فقه العبادات - الصلاة [7]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخوتي المشاهدين والمشاهدات! وحيهلا إلى درس جديد من دروس مسائل في الفقه، نتدارس هذا الباب من أبواب الصلاة، نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما جهلنا، وأن ينفعنا بما نسمع ونقول.

وكنا أيها الإخوة قد توقفنا عند بعض مسائل الوقت، وقلنا: إن أكثر أهل العلم على أن الوقت في بدايته أفضل من التأخير، على خلاف ما هو الوقت، هل هو وقت اختيار أم وقت ضرورة؟ أما إلى وقت الضرورة فإن أكثر أهل العلم على تحريم ذلك؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله تعالى فيها إلا قليلاً ).

واليوم أيها الإخوة سوف نتحدث عن مسائل تتعلق بالوقت، وهي قضاء الفوائت.

قضاء الفوائت المتروكة لعذر أو لغير عذر

الشيخ: المسائل التي تتعلق بقضاء الفوائت تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: قضاء الفائتة التي تركت لعذر.

القسم الثاني: قضاء الفائتة التي تركت من غير عذر.

أما الفائتة إذا تركت من غير عذر فإن عامة أهل العلم، بل حكى بعضهم الإجماع على وجوب قضائها، نقل الإجماع ابن المنذر ، ونقله الخطابي في بعض مسائل الصيام على أن الفرض ولو كان تركه عمداً يجب أن يقضى؛ لأن القضاء يحكي الأداء، هذا قول عامة أهل العلم.

وخالف في ذلك الحسن البصري ، وهو قول ابن حزم واختيار أبي العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع، وهو أن الإنسان إذا ترك الفائتة متعمداً حتى خرج وقتها فإنه لا ينفعه القضاء، وقد سبقت هذه المسألة في درس من دروسنا، وقلنا: إن الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم هو أنه يجب عليه أن يقضي؛ وذلك لأن القضاء يحكي الأداء، ولما جاء عند أهل السنن من حديث أبي هريرة ، وروي موقوفاً ومرفوعاً، وبعضهم يضعفه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فليقض )، فهذا الذي استقاء عمداً وجب عليه القضاء، وتقييد ذلك بالعذر محل نظر؛ لأن الشارع لم يذكر ذلك، فدل ذلك على أن القضاء يحكي الأداء.

أما القسم الثاني: وهو قضاء الفوائت لعذر، فقد أجمع أهل العلم على أن من نام عن صلاة أو تركها لعذر فإنه يجب عليه أن يقضيها.

واستدل العلماء على ذلك بالإجماع.

والدليل الآخر ما رواه البخاري من حديث أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك ).

الترتيب بين الفوائت في القضاء

الشيخ: وإذا كان قد وجب عليه أن يقضي الصلاة الفائتة، فإذا كان عليه فوائت كثيرة فهل يجب عليه الترتيب؟ فهذه هي المسألة الثانية، وهي: هل يجب الترتيب بين قضاء الفوائت أم لا يجب؟

اختلف العلماء في هذه المسألة، والراجح -والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم- هو قول عامة أهل العلم؛ أنه يجب عليه الترتيب، هذا هو مذهب أبي حنيفة و مالك و أحمد في المشهور عنهم، خلافاً للشافعي الذي قال: لا يجب الترتيب.

والراجح هو وجوب الترتيب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، ومعنى (حافظوا) هو المحافظة على أدائها كما أمر الله وكما أوجب، وهذا يدل على وجوب الترتيب.

ومن الأدلة على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ترك صلاة العصر حتى خرج وقتها في غزوة الأحزاب، فقال صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً، ثم صلى العصر، ثم صلى بعدها المغرب، فأنزل الله قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] ) يعني: أن تؤدوها في وقتها.

وقد جاء في صحيح مسلم من حديث جابر : ( أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله! والله ما كدت أن أصلي العصر إلا بعد أن كادت الشمس أن تغرب، فقال صلى الله عليه وسلم: فوالله إن صليتها -يعني ما صليتها- فصلى العصر، ثم صلى بعدها المغرب ).

