فقه العبادات - الطهارة [11]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الإخوة والأخوات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسعد وإياكم في أن نتذاكر مسائل في الفقه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياكم على طاعته.

نذكر هذه المسائل مبينين أقوال أهل العلم المشهورة مع ذكر الدليل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويفقهنا في الدين، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

أيها الإخوة والأخوات! سوف نذكر في هذا اللقاء بإذن الله آخر مسائل المسح على الخفين، ثم ندلف بإذن الله سبحانه وتعالى إلى شرح نواقض الوضوء، وكنا أيها الإخوة والأخوات قد توقفنا عند بعض المسائل لم نذكرها، ولعلنا نذكر هذه المسائل مبينة فيها الأدلة!

هناك مسألة سبق أن طرحناها ونذكرها على عجل، وهي مسألة ابتداء مدة المسح، ذكرنا أن المسألة على قولين، وقلنا:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المسح إنما يبدأ من أول حدث بعد لبس.

والقول الثاني في المسألة: هو رواية عند الإمام أحمد وهو مذهب ابن حزم ، واختيار ابن المنذر ، وكذلك قواه النووي: أن المدة تبدأ من أول مسح بعد حدث؛ وذلك لأن الألفاظ الشرعية التي بينت مدة المسح إنما علقتها بلفظ المسح، ولفظ المسح إنما يدل على وجوده، ولهذا قال عمر رضي الله عنه كما روى عبد الرزاق في مصنفه وغيره: يمسح إلى مثل ساعته من ليلته ويومه، فهذا يدل على أنه إنما تبدأ المدة من حين أن يمسح، وهذا كما قلنا: هو الراجح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: أما المسألة الثانية التي سوف نطرحها إن شاء الله: فهي مبطلات المسح على الخفين.

اختلف العلماء في مبطلات المسح على الخفين فوق مبطلات الوضوء، فكل مبطل في الوضوء فهو مبطل للمسح على الخفين، إلا أن المسح على الخفين يزيد بعض الأشياء التي اختلف العلماء فيها، ومن ذلك انتهاء مدة المسح هل ينقض الوضوء أم لا ينقض الوضوء؟ وكذلك خلع الخفين هل يبطل الطهارة، ويبطل المسح أم لا؟ فهما مسألتان:

انقضاء مدة المسح

الشيخ: المسألة الأولى: وهي مسألة انقضاء المدة: فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه بانتهاء مدة المسح ينتهي الوضوء، فلو أن إنساناً مسح الساعة الثانية عشرة ظهراً من يوم الجمعة، فعلى هذا القول إذا جاءت الساعة الثانية عشرة من يوم السبت فإنه يكون الإنسان قد نقض وضوءه، ولو كان قد توضأ قبل ذلك بعشر دقائق أو بنصف ساعة، فإن وجود الطهارة لا ينفع؛ لأن مدة المسح قد انتهت.

قالوا: فكما أن الرخصة إذا زالت زال حكمها كالماء إذا وجد مع وجود التيمم، فكذلك الرخص إذا وجد فيها المبدل فإن البدل يكون لاغياً، فهذا يدل على أن انقضاء المدة يكون بها انقضاء الوضوء.

والقول الثاني في المسألة: وهو مذهب طائفة من السلف كـالنخعي و عطاء و الحسن وهو مذهب الظاهرية، ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله: أن انتهاء المدة شيء، وانقضاء الوضوء شيء آخر، فقالوا: إن المدة إذا انتهت والإنسان ما زال طاهراً فإن له أن يصلي بهذا الطهور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم على المسح، وعلى انتهاء مدة المسح، وقالوا: إن انتهاء مدة المسح شيء، وانقضاء الطهارة شيء آخر، فدل ذلك على أن الطهارة ثبتت بيقين، فلا تزول إلا بيقين، واليقين ليس فيه إلا الإجماع أو النص، وليس ثمة إجماع ولا نص، فنبقي الأمر على الطهارة، وهذا القول قوي بلا شك، لا من حيث النظر، ولا من حيث عدم وجود الدليل، إلا أن في مثل هذه المسائل -أعني المسح على الخفين- الأحوط بالإنسان أن يبرأ لنفسه، وأن يخرج من عهدة الطلب بيقين، وذلك بأن يتوضأ، فإن رأى أن الوضوء يشق عليه أو أنه في سفر ولا يحتاج إلى ذلك فإن القول بأن الطهارة باقية قول قوي، هذه المسألة الأولى.

