شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [22]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المائة: الحقوق الواجبة من جنس إذا كان بعضها مقدراً بالشرع وبعضها غير مقدر به، فهي ثلاثة أنواع:

أحدها: تقدير الحق خشية سقوط صاحبه، بحيث كان من لم يقدر حقه يستحق الجميع عند الانفراد، كذوي الفروض مع العصبات في الميراث، فها هنا قد يزيد الحق الذي لم يقدر على الحق المقدر؛ لأنه أقوى منه.

الثاني: أن يكون التقدير لنهاية الاستحقاق، وغير المقدر موكولاً إلى الرأي والاجتهاد من غير تقديره بأصل يرجع إليه، فلا يزاد الحق الذي لم يقدر على المقدر ها هنا، وله صور:

منها: الحد والتعزير، فلا يبلغ بتعزير الحر والعبد أدنى حدودهما إلا فيما سببه الوطء، فيجوز أن يبلغ عليه بالتعزير في حق الحر مائة جلدة بدون نفي، وقيل: لا يبلغ المائة بل ينقص سوطاً، وفي حق العبد خمسين إلا سوطاً، ويجوز النقص منه على ما يراه السلطان.

ومنها: السهم من الغنيمة والرضخ، فلا يبلغ بالرضخ لآدمي سهمه المقدر، ولا بالرضخ لمركوب سهمه المقدر.

النوع الثالث: أن يكون أحدهما مقدراً شرعاً، والآخر تقديره راجع إلى الاجتهاد، ولكنه يرجع إلى أصل يضبط به، فهل هو كالمقدر أم لا؟ إن كان محلهما واحداً لم يجاوز به المقدر وفي بلوغهما خلاف، وإن كان محلهما مختلفاً فالخلاف في بلوغ المقدر ومجاوزته، فالأول كالحكومة إذا كانت في محل مقدر، فلا يجاوز بها المقدر، وكذلك المحل، وفي بلوغه وجهان.

والثاني: كدية الحر مع قيمته، فإذا جاوزت قيمته الدية فهل تجب قيمته بكمالها أم لا يجوز أن يبلغ بها دية الحر بل ينقص منها؟ على روايتين، وقد يخرج عليهما جواز بلوغ الحكومة الأرش المقدر مطلقاً].

سبق لنا جملة من القواعد منها اكتساب المال بالبضع هل هو غنى معتبر أو ليس غنى معتبر؟ وكذلك أيضاً ما يتعلق باكتساب المال بالصناعات، وكذلك أيضاً تقدم لنا قاعدتان تتعلقان بوطء الإماء والاستمتاع بهن، وكذلك أيضاً تقدم لنا قاعدة: المنع أسهل من الرفع، وكذلك أيضاً قاعدة: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.

وكذلك أيضاً تقدم لنا جملة من القواعد المتعلقة بالجناية: كقاعدة الواجب بالقتل العمد، هل الواجب بالقتل العمد القصاص عيناً، أو أن الواجب أحد أمرين؟ وذكرنا ما يتعلق بهذه القاعدة من أقسام.

ثم بعد ذلك شرع المؤلف رحمه الله تعالى في القاعدة التاسعة والثلاثين بعد المائة.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (الحقوق الواجبة من جنس إذا كان بعضها مقدراً بالشرع، وبعضها غير مقدر به، فهي ثلاثة أنواع... إلى آخره).

هذه القاعدة في الحقوق إذا كانت من جنس وكان بعضها مقدراً وبعضها غير مقدر، فهل نبلغ بغير المقدر المقدر؟ يعني: إذا كان عندنا حقوق بعضها مقدر وبعضها غير مقدر، وهي من جنسها، فهل نبلغ بغير المقدر المقدر؟ وهل يزاحم غير المقدر المقدر؟ هذا هو المراد، وهذا يتضح بالأمثلة -كما سيأتينا- حد الزنا بالنسبة لغير المحصن مقدر بمائة جلدة، فإذا فعل شيئاً غير الزنا كأن استمتع بهذه المرأة، فيجب عليه التعزير ولا يجب الحد، لكن هل نبلغ بالتعزير المقدر أو لا؟ فهما كلهما من جنس الوطء والاستمتاع، وكلهما في انتهاك حرمة هذه الأجنبية، وهذا مقدر وهذا غير مقدر، فهل نبلغ بغير المقدر المقدر؟ هذا ما أراد المؤلف رحمه الله تعالى أن يبينه فيقول: هذه القاعدة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون التقدير خشية سقوط صاحبه بسبب استغراق غير المقدر للجميع

(القسم الأول: أن يكون التقدير خشية سقوط صاحبه بسبب استغراق غير المقدر للجميع، فيجوز أن يزيد المقدر على غير المقدر).

القسم الأول: أن يكون التقدير خشية سقوط صاحبه، فيجوز في هذه الحالة أن يزيد المقدر على غير المقدر.

ومثل المؤلف لذلك فقال: (كذوي الفروض مع العصبات في الميراث).

