فقه العبادات - الصلاة [27]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي المشاهدين والمشاهدات! وحيا الله الإخوة الذين معنا في الأستوديو, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وأن يمنحنا وإياكم رضاه، والعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والتقوى, إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

كنا أيها الإخوة والأخوات قد توقفنا عند بعض المسائل المتعلقة بالإمامة، وهذه المسألة سوف نتحدث عنها، وكنا قد ذكرناها في درس سابق، ولم يسعفنا الوقت لأجل أن نفصل فيها, وهي الصلاة خلف المحدث وخلف المتنجس, وهو الذي قد لبس ثياباً متنجسة.

اختلف أهل العلم في حكم الصلاة خلف المحدث وخلف المتنجس الذي لبس ثياباً متنجسة، فنقول:

الصلاة خلف الإمام المحدث

الشيخ: القسم الأول: الصلاة خلف المحدث: لا يخلو المصلي خلف المحدث؛ إما أن يعلم بحدثه بعد انتهاء الصلاة أو أثناءها.

الحال الأول: إن علم بعد انتهاء الصلاة؛ فذهب جماهير الفقهاء من الأئمة الأربعة إلى أن صلاة المأموم خلف المحدث صحيحة, وأما صلاة الإمام فإنها تعاد.

هذا القول الأول في مسألة المحدث.

أعيد! الإمام المحدث إن علم بحدثه بعد انتهاء الصلاة صحت صلاة المأموم ولم تصح صلاة الإمام, وهذا قول جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة وغيرهم، استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أبي هريرة : ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم, وإن أخطئوا فلكم وعليهم ).

وقد روى ابن المنذر في الأوسط بسند صحيح عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بأصحابه الفجر، فلما خرج إلى الجرف وجد في ثيابه بللاً من احتلام, فاغتسل وأعاد الصلاة، ولم يأمر أصحابه بذلك, وقد أخرجه أيضاً البيهقي وأشار إلى أن عثمان حصل له ذلك أيضاً, فهذان خليفتان من خلفاء المسلمين أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهما, فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ).

الحال الثاني: إذا علم الإمام أو المأموم أو طرف آخر بحدث الإمام في أثناء الصلاة, فإن جماهير الفقهاء يقولون: لا تصح صلاة من خلفه, ولا تصح صلاة الإمام, فإذا علم الإمام بحدثه في أثناء الصلاة فإنه يجب عليه أن يقطعها، يجب على المأموم أيضاً أن يقطعها، ولا يصح الاستخلاف؛ يقولون: لأنه علم بطلان صلاة الإمام، والمأموم فرع عن إمامه, فمتى بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم, وإنما منعنا من ذلك بعد انتهاء الصلاة لوجود الأثر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة في المشهور عندهم.

والقول الثاني في المسألة: هو مذهب الشافعي ورواية عند الإمام أحمد، اختارها أبو العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على أئمة الإسلام، فقالوا: إن علم الإمام بحدثه في أثناء الصلاة بطلت صلاته إجماعاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ), أما المأموم فإن صلاته صحيحة؛ وذلك لأن المأموم صلاته مع إمامه ليست صلاة الفرع مع الأصل, وإنما جعلت هذه الإمامة من باب استكمال الجماعة, وإلا فإن الإمام لا علاقة له بالمأموم في حال العذر, وأما مع عدم العذر فإن المأموم تبع لإمامه, وهذا ذكره أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ورجحه ونسبه لـمالك و أحمد , وإن كان المعروف عن مالك في كتبه مثل قول أبي حنيفة ، وأنه متى صحت صلاة الإمام صحت صلاة المأموم, وإذا بطلت صلاة الإمام فقد بطلت صلاة المأموم كما هو مذهب الجمهور, وذكره ابن هبيرة في كتاب الإفصاح.

لكن المقصود من هذا أن الراجح هو القول الثاني، وهو أن الإمام إذا علم حدث نفسه في أثناء الصلاة بطلت صلاته إجماعاً, أما المأموم فالصحيح أن صلاته صحيحة؛ لأنه لم يحصل منه مبطل.

