Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [16]


الحلقة مفرغة

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

[ ومن السؤال بالأعمال الصالحة: سؤال الثلاثة الذين أووا إلى غار، فسأل كل واحد منهم بعمل عظيم أخلص فيه لله؛ لأن ذلك العمل مما يحبه الله ويرضاه، محبة تقتضي إجابة صاحبه: هذا سأل ببره لوالديه، وهذا سأل بعفته التامة، وهذا سأل بأمانته وإحسانه.. ].

في هذا المقطع بدأ الشيخ يفصل ما ذكره في أول كتاب التوسل والوسيلة، وهو أن التوسل المشروع ينحصر في ثلاثة أمور، ذكر منها أشياء، وفصل في أشياء، وسوف يفصل في أشياء أخرى، فكرر الموضوع أكثر من مرة، لكن نذكركم الآن بهذه الأمور الثلاثة:

أولاً: أعظم التوسل وأفضله وأبينه وأشمله: عبادة الله عز وجل، والتي منها دعاء الله عز وجل.

فالاعتقاد السليم والإيمان وإقامة الفرائض والعمل بالسنن، وكل ما يطلبه المسلم في عبادة ربه فهذا هو التوسل الحقيقي، ومنه الدعاء وهو أعظم وأفضل وأعلى درجات التوسل..، فهذا النوع الأول وهو يشمل جميع العبادات، وجميع توجهات المسلمين إلى ربهم بالدعاء.

الثاني: السؤال بالأعمال، وهو الذي ذكره الشيخ هنا، ومعناه: سؤال المسلم ربه بأعماله هو، لا بأعمال غيره، كما توسل أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة بأعمالهم إلى الله عز وجل أن يفرج عنهم ما وقع عليهم، فتوسلوا بأعمال عملوها، ليست من عمل الغير، ولا بأمور فيها شبهة أو فيها التواء، ولا بوضع واسطة بينهم وبين ربهم، فلم يجعلوا أعمالهم واسطة، إنما جعلوا ثواب أعمالهم الذي وعد الله به هو الوسيلة إلى هذا التفريج الذي وعد الله به، فاستعملوا أمراً مشروعاً.

النوع الثالث -ذكره الشيخ قبل-: وهو طلب الدعاء من الغير على وجه مشروع أيضاً، تقول لأخيك المسلم: ادع الله لي! فهذا وإن كان مفضولاً، لكنه من المشروع.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكذلك كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول وقت السحر: اللهم أمرتني فأطعتك، ودعوتني فأجبتك، وهذا سحر فاغفر لي.

ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول على الصفا: اللهم إنك قلت وقولك الحق: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وإنك لا تخلف الميعاد، ثم ذكر الدعاء المعروف عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول على الصفا.

فقد تبين أن قول القائل: أسألك بكذا نوعان:

فإن الباء قد تكون للقسم، وقد تكون للسبب، فقد تكون قسما به على الله، وقد تكون سؤالاً بسببه.. ].

يقصد بهذا أن قول القائل: أسألك بكذا بعضه يدخل في المشروع، والذي يدخل منه في المشروع هو السؤال بالأعمال الصالحة، وأن تكون الباء سببية، وهذا مشروع إذا كان من عمل الإنسان نفسه، أما إذا كانت الباء باء القسم ففيها نظر؛ لأن الإنسان لا يقسم على ربه، هذه ناحية.

الناحية الأخرى: لا ينبغي أن يعتقد أنه يجب له على ربه حق؛ لأن القسم إيجاب، والعباد لا يوجبون على الله شيئاً.

فعبارة: أسألك بكذا، إذا كان المقصود بها التسبب بعمل صحيح للإنسان كقوله: اللهم إني أسألك بإيماني بنبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم إني أسألك بحبي لرسولك صلى الله عليه وسلم، اللهم إني أسألك بهذه الصدقة التي تصدقتها إن كنت قبلتها ونحو ذلك؛ فهذا استعمل العمل الصالح وسيلة إلى المطلوب الذي وعد الله به، فمن هنا تكون الباء سببية.

