شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [2]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ القاعدة السادسة: إذا فعل عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجبة عليه ثم تبين بآخره أن الواجب كان غيرها فإنه يجزئه, ولذلك صور:

منها: إذا أحج المعضوب عن نفسه ثم برئ فإنه يجزئه على المذهب؛ لأنه فعل الواجب عليه في وقته لا سيما إن قيل: إن ذلك عليه على الفور] إلى آخره.

إذا كان الواجب غير ما فُعل بعد الشروع في العبادة

والقاعدة السادسة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يتبين بعد الفراغ من العبادة أن الواجب غير ما فعل، فإنه يجزئه.

ومن أمثلة ذلك: من عجز عن الحج.

فالمكلف بالنسبة للحج لا يخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون قادراً بماله وبدنه، فهذا يجب عليه أن يحج فوراً.

الحالة الثانية: أن يكون قادراً ببدنه لكنه عاجز بماله، فهذا لا يجب عليه الحج، إلا كما قال المالكية: إن استطاع أن يمشي ويحترف فإنه يجب عليه أن يحج.

الحالة الثالثة: أن يكون قادراً بماله لكنه عاجز ببدنه، فهذا إن كان عجزه يرجى زواله فهذا ينتظر حتى يزول عجزه، وإن كان عجزه لا يرجى زواله، مثل: إنسان قادر بماله، لكنه عاجز ببدنه عجزاً لا يرجى زواله كما قال له الأطباء، فإذا أناب شخصاً يحج عنه، ثم بعد ذلك بعد أن انتهى النائب من الحج عافاه الله عز وجل، فهل يجزئه حج النائب أو نقول: يجب عليه أن يحج مرة أخرى؟

في هذه الحالة تبين بعد الفراغ من العبادة أن الواجب غير ما فعل، فالواجب أن يحج بنفسه وهو حج الآن بنائبه، فالواجب غير ما فعل، فهل يجزئه أو نقول: لا يجزئه؟

نقول: يجزئه في هذه الحالة. فإذا أناب شخصاً يحج عنه، فنقول: يجزئه سواء عوفي بعد الفراغ من العبادة، أو عوفي بعد شروع النائب، لكن لا يجزئه إذا عوفي قبل أن يشرع النائب، يعني: قبل أن يحرم.

فهنا يقول العلماء رحمهم الله: لا يجزئه، لكن لو عوفي بعد الفراغ من العبادة، أو عوفي في أثناء العبادة، فإنه يجزئه، مع أنه تبين أن الذي فُعل غير الواجب؛ لأنه حج بنائبه والواجب الآن أن يحج بنفسه ولا يحج بنائبه.

كذلك أيضاً من صور هذه القاعدة: من لزمته كفارة الظهار يجب عليه أن يعتق رقبة، فإذا كان لا يجد رقبة فيجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، فإذا كان لا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين فإنه ينتقل إلى الإطعام.

فهنا الآن إذا انتقل إلى الإطعام، وبعد أن أطعم عافاه الله عز وجل، وأصبح يستطيع الصيام، فهل هذا الإطعام لا يجزئه أو أنه يجزئه؟ نقول: بأنه يجزئه مع أنه تبين أن الواجب غير ما فعل؛ لأن الصيام مقدم على الإطعام، ومع ذلك نقول: بأنه يجزئه.

فتبين لنا القسم الأول: أنه إذا فعل عبادة ثم تبين في آخر العبادة أن الواجب غير ما فعل فإنه يجزئه.

وقد ذكرنا الدليل فيما سبق أن ما ترتب على المأذون غير مضمون، وأن الله سبحانه وتعالى لا يوجب العبادة على عبده مرتين، فمادام أنه قد أذن له في ذلك، فليس عليه ضمان.

أن يكون الواجب غير ما فعل لخلل في الشرط

القسم الثاني: أن يكون ذلك لخلل في الشرط، لخفاء الاطلاع على ذلك الخلل، يعني: أن يفعل العبادة في وقت وجوبها يظن أنها هي الواجبة، ثم يتبين أن هذا ليس هو الواجب لخلل في الشرط لخفاء ذلك الخلل، فهل يجزئه أو لا يجزئه؟

نقول: إن هذا فيه تفصيل: إن كان بعد الاجتهاد والتحري فإنه يجزئه، وإن كان بغير اجتهاد ولا تحرٍ فإنه لا يجزئه.

فنقول في القسم الثاني: إذا تبين أن العبادة التي فُعلت غير الواجبة لخلل في الشرط فإن كان ذلك بعد الاجتهاد والتحري فإنه يجزئ، وإن كان بغير اجتهاد ولا تحرٍ فإنه لا يجزئ.

مثال ذلك: إنسان مسافر اجتهد في طلب القبلة، فهو من أهل الاجتهاد يعرف علامات القبلة، وكيف يستدل بها فاجتهد، ثم بعد ذلك صلى، وبعد الانتهاء من الصلاة تبين أن القبلة على خلاف الجهة التي صلى عليها، فنقول: بأنه يجزئ، ما دام أنه اجتهد وتحرى.

أيضاً من الأمثلة: رجل دفع زكاته إلى رجل يظنه فقيراً بعد الاجتهاد والتحري، ثم تبين أنه غني، فنقول: بأنه يجزئه, ولا يجب عليه أن يعيد الزكاة مرة أخرى. ويدل على ذلك قصة معن بن يزيد رضي الله تعالى عنه.

أما بغير اجتهاد ولا تحرٍ فإنه لا يجزئه، فمثلاً: رجل دفع الزكاة إلى رجل دون أن يجتهد، فهل هو من أهل الزكاة أو ليس من أهل الزكاة؟ فنقول: بأنه لا يجزئه. أو إنسان صلى دون أن يجتهد وهو من أهل الاجتهاد، ثم أخطأ القبلة، فنقول: بأنه لا يجزئه.

