عمدة الفقه - كتاب النكاح [13]


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المشاهدون الكرام، متابعي قناة المجد العلمية! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس ضمن الدروس الأكاديمية، درسنا هو شرح كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله، ومعنا في هذه الدروس المباركة شارحاً لها صاحب الفضيلة الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي ، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية، فباسمكم جميعاً نرحب بفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله ، فأهلاً ومرحباً بكم.

الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات والحاضرين.

المقدم: ترحيبنا موصول بكم، ونسعد كثيراً بتواصلكم من خلال اتصالاتكم الهاتفية على أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم على الشاشة، كذلك من خلال التواصل المبارك بإجابتكم على أسئلة الدروس التي يطرحها الشيخ في نهاية كل درس، وأيضاً الأسئلة عبر موقع الأكاديمية، فأهلاً بالجميع.

شيخ عبد الله ! كما هي عادة البرنامج بأن نستعرض الإجابات الواردة للدرس الماضي.

طرحتم أحسن الله إليكم السؤال التالي: ما أقسام الشروط في النكاح؟ مع تعريف كل قسم والمثال؟

كان هناك مجموعة كبيرة من المشاركات من الإخوة والأخوات، لعلنا نستعرض معكم يا شيخ عبد الله أولى المشاركات التي وصلت من الأخت خلود من السعودية.

تقول في إجابتها: الشروط في النكاح تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الشرط الصحيح، وهو كل شرط ليس بمحرم ولا يستلزم التحريم، ولا يخالف مقصود العقد ولا مقصود الشارع، مثاله: أن تشترط إكمال دراستها.

القسم الثاني: الشرط الفاسد، ويكون شرطاً خالف الكتاب والسنة أو خالف مقصود العقد، مثاله: شرط الشغار.

الشيخ: هذا التقسيم صحيح، وقلنا: هذا التقسيم بناءً على القول الراجح وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله، ونصره ابن القيم في إعلام الموقعين، ولم نشأ أن ندخل في تفصيلات الفقهاء؛ لأنهم لهم تفصيلات في الشروط في العقود، ويقسمون ويخالفون في التقسيم بين المعاملات المالية وبين فقه الأسرة، وهذا التقسيم لعله يكون أرجح بناءً على الاعتماد على آثار الصحابة، وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )، وعلى هذا فالتقسيم جيد.

لكن هذا السائل ذكر مثالاً واحداً، وهو مخالفة الشارع، ومخالفة مقصود العقد، فنكاح الشغار ونكاح المتعة تضمن أمرين: مخالفة الشارع، ومخالفة مقصود العقد.

مخالفة مقصود الشارع: لأن الشارع نهى عنه، ومخالفة مقصود العقد؛ لأن الأصل في العقد أن يكون فيه الرضا، وأن يكون فيه المهر، وكلا الأمرين غير متوفر.

لعلنا ندخل في بعض المسائل التي لم نستطع أن نكملها بناءً على ضيق الوقت حتى ندلف إلى الموضوع الآخر وهو: باب العيوب التي يفسخ بها النكاح.

الشيخ: بقيت علينا مسائل، فلا أدري يا إخوان، هل شرحنا نكاح الشغار؟ الظاهر أننا ما شرحناه.

القسم الأول من نكاح الشغار

الشيخ: نكاح (الشغار) سمي: شغاراً، من الشغر وهو في اللغة: الرفع.

وفي الاصطلاح: أن يزوج الرجل موليته إلى الرجل الآخر على أن يزوجه الآخر موليته، وليس بينهما صداق.

فهذا بإجماع أهل العلم أنه محرم ولا يجوز، والعقد إذا وجد فهو باطل؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، قال: والشغار أن ينكح الرجل موليته على أن ينكحه الآخر موليته وليس بينهما صداقا )، وهذا هو القسم الأول من نكاح الشغار، أو من تحريم نكاح الشغار.

فالعلة هنا هي: خلو النكاح من المهر، فكأن الزوج أو الولي جعل بضع المرأة الأخرى هو المهر، وهذا محرم بالإجماع، وقد أجمع أهل العلم على أن المهر شرط من شروط النكاح، وهذا تفسير بعض أهل العلم.

واختلف في تفسير الشغار، هل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو هو من قول ابن عمر ، أو هو من قول نافع ، أو هو من قول مالك ؟

قال الشافعي : لا أدري تفسير الشغار أهو من قول مالك ، أو هو من قول نافع ، أو هو من قول ابن عمر ، أو هو من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويذكر أنه من قول نافع ، هكذا قال الشافعي رحمه الله.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا التعريف إنما هو من قول نافع ، وليس هو بمرفوع، وعلى هذا فيسمى هذا عند أهل الحديث بالمدرج، والمدرج له أقسام:

إما أن يكون إدراجه في أول الحديث أو في وسطه أو في نهايته، و(المدرج) هو: أن يزيد الراوي كلاماً ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذا الشغار على هذا التعريف قلنا: محرم بإجماع، والعلة هي: خلو النكاح من المهر.