أما إذا كانت الباء للقسم؛ فهذا لا يجوز وفيه عدة محذورات سيذكرها الشيخ.

قال رحمه الله تعالى: [ فأما الأول فالقسم بالمخلوقات لا يجوز على المخلوق فكيف على الخالق؟

وأما الثاني وهو السؤال بالمعظم كالسؤال بحق الأنبياء فهذا فيه نزاع.. ].

بدأ الشيخ يفرع لكي نعرف أن هذه المسألة تحتها السؤال بالسبب، فإن كان السبب من عمل الإنسان نفسه، كالسؤال بالأعمال الصالحة فهو مشروع، وإن كان من عمل الغير، أو من خصائص الغير، كأن تقول: اللهم إني أسألك بجاه فلان؛ اللهم إني أسألك بصلاح فلان؛ بصلاة فلان، بالأنبياء؛ فهذا لا يجوز؛ لأنك سألت بعمل غيرك وعمل غيرك لا ينفعك، أو سألت بوسيلة دون الله عز وجل ليست من الوسائل المشروعة.

أي أنك اتخذت الوسائط التي نهى الله عنها، سواء كانت هذه الوسائط أشخاصاً أو أموراً معنوية أو حسية، فلا تجوز ما لم تكن عمل الشخص، أو مما شرع الله عز وجل مثل طلب الدعاء من الآخرين.

والشيخ هنا حينما قال: (وأما الثاني وهو السؤال بالمعظم) انصرف إلى صورة من صور استعمال باء السببية، فباء السببية إن كانت من باب جعل الإنسان عمله سبباً فهي مشروعة، وإذا جعل السبب غير عمله كعمل الآخرين أو جاه الآخرين أو ذوات الآخرين أو مخلوقات أخرى؛ فهذا غير مشروع وسيذكر الشيخ الاختلاف في صورة من صوره.

قال رحمه الله تعالى: [ وأما الثاني وهو السؤال بالمعظم كالسؤال بحق الأنبياء فهذا فيه نزاع، وقد تقدم عن أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز، ومن الناس من يجوز ذلك.

فنقول: قول السائل لله تعالى: أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم، أو بجاه فلان أو بحرمة فلان يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه، وهذا صحيح.. ].

نعم، هذا صحيح، وسيستدرك الشيخ استدراكاً مقطوعاً، وهذا ربما يوجد اللبس عند كثير من القراء، بعض الناس قد يستشعر من هذه العبارات أن هناك صورة جائزة من هذا النوع والشيخ لا يقصد هذا، حتى قوله بأن الأمر فيه نزاع لا يقصد أن فيه نزاعاً بين أهل السنة إلا من شذ رأيه ممن ينتسب للسنة.

فالسؤال بالمعظم لا يجوز إطلاقاً، لكن هناك صورة قد ترد على وجه بعيد، وهو سؤال الإنسان بحق غيره ممن له جاه بأن يدعو له صاحب هذا الجاه في حياته وقدرته، فبعض الناس قد يقصد هذا المعنى، فيكون معنى بعيداً صحيحاً، فكون الصحابة رضي الله عنهم يطلب أفرادهم ومجموعهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم ويعتبرونه مقبول الدعاء بجاهه، فهم ما استعانوا بالجاه، لكنهم طلبوا من صاحب الجاه أن يدعو لهم، فإذا كانت هذه الصورة تطلب من الحي القادر فلا حرج.