وبالتالي فيجوز للمأموم أو أحدهم أن يخلف إمامه في الصلاة, ولا أثر في ذلك للنية؛ لأن الراجح كما مر معنا أن نية الإمامة لا يشترط فيها أن تكون في ابتداء الصلاة خلافاً لجمهور الفقهاء, وقد رجحنا أنه تجوز نية الإمامة في أثناء الصلاة, وقلنا: إن هذا هو مذهب الشافعي واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

ولا أثر لأن يعلم الإمام بحدثه أو يعلم بعض المأمومين, فإن علم بعض المأمومين ولم يخبر الآخرين فإن الراجح في الذي لم يعلم أن صلاته صحيحة خلافاً للجمهور.

الصلاة خلف الإمام المتلبس بنجاسة

الشيخ: القسم الثاني: صلاة المتنجس, وهو إمام صلى بثياب نجسة، لكنه طاهر من حيث رفع الحدث:

فذهب جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة إلى أنه إذا علم المأموم بأن الإمام ثيابه متنجسة بعد انتهاء الصلاة، -وهو مذهب عامة الفقهاء- أن صلاة المأموم صحيحة.

وأما الإمام فقد وقع خلاف مبني على الخلاف في الشرطية, والراجح أيضاً أن صلاة الإمام صحيحة؛ وذلك لأن هذا من باب اجتناب المحظور وليس من باب فعل المأمور, فأما فعل المأمور فلا يعذر صاحبه بجهل ولا نسيان, إلا من جهة رفع الإثم، وأما من حيث الإعادة فإنه يجب على من لم يفعل المأمور أن يعيد.

وأما اجتناب المحظور فإن الراجح، وهو مذهب أحمد في رواية وقول عند الشافعية, واختيار أبي العباس بن تيمية و ابن القيم : أن اجتناب المحظور إذا فعله الإمام سواء في أثناء الصلاة أو في انتهاء الصلاة أن صلاته صحيحة؛ لأنه لا علاقة لها برفع الحدث.

واستدلوا على ذلك بما رواه أهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه, فخلع نعليه فخلع الصحابة نعالهم, فلما سلم قال: ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا, فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما أذى, فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن وجد بهما أذى فليدلكهما بالتراب, فإن التراب لهما طهور ).

وقد اختلف أهل العلم في رفع هذا الحديث ووصله, والصواب إن شاء الله تبارك وتعالى أن الحديث مرفوع، وأن الوصل صحيح كما رجح ذلك أبو حاتم الإمام الثقة المشهور في علم الرجال.

إذا ثبت فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أخبره جبريل أن في نعليه أذى -وهو النجس- لم يبطل صلى الله عليه وسلم صلاته، بل أزال هذا المتنجس.

وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم أكمل صلاته بعد علمه بالنجاسة في أثناء الصلاة، ولم يبطلها؛ فدل ذلك على أن اجتناب المحظور شيء، وفعل المأمور شيء آخر.

إذا ثبت هذا فإن الإمام إذا علم بنجاسة ثيابه بعد انتهاء الصلاة فالراجح هو صحة صلاة الإمام والمأموم, وأما إذا علم في أثناء الصلاة فيجب على الإمام أن ينزعها إذا كان ذلك يمكنه, فإن لم يمكن قطع صلاته، وأما المأموم فإن صلاته صحيحة.

فإن صلى مع علمه بنجاسته فإنه قد مر معنا حكم الصلاة بالثوب المتنجس؛ هل هو من شرط الصلاة أم هو من واجباتها, أم أن ذلك على سبيل الاستحباب؟ خلاف بين أهل العلم، وقلنا: إن الراجح أن ذلك من باب الواجب، وليس من باب الشرط ولا من باب الاستحباب, والواجب إذا تركه الإنسان متعمداً من غير عذر فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة؛ لأنه ترك الواجب مع علمه بذلك والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: القسم الأول: الصلاة خلف المحدث: لا يخلو المصلي خلف المحدث؛ إما أن يعلم بحدثه بعد انتهاء الصلاة أو أثناءها.

الحال الأول: إن علم بعد انتهاء الصلاة؛ فذهب جماهير الفقهاء من الأئمة الأربعة إلى أن صلاة المأموم خلف المحدث صحيحة, وأما صلاة الإمام فإنها تعاد.

هذا القول الأول في مسألة المحدث.