خلع الخف

الشيخ: المسألة الثانية: وهي بطلان الوضوء والمسح على الخفين بخلعهما.

الواقع أن هذه المسألة نستطيع أن نقول منها: إذا خلع الإنسان خفيه ولم يغسل رجليه فإن الأئمة الأربعة متفقون على أنه لا يسوغ له أن يصلي بالوضوء الذي قد توضأ قبل ذلك.

فلو افترضنا أن شخصاً توضأ ومسح على خفيه، ثم بعد ذلك خلع، وكان هذا المسح حدث، فهل ينقض وضوءه أم لا؟

ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه إذا لم يغسل رجليه فإنه لا يصح له أن يصلي بهذا الوضوء السابق، إلا أن أحمد و الشافعي قالا: إنه من حين خلع الخف ينتقض وضوءه، وقال مالك : إن خلع فغسل رجليه مباشرة جاز أن يصلي، وقال أبو حنيفة : إن خلع وأراد أن يصلي فلا بد أن يغسل رجليه، أما إذا لم يغسل رجليه فلا يصح أن يصلي.

وسبب الخلاف بينهما هي مسألة الموالاة في الطهارة، وذكرنا الخلاف في الموالاة في الطهارة وقلنا: الراجح أنه يجب الموالاة في الطهارة، وقلنا: إن هذا هو مذهب المالكية والحنابلة إلا إذا كان هناك حاجة.

وقلنا: إن حديث الرجل الذي توضأ فترك موضع ظفر أو قدر الدرهم لم يصبه الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء، يدل على أن الموالاة واجبة، وعلى هذا فإن الذي يظهر -والله أعلم- أن المسألة صارت على أربعة أقوال:

القول الأول: أنه يبطل الوضوء من حين الخلع.

والقول الثاني: وهو مذهب مالك : أنه إن خلع فغسل رجليه فله أن يصلي، وإن تأخر فلا يصح وضوءه.

والقول الثالث: قول أبي حنيفة ، وهو أنه إن أراد أن يصلي فلا بد أن يغسل رجليه.

والقول الرابع في المسألة: هو مذهب الظاهرية، واختيار أبي العباس بن تيمية، وروي عن علي رضي الله عنه، وهو قول النخعي و الحسن : أن من خلع خفيه وهو طاهر فإن خلع الخف لا يعد ناقضاً ولا مبطلاً للطهارة، وهذا كما قلت هو مذهب ابن حزم ، وهو قول الحسن و النخعي ، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمهم الله جميعاً، قالوا: إن الطهارة ثبتت بيقين، ولا يبطل هذا الوضوء إلا بيقين، واليقين إنما هو نص أو إجماع، ولا نص ولا إجماع، فدل ذلك على بقاء الطهارة.

واستدلوا أيضاً بما صح عن علي بن أبي طالب كما روى البيهقي وصححه أن علياً رضي الله عنه أراد أن يتوضأ، فتوضأ ومسح النعلين، ثم خلعهما فصلى، قالوا: لأن هذا فعل صحابي، ولم يأت ما يخالفه، فكان شبه إجماع.

والجواب على هذا أن نقول: أما ما جاء عن علي رضي الله عنه فإنما مسح على النعلين، وهي مسألة معروفة في باب الخلاف، فأنتم لا تقولون بالمسح على النعلين، و علي إنما مسح هنا بمعنى: غسل، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، بمعنى أنه أبقى رجله في نعليه، وبدأ يمسح حتى صارت مثل الغسل، وبالتالي فإن نزع النعلين هنا ليست مثل نزع الخف الذي هو ممسوح؛ ولكن علياً مسح النعلين فصار هذا المسح بمثابة الغسل، فلا يمكن الاحتجاج بهذه المسألة التي نحن بصدد البحث فيها، وبالتالي فإن الاحتجاج بفعل علي محل نظر.

وأما رواية: (مسح على خفيه)، فهي رواية منكرة، والصحيح أن المقصود بمسح النعلين، يعني: غسل النعلين، مع أن رواية المسح في النعلين تكلم فيها الحفاظ، هذا واحد.

