عمدة الفقه - كتاب الحدود [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم زدنا علماً وعملاً وهدى وتقوى يا رب العالمين، وبعد:

قال المؤلف رحمه الله: [فصل في كيفية إقامة الحد: ويضرب في الجلد بسوط لا جديد ولا خلق، ولا يُمد ولا يُربط ولا يُجرد، ويتقى وجهه ورأسه وفرجه، ويُضرب الرجل قائماً، والمرأة جالسة وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها، ومن كان مريضاً يُرجى برؤه أُخر حتى يبرأ؛ لما روي عن علي رضي الله عنه: ( أن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنت )، فإن لم يرج برؤه وخشي عليه من السوط جُلد بضغث فيه عيدان بعدد ما يجب عليه مرة واحدة].

قول المؤلف رحمه الله: (فصل في كيفية إقامة الحد)، هنا بدأ المؤلف بشروط كيفية إقامة الحد الذي هو الجلد، وهي ستة شروط:

الشرط الأول: أن يكون الجلد بسوط لا جديد ولا خلق

الشرط الأول: قول المؤلف رحمه الله: (أن يُضرب بسوط) أي: أن يكون الجلد بسوط، وعليه فلا يجوز له أن يضربه بسلك من حديد، والسوط يُطلق على الجلد ويُطلق على العصا، والأقرب هنا أن يكون بالعصا.

قول المؤلف رحمه الله: (لا جديد ولا خَلق)؛ لأن الجديد يكون رطباً فيكون ألم الضرب على العاصي شديداً، وانظر يا أخي! رأفة الشارع بالعاصي، فالمقصود هو تأديبه بذلك وليس إرادة الانتقام منه، قوله: (لا جديد) بحيث يؤلمه (ولا خلق) أي: يابس سريع الانكسار فلا يتأثر بذلك، والمقصود هو وقوع الألم عليه ليحصل التأديب، هذا الشرط الأول: أن يكون بسوط لا جديد ولا خلق.

الشرط الثاني: ألا يمد المجلود ولا يربط ولا يجرد

الشرط الثاني: ألا يُمد ولا يُربط ولا يُجرد، ومعنى (يُمد) أي: يُبطح في الأرض، ولا يُربط بأن يوضع على رجليه مادة تسمى القيود؛ لأن هذا فيه زيادة ما أمر بها الشارع، والثاني: أن فيه نوعاً من إهانته أكثر مما أمر به الشارع، قال ابن مسعود رحمه الله: ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد.

حتى كان الرجل الذي يشرب الخمر يؤتى به في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: ( فيُضرب بالجريد والنعال والثياب، فمنا من يضربه بالجريد، ومنا من يضربه بالنعل، ومنا من يضربه بالثياب )، وهذا هو المقصود بقوله: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، والمقصود من ذلك: الإهانة والزجر، وهذا يسميه العلماء التشهير؛ لأن فيه نوعاً من شدة العذاب عليه، ولهذا بعضهم يقول: اجلدني ألفاً بمفردي لكن لا تجلدني عشراً عند الناس.

ولكن قد يُقيد بالسلاسل مخافة الهرب لا من باب زيادة الضرب عليه، والفرق بين الأمرين أن القيود التي توضع عليه ليست من باب زيادة الضرب عليه ولهذا لا يتألم بها؛ لأنها وضعت لأجل عدم الهرب، هذا هو المقصود. والأثر عن ابن مسعود ضعيف، لكن يُفهم منه صفة جلد عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يُنقل عن أحد منهم أنه أمد رجلاً أو قيده أو جرده، وعلى هذا لا تُنزع ثيابه، فقد جلد النبي صلى الله عليه وسلم من غير نزع الثياب، بل يكون عليه الثوب والثوبان، بل قال أحمد: إذا كان عليه ثوب أو ثوبان فتكون من ثياب الصيف لا من ثياب الشتاء، وقال رحمه الله: لو تُركت عليه ثياب الشتاء ما بالى بالضرب، وثياب الشتاء ليست الثوب فقط بل هي الثوب والسراويل والفراء والحشو الذي يكون عند أهل الشام؛ لأن أحمد شامي وهم يكثرون من اللباس، فهذا هو المراد، وأما إذا كان ثوباً واحداً من صوف فإن الخطب فيه يسير، لكن إذا كان قد وضع على جسده شيئاً مما يمنعه من ألمها وجب إزالته؛ لأن المقصود إيلامه تأديباً، فإذا وضع مثل هذه الأشياء فإنه لا يتأثر ويجب إزالتها.

