شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [6]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة الثامنة والعشرون: إذا حصل التلف من فعلين أحدهما مأذون فيه والآخر غير مأذون فيه، وجب الضمان كاملاً على الصحيح، وإن كان من فعلين غير مأذون فيهما فالضمان بينهما نصفين، حتى لو كان أحدهما من فعل من لا يجب الضمان عليه لم يجب على الآخر أكثر من النصف].

ذكرنا أن القاعدة السابعة والعشرين تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون النفع فيمن أتلف نفساً أو أفسد عبادة يعود إلى المتلِف، وحينئذ لا ضمان عليه.

مثاله: إذا أتلف نفساً كأن صال عليه آدمي أو حيوان سواء بدنه، أو ماله، أو حرمته فدافعه بالأسهل فالأسهل فتلف فإنه لا ضمان عليه.

ومثاله إذا أفسد عبادة: كالحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان خوفاً على أنفسهما، فلا كفارة عليهما ولا ضمان، لكن يجب عليهما القضاء كالمريض.

القسم الثاني: أن يكون النفع عائداً إلى غير المتلِف، فإذا أتلف نفساً أو أفسد عبادة بنفع غيره فإنه يضمن.

مثاله إذا أتلف نفساً: صال صائلٌ على الغير، كأن صال على بدنه أو ماله أو حرمته، فجاء شخص ودافع عن الغير حتى أتلف الصائل، فهل يضمن أو لا يضمن؟

المؤلف رحمه الله يقول بأنه: يضمن، والصواب أنه لا يضمن؛ لأن الصحيح أنه يجب عليه أن يدافع عن نفسه، وعن غيره، وأيضاً عن عرضه، وقال شيخ الإسلام أيضاً: وعن ماله. يعني: يجب عليه أن يدافع عن مال الغير.

وهذا هو الصواب في هذه المسألة، وإذا كان يجب عليه ذلك فماذا يترتب على مأذون غير مضمون؟! الصواب أنه لا ضمان عليه.

وأما بالنسبة لإفساد العبادة فإنه يضمن، فالحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما فالفقهاء رحمهم الله يقولون: يجب مع القضاء كفارة، فهنا يكون الضمان، وهو الكفارة؛ لأنهما أفسدتا العبادة لنفع الغير.

أما في الأقسام الثلاثة فلا ضمان، يعني: إذا أتلف نفساً، أو أفسد عبادة بنفع نفسه، أو أتلف نفساً بنفع غيره.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (القاعدة الثامنة والعشرون: إذا حصل التلف من فعلين أحدهما مأذون فيه والآخر غير مأذون فيه وجب الضمان كاملاً على الصحيح، وإن كان من فعلين غير مأذون فيهما فالضمان بينهما نصفين).

هذه القاعدة تنقسم إلى قسمين:

حصول التلف من فعل مأذون فيه وغير مأذون فيه

القسم الأول: أن يحصل التلف من فعل مأذون فيه وغير مأذون فيه.

فالضمان يكون للفعل الذي لم يؤذن فيه، أما الفعل الذي أذن له فيه فإنه لا ضمان عليه.

ومن صور هذه القاعدة: أن حد القذف ثمانون جلدة، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4]. فلو أن الجلاد زاد سوطاً، يعني: بدلاً من أن يجلد ثمانين جلدة جلد واحداً وثمانين أو اثنين وثمانين.. إلى آخره، ثم بعد ذلك تلف المجلود، أو فسد عضو من أعضائه، أو تلفت منفعة من منافعه.

فهنا اجتمع عندنا فعلان: فعلٌ مأذونٌ فيه وهو الثمانون الأولى، وفعل غير مأذون فيه وهو السوط الزائد.

فنقول: الضمان على من يكون؟

الثمانون وهي الفعل الأول لا يتعلق به ضمان، إنما الذي يتعلق به الضمان هو السوط الأخير، فهنا حصل التلف بفعل مأذون فيه وفعل غير مأذون فيه، فنقول: بأن الضمان لا يتعلق بالفعل المأذون فيه، وإنما يتعلق بالفعل غير المأذون فيه.

وعلى هذا: عندنا القاضي وعندنا الجلاد، فلو قال القاضي للجلاد: اجلد ثمانين، والجلاد زاد سوطاً، فالثمانون التي حكم بها القاضي وأذن فيها ليس فيها ضمان، ويبقى الضمان على الجلاد الذي زاد السوط.

