فقه العبادات - الصلاة [8]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخوتي المشاهدين والمشاهدات!

أسعد الله مساءكم بكل خير، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

كنا قد شرحنا في درس سابق بعض مسائل ستر العورة -وهو الشرط الثاني من شروط الصلاة- وتحدثنا عن عورة الرجل وعورة المرأة، إلا أن ثمة بعض المسائل التي تحدث عنها أهل العلم وهي متعلقة بما يكره في الصلاة من الثياب، وكذلك بعض مسائل من انكشفت عورته وهو في الصلاة، ولعلنا نشرع بما كنا قد توقفنا فيه.

فالمسألة الأولى: حكم من انكشفت بعض عورته.

نقول: لا يخلو من انكشفت عورته من خمسة أحوال:

الحال الأولى: من انكشفت عورته وكان الكشف والظهور فاحشاً، وقد طال الزمان -يعني: طال زمن الكشف- وكان ذلك متعمداً، فقد أجمع أهل العلم على أن صلاته باطلة؛ لأنه كشف عورته وهو متعمد وطال الزمان.

والمقصود هنا عورة الصلاة؛ وهي للرجل ما بين السرة والركبة، والمرأة عورتها كل جسدها إلا وجهها وكفيها وقدميها.

فلو كشفت عورتها في الصلاة متعمدة وطال الفصل وقد فحش -مثل: من خلعت جلبابها وخمارها- فإن صلاتها لا تصح.

الحال الثانية: من انكشفت عورته عمداً وكان الكشف يسيراً، فإن جماهير أهل العلم قالوا: إن الصلاة باطلة؛ لأنه كشف شيئاً واجباً عليه تغطيته، وهو متعمد.

الحال الثالثة: أن يظهر شيء من عورته وهو فاحش؛ ولكن الوقت قصير، مثل: أن تصلي المرأة وولدها بجانبها فيجر ثيابها، فيخرج شعرها، فتأخذ ثيابها ثم تغطيه، أو شخص يصلي وعليه سروال مثلاً، وانحل سرواله فرفعه بعد أن ظهر شيء من خلفه، فإن الراجح والله أعلم أن صلاته صحيحة؛ لأنه جاهل لم يتعمد؛ ولأننا نقول: الراجح أن ستر العورة ليس مثل شروط الصلاة كالوقت؛ فإنه يعذر في حال الجهل والنسيان، وهذا هو مذهب أحمد و أبي حنيفة ، على خلاف ما هو الذي يكشف عرفاً، كما سوف يأتي.

الحال الرابعة: إذا انكشف شيء من عورته جاهلاً أو ناسياً وكان يسيراً وطال الفصل، فإن بعض أهل العلم قال: إن الصلاة باطلة، كما هو قول أحمد في رواية، وقول مالك و الشافعي في إحدى قوليه.

والذي يظهر والله أعلم أنه إذا طال الفصل وكان يسيراً مع الجهل والنسيان من غير تعمد فإن الصلاة صحيحة؛ وذلك لما جاء عند البخاري من حديث عمرو بن سلمة في قصة صلاته حينما صلى بقومه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( فليؤمكم أكثركم قرآناً. قال: فنظروا فلم يجدوا أكثر قرآناً مني، فكأنما يقر القرآن في قلبي، فأممتهم وأنا ابن ست أو ابن سبع سنين، فكنت إذا سجدت خرج شيء من استي -يعني دبري- قال: فكان النساء يقلن: واروا سوأة صاحبكم، قال: فاشتروا لي بردةً، فما فرحت بعد الإسلام فرحي بمثل هذه البردة ).

وجه الدلالة: أنه قد انكشف شيء من عورته، وكان يسيراً، وطال الفصل؛ لأنه كلما سجد يظهر، فدل ذلك على أن اليسير الذي يكون حال الجهل والنسيان يعفى عنه ولو طال الفصل، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الحال الخامسة: اليسير الذي لم يطل الفصل ولم يكن متعمداً، فالذي يظهر أنه إذا كان يسيراً جداً مثل أن تقوم المرأة فترفع وتحك رأسها، ثم ترجعه، فإن الصلاة صحيحة لكنها لا ينبغي لها أن تصنع ذلك.