فصاحب الفرض حقه مقدر والعصبة -صاحب التعصيب- حقه غير مقدر، والتقدير هنا لصاحب الفرض خشية سقوطه، فخشية أن يسقط صاحب الفرض قدر له، فهنا يجوز أن يزيد غير المقدر على المقدر.

ومثال ذلك: هلك هالك عن زوجة وابن، فالزوجة لها الثمن، والابن له سبعة أثمان، فهنا زاد غير المقدر على المقدر.

إذاً: القسم الأول: إذا اجتمع حقان من جنس واحد أحدها مقدر والآخر غير مقدر، وقدرناه خشية أن يسقط، فإنه لا بأس أن يزيد غير المقدر على المقدر.

القسم الثاني: أن يكون المقدر لنهاية الاستحقاق وغير المقدر راجع إلى الاجتهاد

القسم الثاني قال رحمه الله: (الثاني: أن يكون التقدير لنهاية الاستحقاق، وغير المقدر موكولاً إلى الرأي والاجتهاد).

هنا اجتمع حقان مقدر وغير مقدر، والتقدير.. لنهاية الاستحقاق، وغير المقدر راجع للاجتهاد والرأي.

مثاله: الحد مع التعزير، فالحد هذا مقدر لبلوغ نهاية الاستحقاق، يعني: هذا الذنب حده بلغ هذا الشيء ببلوغ نهاية الاستحقاق، وغير المقدر -التعزير- هذا راجع إلى الاجتهاد، فهنا لا يجوز، وهذا المشهور من المذهب، ما دام أنهما من جنس واحد فلا يجوز أن يزيد غير المقدر على المقدر كما مثلنا، فالزاني غير المحصن إذا زنى فحده مائة جلدة، فلو أنه استمتع بامرأة فيعزر، لكن هل يجوز أن نعزره بما يزيد على مائة أو أن نبلغ مائةً، أو نقول: هذا غير جائز؟ يقول المؤلف رحمه الله: ليس جائزاً، لكنه استثنى فقال: (إلا فيما سببه الوطء، فيجوز أن يبلغ عليه في التعزير في حق الحر مائة جلدة بدون نفي، وقيل: لا يبلغ المائة بل ينقص سوطاً، وفي حق العبد خمسين إلا سوطاً، ويجوز أن ينقص منه على ما يراه السلطان).

مثال ذلك: إذا وطئ الأمة المشتركة؛ لأن الأمة المشتركة التي بينه وبين غيره لا يجوز له أن يطأها، لكن إن وطئها فإنه يعزر، قال العلماء رحمهم الله: يعزر بمائة سوط، ومثله أيضاً لو وطئ أمة امرأته وكانت حلتها له، قالوا: يعزر بمائة سوط.

فالخلاصة في هذا القسم: أنه إذا كان التقدير لنهاية الاستحقاق، وعدم التقدير راجع إلى الاجتهاد والرأي، فإننا لا نبلغ بغير المقدر المقدر إلا كما مثل المؤلف رحمه الله فيما سببه الوطء.

قال: (ومنها: السهم من الغنيمة والرضخ).

السهم: هو ما يستحقه الغانم المجاهد، والرضخ: هو ما يعطيه الإمام لمن شهد الوقعة وهو ليس من أهل القتال، مثل: المرأة يرضخ لها، ومثل: الرقيق يرضخ له، فهل يجوز أن يبلغ بنصيب المرأة نصيب المقاتل أو لا يجوز؟

يقول المؤلف: لا يجوز.

وهل يجوز أن نبلغ بنصيب البعير نصيب الخيل؟ نقول: لا يجوز، وهل يجوز أن نبلغ بنصيب العبد نصيب الحر المقاتل؟ يقول المؤلف: لا يجوز.

قال رحمه الله: (فلا يبلغ بالرضخ لآدمي سهمه المقدر، ولا بالرضخ لمركوب سهمه المقدر).

المركوب مثل البعير، فنرضخ للبعير لكن لا نبلغ سهم الخيل.

القسم الثالث: أن يكون أحدهما مقدراً شرعاً والآخر راجع إلى الاجتهاد بأصل يضبط

القسم الثالث والأخير قال رحمه الله: (أن يكون أحدهما مقدراً شرعاً، والآخر تقديره راجع إلى الاجتهاد، ولكنه يرجع إلى أصل يضبط به، ومحلهما واحد، فلا يجوز أن يجاوز به المقدر).

القسم الثالث: أن يكون أحدهما مقدر شرعاً، والآخر راجع إلى الاجتهاد وليس مقدراً شرعاً، لكن الذي يرجع إلى الاجتهاد يرجع إلى أصل يضبط به، ومحلهما واحد، وهنا يقول: لا يجوز أن يبلغ بغير المقدر المقدر.

مثال ذلك: الحكومة، فالجروح منها ما يكون أرشه مقدراً، ومنها ما يكون أرشه غير مقدر، فالموضحة: أرشها خمس من الإبل، والموضحة: هي التي توضح العظم، أي: يجرحه حتى يتضح العظم، فهذا فيه خمس من الإبل، فإذا جرحه جرحاً ليس موضحاً مثل: الحارصة الدامعة الدامية الباضعة، فهذا فيه حكومة، والحكومة بقدر المجني عليه حراً أو عبداً، فالموضحة هنا فيها خمس من الإبل، فلو أنه جرحه حارصة أو دامعة، هل نبلغ بهذا الجرح خمساً من الإبل أو لا نبلغ به خمساً من الإبل؟ قال المؤلف: لا يبلغ به خمساً من الإبل.