لكن لو كان بأمر القاضي أي أن القاضي هو الذي أمره وألزمه بذلك، فنقول: الضمان على القاضي الذي قضى بثمانين، والجلاد قضى بفعل مأذون فيه فلا ضمان عليه.

قول المؤلف: (حتى لو كان أحدهما من فعل من لا يجب الضمان عليه لم يجب على الآخر أكثر من النصف).

يعني: الآن لما هلك المجلود، أو تلفت منفعة من منافعه، أو فسد طرف من أطرافه نقول: بأن هذا ضمان الآن؛ فلو فرضنا أنه مات فديته مائة من الإبل، فهل يلزم الجلاد مائة من الإبل أو نقول: يلزمه النصف؛ لأنه اجتمع عندنا الآن فعلان؟ قال المؤلف رحمه الله: ما نلزمه بأكثر من النصف؛ لأن التلف حصل بفعلين مأذون فيه وغير مأذون فيه.

لو أنه جُلد ثمانين جلدة ثم مات، فالعلماء يقولون: الحق قتله، هدر لا ضمان فيه، لكن ما دام أنه زاد سوطاً فنقول: هنا يضمن الجلاد الذي زاد، وأما الفعل المأذون فيه وهو الثمانون الأولى التي حكم بها القاضي فهذه لا ضمان فيها.

ولا يضمن الجلاد أكثر من النصف؛ لأن عندنا فعلين أحدهما مأذون فيه والآخر غير مأذون فيه، فعليه لا يأخذ أكثر من النصف.

ومثال ذلك أيضاً: لو استأجر سيارة لكي يحمل عليها بضاعة، وهذه السيارة تأخذ مثلاً مقدار مائة كيلو، فالمستأجر زاد إلى مائة وعشرة ثم حصل تلف في السيارة، انفجر الإطار أو خرب محرك من المحركات.. إلى آخره، فالآن حصل التلف من فعلين: مأذون فيه وغير مأذون فيه، فالمائة الكيلو هذه مأذون فيها، أما الزيادة فغير مأذون فيها. وعلى هذا فقس.

حصول التلف من فعلين غير مأذون فيهما

القسم الثاني: أن يحصل التلف من فعلين غير مأذون فيهما، ولهذا قال المؤلف: (وإن كان من فعلين غير مأذون فيهما فالضمان بينهما) فإذا حصل التلف من فعلين غير مأذون فيهما فالضمان عليهما جميعاً.

مثال ذلك: رجل ضربه رجلان، فكل منهما ضربه ضربة وهلك، أو فاتت منفعة، أو فسد طرف، فالضمان عليهما جميعاً؛ لأن هذا الفعل ليس مأذوناً فيه.

مثال آخر: هذا الصيد جرحه هذا المحرم وجرحه هذا المحرم، فنقول: الضمان عليهما جميعاً. وعلى هذا فقس.

ويقول المؤلف رحمه الله: (نصفين) هذا إذا تساوت الأفعال، لكن إذا كثرت أفعال أحدهما فإنه يضمن حسب كثرة أفعاله.

القسم الأول: أن يحصل التلف من فعل مأذون فيه وغير مأذون فيه.

فالضمان يكون للفعل الذي لم يؤذن فيه، أما الفعل الذي أذن له فيه فإنه لا ضمان عليه.

ومن صور هذه القاعدة: أن حد القذف ثمانون جلدة، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4]. فلو أن الجلاد زاد سوطاً، يعني: بدلاً من أن يجلد ثمانين جلدة جلد واحداً وثمانين أو اثنين وثمانين.. إلى آخره، ثم بعد ذلك تلف المجلود، أو فسد عضو من أعضائه، أو تلفت منفعة من منافعه.

فهنا اجتمع عندنا فعلان: فعلٌ مأذونٌ فيه وهو الثمانون الأولى، وفعل غير مأذون فيه وهو السوط الزائد.

فنقول: الضمان على من يكون؟

الثمانون وهي الفعل الأول لا يتعلق به ضمان، إنما الذي يتعلق به الضمان هو السوط الأخير، فهنا حصل التلف بفعل مأذون فيه وفعل غير مأذون فيه، فنقول: بأن الضمان لا يتعلق بالفعل المأذون فيه، وإنما يتعلق بالفعل غير المأذون فيه.

