شرح اعتقاد أهل السنة [3]


الحلقة مفرغة

قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله تعالى في بيان اعتقاد أهل السنة:

[بسم الله الرحمن الرحيم، اعلموا -رحمنا الله وإياكم- أن مذهب أهل الحديث -أهل السنة والجماعة- الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله تعالى وما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نعدل عما ورد به ولا سبيل إلى رده؛ إذ كانوا مأمورين باتباع الكتاب والسنة مضموناً لهم الهدى فيهما، مشهوداً لهم بأن نبيهم صلى الله عليه وسلم يهدي إلى صراط مستقيم، محذرين في مخالفته الفتنة والعذاب الأليم.

ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، موصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد الكيف.

وأنه جل وعلا استوى على العرش بلا كيف، فإن الله تعالى أنهى إلى أنه استوى على العرش، ولم يذكر كيف كان استواؤه.

وأنه مالك خلقه، وأنشأهم لا عن حاجة إلى ما خلق، ولا لمعنى دعاه إلى أن خلقهم، لكنه فعال لما يشاء ويحكم ما يريد، لا يسأل عما يفعل والخلق مسئولون عما يفعلون، وأنه مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بأسمائه التي سمى ووصف بها نفسه وسماه ووصفه بها نبيه عليه السلام، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يوصف بما فيه نقص أو عيب أو آفة؛ فإنه عز وجل تعالى عن ذلك، وخلق آدم عليه السلام بيده، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف يداه؛ إذ لم ينطق كتاب الله تعالى فيه بكيف].

هكذا ابتدأ رحمه الله، وكأن الراوي حذف المقدمة ؛ لأن عادة المؤلفين البدء بمقدمة فيها حمد الله والثناء عليه والشهادتان، والدوافع التي تدفع إلى ذلك الموضوع، وبيان الموضوع، ولم يذكر في هذه الرسالة، فإما أن يكون المؤلف اقتصر على العقيدة بنفسها ولم يذكر المقدمة، وإما أن يكون بعضهم اختصر المقدمة وترك ما لا حاجة إليه وذكر ما إليه حاجة.

والخطاب بقوله: [اعلموا] عام للمسلمين الذين يقبلون الإرشادات والتعليمات والنصائح التي توجه إليهم؛ فإنهم هم الذين ينتفعون بما أمروا به، فالأمر بقوله: [اعلموا] أمر إرشاد وتوجيه ونصيحة، ومعناه أنه يأمركم، فإذا أردتم الخير وامتثلتم فإنكم مفلحون، ومن خالف ذلك وصد عنه فإنه يعتبر مخالفاً للنصيحة راداً لها.

دعا المصنف في أول هذه العقيدة بالرحمة، فقال: [رحمنا الله وإياكم]، وبدأ لنفسه فدعا بالرحمة ثم دعا بعد ذلك للمخاطبين بالرحمة، وهو دليل أيضاً على أنه يعترف بصفة الرحمة، أن الله تعالى واسع الرحمة، وأنه رحيم بعباده، والرحمة صفة فعلية يرحم الله بها من يشاء من خلقه، وقد اشتق منها لله سبحانه وتعالى أسماء كالرحمن والرحيم، وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، فالرحمة صفة لله تعالى ثابتة يرحم بها من يشاء من خلقه، وكذلك وضع الرحمة في قلوب عباده، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله جعل الرحمة مائة جزء، وأنه وضع حزءاً منها بين العالمين يتراحمون به حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وتلك الرحمة وضعها الله تعالى في قلبي الأبوين ونحوهما.

والرحمة في حق المخلوق رقة وشفقة على من يرحمه، فهو يرق قلبه أيضاً، أشفق عليه حتى حرص على إيصال الخير إليه ودفع الشر عنه، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال : (من لا يَرحم لا يُرحم)، وقال لمن رأى قلبه قاسياً : (أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟!)، فأفاد بأن الله يضع الرحمة في القلوب، والكلام هنا في أن الله رحيم بالعباد وأنه يرحم من يشاء، كما في قوله تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ [العنكبوت:21]، وأن من رحمه فقد سعد، كما في قوله : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، وقال : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [الأعراف:156] .

معنى المذهب لغة واصطلاحاً

قول المصنف رحمه الله: [أن مذهب].