فعندنا الآن مقدر وغير مقدر، والغير مقدر يرجع إلى الاجتهاد، لكنه يرجع إلى أصل يضبط به، ومحلهما واحد، فيقول: لا نبلغ بغير المقدر المقدر.

فإن كان محلهما غير واحد، بل محلهما مختلف فيقول رحمه الله: (وإن كان محلهما مختلفاً فالخلاف في بلوغ المقدر ومجاوزته، فالأول كالحكومة)، كما تقدم، إذا كان محلهما واحد، لا يبلغ بغير المقدر المقدر.

قال رحمه الله: (والثاني: كدية الحر مع قيمة العبد، فإذا جاوزت قيمته الدية، فهل تجب فيمته بكمالها؟ أو لا تجب هذه القيمة؟).

يعني: القسم الثالث: إما أن يكون محلهما واحداً، كجرح الموضحة، والحارصة دون الموضحة من الجروح، فعندك الآن الحكومة لا نبلغ بها المقدر إذا اختلف محلهما، فالحر ديته مائة من الإبل، فمن قتل عبداً، وكانت قيمته مائةً وعشرين من الإبل، فهل تجب أو نقول: لا نتجاوز دية الحر، مائة من الإبل؟

نقول: لا نتجاوز دية الحر، فعندنا القسم الثالث تحته قسمان: أن يكون محلهما واحداً -كما قلنا- في الموضحة والحارصة أو الباضعة، وأن يختلف محلهما، كما قلنا: الحر مع الرقيق، ففي الصورة الأولى: إذا كان محلهما واحداً غير المقدر لا نبلغ به المقدر، وفي الصورة الثانية: فيه خلاف، والصحيح: أنه يبلغ غير المقدر إذا اختلف المحل، فنقول: غير المقدر نبلغ به المقدر.

قال رحمه الله: (بل ينقص منها على روايتين، وقد يخرج عليهما جواز بلوغ الحكومة الأرش مطلقاً).

(القسم الأول: أن يكون التقدير خشية سقوط صاحبه بسبب استغراق غير المقدر للجميع، فيجوز أن يزيد المقدر على غير المقدر).

القسم الأول: أن يكون التقدير خشية سقوط صاحبه، فيجوز في هذه الحالة أن يزيد المقدر على غير المقدر.

ومثل المؤلف لذلك فقال: (كذوي الفروض مع العصبات في الميراث).

فصاحب الفرض حقه مقدر والعصبة -صاحب التعصيب- حقه غير مقدر، والتقدير هنا لصاحب الفرض خشية سقوطه، فخشية أن يسقط صاحب الفرض قدر له، فهنا يجوز أن يزيد غير المقدر على المقدر.

ومثال ذلك: هلك هالك عن زوجة وابن، فالزوجة لها الثمن، والابن له سبعة أثمان، فهنا زاد غير المقدر على المقدر.

إذاً: القسم الأول: إذا اجتمع حقان من جنس واحد أحدها مقدر والآخر غير مقدر، وقدرناه خشية أن يسقط، فإنه لا بأس أن يزيد غير المقدر على المقدر.

القسم الثاني قال رحمه الله: (الثاني: أن يكون التقدير لنهاية الاستحقاق، وغير المقدر موكولاً إلى الرأي والاجتهاد).

هنا اجتمع حقان مقدر وغير مقدر، والتقدير.. لنهاية الاستحقاق، وغير المقدر راجع للاجتهاد والرأي.

مثاله: الحد مع التعزير، فالحد هذا مقدر لبلوغ نهاية الاستحقاق، يعني: هذا الذنب حده بلغ هذا الشيء ببلوغ نهاية الاستحقاق، وغير المقدر -التعزير- هذا راجع إلى الاجتهاد، فهنا لا يجوز، وهذا المشهور من المذهب، ما دام أنهما من جنس واحد فلا يجوز أن يزيد غير المقدر على المقدر كما مثلنا، فالزاني غير المحصن إذا زنى فحده مائة جلدة، فلو أنه استمتع بامرأة فيعزر، لكن هل يجوز أن نعزره بما يزيد على مائة أو أن نبلغ مائةً، أو نقول: هذا غير جائز؟ يقول المؤلف رحمه الله: ليس جائزاً، لكنه استثنى فقال: (إلا فيما سببه الوطء، فيجوز أن يبلغ عليه في التعزير في حق الحر مائة جلدة بدون نفي، وقيل: لا يبلغ المائة بل ينقص سوطاً، وفي حق العبد خمسين إلا سوطاً، ويجوز أن ينقص منه على ما يراه السلطان).