الثاني: أنكم تقولون: إن الطهارة ثبتت بيقين، ولا تبطل إلا بيقين، قلنا: فالجواب أن اليقين لا يلزم منه وجود نص أو إجماع، بدليل أنكم تقولون: لو أن شخصاً خلع إحدى خفيه ثم أعادها، فلا يسوغ له أن يمسح، قلنا: ما الدليل على ذلك وقد خلع خفاً واحدة؟ فإذا قلتم: لأنه خلع، قلنا: لأنه خلع لم تجيزوا له أن يمسح، فكذلك إذا خلع لم نجز له أن يبقى على طهارته، وهذا يدل على أنه ليس كل ما جاء في المسألة من دليل عقلي أن نرده، فإن ابن حزم رحمه الله لا يرى القياس، ولا يرى الأخذ بالعموم الشمولي، ولكن الراجح والله أعلم الأخذ بالتعليل وبالقياس إذا كان بنفي الفارق، أو بقياس العلة وإن كان قياس العلة لا يحتج به في العبادات، ولكن يحتج بقياس نفي الفارق، والله تبارك وتعالى أعلم.

فالذي يظهر والله أعلم أن خلع الخف أو الجورب ينقض الوضوء، وهذا أظهر وهو أحوط، لأننا نقول: لو خلع إحدى خفيه فلا يسوغ له أن يمسح، فكذلك لا يسوغ له أن يبقى على طهارته، فدل ذلك على أن الخف إنما بقي على طهارة مسح، فإذا خلع خفه فإن الواجب بعد ذلك هو غسل الرجلين، وحيث إن الرجلين قد جفت كبقية الأعضاء فلا يسوغ له أن يغسلهما؛ لأن الموالاة شرط، ولا موالاة، فدل ذلك على صحة مذهب الشافعية، وهو أن الإنسان إذا خلع خفيه فإن طهارته تبطل، والله تبارك وتعالى أعلم.

الشيخ: المسألة الأولى: وهي مسألة انقضاء المدة: فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه بانتهاء مدة المسح ينتهي الوضوء، فلو أن إنساناً مسح الساعة الثانية عشرة ظهراً من يوم الجمعة، فعلى هذا القول إذا جاءت الساعة الثانية عشرة من يوم السبت فإنه يكون الإنسان قد نقض وضوءه، ولو كان قد توضأ قبل ذلك بعشر دقائق أو بنصف ساعة، فإن وجود الطهارة لا ينفع؛ لأن مدة المسح قد انتهت.

قالوا: فكما أن الرخصة إذا زالت زال حكمها كالماء إذا وجد مع وجود التيمم، فكذلك الرخص إذا وجد فيها المبدل فإن البدل يكون لاغياً، فهذا يدل على أن انقضاء المدة يكون بها انقضاء الوضوء.

والقول الثاني في المسألة: وهو مذهب طائفة من السلف كـالنخعي و عطاء و الحسن وهو مذهب الظاهرية، ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله: أن انتهاء المدة شيء، وانقضاء الوضوء شيء آخر، فقالوا: إن المدة إذا انتهت والإنسان ما زال طاهراً فإن له أن يصلي بهذا الطهور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم على المسح، وعلى انتهاء مدة المسح، وقالوا: إن انتهاء مدة المسح شيء، وانقضاء الطهارة شيء آخر، فدل ذلك على أن الطهارة ثبتت بيقين، فلا تزول إلا بيقين، واليقين ليس فيه إلا الإجماع أو النص، وليس ثمة إجماع ولا نص، فنبقي الأمر على الطهارة، وهذا القول قوي بلا شك، لا من حيث النظر، ولا من حيث عدم وجود الدليل، إلا أن في مثل هذه المسائل -أعني المسح على الخفين- الأحوط بالإنسان أن يبرأ لنفسه، وأن يخرج من عهدة الطلب بيقين، وذلك بأن يتوضأ، فإن رأى أن الوضوء يشق عليه أو أنه في سفر ولا يحتاج إلى ذلك فإن القول بأن الطهارة باقية قول قوي، هذه المسألة الأولى.

الشيخ: المسألة الثانية: وهي بطلان الوضوء والمسح على الخفين بخلعهما.

الواقع أن هذه المسألة نستطيع أن نقول منها: إذا خلع الإنسان خفيه ولم يغسل رجليه فإن الأئمة الأربعة متفقون على أنه لا يسوغ له أن يصلي بالوضوء الذي قد توضأ قبل ذلك.

