شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [33]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ... وعلى شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يُثمر بجزء من الثمرة، وهي عقد جائز، فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمرة فللعامل الأجرة، وإن فسخها هو فلا شيء له، ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة من حرث وسقي وزبار وتلقيح وتشميس وإصلاح موضعه وطرق الماء وحصاد ونحوه، وعلى رب المال ما يصلحه، كسد حائط وإجراء الأنهار والدولاب ونحوه.

فصل في أحكام المزارعة:

وتصح المزارعة بجزءٍ معلوم النسبة مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل والباقي للآخر، ولا يشترط كون البذر والغراس من رب الأرض، وعليه عمل الناس.

باب الإجارة:

تصح بثلاثة شروط: معرفة المنفعة كسكنى دارٍ وخدمة آدميٍ وتعليم علم، الثاني: معرفة الأجرة، وتصح في الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما، وإن دخل حمامًا أو سفينةً أو أعطى ثوبه قصارًا أو خياطًا بلا عقد صح بأجرة العادة ].

تقدم لنا بقية الكلام عن أحكام الشركات، وتكلمنا عن شركة الوجوه، وكذلك أيضاً شركة الأبدان، وشركة المفاوضة.

وذكرنا أن شركة الوجوه، مثالها أن يشتريا بذمتيهما دون أن يكون لهما مال، وأما شركة الأبدان فذكرنا أنها نوعان: النوع الأول: اشتراك أهل المهن والحِرف والصنائع، وهل يُشترط اتحاد الصنائع أو أن هذا ليس شرطًا؟ ذكرنا أن المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن هذا ليس شرطًا، وأن هذا جائز ولا بأس به.

والنوع الثاني: أن يشتركا فيما يكتسبان من المباحات، كأن يشتركا فيما يكتسبان من صيد أو احتطاب أو احتشاش أو غير ذلك.

وأيضاً تكلمنا عن شركة المفاوضة، وذكرنا أن شركة المفاوضة نوعان:

النوع الأول: أن يشتركا في كل عملٍ بدني ومالي.

والنوع الثاني: أن يُدخل فيها أكسابًا نادرة، أو ما يلزم أحدهما من أرش جنايةٍ أو غصبٍ أو ضمان غصبٍ ونحو ذلك.

هناك شركات وجدت في هذا الوقت، والشركات الموجودة في هذا الوقت هي لا تخرج عن هذه الأنواع التي يذكرها العلماء رحمهم الله، وإن اختلفت المسميات، فمثلاً شركة الأسهم، وشركة الأسهم: هي التي يُقسم رأس مالها على أسهم متساوية قابلة للتداول.

مثلاً يقول: الشركة تفتح سعر السهم يساوي ألف ريال، أو يساوي ألفي ريال، ثم تُجمع الأموال ويُعمل بها، فهذه الشركة داخلة تحت شركة العنان.

أيضاً من الشركات التي استجدت وتكون داخلة تحت شركة العنان: شركة التضامن، أيضاً من ذلك: شركة التوصية بالأسهم، ومن ذلك أيضاً: الشركة ذات المسئولية المحدودة، فهذه كلها إذا نظرت إلى طريقة العمل في مثل هذه الشركات تجد أنها داخلة تحت شركة العنان.

كذلك أيضاً مما يدخل تحت شركة المضاربة: ما يسمي بالشركة القابضة، والشركة القابضة هذه إما أن تكون داخلة تحت شركة المضاربة، أو تكون جمعت بين شركة العنان وشركة المضاربة.

أيضاً مما يدخل تحت شركة المضاربة: الصناديق الاستثمارية التي توجد الآن في المصارف، فهذه الصناديق الاستثمارية يجمعون الأموال من الناس ثم بعد ذلك يضاربون فيها، فهذه تسمى شركة المضاربة، لكن لابد لهذه الشركات أن تضبط بالضوابط الشرعية التي ذكرت والشروط التي ذكرنا، وألا يدخل في أعمالها شيء محرم.

كذلك أيضاً: الودائع، فالودائع البنكية التي تودع في المصارف الإسلامية ثم بعد ذلك يُعمل بها، هذه داخلة تحت شركة المضاربة، فأنت تودعهم الأموال وهم يعملون بالأموال ويعطونك جزءاً من الربح، فهذه إذا توفرت فيها الضوابط الشرعية لشركة المضاربة، فهي شركة مضاربة، فمثل هذه الشركات وإن اختلفت مسمياتها إلا أنها داخلة تحت ما يذكره العلماء رحمهم الله من هذه الأنواع، لكن لابد من الضوابط الشرعية وتوفر شروط الشركة، وعدم الدخول في أشياء محرمة.

