شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [35]


الحلقة مفرغة

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

[ فصل:

وإذا تبين ما أمر الله به ورسوله، وما نهى الله عنه ورسوله، في حق أشرف الخلق وأكرمهم على الله عز وجل، وسيد ولد آدم وخاتم الرسل والنبيين، وأفضل الأولين والآخرين، وأرفع الشفعاء منزلة وأعظمهم جاهاً عند الله تبارك وتعالى، تبين أن من دونه من الأنبياء والصالحين أولى بألا يشرك به، ولا يتخذ قبره وثناً يعبد، ولا يدعى من دون الله لا في حياته ولا في مماته.

ولا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين، مثل أن يقول: يا سيدي فلان أغثني وانصرني وادفع عني، أو أنا في حسبك.. ونحو ذلك.

بل كل هذا من الشرك الذي حرم الله ورسوله، وتحريمه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام ].

إغواء الشياطين لمن يستغيث بغير الله

قال رحمه الله تعالى: [ وهؤلاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم؛ لما كانوا من جنس عباد الأوثان صار الشيطان يضلهم ويغويهم، كما يضل عباد الأصنام ويغويهم، فتتصور الشياطين في صورة ذلك المستغاث به، وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة، كما تخاطب الشياطين الكهان، وبعض ذلك صدق، لكن لابد أن يكون في ذلك ما هو كذب، بل الكذب أغلب عليه من الصدق.

وقد تقضي الشياطين بعض حاجاتهم، وتدفع عنهم بعض ما يكرهونه، فيظن أحدهم أن الشيخ هو الذي جاء من الغيب حتى فعل ذلك، أو يظن أن الله تعالى صور ملكاً على صورته فعل ذلك، ويقول أحدهم: هذا سر الشيخ وحاله، وإنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك به المستغيث به.

كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم، كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب، وهو اليوم موجود في المشركين من الترك والهند وغيرهم.

وأعرف من ذلك وقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي وبغيري في حال غيبتنا عنهم، فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به قد جئنا في الهواء ودفعنا عنهم، ولما حدثوني بذلك بينت لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصور بصورتي وصورة غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم؛ ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ، فتقوى عزائمهم في الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين.

وهذا من أكبر الأسباب التي بها أشرك المشركون وعبدة الأوثان، وكذلك المستغيثون من النصارى بشيوخهم الذين يسمونهم العلامس؛ يرون أيضاً من يأتي على صورة ذلك الشيخ النصراني الذي استغاثوا به فيقضي بعض حوائجهم.

وهؤلاء الذين يستغيثون بالأموات من الأنبياء والصالحين والشيوخ وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم غاية أحدهم أن يجري له بعض هذه الأمور، أو يحكي لهم بعض هذه الأمور، فيظن أن ذلك كرامة وخرق عادة بسبب هذا العمل.

ومن هؤلاء من يأتي إلى قبر الشيخ الذي يشرك به ويستغيث به، فينزل عليه من الهواء طعام أو نفقة أو سلاح أو غير ذلك مما يطلبه، فيظن ذلك كرامة لشيخه، وإنما ذلك كله من الشياطين.

وهذا من أعظم الأسباب التي عبدت بها الأوثان ].

يدخل في مثل هذا ما يحصل لكثير من الناس قديماً وحديثاً، واليوم بدأ يشيع، وهو لجوء الناس إلى غير الأسباب الشرعية، كلجوئهم إلى الكهنة والعرافين والدجالين والسحرة، والرقاة الجهلة في دفع الأضرار وكشف الأمور الغائبة، أو في الاستشفاء من الأمراض وغيرها.