أعيد! الإمام المحدث إن علم بحدثه بعد انتهاء الصلاة صحت صلاة المأموم ولم تصح صلاة الإمام, وهذا قول جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة وغيرهم، استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أبي هريرة : ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم, وإن أخطئوا فلكم وعليهم ).

وقد روى ابن المنذر في الأوسط بسند صحيح عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بأصحابه الفجر، فلما خرج إلى الجرف وجد في ثيابه بللاً من احتلام, فاغتسل وأعاد الصلاة، ولم يأمر أصحابه بذلك, وقد أخرجه أيضاً البيهقي وأشار إلى أن عثمان حصل له ذلك أيضاً, فهذان خليفتان من خلفاء المسلمين أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهما, فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ).

الحال الثاني: إذا علم الإمام أو المأموم أو طرف آخر بحدث الإمام في أثناء الصلاة, فإن جماهير الفقهاء يقولون: لا تصح صلاة من خلفه, ولا تصح صلاة الإمام, فإذا علم الإمام بحدثه في أثناء الصلاة فإنه يجب عليه أن يقطعها، يجب على المأموم أيضاً أن يقطعها، ولا يصح الاستخلاف؛ يقولون: لأنه علم بطلان صلاة الإمام، والمأموم فرع عن إمامه, فمتى بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم, وإنما منعنا من ذلك بعد انتهاء الصلاة لوجود الأثر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة في المشهور عندهم.

والقول الثاني في المسألة: هو مذهب الشافعي ورواية عند الإمام أحمد، اختارها أبو العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على أئمة الإسلام، فقالوا: إن علم الإمام بحدثه في أثناء الصلاة بطلت صلاته إجماعاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ), أما المأموم فإن صلاته صحيحة؛ وذلك لأن المأموم صلاته مع إمامه ليست صلاة الفرع مع الأصل, وإنما جعلت هذه الإمامة من باب استكمال الجماعة, وإلا فإن الإمام لا علاقة له بالمأموم في حال العذر, وأما مع عدم العذر فإن المأموم تبع لإمامه, وهذا ذكره أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ورجحه ونسبه لـمالك و أحمد , وإن كان المعروف عن مالك في كتبه مثل قول أبي حنيفة ، وأنه متى صحت صلاة الإمام صحت صلاة المأموم, وإذا بطلت صلاة الإمام فقد بطلت صلاة المأموم كما هو مذهب الجمهور, وذكره ابن هبيرة في كتاب الإفصاح.

لكن المقصود من هذا أن الراجح هو القول الثاني، وهو أن الإمام إذا علم حدث نفسه في أثناء الصلاة بطلت صلاته إجماعاً, أما المأموم فالصحيح أن صلاته صحيحة؛ لأنه لم يحصل منه مبطل.

وبالتالي فيجوز للمأموم أو أحدهم أن يخلف إمامه في الصلاة, ولا أثر في ذلك للنية؛ لأن الراجح كما مر معنا أن نية الإمامة لا يشترط فيها أن تكون في ابتداء الصلاة خلافاً لجمهور الفقهاء, وقد رجحنا أنه تجوز نية الإمامة في أثناء الصلاة, وقلنا: إن هذا هو مذهب الشافعي واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

ولا أثر لأن يعلم الإمام بحدثه أو يعلم بعض المأمومين, فإن علم بعض المأمومين ولم يخبر الآخرين فإن الراجح في الذي لم يعلم أن صلاته صحيحة خلافاً للجمهور.

الشيخ: القسم الثاني: صلاة المتنجس, وهو إمام صلى بثياب نجسة، لكنه طاهر من حيث رفع الحدث:

فذهب جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة إلى أنه إذا علم المأموم بأن الإمام ثيابه متنجسة بعد انتهاء الصلاة، -وهو مذهب عامة الفقهاء- أن صلاة المأموم صحيحة.

وأما الإمام فقد وقع خلاف مبني على الخلاف في الشرطية, والراجح أيضاً أن صلاة الإمام صحيحة؛ وذلك لأن هذا من باب اجتناب المحظور وليس من باب فعل المأمور, فأما فعل المأمور فلا يعذر صاحبه بجهل ولا نسيان, إلا من جهة رفع الإثم، وأما من حيث الإعادة فإنه يجب على من لم يفعل المأمور أن يعيد.

