خطب ومحاضرات
شرح أخصر المختصرات [66]
الحلقة مفرغة
نحمد الله ونشكره، ونثني عليه ونستغفره، ونسأله المزيد من فضله، ونسأله أن يعلمنا ما جهلنا، وأن يبصرنا بأمور ديننا، وأن يهدينا سواء السبيل.
نذكركم أنكم -والحمد لله- تعملون عملاً صالحاً في مثل هذه الدورات؛ وذلك لأن مواصلة التعلم والحرص على التلقي عمل بر، عمل صالح يهدي به الله تعالى من أراد به خيراً؛ تكتب به الحسنات، وترفع به الدرجات، ويكتب الله أهله في حملة العلم الذين يحبهم ويحبونه، فهنيئاً للذين يواصلون أوقاتهم بعضها ببعض حتى يستفيدوا من حياتهم في هذه الإجازة التي يتوقف فيها الكثير من الناس عن الدراسة النظامية، والإجازة تضيع على كثير من الناس، بحيث إنهم إما يضيعونها في لهو وسهو وجلوس وتسكع في الأسواق وعمل غير مرضي، أو يضيعونها في رحلات وأسفار لا أهمية لها ولا يستفيدون منها فائدة تعود عليهم بالخير، أو يضيعونها في أمور دنيوية، أو لو استفادوا من أمور الدنيا لكن يفوتهم الخير الكثير؛ وذلك لأن هذه الأيام لابد أن يحاسب عليها العبد، فمن صنع جزءاً من عمره في غير فائدة فإنه يحاسب، وفي الحديث: (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) .
فالسؤال عن العمر هو أولها، يعني: سواء كان كهلاً أو شاباً أو شيخاً، يسأل عن عمره في أي شيءٍ شغله، ويسأل أيضاً عن شبابه في أي شيءٍ شغله وصرفه، فإذا كان قد صرفه في خير أجاب بجواب نافع مفيد، وأما إذا صرفه في اللهو والسهو فإنه يكون في ذلك متحسراً ولا يجد جواباً.
ومن أفضل ما يصرف الشاب أيامه وأشهره فيه التعلم، سيما تعلم العلوم الشرعية، فإنها مفيدة للإنسان في حياته، والعلوم الشرعية يحبها الله تعالى، وتبصر الإنسان في حياته، ويكون بها عالماً كيف يعمل؛ وذلك لأن علمه له نتيجة وله ثمرة.
ونحن نحسن الظن بإخواننا الذين توافدوا من بلاد بعيدة إلى هذه الدورة، ونقول لهم: هنيئاً لكم أن تجشمتم المشقات، وجئتم من بلاد بعيدة، وقصدكم بذلك أن تستفيدوا من حياتكم، وأن تعملوا عملاً صالحاً يرفعكم الله تعالى به درجات، ويجزل لكم به الثواب العظيم، فهذا فضل الله تعالى ونعمته عليكم، فلكم بذلك فضل كبير، ونوصيكم أولاً بحسن النية؛ لأن النية إذا كانت حسنة صالحة وفق الله العبد للعمل الصالح، فانو بهذا التعلم رفع الجهل؛ فإن الإنسان خلق جاهلاً كما قال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل:78]، فالإنسان خلق جاهلاً، والجهل نقص، فيزول هذا النقص بالتعلم، حيث أعطانا الله السمع والبصر واللسان والفؤاد وهي من وسائل التعلم، فمن حسن النية أن تنوي رفع الجهل.
ومن حسن النية أن تنوي حمل العلم الذي حمله شرف وحمله فضيلة.
ومن حسن النية أن تنوي العمل بهذا العلم؛ حتى تعمل على بصيرة، وعلى نور وبرهان.
ومن حسن النية أن تنوي نفع نفسك؛ حيث تعمل بالعلم ويقبله الله منك، وتثاب على هذا العلم الذي تعلمته.
ومن حسن النية أن تنوي ميراث الأنبياء، بأن تكون من ورثة علمهم الذين ورثوه، ومن أخذه أخذ بحظ وافر.
ومن حسن النية أن تنوي نفع الناس الجهلة الذين يحتاجون إليك وإلى أمثالك، وهم كثيرون في البلاد، فقد يتعلم فرد العلم الشرعي، ويرجع إلى بلدة يغمرها الجهل، ويكثر الجهل في أهلها، فلذلك إذا تعلم وفقه الله تعالى وعلّم أهل بلده، واستفاد واستفادوا منه ونفعهم، وكان له أجر كبير على تعلمه؛ حيث إنه يبث ما معه من العلم، ويفقه الأمة ويدعوهم إلى الله: (ومن دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء) ، وفي الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) .