أقول: إن هذا الأمر يكثر فيه الدجل، بل غالب أبوابه من الدجل، ما عدا الرقية الشرعية الصحيحة السليمة، ويحدث فيه الابتلاء أيضاً والفتنة، إن الكثيرين ممن يلجئون إلى هذه الأساليب غير الشرعية قد يستفيدون، إما فائدة وهمية، وهو الغالب، وإما فائدة حقيقية؛ كأن يشفى بعض المرضى بسبب هذه الأنواع من الدجل والشعوذة وغيرها، وقد يدل على أمر يكشف به ضره أو تتبين به حاله كبعض السحر، أو بعض من يضرون الشخص أو العائن ونحو ذلك، يكون هذا فعلاً من قبل الشياطين من الجن، ومن قبل بعض البشر الذين يموهون على الناس، وقد ينتفع المحتاج أو الذي يلجأ إلى هؤلاء، إما في جلب نفع أو دفع ضر، ويظن أن هذا دليل المشروعية لما سلك، فيأخذ ينشر مثل هذه الأمور، ويعمل ما يسمى بدعاية لهؤلاء الذين يعملون هذه الأمور الممنوعة، فيتكدس الناس حوله.

المفاسد والفتن في الرقى وعلاج المشعوذين

فأقول: ما يحصل من دفع الضر أو جلب النفع، لا شك أنه من باب الابتلاء والفتنة، وأنه نوع من الأنواع التي ذكرها شيخ الإسلام هنا؛ من أن أولئك القوم الذين يشركون بالله ويدعون غيره عز وجل؛ يحصل لهم أن يروا من يدعون أو يروا الشيخ الغائب أو الميت وهو أمامهم يغيثهم في اللحظات الحرجة، أو يجلب لهم أشياء يريدونها، أو يدفع عنهم شروراً يريدون دفعها، هذا في الشرك الصريح.

أقول: حتى ما دون ذلك من البدع المغلظة والتوسلات البدعية يحصل به من الفتنة كما يحصل بالصور الشركية التي ذكرها الشيخ، وربما كان أكثر هذه الصور التي يعملها المعاصرون مما يوقع في الشرك، فينبغي التنبه لهذا الأمر؛ لأنه قد كثر واستفحل في مجتمعنا، وأخذ صوراً وأسماء ليست كالسابق. الآن الدجال لا يسمى دجالاً، بل يسمى طبيباً شعبياً أو طبيب أعشاب، وكثير من الدجالين دخل على الناس من باب الرقية، يبدأ بالآيات، ثم يتمتم بأمور مجهولة، والتلبيس يحدث حتى من قديم الزمان، فكثير من الكهنة والسحرة الذين عرفوا في التاريخ كانوا يستفتحون أعمالهم بالآيات، وهذا من باب التلبيس والعبث والاستهزاء بكتاب الله، والتلبيس على الناس، فيظن بعض السذج وبعض الجهلة، أن مجرد قراءة القرآن تكفي لتزكية هذا الدجال والمشعوذ؛ وأنه لو كان دجالاً لما قرأ القرآن، ويظنون أن الدجال لا يستطيع أن يقرأ القرآن، وهذا غير صحيح، فإنه قد يقرأ القرآن، ثم بعد ذلك يعمل أعماله الشركية، وهذا من باب لمن يفعل ذلك، ولمن يستعين بهم من دون الله عز وجل.

فينبغي أن يبصر الناس بهذا الأمر؛ لأنه خطير جداً، وأن ما يحصلون عليه من منافع إنما هو من باب الابتلاء الذي يستفيدون فيه نفعاً في دنياهم، ويخسرون دينهم، وهذا هو الخسران المبين، نسأل الله السلامة.

قال رحمه الله تعالى: [ وهؤلاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم؛ لما كانوا من جنس عباد الأوثان صار الشيطان يضلهم ويغويهم، كما يضل عباد الأصنام ويغويهم، فتتصور الشياطين في صورة ذلك المستغاث به، وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة، كما تخاطب الشياطين الكهان، وبعض ذلك صدق، لكن لابد أن يكون في ذلك ما هو كذب، بل الكذب أغلب عليه من الصدق.

وقد تقضي الشياطين بعض حاجاتهم، وتدفع عنهم بعض ما يكرهونه، فيظن أحدهم أن الشيخ هو الذي جاء من الغيب حتى فعل ذلك، أو يظن أن الله تعالى صور ملكاً على صورته فعل ذلك، ويقول أحدهم: هذا سر الشيخ وحاله، وإنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك به المستغيث به.

كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم، كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب، وهو اليوم موجود في المشركين من الترك والهند وغيرهم.