المذهب هو المسلك الذي يسلك، يقال : هذا مذهب فلان. أي: طريقه الذي ذهب منه وسلكه. ويقال: فلان ذهب في مذهب فلان. بمعنى: في طريقه الذي سلكه. ولكن اصطلح على أن المراد بالمذهب القول الذي يقتدى به بعده، أو الذي يختاره ويرجحه، ويسمى مذهباً له، أي: مسلكاً سلكه وقولاً رجحه على غيره بدليل اقترن به.

أما المذاهب فيراد بها الأقوال التي تنسب إلى أربابها، ويطلق المذهب على كل قول قاله إمام مجتهد مات وهو مجتهد ومتمسك به، سواءٌ اقتدي به فيه أو لم يقتد به، وهو هنا أضاف المذهب إلى أهل الحديث.

أهل الحديث وسبب تسميتهم بذلك

قوله: [مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة]، وخصهم لأنهم القدوة، فمن يريد أن يقتدي بهم ويسير على نهجهم فليسلك هذا الطريق وليتمسك بهذا المذهب، ولأنهم أقرب إلى الصواب والنجاة والفلاح، ومعلوم أن أهل الحديث هم الذين تمسكوا به ؛ لأن الأصل أنهم رووا الأحاديث ودونوها واشتغلوا بها وفتشوا في صحيحها وضعيفها، ونقبوا فيما يصلح أن يقبل وما لا يصلح أن يقبل، فصار ديدنهم وشغلهم الشاغل هو الاشتغال بالحديث .

وما المراد بالحديث ؟ لا شك أنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتناقلونه.

وكان الصحابة رضي الله عنهم في أول أمرهم يقبلون الحديث ممن رواه وممن نقله، ولكن بعدما دخل في الإسلام من ليس بمسلم إسلاماً صحيحاً وأخذ يختلق أحاديث وأقوالاً وينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك اهتم المسلمون بهذه الأحاديث، فألزموا كل من روى حديثاً أن يذكر من حدثه به.

قال مسلم في مقدمة صحيحه: كانوا لا يسألون عن الإسناد، فلما ركب الناس الصعب والذلول قالوا : سموا لنا رجالكم. أي: حتى نعلم من يقبل ومن لا يقبل. فصاروا لا يأخذون الحديث ولا يتقبلونه إلا إذا عرفوا سنده، فصاروا يروونها بالأسانيد، فعند ذلك بحثوا في رجالها الذين نقلوها وترجموهم، وذكروا ما يقال فيهم، ومن هو أهل أن يكون محدثاً حافظاً، ومن ليس كذلك، فاشتغلوا بهذا، مثل الإمام البخاري ، فقد كان شغله بالحديث طوال حياته ومثل الإمام أحمد ويحيى بن معين وهو رفيق للإمام أحمد وله تاريخ وتراجم مطبوعة، وعلي بن المديني وله كتب مطبوعة، والإمام مسلم، وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم، وكذلك مَنْ قبلهم اشتغلوا بالأحاديث وبنقلها وبتتبعها، ورد ما ليس بثابت منها وما ليس بصحيح، وتثبيت الثابت الصحيح، وقبول رواية هذا وقبول رواية هذا، فصار شغلهم الشاغل دائماً في الأحاديث، فإذا جلسوا في مجلس إنسان فليس لهم إلا أن يقولوا: ماذا تحفظ -يا فلان- من الأحاديث؟ ما عندك من الأحاديث؟ هذا الحديث رواه فلان عن فلان، فماذا تعرفون عن الراوي الفلاني؟ وماذا تعرفون عن شيخه وشيخ شيخه؟ وهكذا يكون دائماً شغلهم في التنقيب عن الأحاديث، فلذلك سموا أهل الحديث وكفى بهذا الاسم شرفاً، وذلك لأنه الحديث الذي أضيف إليه صلى الله عليه وسلم.

تعريف السنة وسبب تسمية أهل السنة بذلك الاسم

تطلق السنة على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتقابل القرآن، فأنت تقول : أعطني دليلاً من الكتاب ومن السنة ومرادك بالسنة الأحاديث، فجعلت الأحاديث هي السنة ؛ لأنها الطريقة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة: اسم للطريقة التي يسار عليها كما روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال : سَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، وسَنَّ الخلفاء الراشدون بعده سنناً ..إلى آخره. ومراده بالسنن الطرق التي سنوها وشرعوها لمن بعدهم.

فالنبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته هذه الطرق التي يسيرون عليها، ألا وهي الأوامر والنواهي والأقوال والإرشادات، فسميت سنة لأنه بينها ووضحها، فكأنهم يسيرون عليها، فالسَنَن هي الطرق، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سَنَنِ من كان قبلكم) يعني : طرقهم. ولما قال له أصحابه: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. قال: (الله أكبر ! إنها السنن) يعني : الطرق المسلوكة قبلكم. فسماها سنناً، يعني: طرقاً ومماهد يسار عليها .

ثم أطلقت السنة على العقيدة السليمة، فيقال: السنة جاءت بكذا وكذا وكثيرٌ من العلماء سموا كتبهم بالسنة، فللإمام أحمد كتاب اسمه (السنة)، ولولده عبد الله كتاب اسمه (السنة)، ولتلميذه أبي بكر الخلال (السنة)، ولـابن أبي عاصم كتاب (السنة)، والمراد بالسنة هنا ما يعتقد، فلا تدخل في سنن الأفعال، أما كتاب المروزي -واسمه محمد بن نصر المروزي- فهو يتعلق بالأحاديث والذب عنها وتصحيحها وما يقال فيها، ولا يتعلق بالعقيدة، بخلاف كتاب (السنة) لـعبد الله ولأبيه ولتلميذه فإنها تتعلق بالعقيدة، ولبعض المتأخرين -وهو عالم يماني اسمه: ابن الوزير- كتاب مطبوع اسمه (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم)، فيراد بالسنة هنا الأحاديث، وكذلك أيضاً الأعمال.

والحاصل أن أهل العقيدة السلفية يسمون (أهل الحديث)، و(أهل السنة)، و(أهل الجماعة)، ويراد بالجماعة: المجتمعون على الحق والخير، والذين تجمعهم عقيدة سليمة ولو كان غيرهم أكثر منهم .

ولقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على لزوم الجماعة،ففي حديث أبي ذر المشهور قال النبي صلى الله عليه وسلم : (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وفي أحاديث كثيرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : (عليكم بالجماعة)، فهو يحث على لزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم .

المراد بالجماعة وعلى من تطلق

أطلقت الجماعة على أهل العقيدة السليمة ولو قلوا في بعض الأزمنة، والأصل أنهم السواد الأعظم والأكثرية، ولكن قد يقلون في بعض الأزمنة، ولـابن الجوزي كتاب اسمه (تلبيس إبليس)، وفي بعض الطبعات (نقد العلم والعلماء)، بدأه بمقدمة على الحث بلزوم الجماعة، وكأنه يشير إلى أن الأكثرين غالباً الأقرب إلى الصواب، ولكن لو قدر أن الصواب صار مع غيرهم فإنا نأخذ بمن معه الصواب ولو كانوا قليلاً، فالحق حق وإن قل أهله، والباطل باطل وإن كثر أهله.

ثم قد يراد بالجماعة أهل القرون المفضلة وبالأخص الصحابة، فكلهم على الحق لم يذكر فيهم مبتدع، والقرن الثاني وهم التابعون- الأصل فيهم أنهم على الحق؛ لأن فيهم الذين قرؤوا العلم وأخذوه عن الصحابة، وتلامذتهم تابعوا التابعين الأصل فيهم أنهم على الصواب والحق، وأما القرن الرابع وما بعده فهو الذي كثرت فيه البدع وكادت السنة أن تختفي.

إذاً فقد يقال: إن الجماعة هم السلف الصالح، والجماعة هم أهل القرون الثلاثة المفضلة الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه عقيدتهم.

قول المصنف رحمه الله: [أن مذهب].

المذهب هو المسلك الذي يسلك، يقال : هذا مذهب فلان. أي: طريقه الذي ذهب منه وسلكه. ويقال: فلان ذهب في مذهب فلان. بمعنى: في طريقه الذي سلكه. ولكن اصطلح على أن المراد بالمذهب القول الذي يقتدى به بعده، أو الذي يختاره ويرجحه، ويسمى مذهباً له، أي: مسلكاً سلكه وقولاً رجحه على غيره بدليل اقترن به.

