شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [9]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [السادس: خيار في البيع بتخبير الثمن متى بان أقل أو أكثر، ويثبت في التولية والشركة والمرابحة والموادعة، ولابد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال، وإن اشترى بثمن مؤجل أو ممن لا تُقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن، ولم يبين ذلك في تخبيره بالثمن، فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد، وما يُزاد في ثمن أو يحط منه في مدة خيار أو يؤخذ أرشاً لعيب، أو جناية عليه يُلحق برأس ماله ويُخبر به، وإن كان ذلك بعد لزوم البيع لم يُلحق به، وإن أخبر بالحال فحسن.

السابع: خيار لاختلاف المتبايعين، فإذا اختلفا في قدر الثمن تحالفا، فيحلف البائع أولاً: ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا، ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا وإنما بعته بكذا، ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا، ولكل الفسخ إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر، فإن كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة مثلها، فإن اختلفا في صفتها فقول مشتر، وإذا فسخ العقد انفسخ ظاهراً وباطناً، وإن اختلفا في أجل أو شرط فقول من ينفعه، وإن اختلفا في عين المبيع تحالفا وبطل البيع، وإن أتى كل منهما تسليم ما بيده حتى يقبض العوض والثمن عين نصب عدل يقبض منهما ويسلم البيع ثم الثمن، وإن كان ديناً حالا أجبر بائع ثم مشتر إن كان الثمن في المجلس، وإن كان غائباً في البلد حجر عليه في المبيع وبقية ماله حتى يحضره، وإن كان غائباً بعيداً عنها والمشتري معسر فللبائع الفسخ].

تقدم لنا ما يتعلق بخيار الغبن، وذكرنا تعريفه في اللغة والاصطلاح، وهل هو محصور في صور معددة، أو أنه ليس محصوراً وأن المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الغبن إنما هو في ثلاث صور: في تلقي الركبان، وزيادة الناجش، والمسترسل، وذكرنا الرأي الثاني في هذه المسألة.

كذلك أيضاً تقدم لنا خيار التدليس، وذكرنا تعريفه وأن التدليس ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: تدليس العيب.

والقسم الثاني: التدليس الذي تحصل به زيادة الثمن، وذلك كأن يُظهر الرديء بمظهر الجيد، والجيد بمظهر الأجود وهكذا.

وأيضاً سبق لنا ما يتعلق بخيار العيب، وذكرنا تعريفه في اللغة والاصطلاح، وما هو ضابط ما يكون عيباً، وإذا اختلف المتعاقدان عند من حصل العيب، وأن هذه المسألة لها ثلاثة أقسام، وكيف يُقدر الأرش بالعيب.

قال المؤلف رحمه الله: (السادس: خيار في البيع بتخبير الثمن).

هذا القسم السادس من أقسام الخيارات.

قول المؤلف رحمه الله تعالى: (بتخبير الثمن متى بان أقل أو أكثر) ذكرنا أن قوله: (أكثر) هذه اللفظة ليست في الأصل في المقنع وكذلك أيضاً ليست موجودة في الكتب المعتمدة كالإقناع، والمنتهى، ولا الإنصاف، ولأن هذه اللفظة لا يترتب عليها حكم إذا بان أكثر كما سيأتي إن شاء الله، لكن يترتب الحكم إذا بان أن ما أخبر به أقل.

فخيار التخبير بالثمن أن يخبر البائع بثمن السلعة للمشتري، ثم بعد ذلك يتبين له أن الثمن أقل مما أخبر به البائع فهنا يثبت الخيار للمشتري كما سيأتي إن شاء الله، فقوله: (أكثر) لا يترتب عليه فسخ.

صور التخبير بالثمن

قال المؤلف رحمه الله: ( ويثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة).

هذه صور التخبير بالثمن، وهي أربع صور:

خيار التولية

الصورة الأولى: التولية، والتولية هي أن يبيعه برأس المال، فإذا باعه برأس المال ثم بعد ذلك تبين أن رأس المال أقل مما أخبر به البائع فنقول في هذه المسألة، كما سيأتينا إن شاء الله: هل يثبت الفسخ، أو نقول: إن البائع يحط الزائد ولا يكون هناك فسخ؟

مثال ذلك، قال له: بعني السيارة، قال: بعت السيارة برأس مالي، كم رأس ماله؟ قال: رأس ماله عشرة آلاف ريال، المشتري إذا قيل له برأس المال هل يُماكس أو لا يماكس؟ لا يماكس، ويُقدم على الشراء؛ لأنه يعرف أنه رابح مادام أنه سيشتري برأس المال، وأن البائع ما ربح عليه شيئاً، فهو الآن سيدخل مدخل البائع ولهذا سميت تولية؛ لأنه يوليه ما تولاه من الشراء برأس المال.