وقلنا: هذا اليسير أيضاً مثل بعض الناس في الحج الذين يصابون بالتخمة -شفانا الله وعافانا وإياهم- فإذا لبسوا الرداء أو الإزار، فربما حال الركوع والسجود ينحل شيء من ذلك، فهم يرفعون، وأحياناً ينزله ثم يرفعه، فهذا خرج شيء من عورته ولكنه يسير، فالراجح والله أعلم أن هذا لم يكن متعمداً، وهذا لحاجة، والله أعلم.

السدل في الصلاة

الشيخ: إذا ثبت هذا فإن أهل العلم تحدثوا عما يكره لبسه في الصلاة.

فمما ذكروه: السدل في الصلاة، فإن جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة قالوا: يكره للإنسان أن يسدل في صلاته، على خلاف في تفسير السدل.

والأظهر في تفسير السدل هو أن يضع ثوبه على كتفيه، ثم يرخي طرفيه ولا يرفع الآخر، ويضع غترته مثلاً من الخلف، وهذا مثل الرداء يضعه هكذا، ويظهر شيء من بطنه، فهذا مكروه إذا قلنا: إنه لم يظهر شيء من عورته.

وقد فسره الإمام أحمد: أن يضع رداءه على كتفيه، ثم يسدلهما من غير أن يذهب بطرف على طرف، وقالوا: إن هذا مكروه؛ لورود الحديث في ذلك -والحديث سوف نتحدث عنه- ولأن ذلك من فعل اليهود، وهذا هو مذهب الحنابلة هذا التفسير الثاني للسدل.

وقال بعضهم: إن السدل هو إسبال الإزار، وهذا قول عند الشافعية، وهو قول لبعض الحنابلة كـالآمدي وغيره، وقد غلط أبو العباس بن تيمية هذا القول، وقال: إن تفسير السدل بالإسبال غلط، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم وهذا التفسير الثاني للسدل.

وأما التفسير الثالث للسدل: فهو أن يلتحف بردائه، ويداه داخل الرداء، بحيث يشق عليه أن يفك يديه، فيكون كالذي يصلي وهو معقوص -يعني مربوط- فهذه هي التفاسير الواردة في معنى السدل.

واعلم -رعاك ربي- أن جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة كرهوا الصلاة في السدل، قالوا: لما جاء في الحديث الذي رواه عسل بن سفيان ، و الحسن بن ذكوان، فيرويه عسل بن سفيان ، عن عطاء ، ويرويه الحسن بن ذكوان عن سليمان الأحول ، عن عطاء ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسدل الرجل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه )، وهذا حديث الحسن بن ذكوان ، ورواه عسل بن سفيان من غير ذكر الفم، إذاً يرويه عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة )، ورواه أيضاً أبو داود من حديث الحسن بن ذكوان ، عن سليمان الأحول ، عن عطاء ، عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه ).

والحديث بمجموع طرقه ضعيف؛ فإن عسل بن سفيان رجل ضعيف، و الحسن بن ذكوان ليس بالقوي، وقد ضعفه غير واحد من أهل العلم، فدل ذلك على أن النهي ضعيف.

وذهب مالك رحمه الله إلى أنه لا بأس أن يسدل الإنسان في صلاته، مثل: أن يضع رداءه على منكبيه ويسدلهما، وقال: رأيت أهل العلم يصنعونه، وكلهم قد رخص فيه. وقد روي عن ابن عمر وغيره، يقول ابن المنذر رحمه الله يقول: والكراهة والنهي لا يثبت إلا بدليل صحيح، ولا دليل على النهي.

والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن الأولى بالمصلي ألا يتشبه بفعل اليهود، ولكن هذه الأولوية إنما دخلت في عموم حديث ابن عمر : ( من تشبه بقوم فهو منهم )، فهو لم يقصد التشبه، ولكن وجود مثل هذه المحاكاة الأولى تركها، ولا نقول: إنه مكروه؛ لأن الكراهة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل شرعي؛ ولهذا نقول: الأولى بألا يصنع ذلك، وإن كان ليس ثمة حديث صحيح يصار إليه كما هو مذهب مالك ، وقد فعله ابن عمر رضي الله تعالى عن الجميع.

اشتمال الصماء

الشيخ: كذلك مما نهي عنه في الصلاة: اشتمال الصماء.

وقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبستين، واللبستان هما: اشتمال الصماء، وكذلك أن يحتبي في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء ).

قالوا: اشتمال الصماء هو أن يضطبع بأن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، ثم يضع طرفيه على منكبه الأيسر، ثم يأخذ الطرف الأدنى ثم يرفعه على منكبيه، قالوا: فإن ذلك منهي عنه خوفاً من كشف عورته.

قالوا: فلربما لو سجد ظهر شيء من عورته، وأما إذا كان قد لبس شيئاً على عورته، بحيث لا ينكشف شيء، فإن هذا لا يدل على الكراهة، وأنت ترى أن اشتمال الصماء النهي عنه ثابت، ولكن الراجح أنه لأجل الخوف من كشف العورة.

إذا ثبت هذا فإن النهي عن كشف العورة ليس مختصاً بالصلاة، بل هو في الصلاة وخارج الصلاة، لكن في الصلاة يجب على المصلي أن يحتاط ولا يخرج شيئاً من ذلك، فدل ذلك على أن اشتمال الصماء يختلف عن السدل في الصلاة؛ لأن السدل جاء النهي عنه في الصلاة، وأما اشتمال الصماء فإن النهي عنه في الصلاة وخارج الصلاة، كما هو في الاحتباء.

فقد نهي عن لبسة الاحتباء؛ وهي أن يلف على نفسه وليس على فرجه شيء، فربما لو ارتفع لخرج شيء من عورته، والواجب على المسلم أن يستر عورته إلا من زوجته أو ما ملكت يمينه، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه معاوية بن قرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إذا ثبت هذا فإن اشتمال الصماء مكروه إذا كان يؤدي إلى كشف العورة، وأما في الصلاة فواجب عليه أن يصلي ولا يكشف شيئاً من عورته، فاشتمال الصماء في الصلاة إذا كان سوف يؤدي في الغالب إلى كشف العورة فإنه حرام؛ لأنه يجب عليه أن يؤدي الصلاة بيقين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

تغطية الوجه

الشيخ: كذلك مما نهي عنه في الصلاة: تغطية الوجه.

وتغطية الوجه كرهها جماهير أهل العلم، كأن تلبس المرأة البرقع، أو تلبس اللثام، أو يغطي الرجل وجهه، فهذا مكروه إلا لحاجة، كما لو كان مريضاً ويخشى من زيادة مرضه.

وأما غير المعذور فإن السنة أن يسجد الإنسان من غير حائل، وأن يظهر وجهه كما كان صلى الله عليه وسلم يصنع، ولم ينقل واحد من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغطي وجهه، ولو ثبت ولو بدليل ضعيف لنقل، ولما لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغطي وجهه دل ذلك على أن السنة هو عدم التغطية.

وأما ما جاء في الحديث الذي يرويه الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه )، فإن الحديث ضعيف، ولكن العمل عليه عند أهل العلم كما ذكر ذلك الترمذي و الخطابي ؛ لأن المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ووجه ظاهر، وعلى هذا فيكره للإنسان أن يتلثم من غير حاجة، وأما الصلاة فهي صحيحة بإجماع أهل العلم.

كفت الثوب

الشيخ: كذلك مما نهي عنه في الصلاة: أن يكفت الإنسان الثوب.