ونوصيك أيضاً بمواصلة التعلم؛ فإن العلم كثير ليس له نهاية، وهذه المدة التي تتعلمها في هذه الدورة قليلة بالنسبة إلى بقية الحياة، لا تنال فيها إلا جزءاً يسيراً من العلم، وأنت تعرف أن هذه العلوم تعتبر مبادئ، وأن كل علم له فروع وله شروحات، فإذا انتهيت من هذه الدورة فعليك المواصلة بقراءة الشروح والتعاليق والحواشي، والحرص على استظهارها، وعلى تذكر معانيها حتى تبقى هذه المعلومات، وعليك التزود فيما بعد إلى نهاية الحياة، وتذكر وصية بعض العلماء الذي يقول: اطلب العلم من المهد إلى اللحد؛ يعني إلى الموت، وما ذكر عن الإمام أحمد أنه قال: مع المحبرة إلى المقبرة، أي: نحمل المحبرة التي هي الدواة نكتب من مدادها الفوائد، ولا نفارقها إلا إذا متنا: مع المحبرة إلى المقبرة، وأشباه ذلك. فكل هذا دليل على أنه لا بد من مواصلة التعلم،وأن الإنسان مهما بلغ من العلم، فإن علمه قليل.
وليس كل العلم قد حويتـه أجل ولا العشر ولو أحصيته
لو عمرت مائة سنة ما وصلت إلى عشر العلوم، ولكن الله تعالى جعل بعض العلوم فريضة يلزم تعلمها والعمل بها، وجعل البقية نافلة إذا تعلمها كان من حملة العلم الذي قد يحتاج إليه. والعلوم منها: ما هو فرض عين: وهي الأشياء التي كلف بها العبد أن يعمل بها، ومنها ما هو فرض كفاية: وهي العلوم التي يلزم الأمة أن يتعلموها ويحملوها.
موضوعنا هذا هو موضوع الفقه في الدين، الذي هو تعلم الأحكام؛ وذلك لأن العلماء رحمهم الله لما قرءوا النصوص من الكتاب والسنة؛ استخرجوا منها الأحكام، وجعلوها في هذه الكتب، وسموها: الفقه؛ الذي هو الفهم، واستنباط الأحكام من الأدلة، وذكر كل مسألة قد يحتاج إليها؛ فدونوها في هذه الكتب وسموها: كتب الفقه.
وتعرفون ما فيها من الخلاف بين العلماء المجتهدين، حيث إن هناك أقوالاً للأحناف الذين هم على مذهب أبي حنيفة ، وخالفتها أقوال ومسائل لمن هم أتباع مالك ، وخالفتها أيضاً أقوال لأتباع الشافعي ، وخالفتها أقوال لأتباع الإمام أحمد بن حنبل ، وهذا الاختلاف الذي وقع بينهم الأصل أنه بسبب الاجتهاد، وسبب اختلاف الآراء، وسبب اختلاف الأفهام، وقد يكون سببه أيضاً وقوع خلاف بين الأدلة، والمحققون يجدون جواباً على اختلاف الأدلة، فيجمعون بينها حتى لا يكون بينها اختلاف؛ وذلك لأن مصدرها واحد؛ لأنها إما من كتاب الله وإما من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
فالاختلاف الذي يكون بينها يمكن الجمع بينه، وإذا لم يمكن حرصوا على أن يجمعوا بينها بأية وسيلة، وقد مر بنا أمثلة لهذه المسائل التي وقع فيها خلاف.
نحن الآن في أواخر كتاب الأحكام من هذا الكتاب الذي هو: أخصر المختصرات، وهو من أخصر كتب الفقه، اختصره مؤلفه من زاد المستقنع، وزاد عليه بعض الجمل، ونقص منه كثيراً؛ فهو قد اختصره لمن يريد أن يحفظه والذي يفهمه يكون عنده علم بمجمل الأحكام الفقهية التي يحتاج إليها في هذه الحياة الدنيا.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الطلاق:
يكره بلا حاجة، ويباح لها، ويسن لتضررها بالوطء، وتركها صلاةً وعفةً ونحوهما.
ولا يصح إلا من زوج ولو مميزاً يعقله.
ومن عذر بزوال عقله، أو أكره، أو هدد من قادر فطلق لذلك؛ لم يقع.
ومن صح طلاقه صح توكيله فيه وتوكله، ويصح توكيل امرأة في طلاق نفسها أو غيرها.
والسنة أن يطلقها واحدةً في طهر لم يجامع فيه، وإن طلق مدخولاً بها في حيض أو طهر جامع فيه؛ فبدعة محرم ويقع، لكن تسن رجعتها.
ولا سنة ولا بدعة لمستبين حملها، وصغيرة، وآيسة، وغير مدخول بها.
ويقع بصريحه مطلقاً، وبكنايته مع النية، وصريحه لفظ طلاق وما تصرف منه، غير أمر ومضارع ومطلّقة بكسر اللام.
وإن قال: أنت عليَّ حرام، أو كظهر أمي، أو ما أحل الله عليَّ حرام، فهو ظهار ولو نوى طلاقاً، وإن قال: كالميتة أو الدم، وقع ما نواه، ومع عدم نية ظهار، وإن قال: حلفت بالطلاق وكذب دين ولزمه حكماً.