قال أهل العلم: فذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالفائتة ولم يبدأ بالحاضرة، ولا شيء يدل عليه هذا إلا وجوب الترتيب.

وأما الحديث الذي رواه النسائي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب، ثم صلى بعدها العصر )، فهذا حديث ضعيف؛ وذلك لأن القصة لا يمكن أن تتكرر، فغزوة الأحزاب واحدة، وترك صلاة العصر إلى وقت صلاة المغرب وقع مرة واحدة، فلا بد أن تكون رواية البخاري و مسلم أصح من رواية النسائي ، وقد أجمع أهل العلم على أن ما في البخاري و مسلم هو حديث صحيح، إلا أحرفاً يسيرة تكلم فيها أهل العلم ليست داخلة في محل الإجماع، فدل ذلك على أن الترتيب بين الفوائت واجب.

الشيخ: المسائل التي تتعلق بقضاء الفوائت تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: قضاء الفائتة التي تركت لعذر.

القسم الثاني: قضاء الفائتة التي تركت من غير عذر.

أما الفائتة إذا تركت من غير عذر فإن عامة أهل العلم، بل حكى بعضهم الإجماع على وجوب قضائها، نقل الإجماع ابن المنذر ، ونقله الخطابي في بعض مسائل الصيام على أن الفرض ولو كان تركه عمداً يجب أن يقضى؛ لأن القضاء يحكي الأداء، هذا قول عامة أهل العلم.

وخالف في ذلك الحسن البصري ، وهو قول ابن حزم واختيار أبي العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع، وهو أن الإنسان إذا ترك الفائتة متعمداً حتى خرج وقتها فإنه لا ينفعه القضاء، وقد سبقت هذه المسألة في درس من دروسنا، وقلنا: إن الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم هو أنه يجب عليه أن يقضي؛ وذلك لأن القضاء يحكي الأداء، ولما جاء عند أهل السنن من حديث أبي هريرة ، وروي موقوفاً ومرفوعاً، وبعضهم يضعفه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فليقض )، فهذا الذي استقاء عمداً وجب عليه القضاء، وتقييد ذلك بالعذر محل نظر؛ لأن الشارع لم يذكر ذلك، فدل ذلك على أن القضاء يحكي الأداء.

أما القسم الثاني: وهو قضاء الفوائت لعذر، فقد أجمع أهل العلم على أن من نام عن صلاة أو تركها لعذر فإنه يجب عليه أن يقضيها.

واستدل العلماء على ذلك بالإجماع.

والدليل الآخر ما رواه البخاري من حديث أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك ).

الشيخ: وإذا كان قد وجب عليه أن يقضي الصلاة الفائتة، فإذا كان عليه فوائت كثيرة فهل يجب عليه الترتيب؟ فهذه هي المسألة الثانية، وهي: هل يجب الترتيب بين قضاء الفوائت أم لا يجب؟

اختلف العلماء في هذه المسألة، والراجح -والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم- هو قول عامة أهل العلم؛ أنه يجب عليه الترتيب، هذا هو مذهب أبي حنيفة و مالك و أحمد في المشهور عنهم، خلافاً للشافعي الذي قال: لا يجب الترتيب.

والراجح هو وجوب الترتيب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، ومعنى (حافظوا) هو المحافظة على أدائها كما أمر الله وكما أوجب، وهذا يدل على وجوب الترتيب.

ومن الأدلة على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ترك صلاة العصر حتى خرج وقتها في غزوة الأحزاب، فقال صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً، ثم صلى العصر، ثم صلى بعدها المغرب، فأنزل الله قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] ) يعني: أن تؤدوها في وقتها.

وقد جاء في صحيح مسلم من حديث جابر : ( أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله! والله ما كدت أن أصلي العصر إلا بعد أن كادت الشمس أن تغرب، فقال صلى الله عليه وسلم: فوالله إن صليتها -يعني ما صليتها- فصلى العصر، ثم صلى بعدها المغرب ).

قال أهل العلم: فذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالفائتة ولم يبدأ بالحاضرة، ولا شيء يدل عليه هذا إلا وجوب الترتيب.