أما المذاهب فيراد بها الأقوال التي تنسب إلى أربابها، ويطلق المذهب على كل قول قاله إمام مجتهد مات وهو مجتهد ومتمسك به، سواءٌ اقتدي به فيه أو لم يقتد به، وهو هنا أضاف المذهب إلى أهل الحديث.

قوله: [مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة]، وخصهم لأنهم القدوة، فمن يريد أن يقتدي بهم ويسير على نهجهم فليسلك هذا الطريق وليتمسك بهذا المذهب، ولأنهم أقرب إلى الصواب والنجاة والفلاح، ومعلوم أن أهل الحديث هم الذين تمسكوا به ؛ لأن الأصل أنهم رووا الأحاديث ودونوها واشتغلوا بها وفتشوا في صحيحها وضعيفها، ونقبوا فيما يصلح أن يقبل وما لا يصلح أن يقبل، فصار ديدنهم وشغلهم الشاغل هو الاشتغال بالحديث .

وما المراد بالحديث ؟ لا شك أنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتناقلونه.

وكان الصحابة رضي الله عنهم في أول أمرهم يقبلون الحديث ممن رواه وممن نقله، ولكن بعدما دخل في الإسلام من ليس بمسلم إسلاماً صحيحاً وأخذ يختلق أحاديث وأقوالاً وينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك اهتم المسلمون بهذه الأحاديث، فألزموا كل من روى حديثاً أن يذكر من حدثه به.

قال مسلم في مقدمة صحيحه: كانوا لا يسألون عن الإسناد، فلما ركب الناس الصعب والذلول قالوا : سموا لنا رجالكم. أي: حتى نعلم من يقبل ومن لا يقبل. فصاروا لا يأخذون الحديث ولا يتقبلونه إلا إذا عرفوا سنده، فصاروا يروونها بالأسانيد، فعند ذلك بحثوا في رجالها الذين نقلوها وترجموهم، وذكروا ما يقال فيهم، ومن هو أهل أن يكون محدثاً حافظاً، ومن ليس كذلك، فاشتغلوا بهذا، مثل الإمام البخاري ، فقد كان شغله بالحديث طوال حياته ومثل الإمام أحمد ويحيى بن معين وهو رفيق للإمام أحمد وله تاريخ وتراجم مطبوعة، وعلي بن المديني وله كتب مطبوعة، والإمام مسلم، وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم، وكذلك مَنْ قبلهم اشتغلوا بالأحاديث وبنقلها وبتتبعها، ورد ما ليس بثابت منها وما ليس بصحيح، وتثبيت الثابت الصحيح، وقبول رواية هذا وقبول رواية هذا، فصار شغلهم الشاغل دائماً في الأحاديث، فإذا جلسوا في مجلس إنسان فليس لهم إلا أن يقولوا: ماذا تحفظ -يا فلان- من الأحاديث؟ ما عندك من الأحاديث؟ هذا الحديث رواه فلان عن فلان، فماذا تعرفون عن الراوي الفلاني؟ وماذا تعرفون عن شيخه وشيخ شيخه؟ وهكذا يكون دائماً شغلهم في التنقيب عن الأحاديث، فلذلك سموا أهل الحديث وكفى بهذا الاسم شرفاً، وذلك لأنه الحديث الذي أضيف إليه صلى الله عليه وسلم.

تطلق السنة على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتقابل القرآن، فأنت تقول : أعطني دليلاً من الكتاب ومن السنة ومرادك بالسنة الأحاديث، فجعلت الأحاديث هي السنة ؛ لأنها الطريقة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة: اسم للطريقة التي يسار عليها كما روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال : سَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، وسَنَّ الخلفاء الراشدون بعده سنناً ..إلى آخره. ومراده بالسنن الطرق التي سنوها وشرعوها لمن بعدهم.

فالنبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته هذه الطرق التي يسيرون عليها، ألا وهي الأوامر والنواهي والأقوال والإرشادات، فسميت سنة لأنه بينها ووضحها، فكأنهم يسيرون عليها، فالسَنَن هي الطرق، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سَنَنِ من كان قبلكم) يعني : طرقهم. ولما قال له أصحابه: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. قال: (الله أكبر ! إنها السنن) يعني : الطرق المسلوكة قبلكم. فسماها سنناً، يعني: طرقاً ومماهد يسار عليها .