وأعرف من ذلك وقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي وبغيري في حال غيبتنا عنهم، فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به قد جئنا في الهواء ودفعنا عنهم، ولما حدثوني بذلك بينت لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصور بصورتي وصورة غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم؛ ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ، فتقوى عزائمهم في الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين.

وهذا من أكبر الأسباب التي بها أشرك المشركون وعبدة الأوثان، وكذلك المستغيثون من النصارى بشيوخهم الذين يسمونهم العلامس؛ يرون أيضاً من يأتي على صورة ذلك الشيخ النصراني الذي استغاثوا به فيقضي بعض حوائجهم.

وهؤلاء الذين يستغيثون بالأموات من الأنبياء والصالحين والشيوخ وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم غاية أحدهم أن يجري له بعض هذه الأمور، أو يحكي لهم بعض هذه الأمور، فيظن أن ذلك كرامة وخرق عادة بسبب هذا العمل.

ومن هؤلاء من يأتي إلى قبر الشيخ الذي يشرك به ويستغيث به، فينزل عليه من الهواء طعام أو نفقة أو سلاح أو غير ذلك مما يطلبه، فيظن ذلك كرامة لشيخه، وإنما ذلك كله من الشياطين.

وهذا من أعظم الأسباب التي عبدت بها الأوثان ].

يدخل في مثل هذا ما يحصل لكثير من الناس قديماً وحديثاً، واليوم بدأ يشيع، وهو لجوء الناس إلى غير الأسباب الشرعية، كلجوئهم إلى الكهنة والعرافين والدجالين والسحرة، والرقاة الجهلة في دفع الأضرار وكشف الأمور الغائبة، أو في الاستشفاء من الأمراض وغيرها.

أقول: إن هذا الأمر يكثر فيه الدجل، بل غالب أبوابه من الدجل، ما عدا الرقية الشرعية الصحيحة السليمة، ويحدث فيه الابتلاء أيضاً والفتنة، إن الكثيرين ممن يلجئون إلى هذه الأساليب غير الشرعية قد يستفيدون، إما فائدة وهمية، وهو الغالب، وإما فائدة حقيقية؛ كأن يشفى بعض المرضى بسبب هذه الأنواع من الدجل والشعوذة وغيرها، وقد يدل على أمر يكشف به ضره أو تتبين به حاله كبعض السحر، أو بعض من يضرون الشخص أو العائن ونحو ذلك، يكون هذا فعلاً من قبل الشياطين من الجن، ومن قبل بعض البشر الذين يموهون على الناس، وقد ينتفع المحتاج أو الذي يلجأ إلى هؤلاء، إما في جلب نفع أو دفع ضر، ويظن أن هذا دليل المشروعية لما سلك، فيأخذ ينشر مثل هذه الأمور، ويعمل ما يسمى بدعاية لهؤلاء الذين يعملون هذه الأمور الممنوعة، فيتكدس الناس حوله.

فأقول: ما يحصل من دفع الضر أو جلب النفع، لا شك أنه من باب الابتلاء والفتنة، وأنه نوع من الأنواع التي ذكرها شيخ الإسلام هنا؛ من أن أولئك القوم الذين يشركون بالله ويدعون غيره عز وجل؛ يحصل لهم أن يروا من يدعون أو يروا الشيخ الغائب أو الميت وهو أمامهم يغيثهم في اللحظات الحرجة، أو يجلب لهم أشياء يريدونها، أو يدفع عنهم شروراً يريدون دفعها، هذا في الشرك الصريح.