القسم الثاني من نكاح الشغار

الشيخ: القسم الثاني: وهو أن يزوج الرجل ابنته أو موليته على أن يزوجه الآخر موليته وبينهما صداق.

يعني يقول: أزوجك ابنتي بمائة ألف على أن تزوجني ابنتك بما تريد من المال، فما حكم ذلك؟ فالنوع الأول: خلا من المهر، والثاني: وجد المهر، لكن وجد الشرط: أن لا أزوجك حتى تزوجني، فما حكم هذا؟

اختلف العلماء في هذا الأمر، فذهب جمهور الفقهاء إلى صحة نكاح الشغار إذا وجد فيه مهر، وقالوا: إن الحديث الوارد في ذلك هو: ( وليس بينهما صداق ).

وذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية وشيخنا عبد العزيز بن باز في فتاويه: إلى أن هذا النكاح محرم، والتحريم هو لأجل وجود الشرط، ولو وجد معه مهر، قالوا: لأن تزويج الولي الرجل الآخر إنما كان لأجل وجود الشرط، فكأنه نظر إلى مصلحته لا إلى مصلحة موليته، والقاعدة الفقهية تقول: (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة).

فكل من ولاه الله أمراً من الأمور والولايات العامة لا يسوغ ولا يجوز أن يتصرف لهواه أو لمصلحته وشهوته، بل لابد أن ينظر فيه إلى المصلحة المترتبة على هذا الشيء الذي ولاه الله، أو ولاه الرسول، أو ولاه ولي أمر المسلمين هذا الأمر، فهذه العلة الأولى.

العلة الثانية: قالوا: ولأن تزويج الولي موليته على أن يزوجه الآخر موليته فيه ظلم للمرأة، بحيث لا تتزوج المرأة من تريد، فكأنها جعلت سلعة تباع وتشترى، ولا شك أن الشارع جاء بحفظ حق المرأة، ومن أعظم الحق المترتب للمرأة في النكاح هو: أن لا تتزوج إلا من ترضاه، وعلى هذا فلا يسوغ للأب ولا للأم أن يختاروا لبنتهم رجلاً لا تحبه، ولو كان ابن العم أو ابن الخال أو ابن الخالة أو غير ذلك؛ لأن هذا أمر يجب أن ينظر فيه إلى المرأة وحقها، وقد جاء عند النسائي واختلف في إسناده: ( أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، فجعل الخيار لها، فقالت: يا رسول الله! قد قبلت، ولكن أردت أن يعلم الرجال أن للنساء في هذا حقاً )، وهذا يدل على أنه لا يسوغ للأب أن يتفق مع زوجته في تزويجهم لابنتهم من غير رضاها ولا اختيارها.

أحياناً يقول الأب: البنت صغيرة لا تفهم، فإذا قالت: أنا لا أريده، قالوا: هي لا تعرف، وقد تزوجت أمها وتزوجت جدتها وهي لا تعلم.

فنقول: الممارسة في بعض المجتمعات على تزويج البنت من غير رضاها ولا مشورتها، لا شك أنه خاطئ، وإذا ثبت ووجد السرور والغبطة بعد ذلك، فلا يسوغ أن يسير هذا إلى مجتمعات قد ظهر فيها العلم وانتشرت فيها المعرفة.

وعلى هذا فنقول: إن الراجح هو اختيار أبي العباس بن تيمية وشيخنا عبد العزيز بن باز .

العلة الثالثة: ولما جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا شغار في الإسلام، والشغار أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته، ولم يذكر فيه الصداق )، واختلف في هذا هل هو من قول أبي هريرة أم من قول الراوي بعده؟

وإذا ثبت لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم أوجد فيه مهر أم لا؟ فنقول: القاعدة الفقهية المنوطة بجميع التعاملات: (أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال)، وعلى هذا فإذا كان في اللغة يسمى شغاراً ولو كان فيه مهر، فهو داخل في الحديث، وهذا الراجح، والله أعلم.

يبقى مسألة، فقد تحدثنا عن النكاح بنية الطلاق، فيبقى معنا: (نكاح المسيار).