ثم أطلقت السنة على العقيدة السليمة، فيقال: السنة جاءت بكذا وكذا وكثيرٌ من العلماء سموا كتبهم بالسنة، فللإمام أحمد كتاب اسمه (السنة)، ولولده عبد الله كتاب اسمه (السنة)، ولتلميذه أبي بكر الخلال (السنة)، ولـابن أبي عاصم كتاب (السنة)، والمراد بالسنة هنا ما يعتقد، فلا تدخل في سنن الأفعال، أما كتاب المروزي -واسمه محمد بن نصر المروزي- فهو يتعلق بالأحاديث والذب عنها وتصحيحها وما يقال فيها، ولا يتعلق بالعقيدة، بخلاف كتاب (السنة) لـعبد الله ولأبيه ولتلميذه فإنها تتعلق بالعقيدة، ولبعض المتأخرين -وهو عالم يماني اسمه: ابن الوزير- كتاب مطبوع اسمه (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم)، فيراد بالسنة هنا الأحاديث، وكذلك أيضاً الأعمال.

والحاصل أن أهل العقيدة السلفية يسمون (أهل الحديث)، و(أهل السنة)، و(أهل الجماعة)، ويراد بالجماعة: المجتمعون على الحق والخير، والذين تجمعهم عقيدة سليمة ولو كان غيرهم أكثر منهم .

ولقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على لزوم الجماعة،ففي حديث أبي ذر المشهور قال النبي صلى الله عليه وسلم : (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وفي أحاديث كثيرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : (عليكم بالجماعة)، فهو يحث على لزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم .

أطلقت الجماعة على أهل العقيدة السليمة ولو قلوا في بعض الأزمنة، والأصل أنهم السواد الأعظم والأكثرية، ولكن قد يقلون في بعض الأزمنة، ولـابن الجوزي كتاب اسمه (تلبيس إبليس)، وفي بعض الطبعات (نقد العلم والعلماء)، بدأه بمقدمة على الحث بلزوم الجماعة، وكأنه يشير إلى أن الأكثرين غالباً الأقرب إلى الصواب، ولكن لو قدر أن الصواب صار مع غيرهم فإنا نأخذ بمن معه الصواب ولو كانوا قليلاً، فالحق حق وإن قل أهله، والباطل باطل وإن كثر أهله.

ثم قد يراد بالجماعة أهل القرون المفضلة وبالأخص الصحابة، فكلهم على الحق لم يذكر فيهم مبتدع، والقرن الثاني وهم التابعون- الأصل فيهم أنهم على الحق؛ لأن فيهم الذين قرؤوا العلم وأخذوه عن الصحابة، وتلامذتهم تابعوا التابعين الأصل فيهم أنهم على الصواب والحق، وأما القرن الرابع وما بعده فهو الذي كثرت فيه البدع وكادت السنة أن تختفي.

إذاً فقد يقال: إن الجماعة هم السلف الصالح، والجماعة هم أهل القرون الثلاثة المفضلة الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه عقيدتهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإقرار بالله...].

هكذا عبر بالإقرار، والمراد الاعتراف، تقول: أقر بالشيء: أي: اعترف به.

وقد تقول: لماذا لم يعبر بالإيمان كما ورد في حديث جبريل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأن تؤمن باليوم الآخر وتؤمن بالقدر) فقال: (تؤمن) ولم يقل: تقر؟

والجواب: كأن المؤلف هنا اختار لفظ الإقرار ؛ لأنه يريد به الاعتراف الظاهر الذي يسمع من المعترف بذلك على رؤوس الأشهاد، والإيمان كأنه خفي؛ لأنه تصديق القلب ويقينه وعقيدته، والإقرار: إظهار للشيء الذي أقر به وإعلان له على رؤوس الأشهاد وتمسك به ولا شك أن من أظهر هذا الاعتراف وقال: أنا أقر وأعترف بأن الله هو إلهنا، وأنه أنزل الكتب وأرسل الرسل وخلق الخلق، وله ملائكة كرام كاتبون. ويعترف بذلك نقبل ذلك منه.