أقول: حتى ما دون ذلك من البدع المغلظة والتوسلات البدعية يحصل به من الفتنة كما يحصل بالصور الشركية التي ذكرها الشيخ، وربما كان أكثر هذه الصور التي يعملها المعاصرون مما يوقع في الشرك، فينبغي التنبه لهذا الأمر؛ لأنه قد كثر واستفحل في مجتمعنا، وأخذ صوراً وأسماء ليست كالسابق. الآن الدجال لا يسمى دجالاً، بل يسمى طبيباً شعبياً أو طبيب أعشاب، وكثير من الدجالين دخل على الناس من باب الرقية، يبدأ بالآيات، ثم يتمتم بأمور مجهولة، والتلبيس يحدث حتى من قديم الزمان، فكثير من الكهنة والسحرة الذين عرفوا في التاريخ كانوا يستفتحون أعمالهم بالآيات، وهذا من باب التلبيس والعبث والاستهزاء بكتاب الله، والتلبيس على الناس، فيظن بعض السذج وبعض الجهلة، أن مجرد قراءة القرآن تكفي لتزكية هذا الدجال والمشعوذ؛ وأنه لو كان دجالاً لما قرأ القرآن، ويظنون أن الدجال لا يستطيع أن يقرأ القرآن، وهذا غير صحيح، فإنه قد يقرأ القرآن، ثم بعد ذلك يعمل أعماله الشركية، وهذا من باب لمن يفعل ذلك، ولمن يستعين بهم من دون الله عز وجل.

فينبغي أن يبصر الناس بهذا الأمر؛ لأنه خطير جداً، وأن ما يحصلون عليه من منافع إنما هو من باب الابتلاء الذي يستفيدون فيه نفعاً في دنياهم، ويخسرون دينهم، وهذا هو الخسران المبين، نسأل الله السلامة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد قال الخليل عليه السلام: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ [إبراهيم:35-36] كما قال نوح عليه السلام، ومعلوم أن الحجر لا يضل كثيراً من الناس إلا بسبب اقتضى ضلالهم، ولم يكن أحد من عباد الأصنام يعتقد أنها خلقت السماوات والأرض، بل إنما كانوا يتخذونها شفعاء ووسائط لأسباب:

منهم من صورها على صور الأنبياء والصالحين، ومنهم من جعلها تماثيل وطلاسم للكواكب والشمس والقمر، ومنهم من جعلها لأجل الجن، ومنهم من جعلها لأجل الملائكة.

فالمعبود لهم في قصدهم، إنما هو للملائكة والأنبياء والصالحين أو الشمس أو القمر، وهم في نفس الأمر يعبدون الشياطين، فهي التي تقصد من الإنس أن يعبدها، وتظهر لهم ما يدعوهم إلى ذلك، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:40-41].

وإذا كان العابد ممن لا يستحل عبادة الشياطين أوهموه أنه إنما يدعو الأنبياء والصالحين والملائكة وغيرهم ممن يحسن العابد ظنه به، وأما إن كان ممن لا يحرم عبادة الجن عرفوه أنهم الجن، وقد يطلب الشيطان المتمثل له في صورة الإنسان أن يسجد له، أو أن يفعل به الفاحشة، أو أن يأكل الميتة ويشرب الخمر، أو أن يقرب لهم الميتة، وأكثرهم لا يعرفون ذلك، بل يظنون أن من يخاطبهم إما ملائكة وإما رجال من الجن يسمونهم رجال الغيب، ويظنون أن رجال الغيب أولياء الله غائبون عن أبصار الناس، وأولئك جن تمثلت بصورة الإنس، أو رئيت في غير صور الإنس، قال تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6].

كان الإنس إذا نزل أحدهم بواد يخاف أهله قال: أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، وكانت الإنس تستعيذ بالجن فصار ذلك سبباً لطغيان الجن، وقالت: الإنس تستعيذ بنا ].