وهذا يدخل فيه طلب السؤال من الصالحين؛ لأنا نعتقد أن للصالحين جاهاً عند الله عز وجل بما ذكر الله من قدرهم، فهذا جاه صحيح، ولذلك قال الشيخ: (يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه فهذا صحيح)، فإن طلبت هذا الجاه بدعائهم لك وهم أحياء قادرون؛ فهذا لا حرج فيه، لكن إن قصدت بالتوسل بجاههم أن تجعل جاههم واسطة لك فيما هو من خصائصهم دون أن يدعوا لك؛ فهذا لا يجوز، ولذلك ينبغي أن يقال هنا: [ لكن جاههم لا ينفع غيرهم في هذا المقام، بل السؤال به عدوان، إلا إذا كان القصد التوسل بدعائهم وهم أحياء ].

إذا كمَّلنا العبارة بهذه الجملة التي سيأتي الكلام عنها؛ تصبح العبارة واضحة، ويكون ختام هذا المقطع قوله: [ هذا صحيح، لكن جاههم لا ينفع غيرهم في هذا المقام، بل السؤال به عدوان، إلا إذا كان القصد التوسل بدعائهم وهم أحياء، وهذه الصورة بعيدة في مثل هذا المقام ].

النزاع الذي أشار إليه ابن تيمية في التوسل بمعظم

مداخلة: ما هو النزاع الذي ذكره الشيخ ابن تيمية في التوسل بمعظم؟

الجواب: أما أهل السنة فالنزاع بينهم في طلب الدعاء من الصالحين، ونحو ذلك.

أما غيرهم فقد ادعوا أن للأنبياء والصالحين جاهاً ينفع غيرهم دون طلب الدعاء منهم وهم أموات، فالنزاع فيه صورة من الوجه الصحيح لأهل العلم المعتبرين، وصور أخرى إنما هي نزاع بين أهل البدع، وهو أغلب الصور.

مقتضى الجاه عند الله رفع الدرجات وقبول الشفاعة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة يقتضي أن يرفع الله درجاتهم، ويعظم أقدارهم، ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا، مع أنه سبحانه قال: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [البقرة:255].. ].

الأنبياء والصالحون والملائكة لهم جاه في الدنيا والآخرة، جاههم في الدنيا ما داموا أحياء: بأن يطلب منهم الدعاء، وجاههم بعد الوفاة بالشفاعة التي يأذن الله بها، لكن بشروطها، فلا شك أنهم أعظم الناس جاهاً، وأولهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم المرسلون والنبيون والملائكة والصالحون من عباد الله، لكن جاههم مضبوط بالضوابط الشرعية، فلا نطلب منهم جاههم وهم أموات، لأن الجاه الذي لهم إما أن يكون شفاعة يوم القيامة، أو طلب دعائهم وهم أحياء، وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة، أما أن يطلب منهم جاههم في الدنيا فيما يتعلق بمصالح الدنيا أو غيرها وهم أموات فهذا لا يجوز.

فما لهم من جاه في الدنيا ينتهي بموتهم، وما لهم من جاه في الآخرة لا يكون إلا في الآخرة، إلا أن يطلب الإنسان طلباً ليس لهم، يطلب الله عز وجل أن يقبل شفاعتهم فيه، فهذا أمر آخر، لأنه يدعو الله.

علاقة الجاه بإجابة الدعاء

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويقتضي أيضاً أن من اتبعهم واقتدى بهم فيما سن له الاقتداء بهم فيه كان سعيداً، ومن أطاع أمرهم الذي بلغوه عن الله كان سعيداً، ولكن ليس نفس مجرد قدرهم وجاههم مما يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتى يسأل الله بذلك، بل جاههم ينفعه أيضاً إذا اتبعهم وأطاعهم فيما أمروا به عن الله، أو تأسى بهم فيما سنوه للمؤمنين، وينفعه أيضاً إذا دعوا له وشفعوا فيه.

فأما إذا لم يكن منهم دعاء ولا شفاعة، ولا منه سبب يقتضي الإجابة؛ لم يكن مستشفعاً بجاههم ولم يكن سؤاله بجاههم نافعاً له عند الله، بل يكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سبباً لنفعه.