حكم نكاح الشغار إذا وجد المهر ورضيت المرأة

المقدم: عفواً يا دكتور عبد الله! في مسألة الشغار، يعني: الأمر متوقف على موافقة المولية، بحيث لو وافقت وكان هناك مهر أو صداق فهل يزول الخلاف في المسألة أو لا يزول؟

الشيخ: أحسنت، لو وافقت الزوجة على هذا النكاح نظرت: فإن كان في النكاح مهر جاز، وإن لم يكن في النكاح مهر فلا يجوز.

المقدم: لأن البعض قد يتحرج، يقول إنه لا يرضى هذا الزواج بسبب خوفه أن يكون هناك شغار!

الشيخ: ينبغي أن نعرف -يا إخوان- أنه إذا وجد المهر فلابد أن يوجد الشرط، يعني: يقول أخو المرأة إذا لم يكن لها ولي إلا الأخ أزوجك على أن تزوجني، أما أن يزوجه ثم بعد ذلك يخطب الولي هذه المرأة من غير اتفاق فلا حرج في ذلك، العبرة هو بوجود الشرط حال إبرام العقد، أو قبل وجود العقد؛ لأن الشرط السابق على العقد كالشرط المقترن بالعقد كما سبق، وذكرنا قول أبي العباس بن تيمية رحمه الله، ومذهب الإمام أحمد في هذا الباب.

الشيخ: نكاح (الشغار) سمي: شغاراً، من الشغر وهو في اللغة: الرفع.

وفي الاصطلاح: أن يزوج الرجل موليته إلى الرجل الآخر على أن يزوجه الآخر موليته، وليس بينهما صداق.

فهذا بإجماع أهل العلم أنه محرم ولا يجوز، والعقد إذا وجد فهو باطل؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، قال: والشغار أن ينكح الرجل موليته على أن ينكحه الآخر موليته وليس بينهما صداقا )، وهذا هو القسم الأول من نكاح الشغار، أو من تحريم نكاح الشغار.

فالعلة هنا هي: خلو النكاح من المهر، فكأن الزوج أو الولي جعل بضع المرأة الأخرى هو المهر، وهذا محرم بالإجماع، وقد أجمع أهل العلم على أن المهر شرط من شروط النكاح، وهذا تفسير بعض أهل العلم.

واختلف في تفسير الشغار، هل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو هو من قول ابن عمر ، أو هو من قول نافع ، أو هو من قول مالك ؟

قال الشافعي : لا أدري تفسير الشغار أهو من قول مالك ، أو هو من قول نافع ، أو هو من قول ابن عمر ، أو هو من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويذكر أنه من قول نافع ، هكذا قال الشافعي رحمه الله.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا التعريف إنما هو من قول نافع ، وليس هو بمرفوع، وعلى هذا فيسمى هذا عند أهل الحديث بالمدرج، والمدرج له أقسام:

إما أن يكون إدراجه في أول الحديث أو في وسطه أو في نهايته، و(المدرج) هو: أن يزيد الراوي كلاماً ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذا الشغار على هذا التعريف قلنا: محرم بإجماع، والعلة هي: خلو النكاح من المهر.

الشيخ: القسم الثاني: وهو أن يزوج الرجل ابنته أو موليته على أن يزوجه الآخر موليته وبينهما صداق.

يعني يقول: أزوجك ابنتي بمائة ألف على أن تزوجني ابنتك بما تريد من المال، فما حكم ذلك؟ فالنوع الأول: خلا من المهر، والثاني: وجد المهر، لكن وجد الشرط: أن لا أزوجك حتى تزوجني، فما حكم هذا؟

اختلف العلماء في هذا الأمر، فذهب جمهور الفقهاء إلى صحة نكاح الشغار إذا وجد فيه مهر، وقالوا: إن الحديث الوارد في ذلك هو: ( وليس بينهما صداق ).

وذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية وشيخنا عبد العزيز بن باز في فتاويه: إلى أن هذا النكاح محرم، والتحريم هو لأجل وجود الشرط، ولو وجد معه مهر، قالوا: لأن تزويج الولي الرجل الآخر إنما كان لأجل وجود الشرط، فكأنه نظر إلى مصلحته لا إلى مصلحة موليته، والقاعدة الفقهية تقول: (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة).

فكل من ولاه الله أمراً من الأمور والولايات العامة لا يسوغ ولا يجوز أن يتصرف لهواه أو لمصلحته وشهوته، بل لابد أن ينظر فيه إلى المصلحة المترتبة على هذا الشيء الذي ولاه الله، أو ولاه الرسول، أو ولاه ولي أمر المسلمين هذا الأمر، فهذه العلة الأولى.