يشير الشيخ هنا إلى أمر مهم جداً، وهو أن أهل البدع والأهواء سواء كانت أهواؤهم تصل إلى درجة الشرك أو دون ذلك، كالبدع المغلظة، بدع التوسلات والتبركات البدعية وغير ذلك مما يقع فيه كثير من المسلمين اليوم؛ هذا الأمر يقوم على التوهمات وليس له حقيقة، كما أنه ليس له دليل شرعي، يعني: كثير مما يستمد منه أهل الأهواء عبادتهم أوهام، هذه الأوهام قننت من قبل شياطين الجن والإنس، ورتبت وجعلت أصولاً منهجية لأهل الأهواء، فالفلاسفة يسمون أوهامهم التي يعلقون بها مصائرهم ومصالحهم في الدين والدنيا، الفيض، ويسمونها كذا وكذا من الأسماء التي ترجع إلى المعاني الفلسفية، والصوفية وإن كان كثير من الفلاسفة أيضاً ينزعون إلى التصوف والعكس كذلك، لكن هناك من المتصوفة من قد لا يدرك المعاني الفلسفية العميقة، فتجده يعبر عن هذه الأوهام التي يستمد منها دينه وعبادته البدعية الكشف والذوق والوجد، وتواصل الأرواح، ويصل الأمر إلى أعلى درجة من الكفر، كأن يقول: حدثني قلبي عن ربي، فلا يستمد من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعتمد على الأوهام التي هي من وحي الشياطين ويظنها من عند الله، ومن دونه من يظن أنه ينكشف له شيء من الغيب، فيحل به عبادة غير الله، ويحل به البدع والوسائل البدعية، بل يستحل به الحرام ويحرم به الحلال، وكذلك الذوق، فيرون أن الولي معصوم، وما تذوقه فهو مقتضى الشرع، وقد يتذوق عبادة المقبورين وعبادة الأصنام والأوثان، فيظن هذا مقتضى التشريع.

إذاً: يعود هذا كله إلى أن الشيطان أوهمهم أشياء فصدقوها وعملوا بها، فعلى هذا نستطيع أن نقول: إن من مناهج أهل الأهواء والبدع العامة التي يقوم عليها تدينهم وعبادتهم الاستمداد من الأوهام، والتعلق بالأوهام، لا بدليل شرعي، ولا بدليل علمي يقيني، ولا المشاهدة بالعين ولا بالسمع ولا..، إنما هي أوهام شرعها لهم الشيطان، فكانت من شرعتهم التي خرجوا بها من السنة، أو خرج منها بعضهم من الإسلام. نسأل الله العافية.

قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك الرقى والعزائم الأعجمية هي تتضمن أسماء رجال من الجن يدعون ويستغاث بهم، ويقسم عليهم بمن يعظمونه، فتطيعهم الشياطين بسبب ذلك في بعض الأمور.

وهذا من جنس السحر والشرك، قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102] ].

هنا لفتة مهمة جداً، وهي إشارة الشيخ إلى الرقى والعزائم الأعجمية أو غير الأعجمية، هذا يلزم فيه التنبيه إلى ما يفعله بعض الرقاة هداهم الله، خاصة ما يتعلق بالاستعانة بالجن، هذه المسألة سبق الوقوف عليها أكثر من مرة، لكن لأهميتها وخطورتها وكونها استفحلت بين الناس، يجب التنبيه عليها ويجب التناصح في أمرها.

أقول: إن بعض الرقاة هداهم الله، قد يتجاوز في هذه المسألة إلى حد يوصله إلى البدعة الصريحة أو إلى ذريعة البدعة، وأخص مسألة الاستعانة بالجن؛ لأن تجاوزات الرقاة كثرت الآن، ولا يعني ذلك عموماً كل الرقاة، فإنا نعرف فيهم عدداً كبيراً من طلاب العلم والأخيار الذين لا يزال ينفع الله بهم، وهم على أصول شرعية، لكن نظراً لأن الرقية انتشرت وصارت مهنة وحرفة، فإن كثيراً ممن امتهنوها وقعوا في أخطاء عن قصد وعن غير قصد، وهي كثيرة ليس هذا مجالها، يهمنا في هذا الجانب ما أشار إليه شيخ الإسلام هنا من الاستعانة بالجن.

الأصل في خبر الجني الكذب

في باب الاستعانة بالجن ظهرت عندنا الآن ظواهر بدعية كثيرة، منها تصديق الجن، الجن يتلبسون ببني آدم ولا شك، وتلبسهم ظاهر من قديم الزمان وأخيره، والذين ينكرون هذا عندهم مكابرة وجهل بهذا الأمر، وقد يكونون علماء نفس وأطباء وقد يكونون طلاب علم إلى آخره، لكن عندهم مكابرة ويجهلون حقيقة الأمر، ويفسرون بتفسيرات هي إلى الدجل والتخرص أقرب منها إلى الواقع الذي يحصل ويشهد به الناس، كيف يفسرون تلبس الجن بتفسيرات نفسيه، ونحن نسمع الجني يتكلم بغير لغة الشخص، جني يتكلم في امرأة ساذجة ما عرفت تقرأ العربية فضلاً عن أن تعرف لغة أخرى، فتجده يتكلم بلهجة قبيلة في الشام أو بلغة هندية؟ لابد أن يكون هناك كائن آخر، هم يسمونه جرثومة، لابد أن يكون هذا جنياً؛ لأن الجن موجودون مخلوقون، يلتبسون بالإنس منذ القدم، ولهم وقائع وحالات معروفة مشهودة يشهدها العقلاء.