وأما الحديث الذي رواه النسائي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب، ثم صلى بعدها العصر )، فهذا حديث ضعيف؛ وذلك لأن القصة لا يمكن أن تتكرر، فغزوة الأحزاب واحدة، وترك صلاة العصر إلى وقت صلاة المغرب وقع مرة واحدة، فلا بد أن تكون رواية البخاري و مسلم أصح من رواية النسائي ، وقد أجمع أهل العلم على أن ما في البخاري و مسلم هو حديث صحيح، إلا أحرفاً يسيرة تكلم فيها أهل العلم ليست داخلة في محل الإجماع، فدل ذلك على أن الترتيب بين الفوائت واجب.

الشيخ: ذكر أهل العلم أنه يسقط الترتيب بين الفوائت لعذر، وهذا قول أكثر أهل العلم، بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك.

ثم اختلف أهل العلم: ما هي الأعذار التي يجوز فيها ترك الترتيب؟

ومما يدل على سقوط الترتيب بالعذر قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، والحديث رواه ابن حبان ، و الحاكم ، و البيهقي ، وصححه ابن حبان ، وأشار الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم إلى أن إسناده جيد، وهذا عام في الصلوات وفي غيرها، فدل ذلك على أن المعذور معفو عنه، على خلاف بين أهل العلم.

إذا ثبت هذا فإن الذي يظهر لنا -والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم- أن الأعذار ستة تقريباً.

النسيان

الشيخ: أول الأعذار: النسيان، فإذا قام الإنسان من النوم ظاناً أنه قد صلى الفجر، ثم حضرت صلاة الظهر، فصلى الظهر، حتى خرج وقت صلاة الظهر، فتذكر بعد صلاة العصر أنه لم يصل الفجر، فهل تصح صلاته ويسقط الترتيب؟ نقول: نعم، يسقط الترتيب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، فدل ذلك على أن النسيان عذر يباح فيه ترك الترتيب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، سواء كانت هذه فائتة مسبوقة، أو فائتة ليست بمسبوقة، فدل ذلك على أن النسيان عذر، وهذا قول أكثر أهل العلم.

ثم إن النسيان يشمل ما إذا أدى الحاضرة، ثم تذكر وهو ما زال في وقت الحاضرة وهذا لا يخلو من حالين:

الحالة الأولى: صلى العصر وهو ما زال في وقت العصر، ثم تذكر بعد ذلك أنه لم يصل الظهر، فإن أكثر أهل العلم يقولون: إن ذلك يجزئه خلافاً لـمالك و أحمد في رواية.

قالوا: لأن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين، فقد أدى صلاة العصر في وقتها، ولم يعلم بأن عليه صلاة الظهر، فإذا تذكر صلى الظهر ويسقط في حقه الترتيب.

فأما مالك فقال: إن كان وقت الحاضرة ما زال قائماً فإنه يلزمه أن يعيد الحاضرة بعدما يقضي الفائتة، فيصلي الظهر، ثم يصلي العصر، والراجح أن ذلك لا يجب، فإن فعل فحسن.

الحالة الثانية: أن يتذكر وهو في الصلاة، مثل أن يكبر لصلاة العصر وهو لم يعلم أن عليه فائتة ثم تذكر أثناء الصلاة، فما الذي يجب عليه؟

الراجح -والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم- أنه معذور في هذه الحال؛ لأنه دخل في هذه الصلاة بيقين، والقاعدة: أن استصحاب الإجماع قائم حتى يؤدي تلك الصلاة، ولا يلزمه الإعادة، فجاز له أن يصلي حينما كان جاهلاً أو ناسياً، وهذا هو مذهب ابن حزم ، ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وهو مذهب الشافعي الذي لا يرى وجوب الترتيب، لكن الأحوط هو أن يصلي الحاضرة على أنها نافلة، وهذا هو قول أحمد في رواية، وهو مذهب مالك ، قال: يقلبها نفلاً، ثم يصلي الفائتة، ثم بعد ذلك يصلي الحاضرة، فهذا على سبيل الاحتياط.