العلة الثانية: قالوا: ولأن تزويج الولي موليته على أن يزوجه الآخر موليته فيه ظلم للمرأة، بحيث لا تتزوج المرأة من تريد، فكأنها جعلت سلعة تباع وتشترى، ولا شك أن الشارع جاء بحفظ حق المرأة، ومن أعظم الحق المترتب للمرأة في النكاح هو: أن لا تتزوج إلا من ترضاه، وعلى هذا فلا يسوغ للأب ولا للأم أن يختاروا لبنتهم رجلاً لا تحبه، ولو كان ابن العم أو ابن الخال أو ابن الخالة أو غير ذلك؛ لأن هذا أمر يجب أن ينظر فيه إلى المرأة وحقها، وقد جاء عند النسائي واختلف في إسناده: ( أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، فجعل الخيار لها، فقالت: يا رسول الله! قد قبلت، ولكن أردت أن يعلم الرجال أن للنساء في هذا حقاً )، وهذا يدل على أنه لا يسوغ للأب أن يتفق مع زوجته في تزويجهم لابنتهم من غير رضاها ولا اختيارها.

أحياناً يقول الأب: البنت صغيرة لا تفهم، فإذا قالت: أنا لا أريده، قالوا: هي لا تعرف، وقد تزوجت أمها وتزوجت جدتها وهي لا تعلم.

فنقول: الممارسة في بعض المجتمعات على تزويج البنت من غير رضاها ولا مشورتها، لا شك أنه خاطئ، وإذا ثبت ووجد السرور والغبطة بعد ذلك، فلا يسوغ أن يسير هذا إلى مجتمعات قد ظهر فيها العلم وانتشرت فيها المعرفة.

وعلى هذا فنقول: إن الراجح هو اختيار أبي العباس بن تيمية وشيخنا عبد العزيز بن باز .

العلة الثالثة: ولما جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا شغار في الإسلام، والشغار أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته، ولم يذكر فيه الصداق )، واختلف في هذا هل هو من قول أبي هريرة أم من قول الراوي بعده؟

وإذا ثبت لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم أوجد فيه مهر أم لا؟ فنقول: القاعدة الفقهية المنوطة بجميع التعاملات: (أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال)، وعلى هذا فإذا كان في اللغة يسمى شغاراً ولو كان فيه مهر، فهو داخل في الحديث، وهذا الراجح، والله أعلم.

يبقى مسألة، فقد تحدثنا عن النكاح بنية الطلاق، فيبقى معنا: (نكاح المسيار).

المقدم: عفواً يا دكتور عبد الله! في مسألة الشغار، يعني: الأمر متوقف على موافقة المولية، بحيث لو وافقت وكان هناك مهر أو صداق فهل يزول الخلاف في المسألة أو لا يزول؟

الشيخ: أحسنت، لو وافقت الزوجة على هذا النكاح نظرت: فإن كان في النكاح مهر جاز، وإن لم يكن في النكاح مهر فلا يجوز.

المقدم: لأن البعض قد يتحرج، يقول إنه لا يرضى هذا الزواج بسبب خوفه أن يكون هناك شغار!

الشيخ: ينبغي أن نعرف -يا إخوان- أنه إذا وجد المهر فلابد أن يوجد الشرط، يعني: يقول أخو المرأة إذا لم يكن لها ولي إلا الأخ أزوجك على أن تزوجني، أما أن يزوجه ثم بعد ذلك يخطب الولي هذه المرأة من غير اتفاق فلا حرج في ذلك، العبرة هو بوجود الشرط حال إبرام العقد، أو قبل وجود العقد؛ لأن الشرط السابق على العقد كالشرط المقترن بالعقد كما سبق، وذكرنا قول أبي العباس بن تيمية رحمه الله، ومذهب الإمام أحمد في هذا الباب.

الشيخ: نكاح المسيار سمي مسياراً؛ لأن الرجل يأتي إلى امرأته ويسير عليها، وليس لها ليلة من الليالي كغيرها من زوجاته، وهو: أن يتزوج الرجل المرأة مع توفر كامل شروط النكاح إلا أن المرأة تسقط حقها من النفقة أو من البيتوتة أو من النفقة والبيتوتة والسكنى.

لأنكم تعلمون أن من آثار عقد النكاح وجوب النفقة ووجوب السكنى والمبيت للمرأة، فإذا أسقطت المرأة هذا الأمر، فهل يصح النكاح أم لا؟

ذهب جمهور الفقهاء من الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية: إلى أن المرأة إن اشترط عليها زوجها، أو إن رضيت بأن أسقطت حقها من النفقة والبيتوتة أو السكنى، فإنه شرط باطل؛ لأنه مخالف لمقتضى العقد، لأن مقتضى العقد من الشارع: أن يجعل النفقة والسكنى على الزوج، وأن يجعل البيتوتة حقاً للمرأة يعدل فيها الزوج.

وقالوا: إن هذا الشرط شرط مخالف لمقصود العقد ولمقتضاه، فيبطل الشرط ويصح العقد.