وأما ما يتعلق بالمضاربة بالأسهم وبيع الأسهم والاكتتاب في الأسهم فهذه سبق أن تكلمنا عليها قبل سنوات، تكلمنا عليها في النوازل المالية وأحكام المعاملات المعاصرة، وهي موجودة الآن في الموقع لمن أراد أن يستفيد منها.

وكذلك أيضاً تكلمنا عن كثير من أحكام المعاملات المصرفية الموجودة كالودائع والحوالات المصرفية والبطاقات بطاقات التقبيض والتأمين والمسابقات وما يتعلق بها، وهذه كلها موجودة الآن في الموقع، فمن أراد أن يستفيد سيستفيد، لكن نحب أن ننبه إلى أن هذه الشركات الآن التي ذكرنا أسماءها داخلة تحت هذه الأنواع التي تكلم عليها العلماء رحمهم الله.

وتقدم لنا باب المساقاة، وذكرنا تعريف المساقاة في اللغة والاصطلاح، وهل المساقاة مشروعة أو ليست مشروعة؟ ذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله على هذه المسألة، وذكرنا أيضاً صورًا من صور المساقاة، وذكرنا أربع صور.

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( وعلى شجرٍ يغرسه ويعمل عليه حتى يُثمر بجزءٍ من الثمرة ).

هذه الصورة الخامسة، أن يدفع له شجرًا لم يُغرس ثم بعد ذلك يقوم العامل بغرس هذا الشجر بجزءٍ معلومٍ من الثمرة، فهذا داخل أيضاً تحت صور المساقاة، والأصل في ذلك الحِل كما سلف، وكلٌ من العوض والعمل معلوم فصحت.

أيضاً من الصور: ما يسمى بالمغارسة، والمغارسة هي: أن يدفع أرضًا وشجرًا لمن يغرسه بجزءٍ معلومٍ مشاعٍ من الغرس وليس من الثمرة، مثلاً: يدفع له الأشجار لكي يغرس هذه الأشجار في الأرض ولك نصف الشجر، فالاتفاق ليس على الثمرة وإنما على الشجر، فإن قال: ولك نصف الشجر، أو لك الربع، أو لك الثلث، فهذه تسمى عند العلماء رحمهم الله تعالى مغارسة، وهذه أيضاً جائزة ولا بأس بها.

قال المؤلف رحمه الله: ( وهو عقدٌ جائز ).

يعني: عقد المساقاة وكذلك أيضاً عقد المغارسة وعقد المزارعة، يقول المؤلف رحمه الله بأنها من العقود الجائزة، بمعنى: أن لكل واحدٍ من المتعاقدين الحق أن يفسخ، فالعامل له حق الفسخ، ورب الشجر له حق الفسخ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين، لما عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر قال: ( نقركم على هذا ما نشاء )، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نقركم على هذا ما نشاء ) يعني: فوض الإقرار إلى مشيئته، وهذا مما يدل على أن له أن يفسخ، وإذا كان له الحق في الفسخ فإن هذا يدل على أنه عقد جائز وليس عقدًا لازمًا.

والرأي الثاني: أن عقد المساقاة عقدٌ لازم، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم، ومثله أيضاً: عقد المزارعة والمغارسة كما تقدم أنها عقود لازمة، ويدل لذلك أن الله عز وجل قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، فالله سبحانه وتعالى أمر بإيفاء العقد، والفسخ يخالف إيفاء العقد، وكذلك أيضاً قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون على شروطهم )، فهذا مما يدل على أنه عقد لازم يجب التوفية به.

وهذا القول هو الصواب، وسبق أن أشرنا إلى هذا في باب الخيار، عند الحديث عن خيار المجلس، وذكرنا أن عقد المساقاة وعقد المزارعة أن الصواب أنها عقود لازمة، ويترتب على هذا أنه يثبت فيها خيار المجلس كعقد الإجارة، وكما أن عقد الإجارة عقد لازم يثبت فيه خيار المجلس، فكذلك أيضاً هذه العقود نقول: عقودٌ لازمة يثبت فيها خيار المجلس.

وأما حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نقركم على هذا ما نشاء )، فالجواب عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد إخراج اليهود من جزيرة العرب، ولهذا وصى عليه الصلاة والسلام في آخر حياته ( أخرجوا اليهود من جزيرة العرب )، فهو كان مريدًا عليه الصلاة والسلام إخراج اليهود من جزيرة العرب، فالصحيح في ذلك: أن عقد المساقاة والمزارعة والمغارسة عقود لازمة.