وأما اجتناب المحظور فإن الراجح، وهو مذهب أحمد في رواية وقول عند الشافعية, واختيار أبي العباس بن تيمية و ابن القيم : أن اجتناب المحظور إذا فعله الإمام سواء في أثناء الصلاة أو في انتهاء الصلاة أن صلاته صحيحة؛ لأنه لا علاقة لها برفع الحدث.

واستدلوا على ذلك بما رواه أهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه, فخلع نعليه فخلع الصحابة نعالهم, فلما سلم قال: ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا, فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما أذى, فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن وجد بهما أذى فليدلكهما بالتراب, فإن التراب لهما طهور ).

وقد اختلف أهل العلم في رفع هذا الحديث ووصله, والصواب إن شاء الله تبارك وتعالى أن الحديث مرفوع، وأن الوصل صحيح كما رجح ذلك أبو حاتم الإمام الثقة المشهور في علم الرجال.

إذا ثبت فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أخبره جبريل أن في نعليه أذى -وهو النجس- لم يبطل صلى الله عليه وسلم صلاته، بل أزال هذا المتنجس.

وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم أكمل صلاته بعد علمه بالنجاسة في أثناء الصلاة، ولم يبطلها؛ فدل ذلك على أن اجتناب المحظور شيء، وفعل المأمور شيء آخر.

إذا ثبت هذا فإن الإمام إذا علم بنجاسة ثيابه بعد انتهاء الصلاة فالراجح هو صحة صلاة الإمام والمأموم, وأما إذا علم في أثناء الصلاة فيجب على الإمام أن ينزعها إذا كان ذلك يمكنه, فإن لم يمكن قطع صلاته، وأما المأموم فإن صلاته صحيحة.

فإن صلى مع علمه بنجاسته فإنه قد مر معنا حكم الصلاة بالثوب المتنجس؛ هل هو من شرط الصلاة أم هو من واجباتها, أم أن ذلك على سبيل الاستحباب؟ خلاف بين أهل العلم، وقلنا: إن الراجح أن ذلك من باب الواجب، وليس من باب الشرط ولا من باب الاستحباب, والواجب إذا تركه الإنسان متعمداً من غير عذر فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة؛ لأنه ترك الواجب مع علمه بذلك والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: المسألة الثانية: وهي مسألة من كان يلحن في صلاته, ما حكم إمامته؟

الجواب على ذلك هو التفصيل، فنقول: من يلحن في صلاته لا يخلو من حالين:

الحال الأولى: من كان يلحن لحناً يحيل المعنى, وهو اللحن الجلي الذي يحيل المعنى، فإن اللحن الجلي منه ما يكون محيلاً للمعنى، ومنه ما لا يكون محيلاً للمعنى, فالجلي المقصود به الواضح, مثل: غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7], بعضهم يلحن في لفظ (ولا الضالين) لكنه ليس جلياً, وإن كان فيه نوع من إحالة المعنى, لكن (أنعمت) إذا ضم التاء فقال: (أنعمت), فهذا لحن جلي يحيل المعنى, وإذا قرأ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5], فقال: (إياك نعبد), ولم يشدد الياء، فهذا لحن جلي لا يحيل المعنى.

إذا ثبت هذا فإننا نقسم إحالة اللحن في الصلاة إلى قسمين:

القسم الأول: لحن يحيل المعنى، فاللحن الذي يحيل المعنى لا يخلو من فرعين:

الفرع الأول: لحن يحيل المعنى في الفاتحة.

والفرع الثاني: لحن يحيل المعنى في غير الفاتحة.

إمامة من يلحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة

الشيخ: فأما الفاتحة فإن من لحن فيها وهو قادر على التعلم لم تصح صلاته إجماعاً, ولا تصح إمامته أيضاً؛ لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة.

أما إذا لحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة، ولكنه لا يستطيع أكثر من هذا -ليس عن جهل، ولكنه لا يستطيع- وهذا ما يسمى عند الفقهاء بالأمي, فالأمي هو الذي يلحن في صلاته في قراءة الفاتحة, فيستبدل بعض الحروف، أو يستبدل بعض الحركات، فيحيل بذلك المعنى, مثل أن يقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7], فإذا قال: (أنعمت عليهم) بضم التاء، فقد أحال المعنى بلا شك.