مثال ذلك: إذا وطئ الأمة المشتركة؛ لأن الأمة المشتركة التي بينه وبين غيره لا يجوز له أن يطأها، لكن إن وطئها فإنه يعزر، قال العلماء رحمهم الله: يعزر بمائة سوط، ومثله أيضاً لو وطئ أمة امرأته وكانت حلتها له، قالوا: يعزر بمائة سوط.

فالخلاصة في هذا القسم: أنه إذا كان التقدير لنهاية الاستحقاق، وعدم التقدير راجع إلى الاجتهاد والرأي، فإننا لا نبلغ بغير المقدر المقدر إلا كما مثل المؤلف رحمه الله فيما سببه الوطء.

قال: (ومنها: السهم من الغنيمة والرضخ).

السهم: هو ما يستحقه الغانم المجاهد، والرضخ: هو ما يعطيه الإمام لمن شهد الوقعة وهو ليس من أهل القتال، مثل: المرأة يرضخ لها، ومثل: الرقيق يرضخ له، فهل يجوز أن يبلغ بنصيب المرأة نصيب المقاتل أو لا يجوز؟

يقول المؤلف: لا يجوز.

وهل يجوز أن نبلغ بنصيب البعير نصيب الخيل؟ نقول: لا يجوز، وهل يجوز أن نبلغ بنصيب العبد نصيب الحر المقاتل؟ يقول المؤلف: لا يجوز.

قال رحمه الله: (فلا يبلغ بالرضخ لآدمي سهمه المقدر، ولا بالرضخ لمركوب سهمه المقدر).

المركوب مثل البعير، فنرضخ للبعير لكن لا نبلغ سهم الخيل.

القسم الثالث والأخير قال رحمه الله: (أن يكون أحدهما مقدراً شرعاً، والآخر تقديره راجع إلى الاجتهاد، ولكنه يرجع إلى أصل يضبط به، ومحلهما واحد، فلا يجوز أن يجاوز به المقدر).

القسم الثالث: أن يكون أحدهما مقدر شرعاً، والآخر راجع إلى الاجتهاد وليس مقدراً شرعاً، لكن الذي يرجع إلى الاجتهاد يرجع إلى أصل يضبط به، ومحلهما واحد، وهنا يقول: لا يجوز أن يبلغ بغير المقدر المقدر.

مثال ذلك: الحكومة، فالجروح منها ما يكون أرشه مقدراً، ومنها ما يكون أرشه غير مقدر، فالموضحة: أرشها خمس من الإبل، والموضحة: هي التي توضح العظم، أي: يجرحه حتى يتضح العظم، فهذا فيه خمس من الإبل، فإذا جرحه جرحاً ليس موضحاً مثل: الحارصة الدامعة الدامية الباضعة، فهذا فيه حكومة، والحكومة بقدر المجني عليه حراً أو عبداً، فالموضحة هنا فيها خمس من الإبل، فلو أنه جرحه حارصة أو دامعة، هل نبلغ بهذا الجرح خمساً من الإبل أو لا نبلغ به خمساً من الإبل؟ قال المؤلف: لا يبلغ به خمساً من الإبل.

فعندنا الآن مقدر وغير مقدر، والغير مقدر يرجع إلى الاجتهاد، لكنه يرجع إلى أصل يضبط به، ومحلهما واحد، فيقول: لا نبلغ بغير المقدر المقدر.

فإن كان محلهما غير واحد، بل محلهما مختلف فيقول رحمه الله: (وإن كان محلهما مختلفاً فالخلاف في بلوغ المقدر ومجاوزته، فالأول كالحكومة)، كما تقدم، إذا كان محلهما واحد، لا يبلغ بغير المقدر المقدر.

قال رحمه الله: (والثاني: كدية الحر مع قيمة العبد، فإذا جاوزت قيمته الدية، فهل تجب فيمته بكمالها؟ أو لا تجب هذه القيمة؟).

يعني: القسم الثالث: إما أن يكون محلهما واحداً، كجرح الموضحة، والحارصة دون الموضحة من الجروح، فعندك الآن الحكومة لا نبلغ بها المقدر إذا اختلف محلهما، فالحر ديته مائة من الإبل، فمن قتل عبداً، وكانت قيمته مائةً وعشرين من الإبل، فهل تجب أو نقول: لا نتجاوز دية الحر، مائة من الإبل؟

نقول: لا نتجاوز دية الحر، فعندنا القسم الثالث تحته قسمان: أن يكون محلهما واحداً -كما قلنا- في الموضحة والحارصة أو الباضعة، وأن يختلف محلهما، كما قلنا: الحر مع الرقيق، ففي الصورة الأولى: إذا كان محلهما واحداً غير المقدر لا نبلغ به المقدر، وفي الصورة الثانية: فيه خلاف، والصحيح: أنه يبلغ غير المقدر إذا اختلف المحل، فنقول: غير المقدر نبلغ به المقدر.

قال رحمه الله: (بل ينقص منها على روايتين، وقد يخرج عليهما جواز بلوغ الحكومة الأرش مطلقاً).

قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة الأربعون بعد المائة: من سقطت عنه العقوبة بإتلاف نفس أو طرف مع قيام المقتضي له لمانع، فإنه يتضاعف عليه الغرم... آخره].