وعلى هذا: عندنا القاضي وعندنا الجلاد، فلو قال القاضي للجلاد: اجلد ثمانين، والجلاد زاد سوطاً، فالثمانون التي حكم بها القاضي وأذن فيها ليس فيها ضمان، ويبقى الضمان على الجلاد الذي زاد السوط.

لكن لو كان بأمر القاضي أي أن القاضي هو الذي أمره وألزمه بذلك، فنقول: الضمان على القاضي الذي قضى بثمانين، والجلاد قضى بفعل مأذون فيه فلا ضمان عليه.

قول المؤلف: (حتى لو كان أحدهما من فعل من لا يجب الضمان عليه لم يجب على الآخر أكثر من النصف).

يعني: الآن لما هلك المجلود، أو تلفت منفعة من منافعه، أو فسد طرف من أطرافه نقول: بأن هذا ضمان الآن؛ فلو فرضنا أنه مات فديته مائة من الإبل، فهل يلزم الجلاد مائة من الإبل أو نقول: يلزمه النصف؛ لأنه اجتمع عندنا الآن فعلان؟ قال المؤلف رحمه الله: ما نلزمه بأكثر من النصف؛ لأن التلف حصل بفعلين مأذون فيه وغير مأذون فيه.

لو أنه جُلد ثمانين جلدة ثم مات، فالعلماء يقولون: الحق قتله، هدر لا ضمان فيه، لكن ما دام أنه زاد سوطاً فنقول: هنا يضمن الجلاد الذي زاد، وأما الفعل المأذون فيه وهو الثمانون الأولى التي حكم بها القاضي فهذه لا ضمان فيها.

ولا يضمن الجلاد أكثر من النصف؛ لأن عندنا فعلين أحدهما مأذون فيه والآخر غير مأذون فيه، فعليه لا يأخذ أكثر من النصف.

ومثال ذلك أيضاً: لو استأجر سيارة لكي يحمل عليها بضاعة، وهذه السيارة تأخذ مثلاً مقدار مائة كيلو، فالمستأجر زاد إلى مائة وعشرة ثم حصل تلف في السيارة، انفجر الإطار أو خرب محرك من المحركات.. إلى آخره، فالآن حصل التلف من فعلين: مأذون فيه وغير مأذون فيه، فالمائة الكيلو هذه مأذون فيها، أما الزيادة فغير مأذون فيها. وعلى هذا فقس.

القسم الثاني: أن يحصل التلف من فعلين غير مأذون فيهما، ولهذا قال المؤلف: (وإن كان من فعلين غير مأذون فيهما فالضمان بينهما) فإذا حصل التلف من فعلين غير مأذون فيهما فالضمان عليهما جميعاً.

مثال ذلك: رجل ضربه رجلان، فكل منهما ضربه ضربة وهلك، أو فاتت منفعة، أو فسد طرف، فالضمان عليهما جميعاً؛ لأن هذا الفعل ليس مأذوناً فيه.

مثال آخر: هذا الصيد جرحه هذا المحرم وجرحه هذا المحرم، فنقول: الضمان عليهما جميعاً. وعلى هذا فقس.

ويقول المؤلف رحمه الله: (نصفين) هذا إذا تساوت الأفعال، لكن إذا كثرت أفعال أحدهما فإنه يضمن حسب كثرة أفعاله.

قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة التاسعة والعشرون: من سومح في مقدار يسير فزاد عليه فهل تنتفي المسامحة في الزيادة وحدها أو في الجميع؟ فيه وجهان، وللمسألة صور].

هذه أيضاً قاعدة لطيفة وهي: (من سومح في مقدار يسير فزاد عليه فهل تنتفي المسامحة في الزيادة وحدها أو في الجميع؟) وهي قريبة أيضاً من القاعدة السابقة التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى.

عندنا أمران:

الأمر الأول: المقدار اليسير الذي سومح فيه وتحديده باليسير والكثير راجع إلى العرف.

الأمر الثاني: الزيادة على هذا المقدار اليسير.

لو أن الشخص اكتفى بالمقدار اليسير الذي سومح فيه عرفاً فإنه لا ضمان عليه، لكنه لما زاد على هذا المقدار اليسير لحقه الضمان.