وفي قول عندهم أنه يبطل الشرط والعقد.

القول الثالث في المسألة: أن العقد صحيح والشرط صحيح، أما كون العقد صحيحاً فلأنه ليس شرطاً يخالف مقصود العقد؛ لأن مقصود العقد قائم، وهو الاستمتاع والرحمة والشفقة والديمومة، وكون المرأة تسقط حقها، فهذا حق لها يجوز أن تسقطه، وسواء كان هذا الإسقاط ضمن العقد أو بعد العقد، كما أسقطت سودة حقها من البيتوتة لـعائشة ، فـ(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لـعائشة يومين، ولسائر أزواجه يوماً)، وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وهو ما يسميه الفقهاء بزواج النهاريات، أو بزواج الليليات، وبعضهم يخالف في هذا التقسيم.

وقال أحمد رحمه الله: ليس هذا من نكاح الإسلام، أي: لأن الأصل في النكاح هو السكن، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، فهو لابد من وجود الاختلاط والعشرة.

ولا شك أن البيتوتة والسكنى والنفقة حق جعله الشارع للمرأة، فإذا تنازلت المرأة عنه جاز ذلك، كما أسقطت سودة حقها من البيتوتة، كما في الصحيحين.

شروط نكاح المسيار

الشيخ: ولكننا نقول: إن زواج المسيار إنما جاز لتوفر شروط النكاح، ولأجل أن إسقاط البيتوتة أو النفقة أو السكنى حق للمرأة، فيجوز أن تسقطه وأن تبقي عليه، إلا أننا إذا أثبتنا هذا النكاح بشرطه، فلابد أن نعرف أموراً أربعة، وكأنها شروط في نكاح المسيار:

الشرط الأول في جواز نكاح المسيار: أن إسقاط البيتوتة أو النفقة أو المبيت حق للمرأة، يجوز أن تسقطه، ويجوز أن تتراجع عنه، فلو تزوجها الزوج على أن لا نفقة ولا مبيت ولا سكنى لها، فلما رغبت بعد وجود النكاح، فيجب على الزوج إما أن يعدل بين نسائه وإما أن يطلق.

أما أن يقول: تزوجتك على أن لا مبيت لك، فنقول: هذا حق للمرأة، فكأنه نوع من الطلاق، أو نوع من المعلق على الشرط، فالمرأة لها أن ترجعه ولها أن تسقطه؛ لكنها لو أرادت بعد الزواج أن يعدل فلا يجوز للرجل أن لا يعدل بحجة أنه اشترط عليها هذا الأمر، ولكن إما أن يعدل وإما أن يطلق.

ويجوز لها طلب العدل حتى وإن كتب هذا الشرط في العقد؛ لأننا نقول: إن وجود حق الشارع، وهو وجوب النفقة والبيتوتة والسكنى، حق ثابت لا يسقط بإسقاط المرأة، ولكنه قد يرفع ويؤجل للمرأة، فالمرأة لها أن تسقط حقها في ذلك، ولو أرادت أن ترجع فلها ذلك، كالحضانة إذا ثبت أن للمرأة حقاً فجعلته للزوج، فلها أن ترجع عنه كما قال بعض الفقهاء، وهذا القول أرى أنه مهم، هذا هو الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن تكون القوامة للزوج، فلو تزوج الرجل المرأة على أن لا نفقة ولا بيتوتة ولا سكنى لها، لكن لا ينبغي أن تكون القوامة للمرأة، بأن تقول: لا تأتيني إلا أن تخبرني قبل ساعة أو ساعتين أو قبل يوم، ولي حق أن أخرج كيف شئت! لأنه لابد من وجود القوامة دفعاً للضرر، وإثباتاً لبقاء العشرة والأسرة.

الشرط الثالث: أن لا يكون ثمة اتفاق بينهما -إما صراحة أو ضمناً- على الفرقة والطلاق، فلو تزوجها الرجل وقد صرح لها: أني سوف أتزوجك مدة هذا الصيف، أو ضمناً: بأن يعلم أنهما لن يستمرا بدلالة العرف أو دلالة الحال، فالمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، وذلك حتى لا يكون مثل المتعة، أو النكاح بشرط الطلاق.

الشرط الرابع: وهذا من باب السياسة الشرعية: أن يكون هذا الأمر لمعالجة مشكلة في المجتمع، ولا ينبغي أن تكون هي الأصل في النكاح.

ولا شك أن القائلين بالتحريم إنما نظروا من زاوية وجود الضرر أو بعضه في نكاح المسيار، ونقول: نمنع الضرر ويبقى الحكم.

