(2) من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم (4) - من نواقض الإسلام - عبد الله بن حمود الفريح
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
المسألة التاسعة: الشفاعة في الكتاب والسنة تنقسم إلى قسمين:الأولى: شفاعة مُنفية:
وهي التي تُطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهي شفاعة مردودة نفاها الله وأبطلها.
ويدل على ذلك: قوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدّثر:48].
وقوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ .
وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100-101].
الثانية: شفاعة مُثبتة:
وهي التي تُطلب من الله وحده، وهي التي أذن الله فيها وهي لأهل الإيمان والتوحيد خاصة، وهي شفاعة مقبولة بالشروط السابقة في شروط الشفاعة العامة وقد سبقت بأدلتها، فلتراجع.
قال المصنف: "يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم".
المسألة العاشرة: التوكل:
تعريفه:
التوكل لغة: إظهار العجز والاعتماد على الغير.
وشرعًا: هو الاعتماد على الله سبحانه وتعالى في حصول المطلوب ودفع المكروه مع الثقة به وفعل الأسباب المأذون فيها.
وعلى هذا التعريف، فمن جعل أكثر اعتماده على الأسباب نقص توكله على الله، ويكون قادحًا في كفاية الله، فكأنه جعل السبب وحده هو العمدة فيما يصبوا إليه من حصول المطلوب وزوال المكروه.
ومن جعل أكثر اعتماده على الله ملغيًا للأسباب فقد طعن في حكمة الله، لأن الله جعل لكل شيء سببا، فمن اعتمد على الله اعتمادًا مجردًا كان قادحًا في حكمة الله، لأن الله حكيم يربط الأسباب بمسبباتها.
(انظر (القول المفيد) لشيخنا ابن عثيمين [2/ 228]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى [1/ 137]: "ومع علم المؤمن أن الله رب كل شيء ومليكه، فإنه لا ينكر ما خلقه الله من الأسباب، كما جعل المطر سببًا لإنبات النبات، قال تعالى: {وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة من الآية:164]، وكما جعل الشمس والقمر سببًا لما يخلقه بهما، وكما جعل الشفاعة والدعاء سببًا لما يقضيه بذلك، مثل صلاة المؤمنين على جنازة الميت، فإن ذلك من الأسباب التي يرحمه الله بها، ويثيب عليها المصلين عليه، لكن ينبغي أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور:
أحدهما: أن السبب المعين لا يستقل بالمطلوب، بل لا بد معه من أسباب أخر، ومع هذا فلها موانع، فإن لم يكمل الله الأسباب، ويدفع الموانع لم يحصل المقصود، وهو سبحانه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس، وما شاء الناس لا يكون إلا أن يشاء الله.
الثاني: أنه لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إلا بعلم، فمن أثبت شيئًا سببًا بلا علم أو يخالف الشرع كان مبطلًا، مثل من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل».
الثالث: أن الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ منها شيء سببًا إلا أن تكون مشروعة؛ فإن العبادات مبناها على التوقيف، فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله فيدعو غيره، وإن ظن أن ذلك سبب في حصول بعض أغراضه، وكذلك لا يُعبد الله بالبدع المخالفة للشريعة، وإن ظن ذلك، فإن الشياطين قد تعين الإنسان على بعض مقاصده إذا أشرك، وقد يحصل بالكفر والفسوق والعصيان بعض أغراض الإنسان، فلا يحل له ذلك إذ المفسدة الحاصلة بذلك أعظم من المصلحة الحاصلة به؛ إذ الرسول صلى الله عليه وسلم بُعث بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، فما أمر الله به فمصلحته راجحة، وما نهى عنه فمفسدته راجحة".
وقال ابن القيم في المدارج: "فظهر أن التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان، ولجميع أعمال الإسلام، وأن منزلته منها كمنزلة الرأس من الجسد، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن، فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته إلا على ساق التوكل".