فلو افترضنا أن شخصاً توضأ ومسح على خفيه، ثم بعد ذلك خلع، وكان هذا المسح حدث، فهل ينقض وضوءه أم لا؟

ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه إذا لم يغسل رجليه فإنه لا يصح له أن يصلي بهذا الوضوء السابق، إلا أن أحمد و الشافعي قالا: إنه من حين خلع الخف ينتقض وضوءه، وقال مالك : إن خلع فغسل رجليه مباشرة جاز أن يصلي، وقال أبو حنيفة : إن خلع وأراد أن يصلي فلا بد أن يغسل رجليه، أما إذا لم يغسل رجليه فلا يصح أن يصلي.

وسبب الخلاف بينهما هي مسألة الموالاة في الطهارة، وذكرنا الخلاف في الموالاة في الطهارة وقلنا: الراجح أنه يجب الموالاة في الطهارة، وقلنا: إن هذا هو مذهب المالكية والحنابلة إلا إذا كان هناك حاجة.

وقلنا: إن حديث الرجل الذي توضأ فترك موضع ظفر أو قدر الدرهم لم يصبه الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء، يدل على أن الموالاة واجبة، وعلى هذا فإن الذي يظهر -والله أعلم- أن المسألة صارت على أربعة أقوال:

القول الأول: أنه يبطل الوضوء من حين الخلع.

والقول الثاني: وهو مذهب مالك : أنه إن خلع فغسل رجليه فله أن يصلي، وإن تأخر فلا يصح وضوءه.

والقول الثالث: قول أبي حنيفة ، وهو أنه إن أراد أن يصلي فلا بد أن يغسل رجليه.

والقول الرابع في المسألة: هو مذهب الظاهرية، واختيار أبي العباس بن تيمية، وروي عن علي رضي الله عنه، وهو قول النخعي و الحسن : أن من خلع خفيه وهو طاهر فإن خلع الخف لا يعد ناقضاً ولا مبطلاً للطهارة، وهذا كما قلت هو مذهب ابن حزم ، وهو قول الحسن و النخعي ، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمهم الله جميعاً، قالوا: إن الطهارة ثبتت بيقين، ولا يبطل هذا الوضوء إلا بيقين، واليقين إنما هو نص أو إجماع، ولا نص ولا إجماع، فدل ذلك على بقاء الطهارة.

واستدلوا أيضاً بما صح عن علي بن أبي طالب كما روى البيهقي وصححه أن علياً رضي الله عنه أراد أن يتوضأ، فتوضأ ومسح النعلين، ثم خلعهما فصلى، قالوا: لأن هذا فعل صحابي، ولم يأت ما يخالفه، فكان شبه إجماع.

والجواب على هذا أن نقول: أما ما جاء عن علي رضي الله عنه فإنما مسح على النعلين، وهي مسألة معروفة في باب الخلاف، فأنتم لا تقولون بالمسح على النعلين، و علي إنما مسح هنا بمعنى: غسل، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، بمعنى أنه أبقى رجله في نعليه، وبدأ يمسح حتى صارت مثل الغسل، وبالتالي فإن نزع النعلين هنا ليست مثل نزع الخف الذي هو ممسوح؛ ولكن علياً مسح النعلين فصار هذا المسح بمثابة الغسل، فلا يمكن الاحتجاج بهذه المسألة التي نحن بصدد البحث فيها، وبالتالي فإن الاحتجاج بفعل علي محل نظر.

وأما رواية: (مسح على خفيه)، فهي رواية منكرة، والصحيح أن المقصود بمسح النعلين، يعني: غسل النعلين، مع أن رواية المسح في النعلين تكلم فيها الحفاظ، هذا واحد.

الثاني: أنكم تقولون: إن الطهارة ثبتت بيقين، ولا تبطل إلا بيقين، قلنا: فالجواب أن اليقين لا يلزم منه وجود نص أو إجماع، بدليل أنكم تقولون: لو أن شخصاً خلع إحدى خفيه ثم أعادها، فلا يسوغ له أن يمسح، قلنا: ما الدليل على ذلك وقد خلع خفاً واحدة؟ فإذا قلتم: لأنه خلع، قلنا: لأنه خلع لم تجيزوا له أن يمسح، فكذلك إذا خلع لم نجز له أن يبقى على طهارته، وهذا يدل على أنه ليس كل ما جاء في المسألة من دليل عقلي أن نرده، فإن ابن حزم رحمه الله لا يرى القياس، ولا يرى الأخذ بالعموم الشمولي، ولكن الراجح والله أعلم الأخذ بالتعليل وبالقياس إذا كان بنفي الفارق، أو بقياس العلة وإن كان قياس العلة لا يحتج به في العبادات، ولكن يحتج بقياس نفي الفارق، والله تبارك وتعالى أعلم.