والقائلون بالإباحة نظروا إلى توفر الشروط ووجود مصلحة للرجل أو للمرأة، ولكن لا ينبغي أن تكون هذه هي الأصل في النكاح؛ لأن الأصل في النكاح هو: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187].

مثال ذلك: المرأة قد يكون عندها والدان كبيران في السن يتطلب منها أن تراعيهما، وأن تقوم بشئونهما، وهي ترغب فيما ترغب النساء من الرجال، فلو تزوجت زواجاً مثل الزواجات لوجب خروجها من بيت أبيها، فأحياناً تقول: أبقى مع والديَّ، ويكون الزوج يأتي إليَّ بين الفينة والأخرى، ولا شك أن هذه حالة قائمة وموجودة في المجتمع، ولا ينبغي أن نتجاهلها.

أو أن المرأة تكون موظفة وعندها دوام ليلاً أو نهاراً، فأحياناً يكون عملها ليلاً، والزوج بطبيعة حاله لا يريد المرأة أن تكون ولاجة خراجة كثيراً، فيمنع هذا من الاستمتاع بها ومن حقها، وبالتالي لا تجد المرأة زوجاً بهذه المواصفات؛ أي يسمح -في الجملة- أن تخرج كيف شاءت في عملها، فأحياناً تحب أن تبقى على وظيفتها، وتحب أن يوجد لها زوج، فتقول: أتزوجك على أن عملي قائم، وتأتيني بين الفينة والأخرى، لا ينافي القوامة، بل مع وجود القوامة وإذن الزوج بذلك.

وأقول: إن هذا لمعالجة واقع، ولنعرف أن المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي إنما جوزوه لأجل توفر شروط النكاح الخمسة أو الأربعة على الخلاف، ولأجل معالجة واقع قائم لا ينبغي تجاهله أو التغاضي عنه، وإن كان الأصل هو النكاح المعروف في الإسلام، ولا ينبغي أن نجعل القوامة للمرأة كما سبق معنا.

تعليل شروط نكاح المسيار

الشيخ: هذه الشروط -أيها الأحبة- قد يقول قائل: من أتى بهذه الشروط؟

نقول: هذه الشروط معروفة عند الأفذاذ، وعند أهل العلم، لكن نذكرها هنا حتى لا يعتل معتل أو يعتل شخص بأن نكاح المسيار يجوز، فيفتحه على مصراعيه من غير توفر بعض شروطه، كما أن بعضهم جوز الزواج بنية الطلاق، وجعل الممارسة الموجودة في بعض المجتمعات جائزة بناءً على كلام الفقهاء، وقد سبق أن ذكرنا: أنه لا يسوغ أن ننسب للعلماء ممارسة نوع من المتعة الموجودة في كتب أهل الإسلام التي منعت إلى يوم الدين.

فذكرنا هذه الشروط لدرء المفاسد، وأنا أقول يا إخوان! كما قال عمر بن عبد العزيز : (كلما أحدث الناس من الفجور أحدثنا لهم من الأقضية)، ولا تفهم الفجور بعمومه، ولكن افهم أن العلماء أحياناً يتطلبون زيادة شروط على بعض التعاملات؛ لأن الناس فهموا منها خلاف ذلك.

مثال: حينما ننظر إلى النقاب، ما حكم النقاب؟ النقاب كان جائزاً، وكان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الصحابيات، وما زلن رضي الله عنهن ينتقبن، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتقب المحرمة )، وهذا دليل على أن النقاب كان موجوداً، وقد طافت عائشة طوافاً متطوعاً به وهي منتقبة كما رواه سعيد بن منصور .

ولكن لا يسوغ لنا أن نقول: إن النقاب جائز، ثم نجوز بعض الممارسات الخاطئة التي فيها نوع تبرج في النقاب الذي تمارسه بعض النساء أو بعض الفتيات، بأن تخرج شيئاً كثيراً من وجنتيها، أو من حواجبها، أو أن تكتحل، أو أن تضع ظلا على حواجبها، أو على عينيها، فهذا لا شك أنه نوع من التبرج، ولا يسوغ لنا أن نجوز هذه الممارسة بحجة جواز النقاب، فالنقاب شيء، والممارسة الخاطئة شيء آخر.

ولهذا فالفقيه يجوز أصل الشيء، ثم يذكر بعض الضوابط التي تفي باحتياجات الناس وتمنع من استغلال هذا الحكم بالإباحة أو التحريم.

