خطب ومحاضرات
عمدة الفقه - كتاب النكاح [12]
الحلقة مفرغة
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المشاهدون الكرام متابعي قناة المجد العلمية! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس المبارك ضمن دروس الأكاديمية العلمية.
درسنا في هذا اليوم هو شرح كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي، وضيفنا كما تعلمون هو فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي ، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية، فباسمكم جميعاً أرحب بالدكتور عبد الله ، أهلاً ومرحباً بك.
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات وبالحاضرين.
المقدم: ترحيبنا موصول بكم، ونسعد كثيراً بتواصلكم معنا عبر متابعتكم لهذا الدرس، وعبر اتصالاتكم الهاتفية على أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم، كذلك عبر التواصل المبارك من خلال إجاباتكم عن أسئلة كل درس، وأيضاً بعثكم للأسئلة المطروحة على فضيلة الشيخ خلال شرحه، وذلك عبر موقع الأكاديمية على الشبكة العالمية (الإنترنت)، فنرحب بكم مرة أخرى!
شيخ عبد الله كما هي عادة البرنامج أن نستعرض معاً الإجابات الواردة عن درس الأمس.
الشيخ: تفضل.
المقدم: كان سؤال الحلقة الماضية: ما شروط اعتبار نكاح الكفار؟
الحقيقة ورد لبريد البرنامج مجموعة كبيرة من الإجابات، لعلنا نختار من ضمنها إجابة الأخت: جميلة من العراق، تقول فيه شرطان:
أولاً: أن يعتقدوه حلاً في شرعهم، وأن يصححوه في دينهم، المجوس يعتقدون حل نكاح المحارم، والنصارى يعتبرون الزنا حراماً.
ثانياً : أن لا يترافعوا إلينا، فإذا لم يترافعوا إلينا فلا نتعرض لأنكحتهم.
الشيخ: جميل، إجابة وافية؛ لكن للفائدة:
حينما نقول: (أن يعتقدوه حلالاً فيما بينهم) بمعنى: أنه لو كان هناك كفار قد عاشوا في بلاد المسلمين وأوجدوا حفلة فيها الاختلاط والعري والتفسخ والانحلال ووقوع الزنا، فهذا يجب على المسلمين وعلى ولي أمر المسلمين أن يمنع مثل هذا؛ لماذا؟
لأن هذا زنا ومحرم عند الكفار أنفسهم، يعني: في عقيدة النصارى أو اليهود.
أما لو وضعوا حفلاً فيما بينهم وهو زواج، ويتزوج هذا بمولية هذا بعدما خطبها وأصدقها أو لم يصدقها على طريقتهم، فهذا يبقون عليه ولا ينكر عليهم.
ومعنى: (معتبر) أننا لا ننكر عليهم، هذا واحد.
الثاني: أنه لو ترافعوا إلينا وأردنا أن نحكم فيما بينهم فليس معناه أن نحكم بموجب العقد الذي وقع بينهم، فلو جاءت امرأة تطلب من زوجها مهراً وهو خمر أو غير ذلك من المحرمات، فيجب أن نمضيه على شرع الله وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42]، (والقسط) هو دين النبي صلى الله عليه وسلم.
المقدم: أحسن الله إليكم، نستعرض جملة من أسماء الذين شاركونا في الإجابات جزاهم الله خيراً:
الأخت: أم فجر من السعودية.
سماء الإسلام من مصر.
مريم من السعودية.
طلحة أيضاً من السعودية.
خلود من السعودية.
عزيزة باخلعة من السعودية.
فاطمة من مصر.
نورة أيضاً من السعودية.
مصعب من المغرب.
أيضاً من الإجابات الواردة: خديجة من المغرب.
الأخ: نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية.
وأيضاً أم فجر.
هذه أبرز الإجابات الواردة، ونشكر الإخوة والأخوات الذين تواصلوا معنا خلال هذه الحلقات.
أيضاً: حقيقة تأتي إجابات يا شيخ عبد الله أثناء بداية الدرس، فأنتم تمضون في الشرح وتأتي بعض الإجابات وإن كانت متأخرة، فلعلك تذكر الإخوة أن يبكروا في إرسال إجاباتهم.
الشيخ: حسناً، ولا مانع يا إخوان! أن تكون هناك مشاركة أثناء الدرس، سواءً من الهاتف أو من الإخوة الذين يتصلون عبر البريد الإلكتروني، فلا مانع، فيا شيخ أبا عمار لو وجدت رسالة فاقرأ علينا حتى يكون هناك نوع من التفاعل كما أشارت بعض الأخوات في سؤالها بالأمس.