لوازم الإقرار بالله

لم يذكر المصنف هنا إلا أربعة أركان: الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، ولم يذكر اليوم الآخر ولا القدر، ولكنه سيذكر ذلك فيما بعد وإن لم يفصل فيه تفصيلاً.

ولا شك أن الإقرار بهذه الأربعة يستلزم الإقرار بغيرها، فمن أقر بالله لزمه أن يقر بوجوده وبقدرته وبتصرفه وبتدبيره وبخلقه وبعلمه وبسائر صفاته التي وصف بها نفسه، وهذا هو الأصل، ولأجل ذلك تجد كثيراً من الأحاديث ذكر فيها الإقرار أو الإيمان بالله واليوم الآخر دون بقية أركان الإيمان، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ، وكقوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تَحدَّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج)؛ اقتصر على ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، فالإيمان بالله يدخل فيه التوحيد بأنواعه وأخبار الله تعالى والإيمان برسله؛ لأنهم جاؤوا بما أرسلهم به، ويدخل فيه الإيمان بكتبه؛ لأنها اشتملت على كلامه ووحيه وإرشاده، ويدخل فيه الإيمان بوعده وبوعيده ونحو ذلك، فهو الأصل، فمن آمن بالله أتبع إيمانه كل ما أخبر الله به وكل ما جاء عن الله تعالى.

الإيمان بوجود الله فرع عن الإيمان به

معلوم أن الإنسان إذا آمن بالله فأولاً يؤمن بوجود الله تعالى، ويرد بذلك على الشيوعيين والفلاسفة الدهريين والطبائعيين، وذلك لأن هؤلاء جميعاً لا يعترفون بخالق بل الأمر عندهم مسند إلى الطبائع، والطبائع هي التي تؤثر في هذا الكون، وفي منظومة لبعض المتأخرين يقول فيها:

ولا نصغي لعصري يفوه بما يناقض الشرع أو إياه يعتقد

يرى الطبيعة في الأشياء مؤثرة أين الطبيعة يا مخذول إذ وجدوا؟!

فأين الطبيعة قبل أن يوجدوا؟ وأين الطبيعة بعدما وجدوا؟ فهؤلاء الطبائعيون لا يؤمنون بوجود الله تعالى، والمسلم الذي يعتقد وجود الله تعالى يعترف بوجوده، وفي ثلاثة الأصول قال الشيخ رحمه الله: (إذا قيل لك: بم عرفت ربك فقل: بآياته ومخلوقاته)، يعني: عرفته بآياته التي منها الليل والنهار والشمس والقمر، وبمخلوقاته التي منها السموات والأرض وسائر المخلوقات، وهذه المخلوقات دالة على أن لها خالقاً.

ولقد تكلم ابن كثير رحمه الله على أول آية فيها أمر في تفسيره، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ [البقرة:21-22] فقال: هذه ست دلالات نصبها الرب تعالى ليعرفه العباد ويعترفون أنه ربهم الذي خلقهم، أي: أوجدهم وقد كانوا معدومين: وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:28]، (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ): الآباء والأجداد والأسلاف؛ فإن النعمة على الوالدين نعمة على الأولاد.

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً) أي: غطاء وبساطاً ليناً تجلسون وتتقلبون عليه كما تشاؤون، وكما فيها من آيات عظيمة، (وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) وجعلها سقفاً محفوظاً وبناء فوقكم (وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً) لا يقدر الخلق على أن ينزلوه، (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ) جعل هذه الأرض لينة تقبل أن تنبت النبات الذي يكون به غذاؤكم وبه تتم حياتكم.