فالبائع الآن، قال: بعتك برأس مالي، كم رأس المال؟ رأس المال عشرة آلاف ريال، ثم بعد ذلك يتبين للمشتري أن رأس المال أقل وأنه تسعة آلاف ريال، هنا المشهور من المذهب أنه إذا تبين أنه الأقل أن العقد لازم ما فيه فسخ، ويُلزم البائع بأن يدفع الزائد للمشتري، فهما اتفقا الآن على رأس المال، وكذب البائع قال: رأس المال عشرة آلاف، وتبين أن البيع ليس بعشرة آلاف وإنما هو بتسعة آلاف، فنقول: يجب عليك أيها البائع أن تعطي المشتري الزائد، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني في هذه المسألة: أن المشتري مخير بين الفسخ والإمضاء، وسبق أن ذكرنا في هذا قاعدة: أن من غش أو دلس فإنه يُعامل بأضيق الأمرين، فإن كان البائع قد غش وكذب نعامله بأضيق الأمرين، فنقول للمشتري: أنت بالخيار، إما أن تأخذ الزائد الذي زاده البائع وتُمسك، وإما أن تفسخ، وترد السلعة وتأخذ الثمن.

خيار الشركة

قوله: (والشركة).

الشركة: وهي بيع بعض السلعة بقسطها من الثمن.

مثال ذلك قال: بعت عليك نصف هذه السيارة برأس مالها، بكم اشتريت السيارة؟ قال: أنا اشتريت السيارة بعشرة آلاف ريال، كم يكون النصف؟ يكون بخمسة آلاف ريال، ثم بعد ذلك يتبين للمشتري أن البائع قد اشتراها بتسعة آلاف، تبين أنه قد اشتراها بأقل.

يعني هو قال: بعتك هذه السلعة برأس مالها، ورأس مالها خمسة آلاف لأنني قد اشتريتها بعشرة آلاف، ثم بعد ذلك يتبين للمشتري أن البائع قد اشتراها بتسعة آلاف، فهذا كما تقدم في الخلاف، هل نُلزم البائع بأن يحط الزائد ويكون العقد لازماً؟ أو نقول بأن المشتري له الخيار بين الفسخ والإمضاء.

الصواب في هذه المسألة: إن كان البائع قد غلط فالمشهور من المذهب أنه يُحط الزائد فقط، وإن كان غش ودلس وكذب، نقول: نعامله بأضيق الأمرين، فنجعل الخيار للمشتري، نقول للمشتري: أنت بالخيار، إن شئت أن تأخذ الزائد الذي زاده البائع، وإن شئت أن تفسخ وترد الثمن، أي ترد السلعة وتأخذ الثمن.

خيار المرابحة

قوله: (والمرابحة).

المرابحة: هي أن يبيعه برأس ماله وربح معلوم.

مثال ذلك قال: بعتك السيارة برأس مالها، وأربح واحداً بالمائة، كم رأس مالها؟ رأس مالها عشرة آلاف ريال، وواحد بالمائة كم يساوي؟ مائة ريال، أنا أبيعك برأس مالها وواحد بالمائة، ثم بعد ذلك يتبين للمشتري أن البائع قد اشتراها بأقل، كالخلاف كما سلف.

خيار المواضعة

قوله: (والمواضعة) المواضعة هي الخسارة، قال: أنا أبيعك برأس مالي وخسارة ألف، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة آلاف، وخسارة ألف كم يصير؟ تسعة، أعطني تسعة آلاف ريال، ثم يتبين أنه قد اشتراها بتسعة، فكما سلف.

قال المؤلف رحمه الله: (ولابد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال)، لابد في جميع الصور السابقة من أن يعرف المشتري وكذلك أيضاً البائع رأس المال؛ لأن ذلك شرط لصحة البيع.

الشراء بثمن مؤجل

قال المؤلف رحمه الله: (وإن اشترى بثمن مؤجل).