مثال ذلك: هذا رجل وكّل رجلاً أن يشتري سيارة، فالوكيل يجب عليه أن يشتري السيارة بثمن المثل، وقيمة السيارة بعشرة آلاف، كونه يزيد، يعني: يُغبن بما جرى به العرف فهذا ليس فيه ضمان؛ لأن البيوع هكذا، ما يخلو منها أحد، فكونه اشترى بثمن المثل عشرة آلاف، وزاد عليه مائة مثلاً؛ لأنه هكذا الناس يتغابنون، فالوكيل ما قال له الموكل: اشتر بعشرة ولا تزد، بل قال: اشتر سيارة، فيشتري بثمن المثل. اشترى الآن بثمن المثل وزيادة، هذه الزيادة إذا كانت يسيرة، فالعلماء رحمهم الله يقولون: ليس فيه خيار؛ لأن البيوعات ما تخلو من هذا الشيء. فالوكيل معفو عن ذلك، فكونه اشترى بعشرة آلاف ومائة ما عليه شيء، لكن كونه يشتري بعشرة آلاف وخمسمائة فهنا عليه شيء، لماذا زدت؟ كونك سومحت بما جرى به العرف، فالعرف أن الناس يتغابنون والتجار يتغابنون مثلاً بعشرة آلاف وخمسين، بعشرة آلاف وسبعين، بعشرة آلاف ومائة، فهذا أنت مسموح فيه؛ لأن هذا يتغابن فيه الناس، لكن كونك تشتري بعشرة آلاف وخمسمائة! هذه الزيادة أنت لست مأذوناً فيها.

فعندك الآن الوكيل إن زاد زيادة جرى العرف بالتغابن فيها والتسامح فهذا ما عليه ضمان، لكن كونه يزيد أكثر من ذلك هنا يضمن، لكن هل نضمّنه الجميع بحيث أن الزيادة الأولى انعدمت التي سومح فيها، أو نقول: ما نضمّنه إلا الزيادة؟

قال: (فيها وجهان)، والمذهب أننا ما نضمّنه إلا الأربعمائة على المثال هذا، يعني: الزيادة التي زادها، أما المائة -الزيادة اليسيرة- التي يتسامح فيها عرفاً فهذه لا يضمن فيها.

والقاعدة عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الوكيل إذا تحرى واجتهد، يعني سائر من تصرف لغيره ليس خاصاً بالوكيل أيضاً، يعني: كل من اجتهد وتحرى ثم بعد ذلك حصل له خطأ بعد الاجتهاد والتحري فإنه لا ضمان عليه، فالوكيل وغير الوكيل، والولي وغير ذلك، كل من اجتهد وتحرى ثم بعد ذلك غُبن حتى ولو كان غبناً زائداً على العادة فإنه لا ضمان عليه.

وهذا ينطبق على الوكيل، وينطبق أيضاً على ولي اليتيم، وناظر الأوقاف ونحو ذلك إذا زاد إن كانت الزيادة مما يتغابن فيها الناس فهذا لا ضمان عليه، وإن زاد زيادة فوق ما يتغابن عليه الناس فهذا كما تقدم فيه الوجهان.

وهذا كما ذكرنا يشمل الوكيل، وناظر الأوقاف، وولي الأيتام، وولي القصّر المجانين والسفهاء، والوصي.. إلى آخره.

أيضاً من أمثلة هذه القاعدة: الخارج من السبيل.

العلماء يقولون بالنسبة إلى الاستجمار إذا انتهى الإنسان من قضاء حاجته فيجوز له أن يستجمر، ويجوز له أن يستنجي بالماء، وأن يجمع بين الاستجمار والاستنجاء، ويجوز الاستجمار بالمناديل والحجارة ونحو ذلك بشرط أن الخارج من القبل أو الدبر يُشترط ألا يتعدى موضع العادة.

فإذا كان لم يتعد موضع العادة فهذا يجزئ فيه الاستجمار، لكن لو تعدى موضع العادة وانتشر البول. يعني: العادة أن البول في ثقب الذكر وما حوله، لكن لو انتشر إلى الحشفة فلا يجزئ الاستجمار بل لا بد من الاستنجاء، فهل الاستنجاء يجب في الجميع الذي جرت العادة أن ينتشر إليه والزائد، أو أن الاستنجاء خاص بالزائد؟

على حسب الخلاف الذي ذكره المؤلف رحمه الله.

وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضاً في هذه المسألة: أن الاستجمار مجزئ، يعني: شيخ الإسلام له قولان في هذه المسألة، ويرى أن الاستجمار مجزئ مطلقاً حتى لو انتشر الخارج إلى شيء لم ينتشر إليه في العادة، يعني: انتشر البول إلى الحشفة أو نصف الحشفة ونحو ذلك، وانتشر الغائط إلى باطن صفحة الدبر.

فـشيخ الإسلام يقول: لا يقيد، المهم أنه ما دام أن الشارع رخص في الاستجمار، فالإنسان يستجمر حتى لو انتشر الخارج، وله قول يحده بالنصف.

قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة الثلاثون: إذا خرج عن ملكه مال على وجه العبادة ثم طرأ ما يمنع إجزاءه والوجوب، فهل يعود إلى ملكه أم لا؟ فيه خلاف. فمن ذلك: إذا أوجب هدياً أو أضحية عن واجب في ذمته ثم تعيبت فإنها لا تجزئه، وهل يعود المعيب إلى ملكه؟ على روايتين.

ومنها: إذا عجل الزكاة فدفعها إلى الفقير ثم هلك المال فهل يرجع بها أم لا؟ على وجهين.

ومنها: لو عجل عن ثلاثين من البقر تبيعاً ثم نتجت عشرة قبل الحول وقلنا: لا يجزئ التبيع عن شيء منها، فهل يرجع به؟ تخرج على الوجهين].

هذه القاعدة تنقسم إلى قسمين:

طروء ما يمنع الإجزاء

القسم الأول: إذا أخرج من ملكه مالاً على وجه العبادة، ثم طرأ ما يمنع إجزاءه لم يعد إلى ملكه.

مثال ذلك قول المؤلف رحمه الله: [إذا أوجب هدياً أو أضحية عن واجب في ذمته ثم تعيبت فإنها لا تجزئه، وهل يعود المعيب إلى ملكه؟ على روايتين].

مثال ذلك: رجل نذر وقال: لله عليَّ أن أذبح أضحية، فلو ذهب واشترى الأضحية، ثم بعد ذلك الأضحية انكسرت رجلها، فالواجب في ذمته أضحية سليمة، ونقول: ما تجزئك هذه الأضحية التي انكسرت رجلها؛ لأنه يجب في ذمتك نذر أضحية سليمة، سواء انكسرت بتفريط أو بغير تفريط فالمهم أنه يجب عليك أضحية سليمة؛ لأنك نذرت أضحية، والأصل في ذلك السلامة، فإن ذهب واشترى أخرى بقينا في هذه الأضحية التي انكسرت رجلها؛ لأن الأضحية المنكسرة والعرجاء هذه لا تجوز، لحديث البراء بن عازب : ( أربع لا تجوز في الأضاحي: العرجاء البيّن ضلعها )، فهل تعود إلى ملكه أو لا تعود إلى ملكه؟

يقول المؤلف رحمه الله: (على روايتين)، والأحوط وهو المذهب أن هذه لا تعود إلى ملكه.

فعلى هذا يذبح الشاة السليمة الجديدة ويذبح أيضاً الشاة المعيبة، ولا نقول: بأنها تعود إلى ملكه بحيث أنه يملك أن يتصرف فيها، أو يبيعها، أو يأكلها أو يهديها، بل نقول: لا تعود إلى ملكه.

وعلى القول الثاني أنها تعود إلى ملكه، وعلى هذا يملك أن يتصرف فيها، ويأكلها، ويبيعها، ويهديها، لكن الأقرب أنها لا تعود إلى ملكه.

ومثل ذلك أيضاً: لو نذر هدياً فقال: لله عليَّ أن أهدي إلى الحرم شاة، ثم بعد ذلك اشترى الشاة وانخرقت عينها، فالعوراء لا تجزئ، ومن باب أولى التي انخرقت عينها، قلنا له: لا تجزئ هذه الشاة، اذهب واشتر شاة أخرى. فلو ذهب واشترى شاة أخرى بقينا في هذه المعيبة هل تعود إلى ملكه أو لا تعود؟ نقول: هذه المعيبة لا تعود إلى ملكه، فيهدي التي اشتراها، وهذه أيضاً يهديها ولا تعود إلى ملكه.