معنى هذه القاعدة: إذا سقطت العقوبة؛ لتخلف شرط أو لوجود مانع، فإننا نضاعف الغرم.

ومثال ذلك: مسلم قتل ذمياً، فالمسلم لا يقتل بالذمي، فنضاعف عليه الدية، نقول للمسلم: لا تقتل، لكن تدفع دية الذمي مرتين.

مثال آخر: سرق من غير حرز، فهل يقطع أو لا يقطع؟ نقول: لا يقطع، فإذا سرق ألف دينار، نقول: أعطنا ألفي دينار.

ومثله أيضاً قال المؤلف رحمه الله: [والضالة المكتومة]، الضالة: الحيوان، المكتومة: أخذ الشاة وكتمها ثم وجدناها معه، نقول: تغرم قيمتها مرتين.

ومثله: [وقلع الأعور عين الصحيح، والسرقة عام المجاعة]، هذا رجل عينه اليمنى عوراء واليسرى صحيحة، جنى على شخص وقلع عينه اليسرى، فلو اقتصصنا منه يصبح أعمى، فالفقهاء الحنابلة يقولون: لا يقتص منه، خلاف الإمام مالك رحمه الله، فالحنابلة يقولون: لا يقتص منه، لكن نقول: عليك دية العين مرتين، فعليك مائة من الإبل.

وكذا السرقة عام المجاعة... إلى آخره يتضاعف الغرم.

قال رحمه الله: [القاعدة الحادية والأربعون بعد المائة: إذا أتلف عيناً تعلق بها حق الله تعالى من يجب عليه حفظها واستيفاؤها إلى مدة معلومة، لزمه ضمانها بقيمتها في ذلك الوقت، لا يوم تلفها، أو بمثلها على صفتها في ذلك اليوم لا يوم تلفها... إلى آخره].

معنى هذه القاعدة: أن من لزمه حفظ عين تعلق بها حق لله تعالى إلى مدة فتلفت، هل يضمنها يوم التلف أو يوم الإخراج؟ فهذه القاعدة يقول المؤلف: من لزمه أن يحفظ عين لله عز وجل إلى مدة، وقبل المدة هذه تلفت، هل يكون الضمان في يوم التلف، أو يكون الضمان عند تمام المدة، يعني: وقت الإخراج؟

مثل المؤلف رحمه الله لذلك فقال: [لو ترك الساعي الزكاة أمانةً بيد رب المال، فأتلفها قبل جفافها، أو تلفت بتفريطه، ضمنها بقدرها يابساً لا رطباً].

فالثمار هل تخرج رطبة أو تخرج يابسة؟ نقول: تخرج يابسة.

فإذا أتلفها وهي رطب، فهل يخرجها يوم الإتلاف وهي رطب، أو نقول: انظر إلى قيمتها وهي يابسة وقت الإخراج؟ أي: هل المعتبر يوم الإفلاس، أم المعتبر يوم الإخراج؟

فالمؤلف يقول: يوم الإخراج. فهو لا شك أنها أمانة عنده، ويضمن لأنه تعدى وفرط، فهل نقول: يضمنها وقت التلف، أو نقول: يضمنها وقت الإخراج وهي يابسة؟ فالمؤلف يقول: وقت الإخراج.

قال رحمه الله: [ومنها: لو أتلف الأضحية أو الهدي قبل يوم النحر فعليه ضمانها بأكثر القيمتين من يوم الإتلاف أو يوم النحر].

فالأضحية تكون يوم النحر أي: يوم عشرة، فإذا أتلفها يوم خمسة، فهل يضمنها يوم خمسة، أم يضمنها يوم عشرة؟ يعني: هل المعتبر يوم خمسة أو يوم عشرة وقت الإخراج؟

نقول: يوم عشرة، لكنه يضمنها بأكثر القيمتين، من يوم الإتلاف أو يوم النحر، يعني: هو يقول: يوم الإتلاف هذا غير معتبر دائماً.

قال رحمه الله: [القاعدة الثانية والأربعون بعد المائة: ما زال من الأعيان ثم عاد بأصل الخلقة أو بوضع آدمي، هل يحكم على العائد بحكم الأول أو لا؟ فيه خلاف يطرد في مسائل].

معنى هذه القاعدة: أن ما عاد من الأعيان أخذ حكم الأول، سواء عاد بفعل الله عز وجل أو بفعل آدمي.

فمثلاً: لو قطعت إصبعه ثم عادت، أو سنه ثم عادت فتأخذ حكم الأول، أو بفعل الآدمي كما يوجد اليوم، تقطع الإصبع ثم تعاد بالجراحة ونحو ذلك، فنقول: تأخذ حكم الأول.

ومثل المؤلف رحمه الله لذلك فقال: [منها: لو قلع سنه، أو قطع أذنه، ثم أعادها في الحال فثبتت والتحمت، فهل يحكم بطهارته أم لا؟].

نقول: يحكم بطهارته، فهذا العضو نحكم بطهارته، ونحكم أيضاً أنه يجب غسله في الوضوء، وقد [نص أحمد على طهارته إذا ثبت والتحم، وعلى نجاسته إذا لم يثبت].