فإذا أحال المعنى لم تصح صلاته إذا كان متعمداً, وإذا كان غير قادر أو جاهلاً، فإن الجماهير من الأئمة الأربعة يقولون: لا تصح إمامته بمن يحسن ذلك, وتصح بمثله أو بمن دونه, وهذا يسمى: الأمي.

فنقول: الأمي وهو الذي يلحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة تصح إمامته بمثله أو بمن دونه, أما من كان يحسن قراءة الفاتحة فلا يصح أن يكون مؤتماً بإمام يلحن في الفاتحة.

القول الثاني في المسألة: وهو قول عطاء و قتادة و المزني و أبي ثور ، وهو قول لـأبي إسحاق الإسفراييني من الشافعية: أن كل من صحت صلاته في نفسه صحت إمامته, وهذا هو اختيار الشيخ ابن سعدي رحمه الله, ولعل هذا القول فيه قوة, فنحن حينما نقول: لو أن إنساناً صلى مع شخص يقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ بضم التاء، أو (اللزين) فجعل الذال زاياً, فهذا أحال المعنى وأخطأ في ذلك, فنقول: ما دام أن صلاته صحيحة، فالراجح أن كل من صحت صلاته في نفسه صحت إمامته, ودليل ذلك هو قوله صلى الله عليه وسلم: ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم, وأن أخطئوا فلكم وعليهم ), وهذا القول فيه قوة.

وأما دليل الجمهور فإنهم احتجوا بما جاء في رواية الجماعة من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ), قالوا: فإذا أحال المعنى في آية أو حرف من الفاتحة لم يكن قد قرأ الفاتحة, فيكون قد أخل بركن من أركانها، وقد تابعه شخص على ترك هذا الركن.

والراجح والله أعلم أن الركن القولي يختلف عن الركن الفعلي؛ لأن الركن الفعلي لا يمكن معه الخلل أو الخطـأ أو عدم المتابعة, أما الركن القولي فإنه يخفف في ذلك, ولعل هذا القول أظهر، وهو اختيار ابن سعدي رحمه الله، وفي هذا سعة؛ لأنه لم يأت دليل صريح على عدم المنع، أو على المنع مطلقاً, لكن مع ذلك نقول: إن الأفضل للمأموم أن يصلي مع إمام حسن الهدي في السنة وفي قوله وفعله؛ لأجل ألا تنقص صلاته, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة ), وفي رواية: ( من إقامة الصلاة ), فإذا كان تسوية الصف من إتمام الصلاة، فإن قراءة الفاتحة من إتمامها ولا شك, فهو من إتمامها الواجب.

وعلى هذا فإن الراجح والله أعلم صحة الصلاة, ومع ذلك فإنه إذا علم المأموم أن إمامه بهذه الطريقة، ويجد إماماً غيره فلا ينبغي له أن يصلي خلفه؛ لأجل ألا تنقص صلاته بهذا, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

إمامة من يلحن لحناً يحيل المعنى في غير الفاتحة

الشيخ: وأما إن كان لحناً يحيل المعنى في غير الفاتحة: فإن كان متعمداً، فالذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن صلاته لا تصح, وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة واختيار أبي العباس بن تيمية ، قالوا: لأنه إذا أحال المعنى وهو متعمد فإنه متلاعب لم يقدر حق حرمة الصلاة؛ ولأنه إذا تكلم بقرآن قد أحال فيه المعنى فكأنه صار غير قرآن، ومن المعلوم أن من تكلم متعمداً في صلاته بطلت صلاته.

انظر الفقه! يقولون: إن من تعمد وقرأ القرآن بقراءة تحيل المعنى فإن صلاته لا تصح ولو كانت غير الفاتحة؛ لأنه بإحالته المعنى قد قرأ كلاماً ليس بقرآن, ومن تكلم بكلام من كلام بني آدم ليس بقرآن متعمداً فقد بطلت صلاته, وهذا هو مذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة، وقول عند الأحناف المتأخرين.

والقاعدة في هذا: أن من تكلم بكلام يحيل المعنى من القرآن, فإن إحالة المعنى ليس بقرآن, فكأنه قال كلاماً وتكلم بكلام متعمداً، ليس بقرآن.