ويملك حر ومبعَّض ثلاث تطليقات، وعبد اثنتين.
ويصح استثناء النصف فأقل من طلقات ومطلقات.
وشرطَ تلفظ، واتصال معتاد، ونيته قبل تمام مستثنًى منه، ويصح بقلب من مطلقات لا طلقات.
وأنت طالق قبل موتي تطلق في الحال، وبعده أو معه لا تطلق، وفي هذا الشهر أو اليوم أو السنة تطلق في الحال، فإن قال: أردت آخر الكل، قبل حكماً، وغداً أو يوم السبت ونحوه تطلق بأوله، فلو قال: أردت الآخر لم يقبل، وإذا مضت سنة فأنت طالق، تطلق بمضي اثني عشر شهراً، وإن قال: السنة، فبانسلاخ ذي الحجة].
الطلاق في اللغة: يراد به فك الشيء المربوط، وحلّ الرباط ونحوه، يقولون: أطلق البعير فهو مطْلَق ومطَلَّق؛يعني غير مربوط بعد أن كان مربوطاً، طلّق رباط البعير أو الشاة ونحو ذلك؛ وسمي بذلك لأنه بعد حله ينطلق، يعني: يذهب حيث يريد.
والطلاق في الشرع: اسم لمفارقة الزوجة وإطلاق صراحها، سماه الله تعالى بذلك في قوله: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] ؛ ولذلك تسمى هذه السورة: سورة الطلاق، وذكر أيضاً في البقرة في قوله تعالى: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:227] ، وفي قوله: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ [البقرة:228] ، وفي قوله: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] ، إلى قوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230] ، وغير ذلك من الآيات.
والمراد به: إطلاق صراح المرأة، فالزوجة بعد عقد النكاح يلزمها أن تكون مقيَّدة مع زوجها، فلا تقدر على معصيته في نفسها ولا أن تذهب إلا بإذنه، ويحل له الاستمتاع بها، فهي معه في عصمته وفي ذمته، فإذا كرهها فإن له رخصة في أن يفارقها، ويسمى هذا الفراق: طلاقاً.
حكم الطلاق
إذا تضررت المرأة مثلاً، أو كره الرجل خلق المرأة، أو سوء معاملتها؛ فإنه يكون مباحاً؛ لا ثواب منه ولا عقاب، ويكره لغير الحاجة، فإذا كانت الحالة مستقيمة بين الزوجين وكل منهما يسير سيراً مستقيماً مع الآخر؛ فإن الطلاق يكون مكروهاً ولو كان حلالاً، جاء في الحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)؛ فيكون حلالاً ولكنه مكروه، لماذا؟
لأنه يفرق بين الزوجين، ولأنه قد يفرق بين الأولاد وأحد أبويهم، ولما فيه من إضاعتها؛ فالزوجة متى طلقت فإنها قد يكره النّاس عشرتها ونكاحها، يقولون: ما طلقت إلا وفيها ضرر، أو أنها غير صالحة، وهكذا أيضاً قد يتضرر الزوج، ولا يرغب فيه أحد، حيث يقولون: إنه كثير الطلاق، أو يطلق بلا سبب؛ فلذلك يكون الطلاق مكروهاً من غير حاجة، وإن كان واقعاً.
ويستحب الطلاق لتضررها، فإذا تضررت الزوجة، وليس التضرر خاصاً بأن يضرها الجماع، بل حتى إذا كانت تتضرر بسوء خلق الزوج، إذا كانت تكرهه لسوء خلقه ولسوء معاملته؛ بحيث إنه إذا أمسكها تضررت وتمنت فراقه، حتى ربما تبذل له من مالها ليطلقها، وهو الخلع، بحيث تحتاج إلى المخالعة، فإذا وصلت إلى هذه الحالة، وصارت تتمنى الفراق؛ استحب له أن يطلقها سواء كانت تتضرر بكثرة الجماع منه، أو تتضرر بسوء معاملته أو ما أشبه ذلك.
وكذلك إذا ساءت أخلاقها، أو رآها لا تصلي؛ استحب أن يطلقها، أو رآها قليلة ديانة، أو ليست عفيفة، يخشى أن تفسد نفسها؛ فتفسد عليه فراشها، أو تدخل عليه من ليس من أولاده إذا كانت متهمة بالفاحشة، ففي هذه الحال يستحب له فراقها حتى يسلم من هذه المصائب وما أشبهها.
من يصح منه الطلاق
ورد في الحديث: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق)، وهو الزوج الذي يملك الاستمتاع بامرأته، فهو الذي يطلق، فلو طلّق أبوه ما وقع، ولو طلق ابنه أو أخوه ما وقع، إلا إذا وكّل، لا يصح الطلاق إلا من الزوج، وإذا كان الزوج صغيراً غير مميز لا يقع طلاقه، وأما إذا كان قد بلغ سن التمييز، وكان في نحو سن العاشرة، وعرف أن الطلاق يسبب مفارقة الزوجة؛ فإن له -والحالة هذه- أن يطلق، ويقع طلاقه ولو كان دون البلوغ.