قال رحمه الله: [ومنها: لو قلع ظفر آدمي أو سنه أو شعره ثم عاد، أو جنى عليه فأذهب شمه وبصره ثم عاد بحاله، فلا ضمان بحال في المذهب].

لأنه أخذ حكم الأول، فلو جنى على شعره ثم عاد الشعر، أو سنه ثم عاد، فيأخذ حكم الأول من حيث الطهارة وعدم النجاسة، ومن حيث وجوب الغسل، ومن حيث عدم الضمان.

قوله: (أو عاد أو جنى عليه، فأذهب شمه وبصره ثم عاد بحاله فلا ضمان بحال)، لكن يعزر.

قال رحمه الله: [ومنها: نبات الحرم وأغصانه]. فلو قلع هذه الشجرة من نبات الحرم ثم أعادها، فهل يضمنها أو لا يضمنها؟ يقول المؤلف: لا يضمنها، ولو قلع هذا الغصن من هذه الشجرة ثم أعاد الغصن، يقول المؤلف رحمه الله: لا ضمان عليه.

قال رحمه الله: [وانهدام الكنيسة].

إذا كانت الكنيسة تقر في بلاد الإسلام فإذا انهدمت، هل يمكنون من إعادتها أو لا يمكنون من إعادتها؟ فهذه تأخذ حكم الأول أنها تقر، والمذهب: لا يمكنون، وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله: أنهم يمكنون.

قال رحمه الله: [القاعدة الثالثة والأربعون بعد المائة: يقوم البدل مقام المبدل ويسد مسده، وينبني حكمه على حكم مبدله في مواضع كثيرة تقدم بعضها].

معنى هذه القاعدة: أن البدل يأخذ حكم المبدل.

وذكر المؤلف رحمه الله مسائل، فقال: [منها: إذا افترق المتصارفان ثم وجد أحدهما فيما قبض عيباً وأراد الرد، وأخذ بدله في مجلس الرد، فهل ينتقض الصرف بذلك أم لا؟].

يعني: إذا حصلت المصارفة من جنس ذهب بذهب، ثم وجد أحدهما بالذهب الذي أخذه عيباً -يكون البياض هو العيب في الذهب، والسواد هو العيب في الفضة- فوجد في الذهب بياضاً، فإذا وجد في الذهب بياضاً فأراد الرد وأن يأخذ بدله في مجلس الرد، هل يأخذ أرشاً أم لا يأخذ أرشاً؟ يقول: لا يأخذ أرشاً؛ لأنه أصبح ربا.

مثلاً: عشر جرامات من الذهب بعشر جرامات من الذهب، لو وجد في بعض الجرامات البياض وقال: أعطني أرشاً دراهم، لم يكن هناك تساو، فلا بد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل وزناً بوزن، فالآن أراد أن يرد الذهب الأول ويأخذ الذهب الثاني، فهل نقول: انتقض الصرف الأول، وقام الثاني مقامه، أو نقول: الصرف نفسه حتى الآن موجود، لكن حصل رد المعيب؟ وهل نقول: العقد الأول قام، أو نقول: هناك عقد آخر وجد وقام مقام الأول يأخذ بدله في وجوب التقابض؟ هذا ما أراد أن يذكره المؤلف.

يعني إذا قلنا: بأن العقد الأول انتهى، والعقد الثاني قام مقامه، فإن هذا البدل يأخذ حكم المبدل في وجوب التقابض.

قال رحمه الله: [ومنها: إذا حضر الجمعة من أهل وجوبها ثم تبدلوا في أثناء الخطبة بمثلهم، انعقدت الجمعة والخطبة وتمت بهم].

فلو أن عندنا أربعون هم أهل الجمعة، ثم تبدلوا بغيرهم فيأخذون حكمهم وتصح الجمعة؛ لأن البدل يأخذ حكم المبدل.

قال رحمه الله: [إبدال النصاب بغيره]، فإذا أبدل النصاب بجنسه، كخمس من الإبل أبدلها بخمس من الإبل، نقول: البدل يقوم مقام المبدل في الحول، فالخمس الأولى مضى لها ستة أشهر، ثم أبدلها بخمس ثانية، نقول: البدل يأخذ حكم المبدل في تمام الحول.

قال رحمه الله: [والمصحف].

أي: إذا أبدله بغيره، فنقول: يأخذ حكم المبدل، مع أن المذهب لا يجوزون بيع المصحف، لكنهم يقولون: إذا أبدله بمصحف آخر جاز هذا، والبدل يأخذ حكم المبدل.

قال: [وجلود الأضاحي].

أي: أن جلود الأضاحي لا يلزم أن يبيعها، لكن إذا أبدلها بجلود أخرى جاز ذلك، والبدل يأخذ حكم المبدل في الانتفاع بها، أو أبدلت جلود الأضاحي بشيء من آلات البيت كالأواني، يقولون: يجوز، وتأخذ حكمه في أنها لا تباع لكن ينتفع بها.

