خطب ومحاضرات
عمدة الفقه - كتاب الحدود [5]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نُضل، أو نزل أو نُزل، أو أن نظلم أو نُظلم، أو نجهل أو يُجهل علينا، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [ باب حد القذف: ومن رمى محصناً بالزنا أو شهد عليه به فلم تكمل الشهادة عليه جُلد ثمانين جلدة إذا طالب المقذوف، والمحصن هو الحر البالغ المسلم العاقل العفيف.
ويحد من قذف الملاعنة أو ولدها.
ومن قذف جماعة بكلمة واحدة فحد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم، فإن عفا بعضهم لم يسقط حق غيره ].
أدلة ثبوت حد القذف
وقد أجمع أهل العلم على وجوب الحد على من قذف المحصن وهو من وجدت فيه شروط خمسة أو أربعة على الخلاف الذي سوف نذكره إن شاء الله.
ما يشترط في المقذوف لإثبات حد القذف
أما الجمهور فقد قالوا: إنه يُشترط في المقذوف أن يكون حراً، واستدلوا على ذلك بأن قالوا: إن العبد إذا رُمي بالقذف فهو نقص في قيمته، وإلحاق المعرة عليه إنما هو بنقص القيمة وليس كالحر، ومثله مثل ما لو عيب السلعة للغير وهو كاذب، هذا تفريق الجمهور.
والشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله مشى على تأصيل الظاهرية، ورأى أن الأصل أن المكلف حراً كان أو عبداً مخاطب في التشريع ولا فرق فيه، حتى أنه رأى أن العبد لو حج صح حجه، كقول الظاهرية، والأقرب أن يقال: إن العبد كالحر ما لم يرد التفريق على لسان الشارع، وكون الشارع لم ينص هنا بالتفريق بين العبد والحر فهذا دليل على ألا فرق بينهم.
الشرط الثاني: أن يكون المقذوف مسلماً، فإن كان غير مسلم فلا يجب به حد القذف، لكن إذا كان ذمياً وطالب بسبب قذف المسلم له فإن المسلم يُعزر إن لم يُثبت ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن أهل الذمة لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فيبقى حق احترامه ما دام في موطن أهل الإسلام، أما أن يحد المسلم بسبب قذف الكافر فلا.
الشرط الثالث: أن يكون المقذوف بالغاً، فإن كان غير بالغ فلا يُحد القاذف، فالقاذف لو قذف صبياً غير بالغ فإنه لا يُحد؛ لأن الصبي غير مكلف، ولا يلحقه معرة كما تلحق الكبير. وهذا قول الحنابلة.
القول الثاني: قالوا: لا يشترط البلوغ؛ لأن الصبي غير البالغ يُتعير به -أي: بالزنا- مثله مثل الكبير، وعلى هذا قالوا: إن الصبي الذي من قذفه يحد هو الذي يمكن أن يُجامع مثله، وهو ابن عشر سنين فأكثر، فلو قذف شخص صبياً دون العاشرة فإنه لا يحد؛ لأنه يُعلم كذبه ولا يتعير به، لكن ابن العاشرة يُتعير به، ويمكن حصول الوطء منه، وهذا أقرب والله أعلم، وعلى هذا فيقال: المحصن هو الحر على قول عامة أهل العلم المسلم الذي يطأ مثله أو يوطأ مثلها.
الشرط الرابع: أن يكون المقذوف عاقلاً، فلو قذف مجنوناً بالزنا فإنه لا يُقام عليه حد القذف؛ لأن المجنون غير مكلف، ولا تلحقه معرة بذلك ولو حصل منه الزنا، فقالوا: يشترط أن يكون عاقلاً.
الشرط الخامس: أن يكون المقذوف عفيفاً، والعفيف الذي لا يخالط النساء، أما الذي لا يبالي أدخل على أهله رجل أم رجلان، وهذا هو الذي يسمى الديوث -عافانا الله وإياكم وجميع المسلمين- فلو قذف مثل هذا فإنه لا يقام عليه حد القذف؛ لأنه يشتهر منه ذلك، لكن قد يقال: أنه يُعزر، أما حد القذف فإن الجمهور يقولون: لا يقام عليه حد القذف.