موانع الطلاق وتعذر وقوعه
إذا كان الزوج معذوراً كزوال عقله -فلو شرب مسكراً جاهلاً، ولم يعلم أنه حرام، فطلاقه لا يقع؛ لأنه يتكلم بما لا يعقل.
واختلف فيما إذا طلق وقد تعمد السكر، هل يقع طلاقه أم لا؟
معلوم أن السكران يهذي في كلامه ولا يعقل ما يقول، حيث إن هذا السكر غطّى عقله ومعرفته.
أكثر العلماء يقولون: إنه يقع؛ لأنه تعمد شرب المسكر؛ فيقع الطلاق عقوبة له، ولأنه يعرف ما يترتب على شرب المسكر: كالغيبوبة وزوال العقل وزوال المعرفة، فهو كأنه مقدم على هذا الأمر؛ فيقع عقوبة له، قال أكثر العلماء: يقع طلاق السكران، واختار بعض المحققين أنه لا يقع؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وبه كان يفتي شيخنا ابن باز رحمه الله؛ وذلك لأنه في تلك الحالة لا يدري ما يقول، والله تعالى يقول: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43] ، وهو لا يعلم ما يقول، فكلامه لا يحاسب عليه، ومعلوم أنه سيقام عليه الحد الذي هو الجلد أو السجن أو نحو ذلك، فلا نؤاخذه بالطلاق حال سكره.
وبعض الناس يستحلون ما يقدرون عليه من أموال السكران، فبعض السكارى -والعياذ بالله- إذا سكر خرج وجعل يمشي بين الناس وفي الأسواق، فإذا أشار مثلاً إلى صاحب سيارة وركب معه، وعرف السائق أنه سكران، أخذ ما معه، فيسلبه ما معه ولو كان ألفاً أو ألوفاً، وربما يأخذ ما معه مما هو ثمين كساعة أو نحوها، فهذا حرام، لأنه أخذ ماله في غفلته وهو لا يدري، وهكذا بعض هؤلاء إذا دخلوا بيت إنسان، ورأوا أنه سكران؛ فإنهم يسلبون ما عنده من المال، ويقولون: إنه حلال لنا؛ لأنه سمح لنا وأعطانا، وهذا حرام.
ولاشك أنه يستحق العقوبة الشديدة؛ حيث إنه تعاطى ما يزيل عقله، ولكن كوننا نستحل أمواله أو نأخذ منه ما ليس حقاً لنا، فهذا لا يجوز، أما إذا كان عقله زال بعذر؛ بمعنى: أنه شرب وهو لا يدري، أو مثلاً بنج أي: ضرب ببنج أزال شعوره، فتكلم بما لا يعقل وطلق؛ فإنه لا يقع.
وهكذا المكره، وهو الذي ألجئ على التلفظ بالطلاق وهدد، وكان الذي هدده إذا قال فعل؛ يعني: أنه قادر على إلحاق الضرر به، فطلق لذلك، فلا يقع طلاقه، فإذا أكرهه سلطان أو رئيس، أو جاء أهل المرأة إليه فقالوا: طلق وإلا قتلناك، أو قال له أحد أوليائها الذين يريدونها لأنفسهم: طلق وإلا قتلناك، وهددوه بالسلاح، وهم قادرون، ومعهم الأسلحة، فطلق بناءً على كلامهم، فالأصل أنه مغلوب على أمره، فالمكره قد أبيح له أن ينطق بكلمة الكفر، قال تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]، فكل ما فيه شيء من الإكراه لا يقع به الطلاق.
يحكى أن رجلاً رأى عسلاً في قمة جبل، ولا يوصل إليه إلا من الأعلى، فقال لامرأته: إني سأتدلى بهذا الحبل إليه، فأمسكي هذا الحبل، فأمسكته وتدلى، ولما كان في نصف الطريق متدلياً قالت له: طلقني وإلا أطلقت الحبل حتى تسقط، ولو أطلقته سقط من قمة الجبل ولن يصل إلا قطعاً، فخوفها بالله فلم تقبل؛ فطلقها، ولما صعد ذهب إلى عمر وسأله فقال: راجع امرأتك، لا يقع مثل هذا الطلاق، هذا مثال على الإكراه.
من يصح توكيله في الطلاق
ما يصح، وليس لك أن تطلقها؛ لأن الأب لا يصح أن يطلق زوجة ابنه، أما إذا وكلك هو وقال: وكلتك أن تطلق زوجتي فلانة؛ فلك أن تطلقها، بشرط أن يكون الوكيل عاقلاً عارفاً بآثار الطلاق، وأن يكون الموكل عاقلاً عارفاً بآثار الطلاق، فلا بد أن يكون الوكيل والموكل كلاهما ممن يصح طلاقه. فيصح توكل العاقل البالغ الرشيد ويصح توكيله.