قال: [والأضاحي والهدي بخير منها].

يعني: لا بأس إذا أبدلت الأضحية بخير منها جاز، والبدل يأخذ حكم المبدل، فتكون هذه أضحية وتأخذ حكم الأضحية في الذكاة والتوزيع... ونحو ذلك.

ومثل ذلك: الوقف، فإذا كان عندنا وقف، ورأينا أن بيعه أصلح وبعناه، فنقول: البدل يأخذ حكم المبدل، فيكون وقفاً بمجرد الشراء فلا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصرف غلته حسب شرط الواقف.

ومثله أيضاً قال رحمه الله: [وإقرار الوارث للمضارب].

إذا مات المضارب فعقد المضاربة ينفسخ، لكن لو أن الوارث أقر المضارب، فنقول: البدل يأخذ حكم المبدل، فيتم حسب ما حصل من الاتفاق.

قال رحمه الله: [القاعدة الرابعة والأربعون بعد المائة: فيما يقوم فيه الورثة مقام مورثهم من الحقوق، وهي نوعان: حق له وحق عليه... إلى آخره].

هذه القاعدة في قيام الوارث مقام المورث في ما له وعليه من الحقوق، وهذا ينقسم إلى ستة أقسام:

القسم الأول: ما وجب للميت بالموت

نقول: القسم الأول: ما وجب للميت بالموت، فإن وارثه يقوم مقامه، مثل المؤلف لذلك فقال: [فما كان من حقوقه يجب بموته، كالدية، والقصاص في النفس، والصلح عن القصاص، فلا ريب بأن لهم استيفاءه]، فيقومون مقامه، ويستوفون القصاص، أو الدية.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله مسألة، فقال: [ولا يؤثر مطالبة المقتول بذلك شيئاً، ومال الشيخ تقي الدين إلى أن مطالبته بالقصاص توجب تحتمه، فلا يتمكنون بعدها من العفو].

فالقسم هنا: ما وجب للميت بالموت فإن وارثه يقوم مقامه، مثل: القصاص والدية، فهذه وجبت له بالموت، فإن وارثه يقوم مقامه، وذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قال: إذا طالب المقتول بالقصاص فهل لهم أن يعفوا إلى الدية أو يتحتم القصاص؟ شيخ الإسلام يقول: يتحتم القصاص وليس لهم خيار في أن يعفوا إلى الدية.

القسم الثاني: ما طالب به قبل وفاته أو كان في يده

القسم الثاني: ما طالب به الشخص في حياته، أو كان في يده، قام وارثه مقامه، ومثل المؤلف رحمه الله لذلك فقال: [فمنه: الشفعة].

الشفعة تثبت إذا طالب بها في حال حياته، فإذا مات قبل أن يطالب سقطت، هذا على المذهب، وهم يقولون: تثبت إذا كان طالباً، والوارث يقوم مقامه في الاستمرار بالمطالبة.

قال رحمه الله: [وحد القذف].

يعني: لو قذف فإنه يثبت إذا كان طالب به، أما إذا لم يطالب به فإنه يسقط.

قال رحمه الله: [وخيار الشرط].

مثله أيضاً، فلو قال: لي الخيار ثلاثة أيام وطالب به لم يسقط، وقبل المطالبة يسقط.

قال رحمه الله: [والدم فيما دون النفس].

فالقصاص فيما دون النفس، يعني: لو أنه جني عليه، مثلاً: جرح، ثم بعد ذلك مات من الله سبحانه وتعالى، فالقصاص فيما دون النفس، أو الدم فيما دون النفس، يعني: مات بغير الجرح، هل يقتص أم لا يقتص؟ فإذا طالب يقتص وإلا لا يقتص.

قال رحمه الله: [وخيار الرجوع في الهبة].

إذا طالب به، أما إذا لم يطالب فإنه يسقط.

قال رحمه الله: [والأرض الخراجية التي بيده].

الأرض الخراجية هذه بيده، فالوارث يقوم مقامه، فما طالب به الشخص في حياته أو كان في يده، كالأرض الخراجية في يده، فالوارث يقوم مقامه.

قال رحمه الله: [وحصة المضارب من الربح]، في يده فوارثه يقوم مقامه.

والصحيح في هذه المسائل أنه لا تشترط المطالبة -في الشفعة، وحد القذف، وخيار الشرط، والدم فيما دون النفس، وخيار الرجوع بالهبة- الصواب أنه لا تشترط المطالبة، لكن على المذهب يشترطون المطالبة.

القسم الثالث: الحقوق غير المالية

القسم الثالث: ما لم يطالب به من حقوق التمليكات والحقوق غير المالية، فهذا فيه خلاف. قال المؤلف رحمه الله: [حقوق التمليكات والحقوق التي ليست مالية، كالقصاص] يعني: فيما دون النفس، [وحد القذف، ففيه قولان في المذهب أشهرهما: أنه لا يورث].

يعني: هم يقولون: القصاص فيما دون النفس، إذا لم يطالب به لا يورث.

وحد القذف إذا لم يطالب به لا يورث.