ثم إنه -رحمه الله- ذكر أقوالاً ونقولاً عن السلف رحمهم الله يستدلون بها على وجود الخالق، فذكر أن أبا حنيفة جاءه قوم من الدهريين وسألوه عن وجود الله -يريدون أن يشككوه في وجود الرب تعالى- فقال لهم: إني منشغل بأمر رهيب. قالوا: وما هو؟ قال: ذكر لي أن هاهنا سفينة ليس فيها أحد، وأنها تسير وحدها في البحر، وترسي على الساحل، وتحمل نفسها أمتعة حتى تمتلئ، ثم تسير سيراً مستقيماً حتى تصل إلى بلاد أخرى، ثم تنزل ما فيها من الأمتعة مع اختلافها، وتعزل التمر والأكسية وغيرها كل بمفرده، ولا يختلط هذا بهذا، ومع ذلك ليس فيها أحد، وليس فيها من يسيرها ولا من يرسلها. فقالوا: وهل تصدق بهذا؟ لا يصدق بهذا إلا مجنون! السفينة خشبة، وكيف تحرك الخشبة نفسها؟ وكيف تسير بنفسها؟ وكيف تحمل نفسها وهي خشبة؟ فعند ذلك قال لهم: خصمتم، فأنتم تشاهدون هذا الكون، فهذه النجوم التي تسير من الذي خلقها وأوجدها؟ وهذان النيران -الشمس والقمر- من الذي سيرهما هذا السير المحكم؟ وهؤلاء الخلق من الذي بثهم في هذه الأرض؟ وهذه الأفلاك التي تسير في هذا الكون، وهذه الرياح من يصرفها كما يشاء، وهذه السحب من ينشئها؟! فعند ذلك انقطعوا وتابوا على يديه، فهذه حجة قوية.

وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذا السؤال فقال: ها هنا قصر مشيد محكم ليس له منفذ ولو كان رأس الإبرة، ظاهره فضة بيضاء وباطنه ذهب أصفر، محكم البناء، لا يصل إليه تصرف، ولا يصل إليه أدنى تدبير، بقي هذا القصر على ما هو عليه، وبينما هو كذلك إذ انكسر جداره فخرج من وسطه حيوان حي سميع بصير يأكل ويشرب ويتقلب ويتصرف لنفسه فيه جميع الحركات، كيف ولد في وسط هذا القصر؟

يشير بذلك إلى بيض الطير، هذا البيض يخرج ميتاً ليس فيه أدنى علامة للحياة، ومع ذلك يتكون فيها هذا الفرخ، ويتغذى من وسط، ثم بعد ذلك يخرج بإذن الله، فالله تعالى هو الذي كونه حيواناً صغيراً، ثم بعد ذلك أكل ونما إلى أن خرج وهو حيوان كبير يستطيع أن يطير ويتقلب، أليست عناية الله تعالى بهذا الطائر في هذه البيضة تدل على أنه كونه وقدره كما يشاء؟

والآيات والعلامات كثيرة، وقد تكلم ابن القيم رحمه الله في أول كتابه الذي سماه (مفتاح دار السعادة) بنحو أكثر من ستين صفحة كلها في التفكر والتأمل في المخلوقات والاستدلال بها على قدرة الخالق، فجعل ذلك في فصول.

فهو يقول -مثلاً-: فصل: تأمل خلق الإنسان كيف خلق من كذا وركب فيه كذا وكذا، ثم تأمل خلق هذا الحيوان -وأخذ يفصل في الحيوانات-، ثم تأمل خلق الأرض وفيها كذا وكذا، وتأمل خلق كذا. نحو ستين صفحة كلها في الأدلة، وفي أثناء كلامه يقول: فسل المعطل: من الذي جعل النور في هاتين العينين، هذا النور الذي يمتد ويبصر القريب والبعيد؟ سل المعطل: من الذي فتح هاتين الأذنين وجعلها مدخلاً للصوت حيث إن الصوت يصل إلى الدماغ ويتصور السامع ما يقول من إنسان وحيوان وطير؟ سل المعطل: من الذي ركب هذا الفؤاد وجعل فيه هذا العقل الذي يميز بين الأشياء وفرق به بين الإنسان وبين غيره من الدواب؟ سل المعطل: من الذي ركب لهذا الطير هذه الأجنحة حتى يطير بها ويتصرف بها كما يريد؟

وتكلم في كتاب له آخر اسمه (التبيان) -أكثره من القرآن- عندما أتى على تفسير سورة الذاريات في قوله تعالى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:20-21] فأطال في قوله: (وَفِي أَنفُسِكُمْ) حيث شرح ما في الإنسان من العجائب حتى كأنه أعلم من المشرحين الذين يشرحون المخلوقات، ويصف الإنسان من رأسه إلى إبهامه، يصف كل عضو ويقول: مادته من كذا وكذا. لا شك أنها آيات بينات عظيمة.