قال رحمه الله: (فإن فسخ).

هنا فرع المؤلف رحمه الله، والفاء للتفريع.

قال: (فإن فسخ المالك) لما ذكر المؤلف رحمه الله أن عقد المساقاة عقدٌ جائز، ومثله أيضاً المزارعات، والمزارعة والمغارسة فماذا يترتب على ذلك؟

قال رحمه الله: ( فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمرة فللعامل الأجرة، وإن فسخها هو فلا شيء له ) والفسخ لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون الفسخ قبل ظهور الثمرة، فإن كان الفسخ من قِبل المالك فالعامل له أجرة المثل، وإن كان الفسخ من قِبل العامل فلا شيء له، نعم إن كان الفسخ من قِبل المالك فللعامل أجرة المثل مقابل عمله؛ لأن المالك منعه من إتمام عمله الذي يستحق به العوض فاستحق أجرة المثل، وإن كان الفسخ من قِبل العامل فلا شيء له، يقول رحمه الله: بأنه ( لا شيء له )، وهذا كله ترتيب على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى من أن عقد المساقاة عقد جائز، لكن إذا قلنا بأنه عقد لازم فلا يأتينا هذا الكلام. هذه الحالة الأولى.

الحالة الثانية: أن يكون الفسخ بعد ظهور الثمرة، فعلى المذهب إذا كان الفسخ بعد ظهور الثمرة فإن العامل يُلزم بإتمام العمل، والثمرة بينهما على ما شرطاه، يعني: ترتب على ذلك أنه لا فسخ بعد ظهور الثمرة، وذلك أن العامل سيلزم بإتمام الثمرة، فنقول للعامل: أنت ملزم بإتمام الثمرة، والثمرة على حسب ما شرطاه.

وإذا تراضيا فلو قلنا على المذهب بصحة الفسخ قبل ظهور الثمرة، فالمؤلف رحمه الله يقول: إذا كان الفسخ من قِبل المالك فالعامل له أجرة المثل، ولنفرض أن العامل عمل على الشجر مدة شهر، وقبل أن تظهر الثمرة فسخ المالك، فنقول: له أجرة المثل، بمعنى: ننظر للعامل كم يعمل مثله هذا الشهر؟ يعمل مدة هذا الشهر بألف ريال، فنعطيه ألف ريال، أو يعمل بألفين، فنعطيه ألفين، هذا على كلام المؤلف رحمه الله.

والصحيح أننا إذا قلنا بصحة الفسخ أننا لا نعطيه أجرة المثل؛ لأنه لم يدخل على أنه أجير، ولكنه دخل على أنها مساقاة، ولم يدخل على أنه أجير، فلا يصح أن نقلب عقد المساقاة إلى عقد إجارة ونقول: نعطيه أجرة المثل، فهو لم يدخل على أنه أجير، وإنما دخل على أنها مساقاة، فنقول: له نصيب المثل وليس له أجرة المثل، يعني: لو قلنا: له أجرة، والعامل مثلاً يعمل مدة شهر بألف ريال، فهذه أجرة المثل، لكن لو قلنا: له نصيب المثل، ننظر مثل هذا العامل إذا عمل على هذا الشجر، كم يستحق من الثمرة؟ وهذه الفترة مدة شهر، مثلاً: الثمر يحتاج إلى سنة، فكم يستحق؟ قالوا: يستحق كذا وكذا من الثمرة، مثلاً: يستحق ربع الثمرة، نعطيه ربع الثمرة، أي ما يساوي ربع الثمرة وقد يساوي عشرة آلاف، هذا هو العدل؛ لأنه لم يدخل على أنه أجير، ولكنه دخل على أنه مساقي، وهذا الصواب فنعطيه نصيب المثل، أو مثلاً: تراضيا على الفسخ، فنقول: الصواب أننا نعطيه نصيب المثل.

قال المؤلف رحمه الله: ( ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة من حرث وسقي وزبار ) الزبار هذا: قطع الأغصان الرديئة من الكرم، ( وتلقيح ) يعني: تلقيح النخيل، ( وتشميس ) يعني: الثمرة تحتاج إلى تشميس.

وقوله: ( وإصلاح موضعه وطرق الماء، وحصاد ونحوه، وعلى رب المال ما يصلحه كسد حائطه ) يعني: إذا احتاج حائط المزرعة أن تُسد الثلمة فيه، أو سقط الحائط ونحو ذلك.