والقصد من هذا أنه إذا أحال المعنى, فقرأ: (أنعمتُ عليهم) بضم التاء, فهذا ليس بقرآن، هل الله سبحانه وتعالى قال: (أنعمتَ) بالفتح، أم قال: (أنعمتُ) بالضم؟

الجواب: (أنعمت) بالفتح، فإذا ضم التاء فقد لحن لحناً يحيل المعنى، قالوا: فكأنه بكلامه هذا لم يتكلم بقرآن, أي أنه ليس بالذي نزله الله سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم, هذا هو القصد، وهذا هو الذي أشار إليه صاحب الكشاف، وأشار إليه البهوتي وأيضاً صاحب الفروع, وقال أبو العباس بن تيمية : إنه متلاعب.

أما إذا كان لحناً يحيل المعنى، لكنه عن جهل، وليس بفاتحة، فالراجح والله أعلم صحة صلاته؛ لأنه جاهل، والقاعدة في هذا: أن الجاهل ليس كالمتعمد, وإذا كانت قراءة القرآن في غير الفاتحة على الراجح مستحبة, فإنه قد ترك هذا المستحب, وهو غير متعمد، ولم يتكلم بكلام، فالأصل أن صلاته صحيحة, هذا القسم الأول، وهو إذا أحال المعنى.

إمامة من يلحن لحناً لا يحيل المعنى

الشيخ: الحالة الثانية: أن يلحن لحناً لا يحيل المعنى:

فقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن صلاته صحيحة مع الكراهة.

وذهب الحنفية والمالكية إلى أن صلاته صحيحة من غير كراهة، قال الحنفية: لأنه لو لم يقرأ فإنه صلاته صحيحة.

فالجواب على هذا أن نقول: نحن متفقون على أن صلاته صحيحة، لكنه خالف المأمور, وهو ما جاء عند مسلم من حديث أبي مسعود البدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ), وقوله: (يؤم القوم). هذا خبر بمعنى الأمر, يعني: لا يؤمن أحد إلا وهو حسن القراءة, وهذا يدل على أنه خالف المأمور, ولما كانت قراءته في غير الفاتحة مستحبة كان تركه لهذا اللحن مكروهاً، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وعلى هذا فالذي يخطئ في القرآن ويلحن فإن الراجح والله أعلم أنه إذا كان ذلك من غير تعمد ولا يحيل المعنى فإن صلاته مكروهة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: فأما الفاتحة فإن من لحن فيها وهو قادر على التعلم لم تصح صلاته إجماعاً, ولا تصح إمامته أيضاً؛ لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة.

أما إذا لحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة، ولكنه لا يستطيع أكثر من هذا -ليس عن جهل، ولكنه لا يستطيع- وهذا ما يسمى عند الفقهاء بالأمي, فالأمي هو الذي يلحن في صلاته في قراءة الفاتحة, فيستبدل بعض الحروف، أو يستبدل بعض الحركات، فيحيل بذلك المعنى, مثل أن يقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7], فإذا قال: (أنعمت عليهم) بضم التاء، فقد أحال المعنى بلا شك.

فإذا أحال المعنى لم تصح صلاته إذا كان متعمداً, وإذا كان غير قادر أو جاهلاً، فإن الجماهير من الأئمة الأربعة يقولون: لا تصح إمامته بمن يحسن ذلك, وتصح بمثله أو بمن دونه, وهذا يسمى: الأمي.

فنقول: الأمي وهو الذي يلحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة تصح إمامته بمثله أو بمن دونه, أما من كان يحسن قراءة الفاتحة فلا يصح أن يكون مؤتماً بإمام يلحن في الفاتحة.

القول الثاني في المسألة: وهو قول عطاء و قتادة و المزني و أبي ثور ، وهو قول لـأبي إسحاق الإسفراييني من الشافعية: أن كل من صحت صلاته في نفسه صحت إمامته, وهذا هو اختيار الشيخ ابن سعدي رحمه الله, ولعل هذا القول فيه قوة, فنحن حينما نقول: لو أن إنساناً صلى مع شخص يقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ بضم التاء، أو (اللزين) فجعل الذال زاياً, فهذا أحال المعنى وأخطأ في ذلك, فنقول: ما دام أن صلاته صحيحة، فالراجح أن كل من صحت صلاته في نفسه صحت إمامته, ودليل ذلك هو قوله صلى الله عليه وسلم: ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم, وأن أخطئوا فلكم وعليهم ), وهذا القول فيه قوة.