وهل يصح توكيل المرأة لطلاق نفسها؟
يصح ذلك، فإذا قال لها: وكلتك في تطليق نفسك متى طلبت أو متى رغبت فيه، فإذا رغبت وقالت: قد طلقت نفسي وقع؛ لأنه سمح لها بتطليق نفسها، فيقع الطلاق.
ويصح أيضاً أن يوكلها لطلاق غيرها، فلو وكل امرأة أجنبية وقال لها: وكلتك أن تطلقي امرأتي فلانة، وهي امرأة عاقلة عارفة، يصح أن تطلقها، فيصح أن تكون وكيلةً للطلاق، وكيلةً لطلاق نفسها، ووكيلةً لطلاق ضرتها، ووكيلةً لطلاق امرأة بعيدة.
طلاق البدعة وحكمه
ما صفة طلاق السنة؟
طلاق السنة أن يطلقها طلقة واحدة، وأن تكون في طهر لم يطأها فيه، بل طلقها في طهر لم يجامع فيه، هذا هو طلاق السنة إذا كانت قد دخل بها.
طلاق البدعة مثل: طلاق الثنتين، وطلاق الثلاث، فجمع الثلاث طلاق بدعة، واختلف هل يقع إذا طلقها ثلاثاً، كما لو قال: أنت طالق وطالق وطالق، أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أنت طالق ثلاثاً، أو قال: أنت طالق مائةً أو نحو ذلك، والجمهور على أنه يقع؛ وذلك لأن هذا هو الذي اجتمع عليه الصحابة، والأئمة الأربعة على أن من جمع الطلاق الثلاث بلفظ واحد أنه يعد طلاقاً، وأنها لا تحل له إلا بعد زوج، وخالف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: لا يقع إلا واحدة إذا طلقها بالثلاث، فقال: أنت طالق بالثلاث، أو طالق وطالق وطالق، قال: إنما يقع طلقة واحدة، لماذا خالفت الجمهور؟ لماذا خالفت الأئمة الأربعة وأتباعهم؟
يقول: إني ابتليت بالمحلل، كثر في زمانه المحلل، لو طلق الرجل امرأته ثلاثاً استأجر من يحللها له، والمحلل ملعون كما في الحديث: (لعن الله المحلِّل والمحلَّل له)، ويقول: جاء في صحيح مسلم : (أن الطلاق الثلاث كانت تحسب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، وكذلك في عهد
والعلماء أجابوا عن حديث ابن عباس الذي فيه أن الثلاث واحدة بستة أجوبة تجدونها في كتب الشروح: كسبل السلام ونيل الأوطار وغيرها، ومنها:
أنه كان منسوخاً ولم يتفطن لنسخه إلا عمر .
ومنها: أن الحديث مضطرب ولا يعمل به.
ومنها: أن ابن عباس خالف هذا الحديث وأفتى بأن الثلاث تكون ثلاثاً، ولو كانت بلفظ واحدة، إلى غير ذلك.
ثم منهم من يقول: إذا قال: طالق ثلاثاً، أو طالق بالثلاث بكلمة واحدة فهي واحدة، وإذا قال: طالق وطالق وطالق، أو طالق ثم طالق ثم طالق فإنه يقع الثلاث، يعني: لم تقع إلا طلقة واحدة إذا قال: طالق بالثلاث أو طالق ثلاثاً، بخلاف ما إذا قال: طالق وطالق، أو طالق ثم طالق فتقع الثلاث.
ثم طلاقها وهي حائض طلاق بدعة، وطلاقها في طهر قد جامعها فيه طلاق بدعة، ولكن هل يقع؟
في ذلك أيضاً خلاف؛ فـشيخ الإسلام وتبعه الشيخ ابن باز على أنه لا يقع إذا طلق وهي حائض أو في طهر قد جامع فيه، والجمهور على أنه يقع ولو كان طلاق بدعة، هذا قول الجمهور.
ذكر المصنف رحمه الله هنا أنه إذا طلق مدخولاً بها في زمن الحيض أو في طهر جامع فيه فهو طلاق بدعة محرم، ويقع، ولكن تسن رجعتها، واستدلوا بحديث ابن عمر : (أنه طلق امرأته وهي حائض، فأخبر
عرفنا أن طلاق الثلاث طلاق بدعة، ويقع عند الجمهور، وأن من طلاق البدعة الطلاق في الحيض، ومع ذلك يقع عند الجمهور , وأن من طلاق البدعة أن يطلق في طهر قد جامع فيه، ويقع عند الجمهور، ولا يقع عند بعض المحققين.
حكم طلاق الغضبان
الأول: عند ابتداء الغضب، وهذا يقع الطلاق فيه بلا خلاف.
القسم الثاني: الغضب الشديد الذي لا يذهب الإحساس، وهذا يقع الطلاق فيه عند الجمهور، وخالف في ذلك شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ، وألّف ابن القيم رسالة مطبوعة اسمها: إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان، ورجح أنه لا يقع.
والقسم الثالث: الغضب الذي يذهب الإحساس ويسبب الإغماء والغيبوبة، فهذا لا يقع.