على أي حال ليس هذا مجال الكلام، فمجال الكلام هو ما يفعله بعض الرقاة من تصديق الجن، الجني الذي يتلبس بالإنسي الأصل فيه الفسق، فلو لم يكن فاسقاً لما آذى الإنسي، هذه مسألة معروفة شرعاً؛ لأن الواجب على الجني كالواجب على الإنسي ألا يظلم ولا يؤذي، وتلبس الجني بالإنسي مهما كان سببه فإنه من الأذى، ثم إنه من الاستمتاع الذي حرمه الله عز وجل، ثم إنه إذا تكلم الجني فالغالب أنه في موقع ضعف، لكنه إذا وجد الإنسي يعظمه ويجله ويخاف منه تعاظم واستعلى، ثم بدأ يهذي بالصدق والكذب، والأصل فيه الكذب والفجور، فيتهم الأبرياء من أجل أن يتخلص، ويخلط الحقيقة بالكذب من أجل أن يموه على الناس، يقول: تجد السحر في الصرة الفلانية تحت الشجرة الفلانية، فيذهب الناس فيجدون فعلاً تحت الشجرة صرة، لكن صرة من مخلفات البيت، فيظنون أن هذا هو السحر، مع أنه قد يكون هو السحر وقد لا يكون سحراً؛ لكن لا ننسى أن الأصل في هذا الكذب، والصدق إن وجد فهو قليل، وهكذا قد يقول: الذي عان هذا الرجل أو هذه المرأة وتسبب في مرضه هو فلان أو فلانة، وقد يكون قريباً أو صديقاً أو جاراً، فيقاطع وتحصل أمور عظام وفتن.

فالشاهد أن أخبار الجن للإنس الأصل فيها أن يتثبت منها، كأخبار الإنسي للإنس، ثم إذا صار الخبر عن جني متلبس فالجني فاسق بذلك قطعاً، فيجب أيضاً التثبت وأن الأصل في خبره الكذب، ثم إن هذا نوع من أنواع الدجل ولا شك، لكن نستثني ما إذا وجدت قرائن على صدق الجني هذا أمر.

الأمر الآخر: ألا يكون هذا من باب التعاقد بين الراقي والجني، بعض الرقاة كما سمعت وعلمت، إذا نطق الجني تعاقد معه بأن يأتيه كل وقت يحتاجه، أو أنه إذا أراد الخبر الفلاني يعطيه الخبر ويقول: العهد بيني وبينك أنك إذا احتجناك تأتي وتقول وتفعل، هذا من الاستمتاع المحرم، وهذا من الدجل، أما إذا جاء الخبر من الجني بدون عقد أو عهد بينك وبينه فلا بأس.

فقد يكون فيه أحياناً منفعة قد يصدق، وقد يكرم الله بعض عباده عن طريق الجن، مما يخبرونهم بالعلاج أو يخبرونهم بأسباب المرض أو نحو ذلك، لكن هذا قليل ليس هو الأصل.

أعود وأقول: ينبغي أن ينبه الرقاة، أن التمادي في هذا الموضوع والخروج عن الأصول الشرعية في هذا الجانب من الاستمتاع المحرم بين الإنس والجن، وأنه نوع من أنواع الدجل والكهانة التي حرمها الله عز وجل.