الشيخ: أما اليوم فسوف نشرح إن شاء الله باب الشروط في النكاح، وهذا الباب هو من أهم الأبواب في العلاقة الاجتماعية بين الرجل والمرأة، فلتتفضل.
المقدم: نعم، أحسن الله إليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم، قال المصنف رحمه الله: [ باب الشروط في النكاح:
إذا اشترطت المرأة دارها أو بلدها أو أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى، فلها شرطها، وإن لم يف به فلها فسخ النكاح؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أحق الشروط أن توفوا بما استحللتم به الفروج ).
و( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة ) وهو: أن يتزوجها إلى أجل معلوم، وإن شرط أن يطلقها في وقت بعينه لم يصح لذلك.
و( نهى عن الشغار )، وهو: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ولا صداق بينهما.
و( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له )، وهو: أن يتزوج المطلقة ثلاثاً ليحللها لمطلقها].
الشيخ: أحسنت!
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم إنا نعوذ بك أن نقول باطلاً، أو أن نفعل فجوراً، اللهم أرنا من فضلك وكرمك وجودك وإنعامك، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
أحبتي الكرام هذا باب الشروط في النكاح، وثمة فرق بين شروط النكاح وبين الشروط في النكاح، وقد سبق أن تحدثنا عن شروط النكاح وذكرناها فلا داعي لإعادتها؛ إلا أننا في هذا الباب أو في هذا المجلس سوف نتحدث عن الشروط في النكاح.
الفرق بين شروط النكاح والشروط في النكاح
الأول: أن شروط النكاح يتوقف عليها صحة العقد وعدم فساده، فعدم وجود الولي، أو عدم وجود المهر، أو عدم وجود الشاهدين يفسد العقد، هذا فرق.
أما الشروط في النكاح فوجودها لا يتوقف عليه صحة العقد، فإن العقد صحيح، ولكن يتوقف عليه لزومه وإمضاؤه، فيبقى فيه الخيار، والخيار لا يكون في عقد إلا أن يكون العقد صحيحاً.
فلو قالت المرأة لزوجها: أقبلك زوجاً لي بشرط أن تطلق زوجتك الأولى، فهذا الشرط فاسد.
ولو قالت المرأة: أقبلك زوجاً بشرط أن أستمر في دراستي فهذا شرط صحيح، فلو تزوجها الزوج ولم يف بهذا الشرط فلها الخيار، فيكون العقد صحيحاً ويبقى الكلام فيه من حيث لزوم العقد أو عدم لزومه.
الفرق الثاني: أن شروط النكاح إنما هي من وضع الخالق، ومن وضع الشارع، وهو دين ندين الله به ولا يصح هذا الأمر إلا بتوفره من الخالق سبحانه، فالبيع له شروط، والذي وضعها هو الله سبحانه وتعالى، والنكاح له شروط وضعها الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما الشروط في النكاح فإنما هي من وضع المخلوق، أي: من وضع المتعاقدين، وهذان فرقان مهمان.
الشرط المتقدم على العقد والمقارن له والمتأخر عنه
أما الشرط قبل العقد، مثلما لو قالت المرأة: أقبلك زوجاً لي إذا ذهبت إلى والدي بشرط أن أكمل دراستي، فقبل إبرام العقد، ورضي بذلك، ثم ذهب إلى وليها فخطبها منه فقبل الولي ولم يذكر شرطاً وعقدوا على ذلك، فإن المرأة ما تزوجت هذا الرجل إلا بوجود هذا الشرط الذي هو قبل العقد، وهذه المسألة وقع فيها خلاف:
فذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وهو رواية عن الإمام أحمد : إلى أن الشرط الذي قبل العقد في حكم الشرط المقترن بالعقد، أي: أن الشرط الذي قبل العقد إذا تراضى عليه الطرفان فهو في حكم الشرط المقترن بالعقد؛ خلافاً للمالكية والشافعية وأكثر الحنفية، والراجح هو ذاك.
أما الشرط بعد إبرام العقد، فكما لو تزوج الرجل المرأة من غير شرط، وصار بينهما خلاف في مسألة دراسة المرأة، هل تكمل المرأة أو لا تكمل؟
فنقول: هل شرط المرأة بعدما وجد زواج بينهما، يعني: كأن تذهب إلى أهلها مغاضبة فيصلحون بينهما، فهي تشترط أن تستمر في دراستها، فيرضى الزوج بذلك، مع العلم أن هذا الشرط غير موجود في العقد، فهل يجب الوفاء بهذا الشرط؟ وإذا أخل به أحد الزوجين فهل للآخر الفسخ أو الخيار؟
نقول: في ذلك خلاف، ورجح ابن رجب رحمه الله: أنه يكون في حكم الشرط المقترن بالعقد، والأقرب أن يقال: إن الشرط الذي بعد إبرام العقد إذا اتفقا عليه ورضياه على استمرار العقد، فإنه يكون في حكم الشرط الموجود في العقد.