الإقرار بأن الله الخالق

إذا آمنا بالله تعالى أنه موجود آمنا أيضاً أنه الخالق الذي تفرد بالخلق فلا خالق غيره، ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الأنعام:102]، فهو الذي انفرد بخلق المخلوقات، ولا يكون في الوجود إلا ما يريد، قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50]، الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21].

ولا شك أن الاعتراف لله سبحانه وتعالى بأنه الخالق يفيد الإنسان عظمة الله تعالى؛ وذلك إذا اعترف بأن الخلق كله خلق الله، وأن كل ما في الوجود بإيجاده، وأنه ليس فيه ذرة من خلق أحد، وأن الإنسان مهما اخترع وخلق لا يقدر على خلق مثل ما خلق الله، قال الله: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11]، فلو حاول الإنسان -مثلاً- أن يخلق ذباباً أو ذرة يجعلها متحركة بطبعها ويركب فيها عينيها وأذنيها وأقدامها ومفاصلها ونحو ذلك لا يستطيع، ولو اجتمع الخلق على أن يخلقوا ذرة أو بعوضة فيها نفس وروح وحركة طبعية اختيارية لم يقدروا على ذلك، أما التصوير فإنه يسمى تصويراً، وقد توعد الله أيضاً الذين يصورون، كما في الحديث القدسي: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا برة، أو ليخلقوا شعيرة) .

قد تقول: إنهم الآن يصنعون حب الأرز الصناعي وما أشبهه؟! لكنه ليس مثل البر الذي هو خلق الله تعالى، حيث إنه ينبت إذا بذر، فالبر الطبيعي أو نحوه إذا دفن في الأرض وسقي نبت فوق الأرض وأزهر، وأما هذا فإنهم يأخذون شيئاً من الأرز ثم يطبخونه، ثم بعد ذلك يدخلونه في ماكينات ويقسمونه إلى حبات يسيرة، ثم يجعلونه طعاماً، فما أخذوا إلا من كخلق الله تعالى، أما خلق الله فلا يستطيعون أن يخلقوا ذرة كما هي أو برة أو شعيرة طبيعية بطعمها وبطبعها.

وكذلك أيضاً إذا عرفنا أن الله تعالى هو الخالق فإننا نؤمن بأنه المعبود، وذلك كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21] كأنه قال: أذكركم بأني خلقتكم، وإذا كنتم خلقي فأنتم عبيدي وملكي، والعبيد يطيعون خالقهم ومالكهم، ولا يخرجون عن طواعيته، ولا يتعبدون لغيره، بل يعبدونه وحده، فكيف تتعبدون لمن لم يخلقكم وتتركون الذي خلقكم؟

فالكلام الذي يتعلق بالإيمان بالله يدخل فيه جميع ما يأتي من الإيمان بالصفات ونحوها.

لم يذكر المصنف هنا إلا أربعة أركان: الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، ولم يذكر اليوم الآخر ولا القدر، ولكنه سيذكر ذلك فيما بعد وإن لم يفصل فيه تفصيلاً.

ولا شك أن الإقرار بهذه الأربعة يستلزم الإقرار بغيرها، فمن أقر بالله لزمه أن يقر بوجوده وبقدرته وبتصرفه وبتدبيره وبخلقه وبعلمه وبسائر صفاته التي وصف بها نفسه، وهذا هو الأصل، ولأجل ذلك تجد كثيراً من الأحاديث ذكر فيها الإقرار أو الإيمان بالله واليوم الآخر دون بقية أركان الإيمان، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ، وكقوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تَحدَّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج)؛ اقتصر على ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، فالإيمان بالله يدخل فيه التوحيد بأنواعه وأخبار الله تعالى والإيمان برسله؛ لأنهم جاؤوا بما أرسلهم به، ويدخل فيه الإيمان بكتبه؛ لأنها اشتملت على كلامه ووحيه وإرشاده، ويدخل فيه الإيمان بوعده وبوعيده ونحو ذلك، فهو الأصل، فمن آمن بالله أتبع إيمانه كل ما أخبر الله به وكل ما جاء عن الله تعالى.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح اعتقاد أهل السنة [8] 2695 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [5] 2358 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [13] 2328 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [7] 2147 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [12] 1773 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [6] 1720 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [17] 1694 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [10] 1675 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [4] 1645 استماع
شرح اعتقاد أهل السنة [2] 1622 استماع