حكم طلاق الحامل والصغيرة والآيسة وغير المدخول بها
ذكر عن بعض الجهلة أنه لما سمع أنه لا يطلق إلا في طهر ظن أنه لا يطلق إلا متطهراً؛ يعني: متوضئاً أو مغتسلاً، وهذا قلة فهم، والمراد طهر للمرأة، أي: وهي ليست حائضاً.
وكذلك الصغيرة التي لم تحض يجوز طلاقها متى أراد، وليس لطلاقها سنة ولا بدعة؛ وذلك لأنها لا تحيض ولا تحمل، فمتى أراد يطلقها ولو في طهر جامعها فيه؛ لأنها لا تحيض، فله أن يطلقها متى شاء.
وكذلك الآيسة التي قد بلغت سن اليأس يقول تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ [الطلاق:4] يطلقها متى شاء فليس لطلاقها سنة محددة.
وكذلك أيضاً غير المدخول بها، أي: التي لم يكن دخل بها، فإن له أن يطلقها متى أراد، ولا يشترط أن تكون طاهراً أو حائضاً.
صريح الطلاق وكنايته
وأما الكنايات فهي كثيرة: مثل أن يقول: اخرجي، اذهبي، ذوقي، تجرعي،حبلك على غاربك، أو قال مثلاً: بتتكِ، أنت خلية، أنت برية، أنت بائن، أنت حرة، أنت حرج، فهل يقع الطلاق بهذه الكنايات التي ليست صريحة؟
يقع بالكناية إذا نوى، فيقال له: هل نويت؟ إذا قلت مثلاً: اخرجي، ذوقي، تجرعي، حبلك على غاربك، أنت خلية، أنت برية، أنت حرة، أنت حرج، هل نويت طلاقاً، أم لم تنوِ طلاقاً؟
فإن قال: قلت لها: أنت حرة؛ لأنها ليست مملوكة، أنت حرة؛ يعني: بنفسكِ، ما ملكتكِ ملكاً كما تملك الإماء.
وكذلك قوله: أنت الحرج، فإن قال: لا أريد بذلك أنها محرمة علي، وإنما أريد أن أحرجها، وقولي لها: اذهبي ذوقي اخرجي، ما أريد إلا تأديبها، أما إذا قال: نعم، قد أردت فراقها؛ فإنها تطلق بهذه الكناية.
إذا قال: أنت علي حرام، أو أنت كظهر أمي، أو ما أحل الله علي حرام، فهذا ظهار، يأتينا في باب الظهار كفارته هي المذكورة في أول سورة المجادلة، فإنه إذا حرم امرأته فالتحريم يعتبر ظهاراً، إذا قال: أنت علي كظهر أمي، أو كظهر أختي، أو كظهر ابنتي أو كبطنها أو كفرجها، فإن هذا أيضاً ظهار، أو ما أحل الله منكِ علي حرام؛ فهذا ظهار، فإذا قال: نويت الطلاق، نقول له: لا يقع، لكن عليك كفارة أو عليك أن تصرح بالطلاق.
إذا قال: أنت علي كالميتة أو كالدم أو كلحم الخنزير، يعني: محرمة، وقع ما نواه، إن كان نوى طلاقاً وقع طلاقاً، وإن كان لم ينوِ فإنه ظهار، ومع عدم النية يكون ظهاراً.
إذا قال: هلكت بالطلاق وكذب؛ فإنه يديَّن، هل أنت صدقت في أنك هالك بالطلاق؟ فإذا قال: ما أردت إلا اليمين، ما أردت الطلاق، فإنه يديَّن ويكون عليه كفارة اليمين. وأما إذا قال: حلفت بالطلاق، أو علي الطلاق من امرأتي أن أفعل كذا وكذا، وكان قد نوى الطلاق، فإنه يقع، ويلزمه حكماً ظاهراً، فإذا طالبت امرأته وقالت: إنه قد حلف بالطلاق، وقال مثلاً: إن لم تخرجي فأنتِ طالق، إن لم تركبي معي فأنت طالق، أو قال: إن خرجت مع فلان فأنت طالق، وكان يريد الطلاق؛ فإنها تطلق، فإن كان لا يريد إلا اليمين يديَّن.