طروء ما يمنع الوجوب

القسم الثاني: أن يطرأ ما يمنع الوجوب.

وهذا أيضاً لا يعود إلى ملكه، ومثّل المؤلف رحمه الله لذلك فقال: (إذا عجل الزكاة فدفعها إلى الفقير ثم هلك المال فهل يرجع أو لا يرجع؟).

مثاله: هذا رجل عنده مال ثم عجّل الزكاة قبل الحول -يجوز أن تعجل الزكاة لحول أو حولين- وجاء الحول وليس عنده شيء، فالمال الذي عجّل زكاته الأصل أنه ما يخرج الزكاة إلا في رمضان، فأخرجها في محرم، وجاء رمضان وإذا المال الذي عجّل زكاته سرق أو احترق، فتبين الآن أنه ليس عليه زكاة؛ لأنه ليس عنده مال؛ لأنه لو لم يعجّل وحال عليه الحول لم تجب؛ لأنه طرأ ما يمنع الوجوب، فهل يذهب إلى الفقير ويقول: أعطني الزكاة، أنا أعطيتك زكاة بناء على أنه تجب عليَّ زكاة، أما الآن فما تجب عليَّ زكاة؟ نقول: لا يرجع على الفقير؛ لأن هذا شيءٌ أخرجه لله عز وجل.

أيضاً من الأمثلة قوله: [إذا عجل الزكاة فدفعها إلى الفقير ثم هلك المال فهل يرجع بها أم لا؟].

وكذلك من الأمثلة: لو نقص النصاب، يعني: هو عنده نصاب، فأقل نصاب الإبل خمس من الإبل فيها شاة لكنه عجّل الشاة، وقبل أن يحول الحول هلكت واحدة من الإبل، أو أكل واحدة من الإبل المعدودة من الزكاة، فهل يرجع على الفقير أو لا يرجع على الفقير؟

فهنا طرأ ما يمنع وجوب الزكاة، فنقول: لا يرجع على الفقير.

وأيضاً من الأمثلة التي ذكرها المؤلف قوله: [ولو عجل عن ثلاثين من البقر تبيعاً ثم نتجت عشرة قبل الحول، وقلنا: لا يجزئ التبيع عن شيء منها، فهل يرجع به؟ يخرج على الوجهين].

رجل عنده في محرم ثلاثون من البقر، وثلاثون من البقر زكاتها تبيع، فأقل نصاب البقر ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة، يعني: ما له سنة. فأخرج تبيعاً وتنامت هذه البقر، وجاء رمضان عند حولان الحول وإذا عنده أربعون، والأربعون فيها مسنة، وهي التي لها سنتان، فنقول: التبيع الذي أخرجت أولاً ما يجزئك، ويجب عليك أن تخرج مسنة، ولا يرجع بالتبيع؛ لأن التبيع لا يرجع عليك.

فنقول: الآن وجب عليك مسنة، وقلنا: لا يجزئ التبيع عن شيء منها؛ لأنه الآن تبين أن عليه مسنة.

القسم الأول: إذا أخرج من ملكه مالاً على وجه العبادة، ثم طرأ ما يمنع إجزاءه لم يعد إلى ملكه.

مثال ذلك قول المؤلف رحمه الله: [إذا أوجب هدياً أو أضحية عن واجب في ذمته ثم تعيبت فإنها لا تجزئه، وهل يعود المعيب إلى ملكه؟ على روايتين].

مثال ذلك: رجل نذر وقال: لله عليَّ أن أذبح أضحية، فلو ذهب واشترى الأضحية، ثم بعد ذلك الأضحية انكسرت رجلها، فالواجب في ذمته أضحية سليمة، ونقول: ما تجزئك هذه الأضحية التي انكسرت رجلها؛ لأنه يجب في ذمتك نذر أضحية سليمة، سواء انكسرت بتفريط أو بغير تفريط فالمهم أنه يجب عليك أضحية سليمة؛ لأنك نذرت أضحية، والأصل في ذلك السلامة، فإن ذهب واشترى أخرى بقينا في هذه الأضحية التي انكسرت رجلها؛ لأن الأضحية المنكسرة والعرجاء هذه لا تجوز، لحديث البراء بن عازب : ( أربع لا تجوز في الأضاحي: العرجاء البيّن ضلعها )، فهل تعود إلى ملكه أو لا تعود إلى ملكه؟

يقول المؤلف رحمه الله: (على روايتين)، والأحوط وهو المذهب أن هذه لا تعود إلى ملكه.