والمعنى كفت الثوب والكم، مثل: أن يكفت ثوبه أو يكفت كمه، فإن السنة ألا يكفتهما؛ لأنه إذا سجد فوقع شيء من ثوبه أجر على ذلك.

ومن ذلك أيضاً: أن يرفع ثيابه ويربطها بحزام، أو يأخذ الثوب من الوسط ثم يربطه، مثل ما يفعله الشباب حال اللعب، فنقول: السنة أن يرخي ثيابه، ولا يكفت ثوباً ولا شعراً، وهذا مكروه عند جماهير أهل العلم، وهو ثابت في حديث ابن عباس كما في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نهينا أن نكفت الثوب والشعر )، وفي رواية: ( وألا نكفت ثوباً ولا شعراً )، يعني: أن هذا مما نهينا عنه.

أما المشالح التي توضع على الكتف، فأحياناً إذا أراد أن يسجد يأخذ بكميه ويضمهما إليه ويسجد، فالظاهر والله أعلم أن ذلك لا بأس به لأمور:

أولاً: لأن النهي هو أن يلبس اللبس خارج الأمر المعتاد، ولبس المشلح بهذه الطريقة هو الأمر المعتاد والسائد، ولو سجد من غير جمع لأدى ذلك إلى أذية من بجانبه.

ثانياً: أن العمامة تكفت عند لبسها، فهي جائزة؛ لأن لبسها هكذا، وعلى هذا فالذين يقومون بالوضوء ثم يصلون وهم قد لبسوا فإننا نقول: الأولى أن تزيلوا هذه الثياب التي كففتموها، وتصلون من غير كفت، وأما صلاة من كفت فهي جائزة؛ لما جاء من حديث أبي جحيفة عند البخاري ، قال: ( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء مشمراً )، قال بعض أهل العلم: التشمير هو رفع الثوب، وقال بعضهم: إن النبي عليه الصلاة والسلام رفع ثوبه، والصحيح والله أعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما رفع ثوبه مشمراً، يعني: أنه لم يكن مسبلاً، بل كان قد رفع -بأبي هو وأمي- ثوبه شيئاً قليلاً، وهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أحياناً يلبس الثوب الذي هو مرتفع، وأحياناً يلبس الثوب الذي يلبسه الناس في العادة، وهو أرفع من المنكبين كما كان الخلفاء الراشدون يصنعونه، كما قال أبو بكر : ( إلا أن ثوبي يسترخي )، وهذا يدل على أن أبا بكر كان غير مشمر، وهذا يدل على جواز ذلك.

ومما يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام ليس ذلك لبسه دائماً ما جاء في حديث عمران بن حصين : ( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر إزاره )، فكونه خرج يجر إزاره دليل على أن الإزار فيه نوع من الاسترخاء؛ لكنه لم يشده على حقوه، بأبي هو وأمي، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس أحياناً الثياب التي هي قريبة من الكعبين، ويلبس الثياب التي أعلى من الكعبين، لكنه -بأبي هو وأمي- لم يكن يلبس ثوباً مسبلاً، ولا قريباً من ذلك؛ عليه الصلاة والسلام.

إذا ثبت فهل السنة في الغترة في الصلاة أن يبقيها هكذا، أم أن يقول بها هكذا، أم يرفعها إلى الأعلى؟

نقول: الغترة لم تكن موجودة في عهد الصحابة، ولهذا فكل بلد يلبسونها على حسب اعتيادهم، فنقول: بعض مشايخنا يقول: السنة ألا يكفت الغترة، وهذا رأي شيخنا ابن باز وشيخنا محمد بن عثيمين يقول: إن صلى وقد كفت فلا حرج، لكنه إن صلى وقد أرخاها فلا يرفعها لأجل ألا ينشغل، وهذا قوي؛ لأن الغترة حكمها كحكم العمامة، والعمامة عادة ما يلبسها الناس مكفوتة، فهي على حسب العادة، لكن السنة هو عدم الانشغال في الصلاة.