القسم الأول من الشروط في النكاح
الشيخ: ندخل في المسألة الثالثة: وهي الشروط في النكاح:
الشروط في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أو دعونا نقول إلى قسمين أفضل فندمج القسم الأول والثاني في قسم واحد، وهذا تقسيم حسن وهو اختيار أكثر المحققين من أهل العلم:
القسم الأول: هو الشرط الصحيح.
وتعريفه: هو كل شرط ليس بمحرم ولا يستلزم التحريم، ولا يخالف مقصود العقد ولا مقصود الشارع.
ومعنى (مقصود العقد): إذا كان الشرط يعود على أصل العقد بالإبطال فيكون شرطاً باطلاً؛ لأنه يخالف مقصود العقد، فلو قالت المرأة لزوجها: أقبلك زوجاً لي بشرط أن لا تستمتع بي، كان شرطاً باطلاً؛ لأنه يخالف مقصود النكاح؛ لأن أصل النكاح هو الديمومة والاستمرار والاستمتاع.
أما مخالفة مقصود الشارع فهو مثلما لو اشترطت المرأة طلاق ضرتها أو طلاق أختها، فهذا شرط لا يخالف مقصود العقد، لأن شروط العقد قد توفرت، ولكن المرأة اشترطت شرطاً يضر بأختها لتستفرغ ما في قصعتها، فهذا شرط يخالف مقصود الشارع، فيكون غير صحيح.
فالشرط الصحيح مثاله: أن تشترط المرأة أن تبقى في دار أمها أو دار أبيها أو دارها، أو أن لا يسافر بها، أو أن تستمر في دراستها، أو أن تستمر في وظيفتها، أو أن تستمر في حضانة ابنها أو بنتها التي من زوج آخر، أو أن يكون لها خادمة، فهذه شروط صحيحة يجب الوفاء بها.
المقدم: يا شيخ! عفواً، ما الفرق بين (شرط محرم أو ليس بمحرم، أو يستلزم التحريم)؟
الشيخ: قولنا: (شرط محرم)، بمعنى: أن لا يخالف نصاً شرعياً، أو يستلزم مخالفة نص شرعي.
ومعنى (يستلزم مخالفة نص شرعي) مثلما لو قالت المرأة: أريد أن يكون لي سائق وأكشف وجهي له، فهذا الشرط محرم، وقولها: (سائق) هذا السائق لي وحدي أتصرف به كما أشاء يستلزم وجود الخلوة، والخلوة محرمة، فهذا لا يجوز.
وقولنا: (لا يخالف مقصود الشارع) بمعنى: أنه لا يلزم وجود دليل من الكتاب والسنة على هذا الشرط، ولكن يلزم أن لا يخالف الكتاب، هذا معنى الشرط الصحيح، وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية وابن القيم ونصره أبو العباس في غير كتاب من كتبه كما في المجلد التاسع والعشرين من مجموع الفتاوى، وكما في القواعد النورانية، وكذا نصره ابن القيم في كتابه: إعلام الموقعين.
والشرط الصحيح حكمه: يجب الوفاء به، وإذا لم يف به الزوج فللزوجة حق الفسخ أو إبطال حقها في ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )، فهذا يدل على أن الشروط يجب الوفاء بها؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].
والشروط في حكم العقود كما قال الإمام أحمد و الشافعي و أبو العباس بن تيمية.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق) دليل على أن الشروط الموجودة في عقد النكاح أولى بالاعتبار من غيرها؛ لأن فيها حفظ الأبضاع وبذلها بالرضا وعدم الكراهة والإكراه.
القسم الثاني من الشروط في النكاح
وتعريفها: هي كل شرط خالف الكتاب والسنة، أو خالف مقصود العقد.
يعني: عكس الشروط الصحيحة، وهذا التقسيم على القول الراجح خلافاً للحنفية والمالكية والشافعية، وهو على إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله، ولا يسع الناس في هذا الزمان إلا هذا، ولو قلنا بغير ذلك لوقع في الناس حرج ومشقة.
مثال الشرط الثاني: شرط الشغار، أن يقول الرجل: أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، أو أزوجك موليتي على أن تزوجني موليتك -كما سوف يأتي تفصيله- بمهر أو بغير مهر.