الشيخ: ولكننا نقول: إن زواج المسيار إنما جاز لتوفر شروط النكاح، ولأجل أن إسقاط البيتوتة أو النفقة أو السكنى حق للمرأة، فيجوز أن تسقطه وأن تبقي عليه، إلا أننا إذا أثبتنا هذا النكاح بشرطه، فلابد أن نعرف أموراً أربعة، وكأنها شروط في نكاح المسيار:

الشرط الأول في جواز نكاح المسيار: أن إسقاط البيتوتة أو النفقة أو المبيت حق للمرأة، يجوز أن تسقطه، ويجوز أن تتراجع عنه، فلو تزوجها الزوج على أن لا نفقة ولا مبيت ولا سكنى لها، فلما رغبت بعد وجود النكاح، فيجب على الزوج إما أن يعدل بين نسائه وإما أن يطلق.

أما أن يقول: تزوجتك على أن لا مبيت لك، فنقول: هذا حق للمرأة، فكأنه نوع من الطلاق، أو نوع من المعلق على الشرط، فالمرأة لها أن ترجعه ولها أن تسقطه؛ لكنها لو أرادت بعد الزواج أن يعدل فلا يجوز للرجل أن لا يعدل بحجة أنه اشترط عليها هذا الأمر، ولكن إما أن يعدل وإما أن يطلق.

ويجوز لها طلب العدل حتى وإن كتب هذا الشرط في العقد؛ لأننا نقول: إن وجود حق الشارع، وهو وجوب النفقة والبيتوتة والسكنى، حق ثابت لا يسقط بإسقاط المرأة، ولكنه قد يرفع ويؤجل للمرأة، فالمرأة لها أن تسقط حقها في ذلك، ولو أرادت أن ترجع فلها ذلك، كالحضانة إذا ثبت أن للمرأة حقاً فجعلته للزوج، فلها أن ترجع عنه كما قال بعض الفقهاء، وهذا القول أرى أنه مهم، هذا هو الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن تكون القوامة للزوج، فلو تزوج الرجل المرأة على أن لا نفقة ولا بيتوتة ولا سكنى لها، لكن لا ينبغي أن تكون القوامة للمرأة، بأن تقول: لا تأتيني إلا أن تخبرني قبل ساعة أو ساعتين أو قبل يوم، ولي حق أن أخرج كيف شئت! لأنه لابد من وجود القوامة دفعاً للضرر، وإثباتاً لبقاء العشرة والأسرة.

الشرط الثالث: أن لا يكون ثمة اتفاق بينهما -إما صراحة أو ضمناً- على الفرقة والطلاق، فلو تزوجها الرجل وقد صرح لها: أني سوف أتزوجك مدة هذا الصيف، أو ضمناً: بأن يعلم أنهما لن يستمرا بدلالة العرف أو دلالة الحال، فالمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، وذلك حتى لا يكون مثل المتعة، أو النكاح بشرط الطلاق.

الشرط الرابع: وهذا من باب السياسة الشرعية: أن يكون هذا الأمر لمعالجة مشكلة في المجتمع، ولا ينبغي أن تكون هي الأصل في النكاح.

ولا شك أن القائلين بالتحريم إنما نظروا من زاوية وجود الضرر أو بعضه في نكاح المسيار، ونقول: نمنع الضرر ويبقى الحكم.

والقائلون بالإباحة نظروا إلى توفر الشروط ووجود مصلحة للرجل أو للمرأة، ولكن لا ينبغي أن تكون هذه هي الأصل في النكاح؛ لأن الأصل في النكاح هو: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187].

مثال ذلك: المرأة قد يكون عندها والدان كبيران في السن يتطلب منها أن تراعيهما، وأن تقوم بشئونهما، وهي ترغب فيما ترغب النساء من الرجال، فلو تزوجت زواجاً مثل الزواجات لوجب خروجها من بيت أبيها، فأحياناً تقول: أبقى مع والديَّ، ويكون الزوج يأتي إليَّ بين الفينة والأخرى، ولا شك أن هذه حالة قائمة وموجودة في المجتمع، ولا ينبغي أن نتجاهلها.

أو أن المرأة تكون موظفة وعندها دوام ليلاً أو نهاراً، فأحياناً يكون عملها ليلاً، والزوج بطبيعة حاله لا يريد المرأة أن تكون ولاجة خراجة كثيراً، فيمنع هذا من الاستمتاع بها ومن حقها، وبالتالي لا تجد المرأة زوجاً بهذه المواصفات؛ أي يسمح -في الجملة- أن تخرج كيف شاءت في عملها، فأحياناً تحب أن تبقى على وظيفتها، وتحب أن يوجد لها زوج، فتقول: أتزوجك على أن عملي قائم، وتأتيني بين الفينة والأخرى، لا ينافي القوامة، بل مع وجود القوامة وإذن الزوج بذلك.