ومع الأسف الشديد نلاحظ بعض الإخوة في الصلاة يبالغون في حركتهم، فمرةً يرفع غترته هكذا، ومرةً يرفعها هكذا، ومرةً يرفعها هكذا، ومرةً يتلثم، ومرةً يتلعثم، ومرةً يفعل ويفعل، كل ذلك بسبب أنه لم يدرك، ولهذا تسمع بعضهم حينما يقرأ الفاتحة يتلعثم فيها وهو وحده بسبب حركته، فهذا يدل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الحركة، وأن يكون كما أمر الله بذلك: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام، قال أهل العلم: فهذا يدل على أن الإنسان ينبغي أن يكون خاشعاً في صلاته ولا ينبغي له أن يتحرك.

الشيخ: إذا ثبت هذا فإن أهل العلم تحدثوا عما يكره لبسه في الصلاة.

فمما ذكروه: السدل في الصلاة، فإن جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة قالوا: يكره للإنسان أن يسدل في صلاته، على خلاف في تفسير السدل.

والأظهر في تفسير السدل هو أن يضع ثوبه على كتفيه، ثم يرخي طرفيه ولا يرفع الآخر، ويضع غترته مثلاً من الخلف، وهذا مثل الرداء يضعه هكذا، ويظهر شيء من بطنه، فهذا مكروه إذا قلنا: إنه لم يظهر شيء من عورته.

وقد فسره الإمام أحمد: أن يضع رداءه على كتفيه، ثم يسدلهما من غير أن يذهب بطرف على طرف، وقالوا: إن هذا مكروه؛ لورود الحديث في ذلك -والحديث سوف نتحدث عنه- ولأن ذلك من فعل اليهود، وهذا هو مذهب الحنابلة هذا التفسير الثاني للسدل.

وقال بعضهم: إن السدل هو إسبال الإزار، وهذا قول عند الشافعية، وهو قول لبعض الحنابلة كـالآمدي وغيره، وقد غلط أبو العباس بن تيمية هذا القول، وقال: إن تفسير السدل بالإسبال غلط، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم وهذا التفسير الثاني للسدل.

وأما التفسير الثالث للسدل: فهو أن يلتحف بردائه، ويداه داخل الرداء، بحيث يشق عليه أن يفك يديه، فيكون كالذي يصلي وهو معقوص -يعني مربوط- فهذه هي التفاسير الواردة في معنى السدل.

واعلم -رعاك ربي- أن جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة كرهوا الصلاة في السدل، قالوا: لما جاء في الحديث الذي رواه عسل بن سفيان ، و الحسن بن ذكوان، فيرويه عسل بن سفيان ، عن عطاء ، ويرويه الحسن بن ذكوان عن سليمان الأحول ، عن عطاء ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسدل الرجل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه )، وهذا حديث الحسن بن ذكوان ، ورواه عسل بن سفيان من غير ذكر الفم، إذاً يرويه عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة )، ورواه أيضاً أبو داود من حديث الحسن بن ذكوان ، عن سليمان الأحول ، عن عطاء ، عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه ).

والحديث بمجموع طرقه ضعيف؛ فإن عسل بن سفيان رجل ضعيف، و الحسن بن ذكوان ليس بالقوي، وقد ضعفه غير واحد من أهل العلم، فدل ذلك على أن النهي ضعيف.

وذهب مالك رحمه الله إلى أنه لا بأس أن يسدل الإنسان في صلاته، مثل: أن يضع رداءه على منكبيه ويسدلهما، وقال: رأيت أهل العلم يصنعونه، وكلهم قد رخص فيه. وقد روي عن ابن عمر وغيره، يقول ابن المنذر رحمه الله يقول: والكراهة والنهي لا يثبت إلا بدليل صحيح، ولا دليل على النهي.

والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن الأولى بالمصلي ألا يتشبه بفعل اليهود، ولكن هذه الأولوية إنما دخلت في عموم حديث ابن عمر : ( من تشبه بقوم فهو منهم )، فهو لم يقصد التشبه، ولكن وجود مثل هذه المحاكاة الأولى تركها، ولا نقول: إنه مكروه؛ لأن الكراهة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل شرعي؛ ولهذا نقول: الأولى بألا يصنع ذلك، وإن كان ليس ثمة حديث صحيح يصار إليه كما هو مذهب مالك ، وقد فعله ابن عمر رضي الله تعالى عن الجميع.

الشيخ: كذلك مما نهي عنه في الصلاة: اشتمال الصماء.

وقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبستين، واللبستان هما: اشتمال الصماء، وكذلك أن يحتبي في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء ).

قالوا: اشتمال الصماء هو أن يضطبع بأن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، ثم يضع طرفيه على منكبه الأيسر، ثم يأخذ الطرف الأدنى ثم يرفعه على منكبيه، قالوا: فإن ذلك منهي عنه خوفاً من كشف عورته.

قالوا: فلربما لو سجد ظهر شيء من عورته، وأما إذا كان قد لبس شيئاً على عورته، بحيث لا ينكشف شيء، فإن هذا لا يدل على الكراهة، وأنت ترى أن اشتمال الصماء النهي عنه ثابت، ولكن الراجح أنه لأجل الخوف من كشف العورة.

إذا ثبت هذا فإن النهي عن كشف العورة ليس مختصاً بالصلاة، بل هو في الصلاة وخارج الصلاة، لكن في الصلاة يجب على المصلي أن يحتاط ولا يخرج شيئاً من ذلك، فدل ذلك على أن اشتمال الصماء يختلف عن السدل في الصلاة؛ لأن السدل جاء النهي عنه في الصلاة، وأما اشتمال الصماء فإن النهي عنه في الصلاة وخارج الصلاة، كما هو في الاحتباء.

فقد نهي عن لبسة الاحتباء؛ وهي أن يلف على نفسه وليس على فرجه شيء، فربما لو ارتفع لخرج شيء من عورته، والواجب على المسلم أن يستر عورته إلا من زوجته أو ما ملكت يمينه، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه معاوية بن قرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إذا ثبت هذا فإن اشتمال الصماء مكروه إذا كان يؤدي إلى كشف العورة، وأما في الصلاة فواجب عليه أن يصلي ولا يكشف شيئاً من عورته، فاشتمال الصماء في الصلاة إذا كان سوف يؤدي في الغالب إلى كشف العورة فإنه حرام؛ لأنه يجب عليه أن يؤدي الصلاة بيقين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: كذلك مما نهي عنه في الصلاة: تغطية الوجه.

وتغطية الوجه كرهها جماهير أهل العلم، كأن تلبس المرأة البرقع، أو تلبس اللثام، أو يغطي الرجل وجهه، فهذا مكروه إلا لحاجة، كما لو كان مريضاً ويخشى من زيادة مرضه.

وأما غير المعذور فإن السنة أن يسجد الإنسان من غير حائل، وأن يظهر وجهه كما كان صلى الله عليه وسلم يصنع، ولم ينقل واحد من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغطي وجهه، ولو ثبت ولو بدليل ضعيف لنقل، ولما لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغطي وجهه دل ذلك على أن السنة هو عدم التغطية.

وأما ما جاء في الحديث الذي يرويه الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه )، فإن الحديث ضعيف، ولكن العمل عليه عند أهل العلم كما ذكر ذلك الترمذي و الخطابي ؛ لأن المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ووجه ظاهر، وعلى هذا فيكره للإنسان أن يتلثم من غير حاجة، وأما الصلاة فهي صحيحة بإجماع أهل العلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2585 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2563 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2441 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2391 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2350 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2240 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2238 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2187 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2114 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2094 استماع