قال أيضاً: الحقوق غير المالية، مثل: الشفعة، إذا لم يطالب بها لا تورث.

وكذا حق الفسخ بخيار الشرط، وحد القذف، والرجوع في الهبة، والقصاص فيما دون النفس، والخيار في قبول الوصية، فهذه يقولون: لا تورث إلا إذا طالب بها، والصحيح كما قلنا: لا تشترط المطالبة، يعني هذا حق ثبت له، فالصواب أنها تورث، فالشفعة تورث، وحق الفسخ إذا كان بشرط يورث، وحد القذف يورث، والرجوع في الهبة إذا جاز الرجوع فيها يورث، والقصاص فيما دون النفس يورث، والخيار في قبول الوصية يورث؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، وهذا يشمل كل ما تركه الأزواج من أعيان مالية، وحقوق مالية، واختصاصات... إلى آخره.

القسم الرابع: الحقوق المالية

القسم الرابع: ما كان من حقوق مالية فإن وارثه يقوم مقامه وإلم يطالب بها.

قال رحمه الله: [ومن صور ذلك: الرهن، فإذا مات وله دين برهن انتقل برهنه إلى الورثة].

فالرهن حق مالي، هذا زيد أقرض ألف دينار، وأخذ رهناً ثم مات، فالرهن ينتقل إلى الورثة، فهم يرثون هذا الحق المالي.

ومثله أيضاً قال رحمه الله: [وكذا الكفيل والضمان والأجل والرد بالعيب].

فلو أن الكفيل أقرض بكفالة، فإن الكفالة تنتقل إلى الورثة، وكذا الضمان ينتقل للورثة.

ومثله الرد في العيب، فإذا وجد الوارث في السيارة التي اشتراها مورثهم عيباً، فهل لهم حق الفسخ أو ليس لهم حق الفسخ؟ نقول: لهم حق الفسخ وإلم يطالب المورث.

ومثله: الأجل في الدين فلو اقترض ألف دينار لمدة شهر ثم مات، يبقى الألف مؤجلاً، ولا يلزم الورثة أن يسددوا، لكن لا بد أن يوثقوا الدين بضمين أو كفيل أو رهن.

القسم الخامس: الحقوق الواجبة على الميت

القسم الخامس: الحقوق اللازمة على الميت، يقوم الوارث مقام مورثه في إيفائها إذا كان له تركة.

قال المؤلف رحمه الله: [إذا مات وعليه دين] يقوم الوارث بسداد الدين [أو أوصى بوصايا] أي: يقوم الوارث بتنفيذ الوصايا.

ومن عليه حج أو كفارة فالورثة عليهم إخراج الكفارة... إلى آخره، ولو كان عليه نذر، فإنه يقوم الورثة بإخراج النذر.

القسم السادس: الحقوق الجائزة على الميت

القسم الأخير: الحقوق الجائزة على الميت يقوم وارثه مقام مورثه في إمضائها وردها.

مثال ذلك: قال رحمه الله: [أو الواهب قبل إقباضها].

الهبة على المذهب تلزم بالقبض، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: ما دام أن الموهوب له لم يقبض الهبة حتى الآن فيجوز الفسخ، والوارث يقوم مقام الميت المورث في فسخ الهبة أو إلغائها بإقباض الهبة، فما دام أنها لم تقبض فهي حق جائز، والوارث يقوم مقامه في إقباضها أو فسخها.

وأيضاً قال: [أو مات الراهن قبل إقباض الرهن].

فالرهن على المذهب يلزم بالقبض مثل الهبة، والكلام في ذلك كالكلام في الهبة، فما دام أن المرتهن لم يقبض العين المرهونة فالعقد ليس لازماً، وعلى هذا لو مات الراهن فإن وارثه يقوم مقامه إن شاء أقبض ولزم، وإن شاء لم يقبض؛ لأنه حتى الآن ليس لازماً.

فالقسم الأخير: الحقوق الجائزة التي ليست بلازمة، هذه يقوم الوارث في إمضائها أو ردها كما مثلنا، كإقباض الهبة وإقباض الرهن.

نقول: القسم الأول: ما وجب للميت بالموت، فإن وارثه يقوم مقامه، مثل المؤلف لذلك فقال: [فما كان من حقوقه يجب بموته، كالدية، والقصاص في النفس، والصلح عن القصاص، فلا ريب بأن لهم استيفاءه]، فيقومون مقامه، ويستوفون القصاص، أو الدية.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله مسألة، فقال: [ولا يؤثر مطالبة المقتول بذلك شيئاً، ومال الشيخ تقي الدين إلى أن مطالبته بالقصاص توجب تحتمه، فلا يتمكنون بعدها من العفو].

فالقسم هنا: ما وجب للميت بالموت فإن وارثه يقوم مقامه، مثل: القصاص والدية، فهذه وجبت له بالموت، فإن وارثه يقوم مقامه، وذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قال: إذا طالب المقتول بالقصاص فهل لهم أن يعفوا إلى الدية أو يتحتم القصاص؟ شيخ الإسلام يقول: يتحتم القصاص وليس لهم خيار في أن يعفوا إلى الدية.