قوله: ( وإجراء الأنهار ) المقصود: الجدول الصغير الذي يذهب إلى الزرع والأشجار.

قوله: ( والدولاب ) الدولاب كما تقدم لنا أنها آلات تديرها البقر.

هنا أراد المؤلف رحمه الله أن يبين لنا ما الذي يلزم العامل في باب المساقاة، ورب الشجر في باب المساقاة، ما الذي يلزم كل واحدٍ منهما؟ نقول بأن هذا على ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: أن يكون هناك شرط، اشترطا كذا وكذا، أو اتفقا على كذا وكذا، فإذا اشترط العامل على رب الشجر كذا، واشترط رب الشجر على العامل كذا، فالمسلمون على شروطهم، فإذا كان هناك شرطٌ فنقول: المسلمون على شروطهم، هذه المرتبة الأولى.

المرتبة الثانية: ألا يكون هناك شرط، فإننا نرجع إلى أعراف الناس، إذ إن الشرط العُرفي كالشرط اللفظي، فإذا لم يكن هناك شرط فنرجع إلى العُرف، فما تعارف عليه الناس أن رب الشجر يلزمه كذا، فيؤخذ بالعُرف، أو أن العامل يلزمه كذا، فيؤخذ بالعُرف.

المرتبة الثالثة: إذا لم يكن هناك شرطٌ لفظي ولا شرطٌ عرفي، نرجع إلى ما ذكره العلماء رحمهم الله، وقد ذكر المؤلف رحمه الله قاعدة وهي: أن ما يُصلح الثمرة على العامل، فكل ما يُصلح الثمرة فهذا على العامل، وما يُصلح الأصل فهذا يكون على المالك، فهذه قاعدة.

فقوله: ( ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة من حرث...) نقول: الحرث على العامل، أيضًاً: العامل يسقي يوميًا أو يومًا بعد يوم، أيضاً: العامل هو الذي يقوم بالتلقيح وقطع الأغصان التي لا يُحتاج إليها وتشميس الثمرة والتيبيس وإصلاح الجداول؛ لأنها قد تنسد فيفتح المرشات، فهذه الأشياء كلها يقوم بها العامل.

كذلك المداواة: تحتاج مثلاً هذه الأشجار إلى مداواة، فيوضع فيها دواء لسلامتها من الآفات والحشرات، وهذا يلزم العامل، فكل ما فيه صلاح الثمرة، فنقول: هذا على العامل، وكل ما فيه صلاحٌ للأصل فهذا يلزم المالك.

وقوله: ( كسد الحائط ) يعني: الحيطان تحتاج إلى سد، كأن سقط الحائط، أو باب المزرعة تهدم، فهذا يلزم المالك، كذلك أيضاً: حفر الآبار يلزم المالك، كذلك أيضاً: شراء الآلات وشراء المكائن وشراء المرشات، فهذه كلها تلزم المالك وعلى هذا فقس، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ( الدولاب ) واليوم عندنا مثل المكائن الضخمة كالمرشات، فهذه المرشات تحتاج إلى وقود، وتحتاج إلى كهرباء، فهذه تلزم المالك، وقد تحتاج إلى زيت، أو تحتاج إلى كهرباء، نقول بأنها لازمة للمالك.

قال رحمه الله تعالى: ( فصلٌ: وتصح المزارعة ).

تعريف المزارعة لغة واصطلاحاً

المزارعة لغة: من زرع الحب زرعًا وزراعةً أي بذره، وأما في الاصطلاح: فهي دفع أرضٍ لمن يقوم بزراعتها بجزءٍ معلومٍ من الزرع، كأن يدفع له الأرض على أن يقوم بزراعتها وله النصف، يزرعها بُرًا، يزرعها شعيرًا، يزرعها أرزًا، يزرعها خضراوات من طماطم أو قثاء أو غير ذلك بجزءٍ معلومٍ من الزرع.

آراء العلماء في مشروعية المزارعة

والمزارعة المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها صحيحة، وكما تقدم لنا أن الحنابلة هم أوسع الناس في باب المزارعة، وعمومًا في الشركات الحنابلة هم أوسع الناس، وأضيق الناس هم الشافعية، وأبو حنيفة رحمه الله في باب المساقاة والمزارعة أضيق من الشافعية.

فالمهم أن المذهب أن المزارعة حكمها صحيح، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر ).