فعلى هذا يذبح الشاة السليمة الجديدة ويذبح أيضاً الشاة المعيبة، ولا نقول: بأنها تعود إلى ملكه بحيث أنه يملك أن يتصرف فيها، أو يبيعها، أو يأكلها أو يهديها، بل نقول: لا تعود إلى ملكه.

وعلى القول الثاني أنها تعود إلى ملكه، وعلى هذا يملك أن يتصرف فيها، ويأكلها، ويبيعها، ويهديها، لكن الأقرب أنها لا تعود إلى ملكه.

ومثل ذلك أيضاً: لو نذر هدياً فقال: لله عليَّ أن أهدي إلى الحرم شاة، ثم بعد ذلك اشترى الشاة وانخرقت عينها، فالعوراء لا تجزئ، ومن باب أولى التي انخرقت عينها، قلنا له: لا تجزئ هذه الشاة، اذهب واشتر شاة أخرى. فلو ذهب واشترى شاة أخرى بقينا في هذه المعيبة هل تعود إلى ملكه أو لا تعود؟ نقول: هذه المعيبة لا تعود إلى ملكه، فيهدي التي اشتراها، وهذه أيضاً يهديها ولا تعود إلى ملكه.

القسم الثاني: أن يطرأ ما يمنع الوجوب.

وهذا أيضاً لا يعود إلى ملكه، ومثّل المؤلف رحمه الله لذلك فقال: (إذا عجل الزكاة فدفعها إلى الفقير ثم هلك المال فهل يرجع أو لا يرجع؟).

مثاله: هذا رجل عنده مال ثم عجّل الزكاة قبل الحول -يجوز أن تعجل الزكاة لحول أو حولين- وجاء الحول وليس عنده شيء، فالمال الذي عجّل زكاته الأصل أنه ما يخرج الزكاة إلا في رمضان، فأخرجها في محرم، وجاء رمضان وإذا المال الذي عجّل زكاته سرق أو احترق، فتبين الآن أنه ليس عليه زكاة؛ لأنه ليس عنده مال؛ لأنه لو لم يعجّل وحال عليه الحول لم تجب؛ لأنه طرأ ما يمنع الوجوب، فهل يذهب إلى الفقير ويقول: أعطني الزكاة، أنا أعطيتك زكاة بناء على أنه تجب عليَّ زكاة، أما الآن فما تجب عليَّ زكاة؟ نقول: لا يرجع على الفقير؛ لأن هذا شيءٌ أخرجه لله عز وجل.

أيضاً من الأمثلة قوله: [إذا عجل الزكاة فدفعها إلى الفقير ثم هلك المال فهل يرجع بها أم لا؟].

وكذلك من الأمثلة: لو نقص النصاب، يعني: هو عنده نصاب، فأقل نصاب الإبل خمس من الإبل فيها شاة لكنه عجّل الشاة، وقبل أن يحول الحول هلكت واحدة من الإبل، أو أكل واحدة من الإبل المعدودة من الزكاة، فهل يرجع على الفقير أو لا يرجع على الفقير؟

فهنا طرأ ما يمنع وجوب الزكاة، فنقول: لا يرجع على الفقير.

وأيضاً من الأمثلة التي ذكرها المؤلف قوله: [ولو عجل عن ثلاثين من البقر تبيعاً ثم نتجت عشرة قبل الحول، وقلنا: لا يجزئ التبيع عن شيء منها، فهل يرجع به؟ يخرج على الوجهين].

رجل عنده في محرم ثلاثون من البقر، وثلاثون من البقر زكاتها تبيع، فأقل نصاب البقر ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة، يعني: ما له سنة. فأخرج تبيعاً وتنامت هذه البقر، وجاء رمضان عند حولان الحول وإذا عنده أربعون، والأربعون فيها مسنة، وهي التي لها سنتان، فنقول: التبيع الذي أخرجت أولاً ما يجزئك، ويجب عليك أن تخرج مسنة، ولا يرجع بالتبيع؛ لأن التبيع لا يرجع عليك.

فنقول: الآن وجب عليك مسنة، وقلنا: لا يجزئ التبيع عن شيء منها؛ لأنه الآن تبين أن عليه مسنة.