فالذي يظهر والله أعلم أن خلع الخف أو الجورب ينقض الوضوء، وهذا أظهر وهو أحوط، لأننا نقول: لو خلع إحدى خفيه فلا يسوغ له أن يمسح، فكذلك لا يسوغ له أن يبقى على طهارته، فدل ذلك على أن الخف إنما بقي على طهارة مسح، فإذا خلع خفه فإن الواجب بعد ذلك هو غسل الرجلين، وحيث إن الرجلين قد جفت كبقية الأعضاء فلا يسوغ له أن يغسلهما؛ لأن الموالاة شرط، ولا موالاة، فدل ذلك على صحة مذهب الشافعية، وهو أن الإنسان إذا خلع خفيه فإن طهارته تبطل، والله تبارك وتعالى أعلم.

إذا مسح مقيماً ثم سافر أو العكس

الشيخ: المسألة الثالثة: لو مسح مسح مقيم ثم سافر، أو مسح مسح مسافر ثم أقام، فهذه صورتان:

الصورة الأولى: لو أنه مسح مسح مقيم ثم سافر قبل انتهاء مدة مسح المقيم، فقد اختلف العلماء، والراجح والله أعلم هو أن له أن يتم مسح مسافر، خلافاً للمشهور عند الحنابلة؛ وذلك لأنه داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان بن عسال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام بلياليهن )، وهذا الشخص الذي قد سافر قبل انقضاء المدة يشبه ما لو سافر ثم مسح، فدل ذلك على أن الصحيح أنه يصح أن يمسح مسح مسافر.

صورة المسألة: شخص مسح على خفيه بعد صلاة الظهر من يوم الجمعة، فلما كان عشاء يوم الجمعة سافر خارج بلدته، فلما أراد أن يمسح من الغد لصلاة العصر فإن المدة قد انتهت إذا كانت مدة مقيم، لكنه لما سافر في أثناء مدة الإقامة فإن له أن يمسح يومين؛ ليتم مدة المسافر في المسح، وهذا هو الراجح والله أعلم، وهو المذهب المعتمد عند الحنفية، وهو اختيار مشايخنا كشيخنا عبد العزيز بن باز ، وشيخنا محمد بن عثيمين ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الصورة الثانية: مسح مسح مسافر ثم أقام، فالجواب: أنه يعتمد على مسح مقيم، وعلى هذا فلو مسح مسافراً يوماً ونصف يوم ثم قدم بلدته، فإن مدة المسح تنتهي، وهذا محل إجماع عند أهل العلم ممن يقول بوجوب التوقيت، خلافاً للمالكية، فذهب عامة أهل العلم القائلين بأنه يجب تحديد المدة في المسح ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم إلى أنه إذا رجع إلى بلده بعد انتهاء مدة مسح يوم وليلة فإن وضوءه حينئذ يكون باطلاً، ويجب عليه أن يخلع الخف ويغسل رجليه بعد وضوء كامل، وهذا كما قلت: قال فيه ابن قدامة: بغير خلاف نعلمه، وحكى ابن المنذر إجماع أهل العلم ممن يرى التوقيت على ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

المسح في حق من لبس جوربين

الشيخ: وهناك مسألة تتكرر كثيراً، وهي: لو أن إنساناً لبس الجزمة -وهي التي تسميها العامة (الكنادر) وبعض الدول يسمونها (الشوز)، وهي لغة أجنبية- ثم أراد أن يتوضأ بعد الحدث وقد لبسهما على طهارة، فإذا أراد أن يمسح على الكنادر والجوارب خلع، فالراجح أن من خلع فلا يصح مسحه كما قلنا، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

ومن قال: إنه يصح، قالوا: يصلي بالجوارب، لكن إذا أراد أن يمسح مرة ثانية فقد ذهب عامة أهل العلم إلى أنه ليس له أن يمسح بعد ذلك؛ لأن الطهارة هنا طهارة مسح وليست طهارة غسل، أي لأنه مسح على خف ثم نزعه، فلا يسوغ له أن يمسح عليه مرة ثانية، وهذا قول عامة أهل العلم.