عدد الطلقات للحر والمبعض والعبد
يملك الحر والمبعض ثلاثاً، والعبد يملك اثنتين، إذا طلق الحر واحدة فله أن يراجع؛ لأنها رجعية، فإذا طلق الثانية فله أن يراجع، أما إذا طلق الثالثة فلا رجعة بعدها حتى تنكح زوجاً غيره. وكذلك المعتق بعضه الذي ليس حراً كله؛ نصفه حر، ونصفه عبد يملك ثلاثاً، أما العبد فلا يملك إلا طلقتين، إذا طلق طلقتين لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
حكم الاستثناء من الطلاق والمطلقات
يصح استثناء النصف فأقل، ولا يصح استثناء أكثر، إذا كان له مثلاً أربع زوجات فقال: زوجاتي طوالق إلا اثنتين، صح ذلك، ووقع الطلاق على اثنتين ولم يقع على اثنتين؛ لأنه استثنى النصف، وكذلك لو قال: زوجاتي الثلاث طوالق إلا واحدة، الواحدة أقل من النصف، أما لو قال: زوجاتي الأربع طوالق إلا ثلاثاً، ما يصح استثناء أكثر من النصف، أو زوجاتي الثلاث طوالق إلا اثنتين ما يصح؛ لأنه استثنى أكثر من النصف، والاستثناء يكون بالنصف فأقل. وهكذا الطلقات وصورتها أن يقول: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة، كم يقع بها؟ تقع اثنتان؛ لأن الواحدة أقل من النصف، أما إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين فإنه لا يصح الاستثناء؛ لأنه استثنى أكثر من النصف، لا بد أن يكون الاستثناء بالنصف فأقل.
اختلف فيما إذا زاد على ما يملك، لو قال: أنت طالق أربع طلقات إلا اثنتين، فهل يقع؟ هو ما يملك إلا ثلاث، ففي هذه الحال الصحيح أنه يصح استثناؤه، أو قال: أنت طالق عشر طلقات إلا اثنتين تطلق واحدة؛ لأنه استثنى أقل من النصف.
شروط صحة الاستثناء
اشترط له التلفظ أما إذا كان بالنية، فلا، مثال النية أن يقول: أنت طالق ثلاثاً، ثم قال: استثنيت واحدة بقلبي، أو زوجاتي الأربع مطلقات، وسئل بعد ذلك فقال: استثنيت فلانة، أو استثنيت اثنتين، هذا ما ينفعه؛ لا بد أن يكون الاستثناء باللفظ.
الشرط الثاني: شرط اتصال المكان، وشرط النية قبل تمام المستثنى منه، الاتصال أي: لا يكون مفصولاً، صورته مثلاً: إذا قال: أنت طالق ثلاثاً، وسكت نصف ساعة أو ربع ساعة ثم قال: إلا واحدة، لا ينفعه الاستثناء، لا بد أن يكون متصلاً بالكلام.
ذكر عن رجل أنه دخل على المنصور وعنده أبو حنيفة فقال له: إن أبا حنيفة يخالف جدك ابن عباس يقول: إن الاستثناء لا يكون إلا متصلاً، فقال المنصور : ما تقول يا أبا حنيفة ؟ قال أبو حنيفة : إن هذا الرجل يزعم أنه ليس لكم بيعة عند الرعية، قال المنصور : لماذا؟ قال: يحلفون لكم، وإذا رجعوا إلى بيوتهم استثنوا، وصح لهم أن ينقضوا العهد؛ لأنهم قد استثنوا، فعرف المنصور أن الاستثناء لا يكون إلا متصلاً، وأقر أبا حنيفة على ذلك، والأثر الذي روي عن ابن عباس أنه كان يجيز الاستثناء ولو متأخراً، لم يثبت عنه على الصحيح، فهو أثر ضعيف، فالاستثناء لا بد أن يكون متصلاً، لكن لو سكت للتنفس صح، كما لو قال: أنت طالق ثلاثاً، ثم وقف يتنفس ثم قال: إلا واحدة، فهذا اتصال مكان.
ولا بد من النية قبل أن يتم المستثنى منه، فلو قال: أنت طالق ثلاثاً، وما كانت نيته الاستثناء، ولكنه لما أكمل كلامه قال: إلا واحدة، فلا تنفعه؛ لأنه ما نوى الاستثناء قبل تمام الكلام.
حكم الاستثناء بالقلب
يقول المصنف: (يصح من مطلقات لا من طلقات)، إذا قال مثلاً: زوجاتي طوالق وله أربع، ونوى بقلبه استثناء واحدة أو استثناء اثنتين، يصح؛ وذلك لأن كلمة زوجات تصدق على اثنتين وعلى واحدة، فلا حرج في أن يستثني بقلبه من المطلقات، وأما الطلقات فلا يصح الاستثناء إلا باللفظ، ولا ينفعه الاستثناء بالقلب في عدد الطلقات.
مسائل غريبة في الطلاق
ثانياً: إذا قال: أنت طالق بعد موتي فهل تطلق؟ ما تطلق؛ لأنها بعد موته قد بانت منه؛ لأن الموت بينونة كبرى، ومفارقة كاملة، فلا يقع الطلاق، هذا إذا قال: بعد موتي، وإذا قال: أنت طالق مع موتي هل تطلق؟ لا تطلق أيضاً، وما ذاك إلا لأن الطلاق لا بد أن يكون في الحياة، وأما حالة الموت فلا يصح.
وقد ذكروا أنه لو طلقها وهو مريض، فإنها ترث منه، حتى ولو انتهت عدتها؛ لأن الغالب أنه يقصد حرمانها، فيطلقها في المرض حتى لا ترث، فالطلاق مع الموت أو مع قربه لا يقع، لكن إن كان في مرض معتاد وقع الطلاق، لكن إذا اتهم بقصد حرمانها فإنها ترث.