هنا العلماء رحمهم الله احتاطوا للمشتري لئلا يدخل عليه التدليس والغرر؛ لأن البائع لو قال: برأس مالي يُقدم أو لا يُقدم؟ يُقدم، هنا صور البائع صادقاً أنه باع برأس ماله مع ذلك نثبت الخيار للمشتري، وهو صادق أنه باعه برأس ماله، لكنه في هذه الحالة مع أنه صادق أي: باعه برأس ماله لكن هناك صور يجب أن يبينها للمشتري، ولهذا احتاط العلماء رحمهم الله لجانب المشتري؛ لأن المشتري إذا قيل له برأس المال فإنه سيُقدم وسيشتري؛ فلكي لا يدخل عليه الغرر احتاط له العلماء رحمهم الله، ولهذا قال: (وإن اشترى بثمن مؤجل)، يعني هو قال: أبيعك برأس مالي، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة آلاف، هو صادق أنه اشترى بعشرة آلاف لكن ما اشتراها نقداً، بل اشتراها بثمن مؤجل، وإذا اشترى بثمن مؤجل سيزيد في السعر، الواجب عليه أنه يبين هذا للمشتري، لما قال: بعتك برأس مالي لابد أن يقول: إنه اشترى بثمن مؤجل؛ لأنه لاشك إذا كان الثمن مؤجلاً أنه سيكون هناك زيادة، فلابد أن يبين ذلك لكي لا يدخل الغرر على المشتري، فهو صادق أنه اشترى برأس ماله، لكنه اشترى بثمن مؤجل، والتأجيل هذا سيكون سبباً لزيادة ثمن السعر.

الآن، تبين للمشتري أن البائع قد اشتراه بثمن مؤجل، هي قد تكون حاضرة بتسعة، لكن شراها مؤجلة بعشرة آلاف، فالمشهور من المذهب أن الثمن يؤجل على البائع، كما أن البائع اشترى بثمن مؤجل لمدة سنة نقول: المشتري.

لا يجب عليه أن يدفع الثمن حاضراً للبائع بل يؤجل عليه؛ لأنه هكذا دخل، وهذا هو المشهور من المذهب.

والرأي الثاني: وهو ظاهر ما مشى عليه صاحب زاد المستنقع، أن المشتري بالخيار إذا تبين له أن الثمن مؤجل له الحق بالفسخ أو الإمضاء، لكن المذهب أن الثمن يؤجل على البائع كما أنه اشتراه مؤجلاً.

الشراء ممن لا تقبل شهادته

قال المؤلف رحمه الله: (أو ممن لا تُقبل شهادته).

قال: أنا أبيعك برأس مالي، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة، هو صادق أن رأس ماله عشرة، لكن تبين أنه اشترى السيارة من أبيه، فإذا كان اشتراها من أبيه سيُحابي أباه أو لا يُحابي أباه؟ الغالب أنه يحابي أباه ويزيد أباه بالثمن، فلابد أن يبين ذلك للمشتري، يقول: أنا اشتريتها من أبي، لكي يكون داخلاً على بصيرة، وعلى هذا نقول: المشتري له الخيار في الفسخ أو الإمضاء.

والرأي الثاني: أننا ننظر إن كانت حصلت محاباة فيثبت الخيار، أما إذا ما حصلت محاباة، فنقول: الأصل أن العقد لازم لو باعه، لو اشترى من أبيه بمثل الثمن.

الشراء بأكثر من ثمنه حيلة

قال المؤلف رحمه الله: (أو بأكثر من ثمنه حيلة).

اشترى بأكثر من ثمنه حيلة، يعني: السيارة قيمتها عشرة آلاف، فاشتراها باثني عشر ألفاً لكي يبيعها مرابحة باثني عشر ألفاً، ثم بعد ذلك يرجع على البائع.

فهذا زيد اشترى السلعة من عمرو بعشرة آلاف ريال، وزاده ألفين، قيمتها ثمانية وقد اتفق زيد مع عمرو أنه يزيد ألفين لكي يبيع مرابحة ويكسب هذين الألفين، لكي يبيع تولية، فتكون هذان الألفان بين زيد وعمرو، الآن زيد بكم اشتراها في الظاهر؟ اشتراها بعشرة آلاف، لكن في الباطن كم ثمنها؟ ثمانية آلاف، فيأتيه صالح ويقول: أنا أبيعك برأس مالي تولية، كم رأس مالك؟ يقول: أنا اشتريت من عمرو بعشرة آلاف، فيبيعه بعشرة آلاف وهو في الحقيقة ما اشتراها بثمانية آلاف لكنه زاد هذين الألفين حيلة على المشتري.