وعلى هذا فإذا كان وقت الشتاء فلبس الإنسان جورباً واحداً، ثم أحس ببرودة، ثم لبس عليه جورباً آخر، فهل له أن يمسح على الجورب الثاني الأعلى؟

ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه ليس له أن يمسح، قالوا: لأنه حينما أدخل الجورب الثاني إنما أدخله بطهارة مسح لا طهارة غسل، والرسول صلى الله عليه وسلم علق ذلك بقوله: ( إني أدخلتهما طاهرتين ) يعني: طهارة مائية، كما نقلنا عن عامة أهل العلم خلافاً لـأصبغ من المالكية.

وعلى هذا فالذين يريدون أن يلبسوا جورباً ثانياً فلا حرج عليهم، لكن إذا أرادوا أن يتوضئوا فليخلعوا الخف الأعلى ثم يمسحوا على الأدنى.

حكم طهارة من مسح على الجورب الأعلى ثم خلعه

الشيخ: وهناك صورة أخرى، وهي لو أن إنساناً غسل رجليه، ثم لبس جوربين، ثم مسح بعد حدث على الجورب الأعلى، فإذا خلع الجورب الأعلى، فهل تبقى طهارته أم لا؟

قلنا: إذا كان قد لبس خفيه وخلع الأعلى، فالذي يظهر والله أعلم أن هذا حكمه حكم الخف الذي له بطانة وظاهرة، وليس مثل الذي نزع خفه وبقي عضو الغسل الذي هو الرجل، فهذا الراجح أنه يبقى طاهراً، ولكن لا يسوغ له أن يمسح مرةً أخرى، والله أعلم.

لكن الأحوط في هذه الصورة أنه لا ينبغي له أن يمسح، وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: المسألة الثالثة: لو مسح مسح مقيم ثم سافر، أو مسح مسح مسافر ثم أقام، فهذه صورتان:

الصورة الأولى: لو أنه مسح مسح مقيم ثم سافر قبل انتهاء مدة مسح المقيم، فقد اختلف العلماء، والراجح والله أعلم هو أن له أن يتم مسح مسافر، خلافاً للمشهور عند الحنابلة؛ وذلك لأنه داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان بن عسال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام بلياليهن )، وهذا الشخص الذي قد سافر قبل انقضاء المدة يشبه ما لو سافر ثم مسح، فدل ذلك على أن الصحيح أنه يصح أن يمسح مسح مسافر.

صورة المسألة: شخص مسح على خفيه بعد صلاة الظهر من يوم الجمعة، فلما كان عشاء يوم الجمعة سافر خارج بلدته، فلما أراد أن يمسح من الغد لصلاة العصر فإن المدة قد انتهت إذا كانت مدة مقيم، لكنه لما سافر في أثناء مدة الإقامة فإن له أن يمسح يومين؛ ليتم مدة المسافر في المسح، وهذا هو الراجح والله أعلم، وهو المذهب المعتمد عند الحنفية، وهو اختيار مشايخنا كشيخنا عبد العزيز بن باز ، وشيخنا محمد بن عثيمين ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الصورة الثانية: مسح مسح مسافر ثم أقام، فالجواب: أنه يعتمد على مسح مقيم، وعلى هذا فلو مسح مسافراً يوماً ونصف يوم ثم قدم بلدته، فإن مدة المسح تنتهي، وهذا محل إجماع عند أهل العلم ممن يقول بوجوب التوقيت، خلافاً للمالكية، فذهب عامة أهل العلم القائلين بأنه يجب تحديد المدة في المسح ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم إلى أنه إذا رجع إلى بلده بعد انتهاء مدة مسح يوم وليلة فإن وضوءه حينئذ يكون باطلاً، ويجب عليه أن يخلع الخف ويغسل رجليه بعد وضوء كامل، وهذا كما قلت: قال فيه ابن قدامة: بغير خلاف نعلمه، وحكى ابن المنذر إجماع أهل العلم ممن يرى التوقيت على ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2580 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2561 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2438 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2389 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2348 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2238 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2235 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2185 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2112 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2091 استماع