الرأي الثاني: أن المزارعة غير صحيحة وهذا مذهب أبي حنيفة ، وتقدم دليلهم على ذلك وهو حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كانت له أرضٌ فليزرعها، أو يُزرعها، ولا يكاره بثلث أو ربع أو طعام مسمى ) رواه مسلم في صحيحه، وعند الشافعية تصح المزارعة تبعًا للمساقاة، يعني: يساقيه على الأشجار، مثلاً يساقيه على أشجار النخيل، والبياض الذي يكون بين الأشجار يصح أن يزارعه عليه، أما ما عدا ذلك بأن يعطيه أرضًا بيضاء لكي يزارعها، فهذا لا يصح، لكن يقولون: تصح المزارعة تبعًا للمساقاة.

وهذا أيضاً كلام المالكية، وإن كان المالكية يقولون: تُحد بالثلث، فالمالكية يحدون، يعني يقولون: لابد أن يكون مقدار البياض من الأرض ثلث مقدار الجميع، وعلى كل حال هذا كلام العلماء رحمهم الله، والصواب في ذلك: أن المزارعة صحيحة ومشروعة كما هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، والناس يحتاجون إليها، والأصل في المعاملات الحِل كما سلف؛ ولأن الإنسان قد يملك الأرض لكنه لا يملك العمل، ولا يتمكن من الفلاحة، إما لضعفه أو عدم علمه.

وأما حديث رافع بن خديج فهذا أجبنا عنه، وأنه محمولٌ على أن هذا كان في أول الإسلام، لما كان الناس عندهم حاجة وفاقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعطيها أخاه مزارعةً وإنما يزرعها هو ( أو ليُزرعها أخاه، ولا يُكاره ) وهذا كان في أول الإسلام، وسبق أن أجبنا عليه.

شروط صحة المزارعة

قال المؤلف رحمه الله: ( وتصح المزارعة بجزءٍ معلوم النسبة مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل، والباقي للآخر ) يعني: يصح أن يزارعه فيقول: لي النصف والباقي للآخر، أو يقول: لي الربع والباقي يكون للآخر، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله، وهذا معلوم.

وقوله: ( معلوم النسبة ) يُخرج ما إذا كان معلوم العين فلا يصح، لكن معلوم النسبة كثلث، أو ربع فهذا جائز، لكن لو قال: لي ثمر النخيل ولك ثمر البرتقال، أو لي ثمر البرتقال ولك ثمر التفاح، وإن كان معلوم العين فهذا لا يصح لما تقدم.

قال رحمه الله: ( ولا يشترط كون البذر والغراس من رب الأرض ).

هذا الذي ذهب إليه الماتن هو خلاف المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، فمذهب الإمام أحمد رحمه الله في باب المزارعة وباب المغارسة، لابد أن يكون البذر من رب الأرض ولا يكون من العامل كالمضاربة.

فالمضاربة تعطيه المال لكي يعمل عليه، ومثله أيضاً: المزارعة تعطيه البذر لكي يعمل على هذه الأرض، فالبذر يجعلونه بمنزلة المال كالمضاربة، لكن الماتن رحمه الله تعالى خالف المذهب في هذه المسألة، وقالوا: هذا وارد عن عمر رضي الله عنه، وكذلك أيضاً وارد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

وتقدم لنا مما يدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، (أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع وثمر ) ولم يرِد أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع لهم البذر، والذي يظهر والله أعلم أن البذر إنما هو من أهل خيبر، فنقول: السنة وكذلك أيضاً الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم تدل لما ذهب إليه الماتن، ولأن الأصل في المعاملات الحِل.

وخلاصة ما سبق أن المساقاة: أن يدفع له الشجر بجزءٍ معلوم مشاع من الثمرة، والمزارعة: أن يدفع له الأرض بجزءٍ معلومٍ مشاع من الزرع، والمغارسة: أن يدفع له الأرض والشجر بجزءٍ معلوم مشاع من الغرس، هذه المسائل الثلاث.

بقينا في مسألة أخرى وهي تأجير الأرض، أو تأجير النخل.

المزارعة لغة: من زرع الحب زرعًا وزراعةً أي بذره، وأما في الاصطلاح: فهي دفع أرضٍ لمن يقوم بزراعتها بجزءٍ معلومٍ من الزرع، كأن يدفع له الأرض على أن يقوم بزراعتها وله النصف، يزرعها بُرًا، يزرعها شعيرًا، يزرعها أرزًا، يزرعها خضراوات من طماطم أو قثاء أو غير ذلك بجزءٍ معلومٍ من الزرع.