أو نكاح المتعة، وهي أن يقول الرجل: أتزوجك شهراً، أو لمدة معينة، كما سيأتي تعريف ذلك مفصلاً.
أو يكون الشرط عرفياً، يعني: تعارف الناس عليه ولو لم يصرحا به في العقد فإنه يأخذ حكم الشرط الصريح الفاسد.
فالشرط الفاسد ينقسم إلى: صريح، وضمني، ومعنى (الضمني) إذا تعارف الناس أن هذا الحي أو هذا البلد لا يأتيه شخص يتزوج إلا بقصد المتعة، ومأذونو الأنكحة لا يبرمون إلا بمعنى نكاح المتعة، فهذا يكون حكمه كحكم الشرط الصريح الفاسد.
كما سيأتي تفصيل ذلك.
ودليل الشرط الفاسد قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ) وهذا الحديث متفق عليه من حديث عائشة.
وقوله: (ليس في كتاب الله) ليس المراد به أنه ليس موجوداً في الكتاب والسنة كما ظن ذلك أبو محمد بن حزم ، ولكن المراد كل شرط غير مخالف لكتاب الله؛ لأن ثمة شروطاً غير موجودة في الكتاب، وهي صحيحة بإجماع الفقهاء، مثل: التأجيل في الثمن، أو التأجيل في الصداق.
الشيخ: وبين الشروط في النكاح وبين شروط النكاح فروق أهمها:
الأول: أن شروط النكاح يتوقف عليها صحة العقد وعدم فساده، فعدم وجود الولي، أو عدم وجود المهر، أو عدم وجود الشاهدين يفسد العقد، هذا فرق.
أما الشروط في النكاح فوجودها لا يتوقف عليه صحة العقد، فإن العقد صحيح، ولكن يتوقف عليه لزومه وإمضاؤه، فيبقى فيه الخيار، والخيار لا يكون في عقد إلا أن يكون العقد صحيحاً.
فلو قالت المرأة لزوجها: أقبلك زوجاً لي بشرط أن تطلق زوجتك الأولى، فهذا الشرط فاسد.
ولو قالت المرأة: أقبلك زوجاً بشرط أن أستمر في دراستي فهذا شرط صحيح، فلو تزوجها الزوج ولم يف بهذا الشرط فلها الخيار، فيكون العقد صحيحاً ويبقى الكلام فيه من حيث لزوم العقد أو عدم لزومه.
الفرق الثاني: أن شروط النكاح إنما هي من وضع الخالق، ومن وضع الشارع، وهو دين ندين الله به ولا يصح هذا الأمر إلا بتوفره من الخالق سبحانه، فالبيع له شروط، والذي وضعها هو الله سبحانه وتعالى، والنكاح له شروط وضعها الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما الشروط في النكاح فإنما هي من وضع المخلوق، أي: من وضع المتعاقدين، وهذان فرقان مهمان.
الشيخ: المسألة الثانية: أن المعتبر في الشروط في النكاح هو ما شرطاه، أي ما شرطه الزوج أو الولي أو الزوجة، فالشرط المعتبر هو ما كان حال إبرام العقد، فلو قال الرجل: زوجتك ابنتي بشرط أن لا تسافر بها من الرياض، فهذا شرط في صلب العقد وفي حالة إبرام العقد، وهو لازم بإجماع الفقهاء.
أما الشرط قبل العقد، مثلما لو قالت المرأة: أقبلك زوجاً لي إذا ذهبت إلى والدي بشرط أن أكمل دراستي، فقبل إبرام العقد، ورضي بذلك، ثم ذهب إلى وليها فخطبها منه فقبل الولي ولم يذكر شرطاً وعقدوا على ذلك، فإن المرأة ما تزوجت هذا الرجل إلا بوجود هذا الشرط الذي هو قبل العقد، وهذه المسألة وقع فيها خلاف:
فذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وهو رواية عن الإمام أحمد : إلى أن الشرط الذي قبل العقد في حكم الشرط المقترن بالعقد، أي: أن الشرط الذي قبل العقد إذا تراضى عليه الطرفان فهو في حكم الشرط المقترن بالعقد؛ خلافاً للمالكية والشافعية وأكثر الحنفية، والراجح هو ذاك.