فالحيل لا تُسقط الواجبات ولا تُبيح المحرمات، فنقول: إن هذا محرم ولا يجوز، وإذا تبين للمشتري أنه فعل ذلك فله الخيار، بل نقول: نعامله بأضيق الأمرين، الخيار بين الإمساك والرد، أو نقول: ما زاده حيلة إذا اختار أن يمضي، أو أن يمسك السلعة، نقول: ما زاده حيلة فإنه يأخذه من البائع.

شراء بعض الصفقة بقسطها من الثمن

قال المؤلف رحمه الله: (أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن، ولم يبين ذلك في تخبيره بالثمن، فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد).

قوله: (أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن)، ولنفرض أن الصفقة كتب، والبائع باع نصف الكتب، هو اشتراها بعشرة آلاف ريال بقي النصف الآخر، النصف الثاني جاءه المشتري وقال: أبيعك برأس مالي هذا النصف الثاني، كم رأس مالك؟ رأس مالي خمسة آلاف وهو صادق، لكنه لم يبين، الواجب عليه أن يبين أنه قد اشترى السلعة بعشرة آلاف، وأنه باع النصف الأول وبقي النصف الثاني وإلا هو صادق، النصف الثاني قيمته خمسة آلاف الواجب عليه أن يبين ذلك.

فإذا لم يبين ذلك وتبين للمشتري أنه باعه بعض الصفقة بقسطها من الثمن، يثبت له الخيار بين الإمساك والرد، وكما ذكرنا في القاعدة: أن كل من غش أو دلس نعامله بأضيق الأمرين، فإذا تبين للمشتري أنه قد كذب عليه نقول: بأننا نعامله بأضيق الأمرين بين الإمساك والرد، أو أنه يمسك ويأخذ الزائد.

قال المؤلف رحمه الله: ( ويثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة).

هذه صور التخبير بالثمن، وهي أربع صور:

الصورة الأولى: التولية، والتولية هي أن يبيعه برأس المال، فإذا باعه برأس المال ثم بعد ذلك تبين أن رأس المال أقل مما أخبر به البائع فنقول في هذه المسألة، كما سيأتينا إن شاء الله: هل يثبت الفسخ، أو نقول: إن البائع يحط الزائد ولا يكون هناك فسخ؟

مثال ذلك، قال له: بعني السيارة، قال: بعت السيارة برأس مالي، كم رأس ماله؟ قال: رأس ماله عشرة آلاف ريال، المشتري إذا قيل له برأس المال هل يُماكس أو لا يماكس؟ لا يماكس، ويُقدم على الشراء؛ لأنه يعرف أنه رابح مادام أنه سيشتري برأس المال، وأن البائع ما ربح عليه شيئاً، فهو الآن سيدخل مدخل البائع ولهذا سميت تولية؛ لأنه يوليه ما تولاه من الشراء برأس المال.

فالبائع الآن، قال: بعتك برأس مالي، كم رأس المال؟ رأس المال عشرة آلاف ريال، ثم بعد ذلك يتبين للمشتري أن رأس المال أقل وأنه تسعة آلاف ريال، هنا المشهور من المذهب أنه إذا تبين أنه الأقل أن العقد لازم ما فيه فسخ، ويُلزم البائع بأن يدفع الزائد للمشتري، فهما اتفقا الآن على رأس المال، وكذب البائع قال: رأس المال عشرة آلاف، وتبين أن البيع ليس بعشرة آلاف وإنما هو بتسعة آلاف، فنقول: يجب عليك أيها البائع أن تعطي المشتري الزائد، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني في هذه المسألة: أن المشتري مخير بين الفسخ والإمضاء، وسبق أن ذكرنا في هذا قاعدة: أن من غش أو دلس فإنه يُعامل بأضيق الأمرين، فإن كان البائع قد غش وكذب نعامله بأضيق الأمرين، فنقول للمشتري: أنت بالخيار، إما أن تأخذ الزائد الذي زاده البائع وتُمسك، وإما أن تفسخ، وترد السلعة وتأخذ الثمن.