وأما على سبيل الوجوب فإنه لا يجب عليه، وقد ذكره أبو العباس بن تيمية ونسبه لأكثر أهل العلم، والواقع أن هذه النسخة وهي المجلد الثالث والعشرون أو الثاني والعشرون من الفتاوى فيه سقط، وإلا فإن أبا العباس ذكر الخلاف قبل ذلك، وهذا هو الذي يظهر والله أعلم، أنه إذا صلى وتذكر أن عليه الفائتة وهو في الصلاة أن الأرجح من حيث الدليل والقوة أنه يتم هذه الصلاة التي بدأها، ثم يقضي الفائتة، ولا يلزمه إعادة ذلك؛ لأنه بدأ الصلاة وهو ناس للفائتة، فيجب أن يستصحب ذلك الإجماع وهو بداية الصلاة، والله أعلم.

الجهل

الشيخ: العذر الثاني: الجهل، وهذا قول جمهور أهل العلم خلافاً للمذهب عند الحنابلة؛ فإن الحنابلة لا يرون الجهل عذراً، والراجح أن الجهل والنسيان قرينان في كتاب الله، وفي سنة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام.

ومما يدل على ذلك أن في آخر سورة البقرة كما في صحيح مسلم : ( أن الله سبحانه وتعالى قال عندما قرأ صلى الله عليه وسلم: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلت )، والنسيان معلوم، والخطأ معلوم، وفرق بين الخاطئ والمخطئ، فالخاطئ هو المتعمد، وأما المخطئ فهو الذي فعل ذلك عن جهل، وهذا هو المراد.

ومما يدل على ذلك أيضاً من السنة قوله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان )، والخطأ هو الوقوع في الجهل، فجعلهما قرينين في الحكم، وهذا هو الراجح -والله أعلم- خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة.

خشية فوت الحاضرة

الشيخ: العذر الثالث: خشية فوت الحاضرة.

هذا هو قول أكثر أهل العلم، فقد حكى ابن رجب أن خشية فوت الحاضرة عذر يبيح له ترك الترتيب، مثال ذلك: أن يقوم لصلاة العصر في آخر وقتها، وهو لم يصل الظهر ولم يصل العصر، فهذا الآن أدرك آخر وقت الحاضرة، فإن جماهير أهل العلم يقولون: يصلي الحاضرة، ثم يصلي بعدها الفائتة، قالوا: لأن الوقت إذا ضاق فإنه يؤدي ما حضر، ولو كان ما فات قائماً في ذمته، قالوا: فمن ترك رمضان حتى جاء رمضان الثاني، فإن الواجب في حقه أن يؤدي صوم رمضان الحاضر، ثم يقضي الأول، هذا الدليل الأول.

الدليل الثاني: قالوا ولأننا لو أوجبنا عليه أن يقضي الفائتة، ثم يقضي بعدها الحاضرة لأدى ذلك إلى أن تكون الصلاتان فائتتين، فالقاعدة أنه إذا تعارض مفسدتان قدم أدناهما، والأدنى هنا هي ترك الترتيب، لئلا يؤدي إلى فوت الصلاتين، وهذا كما قلت هو قول أكثر أهل العلم.

خشية فوت الجمعة

الشيخ: العذر الرابع: خشية فوت الجمعة.

فإنه من المعلوم أن الجمعة فرض الوقت، بمعنى: أنها لا يجوز قضاؤها في غير وقتها، فلا يجوز أن تفعل إلا في وقت معروف، وإذا سلم الإمام فإنها لا تقضى، بل تصلى ظهراً كما هو معلوم.

فإذا جاء الإنسان إلى صلاة الجمعة والإمام يصلي وهو لم يصل صلاة الفجر، فإن كان يستطيع أن يصلي الفجر وحده ثم يدرك الإمام ولو في الركعة الثانية فإنه يصليها، وأما إذا خشي أن تفوت صلاة الجمعة، مثل أن يأتي والإمام رافع رأسه من الركوع الأول، أو قائم إلى الركعة الثانية، وهو لو صلى وحده لما استطاع أن يدرك الجمعة، فإن الترتيب حينئذ يسقط؛ لأن الجمعة فرض الوقت.