والقاعدة السادسة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يتبين بعد الفراغ من العبادة أن الواجب غير ما فعل، فإنه يجزئه.

ومن أمثلة ذلك: من عجز عن الحج.

فالمكلف بالنسبة للحج لا يخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون قادراً بماله وبدنه، فهذا يجب عليه أن يحج فوراً.

الحالة الثانية: أن يكون قادراً ببدنه لكنه عاجز بماله، فهذا لا يجب عليه الحج، إلا كما قال المالكية: إن استطاع أن يمشي ويحترف فإنه يجب عليه أن يحج.

الحالة الثالثة: أن يكون قادراً بماله لكنه عاجز ببدنه، فهذا إن كان عجزه يرجى زواله فهذا ينتظر حتى يزول عجزه، وإن كان عجزه لا يرجى زواله، مثل: إنسان قادر بماله، لكنه عاجز ببدنه عجزاً لا يرجى زواله كما قال له الأطباء، فإذا أناب شخصاً يحج عنه، ثم بعد ذلك بعد أن انتهى النائب من الحج عافاه الله عز وجل، فهل يجزئه حج النائب أو نقول: يجب عليه أن يحج مرة أخرى؟

في هذه الحالة تبين بعد الفراغ من العبادة أن الواجب غير ما فعل، فالواجب أن يحج بنفسه وهو حج الآن بنائبه، فالواجب غير ما فعل، فهل يجزئه أو نقول: لا يجزئه؟

نقول: يجزئه في هذه الحالة. فإذا أناب شخصاً يحج عنه، فنقول: يجزئه سواء عوفي بعد الفراغ من العبادة، أو عوفي بعد شروع النائب، لكن لا يجزئه إذا عوفي قبل أن يشرع النائب، يعني: قبل أن يحرم.

فهنا يقول العلماء رحمهم الله: لا يجزئه، لكن لو عوفي بعد الفراغ من العبادة، أو عوفي في أثناء العبادة، فإنه يجزئه، مع أنه تبين أن الذي فُعل غير الواجب؛ لأنه حج بنائبه والواجب الآن أن يحج بنفسه ولا يحج بنائبه.

كذلك أيضاً من صور هذه القاعدة: من لزمته كفارة الظهار يجب عليه أن يعتق رقبة، فإذا كان لا يجد رقبة فيجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، فإذا كان لا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين فإنه ينتقل إلى الإطعام.

فهنا الآن إذا انتقل إلى الإطعام، وبعد أن أطعم عافاه الله عز وجل، وأصبح يستطيع الصيام، فهل هذا الإطعام لا يجزئه أو أنه يجزئه؟ نقول: بأنه يجزئه مع أنه تبين أن الواجب غير ما فعل؛ لأن الصيام مقدم على الإطعام، ومع ذلك نقول: بأنه يجزئه.

فتبين لنا القسم الأول: أنه إذا فعل عبادة ثم تبين في آخر العبادة أن الواجب غير ما فعل فإنه يجزئه.

وقد ذكرنا الدليل فيما سبق أن ما ترتب على المأذون غير مضمون، وأن الله سبحانه وتعالى لا يوجب العبادة على عبده مرتين، فمادام أنه قد أذن له في ذلك، فليس عليه ضمان.

القسم الثاني: أن يكون ذلك لخلل في الشرط، لخفاء الاطلاع على ذلك الخلل، يعني: أن يفعل العبادة في وقت وجوبها يظن أنها هي الواجبة، ثم يتبين أن هذا ليس هو الواجب لخلل في الشرط لخفاء ذلك الخلل، فهل يجزئه أو لا يجزئه؟

نقول: إن هذا فيه تفصيل: إن كان بعد الاجتهاد والتحري فإنه يجزئه، وإن كان بغير اجتهاد ولا تحرٍ فإنه لا يجزئه.

فنقول في القسم الثاني: إذا تبين أن العبادة التي فُعلت غير الواجبة لخلل في الشرط فإن كان ذلك بعد الاجتهاد والتحري فإنه يجزئ، وإن كان بغير اجتهاد ولا تحرٍ فإنه لا يجزئ.

مثال ذلك: إنسان مسافر اجتهد في طلب القبلة، فهو من أهل الاجتهاد يعرف علامات القبلة، وكيف يستدل بها فاجتهد، ثم بعد ذلك صلى، وبعد الانتهاء من الصلاة تبين أن القبلة على خلاف الجهة التي صلى عليها، فنقول: بأنه يجزئ، ما دام أنه اجتهد وتحرى.

أيضاً من الأمثلة: رجل دفع زكاته إلى رجل يظنه فقيراً بعد الاجتهاد والتحري، ثم تبين أنه غني، فنقول: بأنه يجزئه, ولا يجب عليه أن يعيد الزكاة مرة أخرى. ويدل على ذلك قصة معن بن يزيد رضي الله تعالى عنه.

أما بغير اجتهاد ولا تحرٍ فإنه لا يجزئه، فمثلاً: رجل دفع الزكاة إلى رجل دون أن يجتهد، فهل هو من أهل الزكاة أو ليس من أهل الزكاة؟ فنقول: بأنه لا يجزئه. أو إنسان صلى دون أن يجتهد وهو من أهل الاجتهاد، ثم أخطأ القبلة، فنقول: بأنه لا يجزئه.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [13] 2633 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [1] 2276 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [15] 2091 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [7] 2083 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [19] 2055 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [12] 2010 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [8] 2006 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [14] 1933 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [11] 1910 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [17] 1875 استماع