إقامة حد القذف على من قذف المحصن بالزنا دون شهود
وأما إذا لم تكتمل الشهادة فإن العلماء أجمعوا على أن الشهود يقام عليهم حد القذف، وقلنا: لا يشترط أن يكون في مجلس واحد، والدليل على ذلك أن عمر رضي الله عنه حينما شهد أبو بكرة و نافع و شبل بن معبد على المغيرة ولم يشهد الرابع، وفي بعض الروايات كما رواه الطحاوي أنه قال عمر وقد صرخ به: ما عندك يا سلح العقاب؟ قال: والله يا أمير المؤمنين! ما رأيت إلا نفساً يعلو واستاً ينبو، ورأيت رجليها بين أذنيها كأنها أذنا حمار، يعني: ما شاهد أن الميل دخل في المكحلة، فقال عمر: الله أكبر! يعني: أنه ما رأى الزنا الذي يقال فيه: إن المرود دخل في المكحلة، فأقام عمر رضي الله عنه الحد على من شهد على المغيرة ، وقلنا: إنه لابد حين إقامة حد القذف من طلب المقذوف، فإن طلب المقذوف أُقيم وإلا فلا؛ لأنه فيه حق للعبد. والمحصن يقول المؤلف: (هو الحر البالغ المسلم العاقل العفيف)، كما مر معنا.
إقامة حد القذف على من قذف الملاعنة أو ولدها
وعلى هذا فلو لاعن الزوج زوجته ونفى الولد ثم لاعنت زوجها وحملت ووضعت، فيقول المؤلف: (ويُحد من قذف الملاعنة أو ولدها)، فلو جاءت به على نحو الذي زنى بها فلا يجوز حدها، ومن قذفها فإنه يحد، وكذلك ولدها لو قيل له: أنت ابن الزانية، فيحد القاذف أو يقال: فلانة زانية بدليل أن ولدها الذي جاء على نحو من قذفت به، ودليل ذلك ما رواه أبو داود بسند جيد أن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملاعنة ألا تُرمى ولا يُرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ).
حد من قذف جماعة بالزنا
وذهب ابن المنذر وهو رواية عن الإمام أحمد: أن لكل واحد حقاً، فلو جاء أصحاب الطائرة وهم ثلاثمائة كل واحد شهد عند القاضي فإنه يُجلد 80عن كل واحد حداً، يعني: مقدار حد القذف مضروباً في عددهم جلدة تُقسم عليه على كلام ابن المنذر.
واختار ابن قدامة أنه يُجلد مرة واحدة؛ لأننا علمنا أن كذبه ثابت، وهذا بخلاف ما لو رمى جماعة بغير كلمة واحدة، فقال: فلان زاني وفلان زاني وفلان زاني، هذا ليس بكلمة واحدة، أما إذا قال: فلان زاني، وفلان زاني، وفلان زاني، وفلان زاني، فإنه يُقام عليه حد القذف عن كل واحد؛ لأن التخصيص ليس كالتعميم، فإن طالبوا كلهم أقيم عليه الحد وإن طالب واحد منهم فإن الحد أيضاً يُقام عليه؛ لأن حقه هنا باقٍ، والله أعلم، ولهذا قال: (فإن عفا بعضهم لم يسقط حق غيره).
قول المؤلف رحمه الله: (باب حد القذف)، أولاً: القذف ثابت حكمه بالكتاب كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4]، وثابت بالسنة أيضاً كما في الصحيحين: حينما جلد النبي صلى الله عليه وسلم حمنة بنت جحش و حسان وغيرهم ممن قذف عائشة رضي الله عنها.
وقد أجمع أهل العلم على وجوب الحد على من قذف المحصن وهو من وجدت فيه شروط خمسة أو أربعة على الخلاف الذي سوف نذكره إن شاء الله.