وعلى هذا فإذا جاء والإمام يصلي الجمعة وهو لم يصل الفجر، فإننا نقول له: صل الجمعة، ثم صل بعدها الفجر؛ لأن الجمعة فرض الوقت، ويخشى أن تترك صلاة الجمعة من غير عذر، بخلاف الصلاة العادية، فإذا جئت فيمكن أن تدرك؛ لأن الوقت متسع.

كثرة الفوائت بحيث تخرج عن الضبط

الشيخ: العذر الخامس: ذكره بعض أهل العلم قالوا: إذا كثرت الفوائت، مثل الإنسان الجاهل الذي وقع في حادث ولم يصل، وهو لم يكن مغمى عليه، فهو ترك ذلك تفريطاً أو جهلاً فإنه مأمور أن يقضيها؛ لأنه أولاً لم يتركها عمداً، وإنما تركها عن جهل! هذا القضاء أحياناً يشكل عليه من حيث الترتيب، فهو يقول: أنا أصلي كل صلاة العصر، فأقول: علي خمس صلوات فأصلي العصر حتى أضبط، فلو صلى بالترتيب لجهل أو نسي أو أخل أو يكون فيه عدم انضباط، فذهب أبو حنيفة و مالك و أحمد في إحدى روايتيه -وهو مذهب الشافعي لأنه لا يرى الترتيب- أن ذلك معذور، وهذا قوي، لكن إن كان قادراً على معرفة الترتيب فإنه يجب عليه ولو كثرت، وأما إذا كان يجهل أو ينسى أو تحصل عليه غفلة فلا حرج عليه في ذلك إذا كثرت الفوائت.

خشية فوت الجماعة

الشيخ: العذر السادس: خشية فوت الجماعة.

ذكره الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه الله، قال: إذا جاء المصلي والإمام في الجماعة الحاضرة، وهو لم يصل التي قبلها، مثل ما لو جاء والإمام يصلي العشاء وهو لم يصل المغرب، فهل يسقط الترتيب لأجل الجماعة أم لا؟

أعيد: لو أنه لم يصل المغرب، ثم جاء المسجد والإمام يصلي العشاء، فهل يجب أن يدخل معه بنية المغرب، أم يجوز له ترك الترتيب، ويدخل لأجل الحظوة بالجماعة؟

أقول: في المسألة خلاف، فذهب عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن الترتيب لا يسقط لأجل فوت الجماعة، وهذا القول أرجح، قالوا: الدليل على ذلك أنه ليست الحاضرة أولى بالجماعة من الفائتة؛ لأننا إذا جوزنا اختلاف نية المأموم عن الإمام، بأن يصلي بنية الظهر والإمام يصلي بنية العصر، أو يصلي بنية المغرب، والإمام يصلي بنية العشاء، فإذا كان يجوز اختلاف النيتين وهو اختيار ابن تيمية ، فيدخل مع الإمام بنية المغرب، ويدرك بذلك صلاة الجماعة في المغرب، فنقول: ليست الصلاة الثانية بأولى بالجماعة من الأولى.

وهذا هو الراجح.

وإن جاء والإمام يصلي العشاء فصلى المغرب وحده، ثم دخل مع الإمام كيفما أدرك فهذا أيضاً جائز، وهو مذهب الحنابلة والمالكية، ولكن الأفضل أن يدخل مع الإمام؛ لأن اختلاف نية الإمام عن المأموم جائزة، وهو مذهب الشافعي ، واختيار أبي العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع.

إذا ثبت هذا فإن الجماعة للفائتة تسن، هذا مذهب عامة أهل العلم، خلافاً للحنابلة في رواية حيث قالوا بوجوب الجماعة، و الليث بن سعد الذي قال باستحباب الانفراد.

والراجح أن الجماعة تسن، والدليل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة في قصة نوم النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس وارتفعت، قال أبو قتادة : ( فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يصنع كل يوم )، والذي يصنع كل يوم في الصلاة هو الجماعة، فدل ذلك على استحباب الجماعة، والله أعلم.

والقول بالوجوب قوي؛ لأن القضاء يحكي الأداء، لكن ذلك لا يجب؛ لأن الوجوب في الجماعة إنما وردت أدلتها في الحاضرة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2580 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2561 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2438 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2389 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2348 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2238 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2235 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2185 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2112 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2091 استماع