وأما دليل الجمهور فإنهم احتجوا بما جاء في رواية الجماعة من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ), قالوا: فإذا أحال المعنى في آية أو حرف من الفاتحة لم يكن قد قرأ الفاتحة, فيكون قد أخل بركن من أركانها، وقد تابعه شخص على ترك هذا الركن.

والراجح والله أعلم أن الركن القولي يختلف عن الركن الفعلي؛ لأن الركن الفعلي لا يمكن معه الخلل أو الخطـأ أو عدم المتابعة, أما الركن القولي فإنه يخفف في ذلك, ولعل هذا القول أظهر، وهو اختيار ابن سعدي رحمه الله، وفي هذا سعة؛ لأنه لم يأت دليل صريح على عدم المنع، أو على المنع مطلقاً, لكن مع ذلك نقول: إن الأفضل للمأموم أن يصلي مع إمام حسن الهدي في السنة وفي قوله وفعله؛ لأجل ألا تنقص صلاته, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة ), وفي رواية: ( من إقامة الصلاة ), فإذا كان تسوية الصف من إتمام الصلاة، فإن قراءة الفاتحة من إتمامها ولا شك, فهو من إتمامها الواجب.

وعلى هذا فإن الراجح والله أعلم صحة الصلاة, ومع ذلك فإنه إذا علم المأموم أن إمامه بهذه الطريقة، ويجد إماماً غيره فلا ينبغي له أن يصلي خلفه؛ لأجل ألا تنقص صلاته بهذا, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: وأما إن كان لحناً يحيل المعنى في غير الفاتحة: فإن كان متعمداً، فالذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن صلاته لا تصح, وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة واختيار أبي العباس بن تيمية ، قالوا: لأنه إذا أحال المعنى وهو متعمد فإنه متلاعب لم يقدر حق حرمة الصلاة؛ ولأنه إذا تكلم بقرآن قد أحال فيه المعنى فكأنه صار غير قرآن، ومن المعلوم أن من تكلم متعمداً في صلاته بطلت صلاته.

انظر الفقه! يقولون: إن من تعمد وقرأ القرآن بقراءة تحيل المعنى فإن صلاته لا تصح ولو كانت غير الفاتحة؛ لأنه بإحالته المعنى قد قرأ كلاماً ليس بقرآن, ومن تكلم بكلام من كلام بني آدم ليس بقرآن متعمداً فقد بطلت صلاته, وهذا هو مذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة، وقول عند الأحناف المتأخرين.

والقاعدة في هذا: أن من تكلم بكلام يحيل المعنى من القرآن, فإن إحالة المعنى ليس بقرآن, فكأنه قال كلاماً وتكلم بكلام متعمداً، ليس بقرآن.

والقصد من هذا أنه إذا أحال المعنى, فقرأ: (أنعمتُ عليهم) بضم التاء, فهذا ليس بقرآن، هل الله سبحانه وتعالى قال: (أنعمتَ) بالفتح، أم قال: (أنعمتُ) بالضم؟

الجواب: (أنعمت) بالفتح، فإذا ضم التاء فقد لحن لحناً يحيل المعنى، قالوا: فكأنه بكلامه هذا لم يتكلم بقرآن, أي أنه ليس بالذي نزله الله سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم, هذا هو القصد، وهذا هو الذي أشار إليه صاحب الكشاف، وأشار إليه البهوتي وأيضاً صاحب الفروع, وقال أبو العباس بن تيمية : إنه متلاعب.

أما إذا كان لحناً يحيل المعنى، لكنه عن جهل، وليس بفاتحة، فالراجح والله أعلم صحة صلاته؛ لأنه جاهل، والقاعدة في هذا: أن الجاهل ليس كالمتعمد, وإذا كانت قراءة القرآن في غير الفاتحة على الراجح مستحبة, فإنه قد ترك هذا المستحب, وهو غير متعمد، ولم يتكلم بكلام، فالأصل أن صلاته صحيحة, هذا القسم الأول، وهو إذا أحال المعنى.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2580 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2561 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2438 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2389 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2348 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2238 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2235 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2185 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2112 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2090 استماع