك الذنب.

ثالثاً: أن يكون غفر لهم بفضل سبقهم إلى الإسلام وسابقتهم إليه، فيكونون أحق بأن تغفر لهم تلك الذنوب.

رابعاً: أنها تغفر لهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم أولى الناس بشفاعته لكونهم أهل صحبته وأهل رفقته والاجتماع معه، فإذا كان هذا في الذنوب الحقيقية أنها تغفر له بالتوبة أو بالأعمال الصالحة، أو لسابق الإسلام، أو بالشفاعة، أو بالابتلاء والامتحان والمصائب التي حصلت عليهم، أو باستغفار السلف لهم ودعاء الأمة لهم -وإلى الآن وهي تترضى عنهم وتترحم عليهم- إذا كان هذا في الذنوب الحقيقية فكيف بتلك الأمور التي وقعت منهم وليست ذنوباً، ولكنها اجتهادات منهم رضي الله عنهم؟! والاجتهاد معروض على النظر، فإن كانوا مصيبين فلهم أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن كانوا مخطئين فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور؛ لأنهم لم يتعمدوه.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح اعتقاد أهل السنة [8] 2693 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [5] 2356 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [13] 2326 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [7] 2145 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [3] 1850 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [12] 1770 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [6] 1718 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [17] 1692 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [10] 1673 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [4] 1642 استماع