الشرط الثالث: اتقاء وجه ومقاتل من يقام عليه الحد أثناء جلده

الشرط الثالث: أن يُتقى الوجه والمقاتل، أي: الذي يقتل، ويشمل الوجه ومكان القتل مثل الرأس، ومثل الصدر أحياناً، ومثل الفرج؛ لأن ضربه فيها يؤدي إلى هلاكه.

الشرط الرابع: جلد الرجل قائماً والمرأة جالسة

الشرط الرابع: أن يُضرب الرجل قائماً؛ لقول علي : الرجل يُضرب قائماً، والمرأة تضرب جالسة، وهذا الحديث ضعيف، ولهذا قال مالك : يُضرب الرجل جالساً، وأرى والله أعلم أن هذا الشرط لم يدل عليه دليل صحيح صريح يُصار إليه، وعلى هذا فلو ضُرب جالساً كفاه، وحديث أبي هريرة في الصحيحين قال: ( أُتي برجل شرب الخمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الضارب بنعله، ومنا الضارب بالجريد) الحديث، فهذا يدل على أنه ربما يسقط ويُضرب وربما يحتمي، والمقصود إنما هو إيقاع الضرب على ظهره وفخذه وإيليته ويديه فهذا كافِ في ضربه، وليس المقصود مكاناً خاصاً، فأهم شيء أنه لا يضرب الوجه ولا الأماكن التي ربما تؤدي إلى الهلاك والوفاة.

الشرط الخامس: عدم المبالغة في الجلد عند إقامة الحد

الشرط الخامس: ألا يُبالغ في الضرب، حتى قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا أراد أن يضرب فلا يُظهر إبطيه؛ لأنه إذا أظهر إبطيه يكون الضرب شديداً، لكن بعض الفقهاء يقول: تكون الضربات متوالية، ولهذا الذين يضربون قد يسرعون في الضرب، وهذا ليس عليه دليل شرعي، بل أهم شيء أنها لا تكون منفصلة؛ لأن الضربات إذا كانت منفصلة لا يقع بها الألم الذي قصد منه التأديب.

وأما حد التعزير فقد قال بعض الفقهاء: إنه إذا كان تعزيراً فلا يجوز له أن يصل به إلى أدنى ضرب الحد، وأدنى ضرب الحد أربعين، فلا يجوز إذا كانت تعزيراً أن يضرب مثل الحد لا في الكيفية ولا في العدد، وقال بعضهم: لا يُضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله، وليس المراد منه الحد الذي ذكره الفقهاء هنا؛ لأن الحد هو محارم الله، يعني: لا يسوغ للإمام أو نائبه أن يُعزر أو يؤدب إلا فيما كان ذنباً ومعصية، فلو خالف مثلاً النظام وهذه المخالفة لا تؤدي إلى إفشاء الفساد والإفساد في المجتمع فلا يسوغ أن يُضرب فوق عشرة أسواط، هذا القصد، لكنه لو أخذ أموال الناس أو دفع شيكاً ليس له رصيد بحيث يُضر بالمسلمين فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته ).

الشرط السادس: أن يكون الجلد على قدر تحمل المجلود

الشرط السادس: أن يكون الجلد على قدر تحمل المجلود، كما ذكر المؤلف هنا في مسألة (إذا كان مريضاً لا يُرجى برؤه)، فيُجمع عليه عيدان بقدر المائة ثم يُضرب بضربة كما قال الله تعالى في قصة أيوب حينما أراد أن يضرب امرأته.

الشرط الأول: قول المؤلف رحمه الله: (أن يُضرب بسوط) أي: أن يكون الجلد بسوط، وعليه فلا يجوز له أن يضربه بسلك من حديد، والسوط يُطلق على الجلد ويُطلق على العصا، والأقرب هنا أن يكون بالعصا.

قول المؤلف رحمه الله: (لا جديد ولا خَلق)؛ لأن الجديد يكون رطباً فيكون ألم الضرب على العاصي شديداً، وانظر يا أخي! رأفة الشارع بالعاصي، فالمقصود هو تأديبه بذلك وليس إرادة الانتقام منه، قوله: (لا جديد) بحيث يؤلمه (ولا خلق) أي: يابس سريع الانكسار فلا يتأثر بذلك، والمقصود هو وقوع الألم عليه ليحصل التأديب، هذا الشرط الأول: أن يكون بسوط لا جديد ولا خلق.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] 2648 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] 2531 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] 2446 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] 2392 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] 2311 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] 2164 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] 2163 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] 2124 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] 2106 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] 2102 استماع