الشرط الأول: يشترط في المقذوف أن يكون حراً، فلو قُذف العبد فإن عامة أهل العلم يقولون: لا يجب بسبب قذفه الحد، وقال الظاهرية وعلى رأسهم داود الظاهري: إن العبد والحر في هذا سواء؛ لأن العبد مُكلف، وتصله المعرة -يعني: العيب- كغيره، والتفريق لابد له من دليل صحيح وإلا فلا يعول على التفريق.
أما الجمهور فقد قالوا: إنه يُشترط في المقذوف أن يكون حراً، واستدلوا على ذلك بأن قالوا: إن العبد إذا رُمي بالقذف فهو نقص في قيمته، وإلحاق المعرة عليه إنما هو بنقص القيمة وليس كالحر، ومثله مثل ما لو عيب السلعة للغير وهو كاذب، هذا تفريق الجمهور.
والشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله مشى على تأصيل الظاهرية، ورأى أن الأصل أن المكلف حراً كان أو عبداً مخاطب في التشريع ولا فرق فيه، حتى أنه رأى أن العبد لو حج صح حجه، كقول الظاهرية، والأقرب أن يقال: إن العبد كالحر ما لم يرد التفريق على لسان الشارع، وكون الشارع لم ينص هنا بالتفريق بين العبد والحر فهذا دليل على ألا فرق بينهم.
الشرط الثاني: أن يكون المقذوف مسلماً، فإن كان غير مسلم فلا يجب به حد القذف، لكن إذا كان ذمياً وطالب بسبب قذف المسلم له فإن المسلم يُعزر إن لم يُثبت ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن أهل الذمة لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فيبقى حق احترامه ما دام في موطن أهل الإسلام، أما أن يحد المسلم بسبب قذف الكافر فلا.
الشرط الثالث: أن يكون المقذوف بالغاً، فإن كان غير بالغ فلا يُحد القاذف، فالقاذف لو قذف صبياً غير بالغ فإنه لا يُحد؛ لأن الصبي غير مكلف، ولا يلحقه معرة كما تلحق الكبير. وهذا قول الحنابلة.
القول الثاني: قالوا: لا يشترط البلوغ؛ لأن الصبي غير البالغ يُتعير به -أي: بالزنا- مثله مثل الكبير، وعلى هذا قالوا: إن الصبي الذي من قذفه يحد هو الذي يمكن أن يُجامع مثله، وهو ابن عشر سنين فأكثر، فلو قذف شخص صبياً دون العاشرة فإنه لا يحد؛ لأنه يُعلم كذبه ولا يتعير به، لكن ابن العاشرة يُتعير به، ويمكن حصول الوطء منه، وهذا أقرب والله أعلم، وعلى هذا فيقال: المحصن هو الحر على قول عامة أهل العلم المسلم الذي يطأ مثله أو يوطأ مثلها.
الشرط الرابع: أن يكون المقذوف عاقلاً، فلو قذف مجنوناً بالزنا فإنه لا يُقام عليه حد القذف؛ لأن المجنون غير مكلف، ولا تلحقه معرة بذلك ولو حصل منه الزنا، فقالوا: يشترط أن يكون عاقلاً.
الشرط الخامس: أن يكون المقذوف عفيفاً، والعفيف الذي لا يخالط النساء، أما الذي لا يبالي أدخل على أهله رجل أم رجلان، وهذا هو الذي يسمى الديوث -عافانا الله وإياكم وجميع المسلمين- فلو قذف مثل هذا فإنه لا يقام عليه حد القذف؛ لأنه يشتهر منه ذلك، لكن قد يقال: أنه يُعزر، أما حد القذف فإن الجمهور يقولون: لا يقام عليه حد القذف.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] | 2651 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] | 2533 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] | 2450 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] | 2396 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] | 2316 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] | 2169 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] | 2166 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] | 2128 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] | 2110 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] | 2107 استماع |