في باب الاستعانة بالجن ظهرت عندنا الآن ظواهر بدعية كثيرة، منها تصديق الجن، الجن يتلبسون ببني آدم ولا شك، وتلبسهم ظاهر من قديم الزمان وأخيره، والذين ينكرون هذا عندهم مكابرة وجهل بهذا الأمر، وقد يكونون علماء نفس وأطباء وقد يكونون طلاب علم إلى آخره، لكن عندهم مكابرة ويجهلون حقيقة الأمر، ويفسرون بتفسيرات هي إلى الدجل والتخرص أقرب منها إلى الواقع الذي يحصل ويشهد به الناس، كيف يفسرون تلبس الجن بتفسيرات نفسيه، ونحن نسمع الجني يتكلم بغير لغة الشخص، جني يتكلم في امرأة ساذجة ما عرفت تقرأ العربية فضلاً عن أن تعرف لغة أخرى، فتجده يتكلم بلهجة قبيلة في الشام أو بلغة هندية؟ لابد أن يكون هناك كائن آخر، هم يسمونه جرثومة، لابد أن يكون هذا جنياً؛ لأن الجن موجودون مخلوقون، يلتبسون بالإنس منذ القدم، ولهم وقائع وحالات معروفة مشهودة يشهدها العقلاء.

على أي حال ليس هذا مجال الكلام، فمجال الكلام هو ما يفعله بعض الرقاة من تصديق الجن، الجني الذي يتلبس بالإنسي الأصل فيه الفسق، فلو لم يكن فاسقاً لما آذى الإنسي، هذه مسألة معروفة شرعاً؛ لأن الواجب على الجني كالواجب على الإنسي ألا يظلم ولا يؤذي، وتلبس الجني بالإنسي مهما كان سببه فإنه من الأذى، ثم إنه من الاستمتاع الذي حرمه الله عز وجل، ثم إنه إذا تكلم الجني فالغالب أنه في موقع ضعف، لكنه إذا وجد الإنسي يعظمه ويجله ويخاف منه تعاظم واستعلى، ثم بدأ يهذي بالصدق والكذب، والأصل فيه الكذب والفجور، فيتهم الأبرياء من أجل أن يتخلص، ويخلط الحقيقة بالكذب من أجل أن يموه على الناس، يقول: تجد السحر في الصرة الفلانية تحت الشجرة الفلانية، فيذهب الناس فيجدون فعلاً تحت الشجرة صرة، لكن صرة من مخلفات البيت، فيظنون أن هذا هو السحر، مع أنه قد يكون هو السحر وقد لا يكون سحراً؛ لكن لا ننسى أن الأصل في هذا الكذب، والصدق إن وجد فهو قليل، وهكذا قد يقول: الذي عان هذا الرجل أو هذه المرأة وتسبب في مرضه هو فلان أو فلانة، وقد يكون قريباً أو صديقاً أو جاراً، فيقاطع وتحصل أمور عظام وفتن.

فالشاهد أن أخبار الجن للإنس الأصل فيها أن يتثبت منها، كأخبار الإنسي للإنس، ثم إذا صار الخبر عن جني متلبس فالجني فاسق بذلك قطعاً، فيجب أيضاً التثبت وأن الأصل في خبره الكذب، ثم إن هذا نوع من أنواع الدجل ولا شك، لكن نستثني ما إذا وجدت قرائن على صدق الجني هذا أمر.

الأمر الآخر: ألا يكون هذا من باب التعاقد بين الراقي والجني، بعض الرقاة كما سمعت وعلمت، إذا نطق الجني تعاقد معه بأن يأتيه كل وقت يحتاجه، أو أنه إذا أراد الخبر الفلاني يعطيه الخبر ويقول: العهد بيني وبينك أنك إذا احتجناك تأتي وتقول وتفعل، هذا من الاستمتاع المحرم، وهذا من الدجل، أما إذا جاء الخبر من الجني بدون عقد أو عهد بينك وبينه فلا بأس.

فقد يكون فيه أحياناً منفعة قد يصدق، وقد يكرم الله بعض عباده عن طريق الجن، مما يخبرونهم بالعلاج أو يخبرونهم بأسباب المرض أو نحو ذلك، لكن هذا قليل ليس هو الأصل.

أعود وأقول: ينبغي أن ينبه الرقاة، أن التمادي في هذا الموضوع والخروج عن الأصول الشرعية في هذا الجانب من الاستمتاع المحرم بين الإنس والجن، وأنه نوع من أنواع الدجل والكهانة التي حرمها الله عز وجل.