وإذا قال: أنت طالق في هذا الشهر، متى تطلق؟ تطلق في الحال؛ لأن هذه الحال من هذا الشهر.
وإذا قال: أنت طالق اليوم؛ تطلق ساعة ما يتلفظ، ولا حاجة إلى أن يؤخر الطلاق إلى نهايته.
وإذا قال: أنت طالق في هذه السنة؛ تطلق حالة ما يتكلم، سواء قال: أنت طالق اليوم أو في هذا الأسبوع أو في هذا الشهر أو في هذه السنة؛ فإنها تطلق ساعة ما يتكلم. ولو قال: ما أردت طلاقها في الحال، وإنما أردت آخر الكل، يقبل حكماً؛ يعني يصدق.
فإذا قال: ما أردت إلا آخر اليوم؛ فإنها تطلق عند غروب الشمس، وإذا قال: آخر الأسبوع؛ فإنها تطلق آخر يوم الجمعة، وإذا قال: آخر الشهر؛ فإنها تطلق آخر يوم ثلاثين الذي هو آخر الشهر، أو آخر تسع وعشرين إن كان الشهر ناقصاً، وهكذا آخر السنة يقبل قوله حكماً.
إذا قال: أنت طالق غداً، يراد بغدٍ اليوم الذي بعد هذا اليوم، تطلق في أوله، وأول غدٍ متى هو؟ وقت إمساك الصائم، يعني: وقت طلوع الفجر، فإنه أول النهار، فتطلق وقت طلوع الفجر وتبيُّن الصبح، وقبل ذلك لو ماتت؛ ورثها، ولو مات قبلها ورثت منه؛ لأنها لا تزال زوجة، وتحد عليه ونحو ذلك.
إذا قال: أنت طالق يوم السبت مثلاً، يوم السبت قيل: إنه يدخل فيه الليل، فتطلق إذا غربت شمس يوم الجمعة؛ لأن الليلة تكون من يوم السبت، ولكن الأكثرون على أنه يفرق بين يوم السبت وليلة السبت، فلا تطلق إلا في أول صباح يوم السبت بطلوع الفجر، لو قال: أردت آخر يوم السبت أي: وقت غروب شمس يوم السبت، أو قال: أردت آخر الغد كأن قال: أنت طالق غداً، وأراد بها آخر النهار قرب غروب الشمس، هل يقبل؟ لا يقبل.
إذا قال: إذا مرَّت سنة فأنت طالق، كلمة سنة اسم لمضي اثني عشر شهراً، فمتى مضى اثنا عشر شهراً هلالياً فإنها تطلق، لكن في بعض البلاد يوقتون بالأشهر الشمسية أو الميلادية، فإذا كان ذلك معتاداً عندهم، فلا بد أن يمضي اثنا عشر شهراً شمسياً من الأشهر المعروفة عند أهل التاريخ الميلادي، وأما إذا قال: اثنا عشر شهراً وهو من المسلمين وبينهم، فتكون الأشهر هلالية؛ لأن هذا هو المعتاد والمعروف عند المسلمين.
إذا قال: إذا مضت السنة فأنت طالق؛ السنة في اصطلاح المسلمين هي السنة الهجرية، وتبدأ بشهر محرم، وتنتهي بشهر ذي الحجة، فتطلق في آخر شهر ذي الحجة؛ لأن هذه هي السنة الهجرية، وإذا كان ممن يؤرخ بالتاريخ الميلادي، فإنها تطلق بنهاية السنة الميلادية، فقبل أن يدخل الشهر الميلادي الذي يستقبلون به السنة ويسمى: يناير تطلق، وتنتهي السنة بشهر ديسمبر.
الحاصل أن مثل هذه المسائل يذكرها الفقهاء، وبعضها قالوه بالاجتهاد، ومع ذلك فإنهم يقيسون بعضها على بعض على أقل ما يليق بها، فنقول: لا يشترط أن يكون على كل جملة نصٌ أو دليل واضح، بل الأدلة تؤخذ من العمومات أو تؤخذ من المسميات، ونعرف أيضاً أن كثيراً منها خلافية أي: يوجد فيها خلاف بين الفقهاء، وإنما ذكروا ما يترجح لهم.
استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح أخصر المختصرات [21] | 2739 استماع |
شرح أخصر المختصرات [28] | 2716 استماع |
شرح أخصر المختصرات [72] | 2607 استماع |
شرح أخصر المختصرات [87] | 2570 استماع |
شرح أخصر المختصرات [37] | 2483 استماع |
شرح أخصر المختصرات [68] | 2348 استماع |
شرح أخصر المختصرات [81] | 2339 استماع |
شرح أخصر المختصرات [58] | 2332 استماع |
شرح أخصر المختصرات [9] | 2319 استماع |
شرح أخصر المختصرات [22] | 2269 استماع |