والمزارعة المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها صحيحة، وكما تقدم لنا أن الحنابلة هم أوسع الناس في باب المزارعة، وعمومًا في الشركات الحنابلة هم أوسع الناس، وأضيق الناس هم الشافعية، وأبو حنيفة رحمه الله في باب المساقاة والمزارعة أضيق من الشافعية.

فالمهم أن المذهب أن المزارعة حكمها صحيح، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر ).

الرأي الثاني: أن المزارعة غير صحيحة وهذا مذهب أبي حنيفة ، وتقدم دليلهم على ذلك وهو حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كانت له أرضٌ فليزرعها، أو يُزرعها، ولا يكاره بثلث أو ربع أو طعام مسمى ) رواه مسلم في صحيحه، وعند الشافعية تصح المزارعة تبعًا للمساقاة، يعني: يساقيه على الأشجار، مثلاً يساقيه على أشجار النخيل، والبياض الذي يكون بين الأشجار يصح أن يزارعه عليه، أما ما عدا ذلك بأن يعطيه أرضًا بيضاء لكي يزارعها، فهذا لا يصح، لكن يقولون: تصح المزارعة تبعًا للمساقاة.

وهذا أيضاً كلام المالكية، وإن كان المالكية يقولون: تُحد بالثلث، فالمالكية يحدون، يعني يقولون: لابد أن يكون مقدار البياض من الأرض ثلث مقدار الجميع، وعلى كل حال هذا كلام العلماء رحمهم الله، والصواب في ذلك: أن المزارعة صحيحة ومشروعة كما هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، والناس يحتاجون إليها، والأصل في المعاملات الحِل كما سلف؛ ولأن الإنسان قد يملك الأرض لكنه لا يملك العمل، ولا يتمكن من الفلاحة، إما لضعفه أو عدم علمه.

وأما حديث رافع بن خديج فهذا أجبنا عنه، وأنه محمولٌ على أن هذا كان في أول الإسلام، لما كان الناس عندهم حاجة وفاقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعطيها أخاه مزارعةً وإنما يزرعها هو ( أو ليُزرعها أخاه، ولا يُكاره ) وهذا كان في أول الإسلام، وسبق أن أجبنا عليه.

قال المؤلف رحمه الله: ( وتصح المزارعة بجزءٍ معلوم النسبة مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل، والباقي للآخر ) يعني: يصح أن يزارعه فيقول: لي النصف والباقي للآخر، أو يقول: لي الربع والباقي يكون للآخر، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله، وهذا معلوم.

وقوله: ( معلوم النسبة ) يُخرج ما إذا كان معلوم العين فلا يصح، لكن معلوم النسبة كثلث، أو ربع فهذا جائز، لكن لو قال: لي ثمر النخيل ولك ثمر البرتقال، أو لي ثمر البرتقال ولك ثمر التفاح، وإن كان معلوم العين فهذا لا يصح لما تقدم.

قال رحمه الله: ( ولا يشترط كون البذر والغراس من رب الأرض ).

هذا الذي ذهب إليه الماتن هو خلاف المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، فمذهب الإمام أحمد رحمه الله في باب المزارعة وباب المغارسة، لابد أن يكون البذر من رب الأرض ولا يكون من العامل كالمضاربة.

فالمضاربة تعطيه المال لكي يعمل عليه، ومثله أيضاً: المزارعة تعطيه البذر لكي يعمل على هذه الأرض، فالبذر يجعلونه بمنزلة المال كالمضاربة، لكن الماتن رحمه الله تعالى خالف المذهب في هذه المسألة، وقالوا: هذا وارد عن عمر رضي الله عنه، وكذلك أيضاً وارد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

وتقدم لنا مما يدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، (أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع وثمر ) ولم يرِد أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع لهم البذر، والذي يظهر والله أعلم أن البذر إنما هو من أهل خيبر، فنقول: السنة وكذلك أيضاً الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم تدل لما ذهب إليه الماتن، ولأن الأصل في المعاملات الحِل.

وخلاصة ما سبق أن المساقاة: أن يدفع له الشجر بجزءٍ معلوم مشاع من الثمرة، والمزارعة: أن يدفع له الأرض بجزءٍ معلومٍ مشاع من الزرع، والمغارسة: أن يدفع له الأرض والشجر بجزءٍ معلوم مشاع من الغرس، هذه المسائل الثلاث.

بقينا في مسألة أخرى وهي تأجير الأرض، أو تأجير النخل.