وأقول: إن هذا لمعالجة واقع، ولنعرف أن المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي إنما جوزوه لأجل توفر شروط النكاح الخمسة أو الأربعة على الخلاف، ولأجل معالجة واقع قائم لا ينبغي تجاهله أو التغاضي عنه، وإن كان الأصل هو النكاح المعروف في الإسلام، ولا ينبغي أن نجعل القوامة للمرأة كما سبق معنا.

الشيخ: هذه الشروط -أيها الأحبة- قد يقول قائل: من أتى بهذه الشروط؟

نقول: هذه الشروط معروفة عند الأفذاذ، وعند أهل العلم، لكن نذكرها هنا حتى لا يعتل معتل أو يعتل شخص بأن نكاح المسيار يجوز، فيفتحه على مصراعيه من غير توفر بعض شروطه، كما أن بعضهم جوز الزواج بنية الطلاق، وجعل الممارسة الموجودة في بعض المجتمعات جائزة بناءً على كلام الفقهاء، وقد سبق أن ذكرنا: أنه لا يسوغ أن ننسب للعلماء ممارسة نوع من المتعة الموجودة في كتب أهل الإسلام التي منعت إلى يوم الدين.

فذكرنا هذه الشروط لدرء المفاسد، وأنا أقول يا إخوان! كما قال عمر بن عبد العزيز : (كلما أحدث الناس من الفجور أحدثنا لهم من الأقضية)، ولا تفهم الفجور بعمومه، ولكن افهم أن العلماء أحياناً يتطلبون زيادة شروط على بعض التعاملات؛ لأن الناس فهموا منها خلاف ذلك.

مثال: حينما ننظر إلى النقاب، ما حكم النقاب؟ النقاب كان جائزاً، وكان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الصحابيات، وما زلن رضي الله عنهن ينتقبن، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتقب المحرمة )، وهذا دليل على أن النقاب كان موجوداً، وقد طافت عائشة طوافاً متطوعاً به وهي منتقبة كما رواه سعيد بن منصور .

ولكن لا يسوغ لنا أن نقول: إن النقاب جائز، ثم نجوز بعض الممارسات الخاطئة التي فيها نوع تبرج في النقاب الذي تمارسه بعض النساء أو بعض الفتيات، بأن تخرج شيئاً كثيراً من وجنتيها، أو من حواجبها، أو أن تكتحل، أو أن تضع ظلا على حواجبها، أو على عينيها، فهذا لا شك أنه نوع من التبرج، ولا يسوغ لنا أن نجوز هذه الممارسة بحجة جواز النقاب، فالنقاب شيء، والممارسة الخاطئة شيء آخر.

ولهذا فالفقيه يجوز أصل الشيء، ثم يذكر بعض الضوابط التي تفي باحتياجات الناس وتمنع من استغلال هذا الحكم بالإباحة أو التحريم.

الشيخ: هنا نكون قد انتهينا من نكاح المسيار، وبقي علينا مسألة أخرى وهي مسألة: نكاح المحلل.

والمحلل هو: أن يتزوج الرجل المرأة التي طلقت ثلاثاً من زوج آخر ليحلها لزوجها الأول والعياذ بالله.

أو قل: أن يتزوج الرجل المرأة بعدما طلقت ثلاثاً ليحلها لزوجها الأول.

هذا هو تعريف المحلل، وأفاد الفقهاء بهذا التعريف: أنه سواء وجد اتفاق من الزوج الثاني مع الزوج الأول أو لم يوجد اتفاق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله المحلل والمحلل له ).

قد يعرف الرجل أن هذه المرأة طلقها زوجها وعندها منه أولاد، وشق عليه فرقة هذا الرجل مع المرأة، فقال في نفسه: أتزوج هذه المرأة لأحللها لزوجها الأول ثم أطلقها! الآن رغبته أن يحللها، وفي الجملة أنه قصده الإحسان!

فنقول: لا يجوز للزوج الآخر، الذي هو الزوج الأول أن يتزوجها إذا علم بنية الزوج بعد الطلاق، أو علم به قبل النكاح، كل ذلك محرم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سماه: (محلل له).

وقد أجمع أهل العلم على أن نكاح المحلل إذا وجد الشرط في العقد أنه محرم، وكذلك إذا نواه الزوج الثاني (المحلل) في قول أكثر الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول الحنابلة واختيار أبي العباس ابن تيمية .

وقد ذكر بعض الشافعية أنه إذا لم يذكر ذلك في العقد فهو جائز، وكتب أبو العباس بن تيمية كتاباً سماه: (إقامة الدليل على بطلان التحليل)، وألف هذا الكتاب رداً على من جوز ذلك؛ لأن العبرة في العقود بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] 2652 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] 2535 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] 2451 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] 2397 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] 2317 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] 2170 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] 2167 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] 2129 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] 2111 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] 2108 استماع