ولو قال الرجل لمطاع كبير: أسألك بطاعة فلان لك، وبحبك له على طاعتك، وبجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك؛ لكان قد سأله بأمر أجنبي لا تعلق له به.

فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين، ومحبته لهم، وتعظيمه لأقدارهم مع عبادتهم له وطاعتهم إياه، ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم، وإنما يوجب إجابة دعائه بسبب منه لطاعته لهم، أو سبب منهم لشفاعتهم له، فإذا انتفى هذا وهذا فلا سبب.. ].

لأن هذا فيه عدوان، فكونهم لهم جاه ولهم قدر، والله عز وجل يستجيب دعاءهم، وأنهم أطاعوا الله وعبدوه، فهذا لا يعني إجابة دعاء غيرهم، لأن المسألة منفكة عن الأخرى، كإنسان مثلاً راح يستشفع عند الآخرين بعمل غيره في أمور الدنيا، فإنه يعتبر ممن يتهم في عقله وإدراكه.

فلو أن إنساناً ذهب يستجدي الناس ويطلب منهم العون، ويجعل عمل غيره وسيلة إلى أن ينفعوه؛ لضحك عليه الناس بسبب ذلك؛ لكن لو جاء بصاحب العمل الذي له قدر عند الناس ليشفع له؛ فهذا جائز.

فإذاً: استعمال جاه الآخرين وجعله وسيلة لاستجلاب قبول الدعاء من الله عز وجل عدوان؛ لأن عمل الآخرين وجاههم لا ينفعك إلا إن كانوا أحياء فأنت تستشفع بهم بما يجوز في الشرع، وكذلك يوم القيامة، لهم شفاعة، وجاههم ينفع من يستشفع بهم إذا توافرت الشروط المذكورة.

إذاً: فهذا كله تقرير لما سبق من أن استعمال جاه الآخرين لإجابة الدعاء من عند الله عز وجل فيه نوع عدوان، وفيه تجاوز للحد الشرعي.

مداخلة: ما هو النزاع الذي ذكره الشيخ ابن تيمية في التوسل بمعظم؟

الجواب: أما أهل السنة فالنزاع بينهم في طلب الدعاء من الصالحين، ونحو ذلك.

أما غيرهم فقد ادعوا أن للأنبياء والصالحين جاهاً ينفع غيرهم دون طلب الدعاء منهم وهم أموات، فالنزاع فيه صورة من الوجه الصحيح لأهل العلم المعتبرين، وصور أخرى إنما هي نزاع بين أهل البدع، وهو أغلب الصور.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة يقتضي أن يرفع الله درجاتهم، ويعظم أقدارهم، ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا، مع أنه سبحانه قال: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [البقرة:255].. ].

الأنبياء والصالحون والملائكة لهم جاه في الدنيا والآخرة، جاههم في الدنيا ما داموا أحياء: بأن يطلب منهم الدعاء، وجاههم بعد الوفاة بالشفاعة التي يأذن الله بها، لكن بشروطها، فلا شك أنهم أعظم الناس جاهاً، وأولهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم المرسلون والنبيون والملائكة والصالحون من عباد الله، لكن جاههم مضبوط بالضوابط الشرعية، فلا نطلب منهم جاههم وهم أموات، لأن الجاه الذي لهم إما أن يكون شفاعة يوم القيامة، أو طلب دعائهم وهم أحياء، وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة، أما أن يطلب منهم جاههم في الدنيا فيما يتعلق بمصالح الدنيا أو غيرها وهم أموات فهذا لا يجوز.

فما لهم من جاه في الدنيا ينتهي بموتهم، وما لهم من جاه في الآخرة لا يكون إلا في الآخرة، إلا أن يطلب الإنسان طلباً ليس لهم، يطلب الله عز وجل أن يقبل شفاعتهم فيه، فهذا أمر آخر، لأنه يدعو الله.