أما الشرط بعد إبرام العقد، فكما لو تزوج الرجل المرأة من غير شرط، وصار بينهما خلاف في مسألة دراسة المرأة، هل تكمل المرأة أو لا تكمل؟
فنقول: هل شرط المرأة بعدما وجد زواج بينهما، يعني: كأن تذهب إلى أهلها مغاضبة فيصلحون بينهما، فهي تشترط أن تستمر في دراستها، فيرضى الزوج بذلك، مع العلم أن هذا الشرط غير موجود في العقد، فهل يجب الوفاء بهذا الشرط؟ وإذا أخل به أحد الزوجين فهل للآخر الفسخ أو الخيار؟
نقول: في ذلك خلاف، ورجح ابن رجب رحمه الله: أنه يكون في حكم الشرط المقترن بالعقد، والأقرب أن يقال: إن الشرط الذي بعد إبرام العقد إذا اتفقا عليه ورضياه على استمرار العقد، فإنه يكون في حكم الشرط الموجود في العقد.
هذه مسألة، وهي المسألة الثانية.
الشيخ: ندخل في المسألة الثالثة: وهي الشروط في النكاح:
الشروط في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أو دعونا نقول إلى قسمين أفضل فندمج القسم الأول والثاني في قسم واحد، وهذا تقسيم حسن وهو اختيار أكثر المحققين من أهل العلم:
القسم الأول: هو الشرط الصحيح.
وتعريفه: هو كل شرط ليس بمحرم ولا يستلزم التحريم، ولا يخالف مقصود العقد ولا مقصود الشارع.
ومعنى (مقصود العقد): إذا كان الشرط يعود على أصل العقد بالإبطال فيكون شرطاً باطلاً؛ لأنه يخالف مقصود العقد، فلو قالت المرأة لزوجها: أقبلك زوجاً لي بشرط أن لا تستمتع بي، كان شرطاً باطلاً؛ لأنه يخالف مقصود النكاح؛ لأن أصل النكاح هو الديمومة والاستمرار والاستمتاع.
أما مخالفة مقصود الشارع فهو مثلما لو اشترطت المرأة طلاق ضرتها أو طلاق أختها، فهذا شرط لا يخالف مقصود العقد، لأن شروط العقد قد توفرت، ولكن المرأة اشترطت شرطاً يضر بأختها لتستفرغ ما في قصعتها، فهذا شرط يخالف مقصود الشارع، فيكون غير صحيح.
فالشرط الصحيح مثاله: أن تشترط المرأة أن تبقى في دار أمها أو دار أبيها أو دارها، أو أن لا يسافر بها، أو أن تستمر في دراستها، أو أن تستمر في وظيفتها، أو أن تستمر في حضانة ابنها أو بنتها التي من زوج آخر، أو أن يكون لها خادمة، فهذه شروط صحيحة يجب الوفاء بها.
المقدم: يا شيخ! عفواً، ما الفرق بين (شرط محرم أو ليس بمحرم، أو يستلزم التحريم)؟
الشيخ: قولنا: (شرط محرم)، بمعنى: أن لا يخالف نصاً شرعياً، أو يستلزم مخالفة نص شرعي.
ومعنى (يستلزم مخالفة نص شرعي) مثلما لو قالت المرأة: أريد أن يكون لي سائق وأكشف وجهي له، فهذا الشرط محرم، وقولها: (سائق) هذا السائق لي وحدي أتصرف به كما أشاء يستلزم وجود الخلوة، والخلوة محرمة، فهذا لا يجوز.
وقولنا: (لا يخالف مقصود الشارع) بمعنى: أنه لا يلزم وجود دليل من الكتاب والسنة على هذا الشرط، ولكن يلزم أن لا يخالف الكتاب، هذا معنى الشرط الصحيح، وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية وابن القيم ونصره أبو العباس في غير كتاب من كتبه كما في المجلد التاسع والعشرين من مجموع الفتاوى، وكما في القواعد النورانية، وكذا نصره ابن القيم في كتابه: إعلام الموقعين.
والشرط الصحيح حكمه: يجب الوفاء به، وإذا لم يف به الزوج فللزوجة حق الفسخ أو إبطال حقها في ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )، فهذا يدل على أن الشروط يجب الوفاء بها؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].
والشروط في حكم العقود كما قال الإمام أحمد و الشافعي و أبو العباس بن تيمية.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق) دليل على أن الشروط الموجودة في عقد النكاح أولى بالاعتبار من غيرها؛ لأن فيها حفظ الأبضاع وبذلها بالرضا وعدم الكراهة والإكراه.
الشيخ: القسم الثاني: الشروط الفاسدة:
وتعريفها: هي كل شرط خالف الكتاب والسنة، أو خالف مقصود العقد.
يعني: عكس الشروط الصحيحة، وهذا التقسيم على القول الراجح خلافاً للحنفية والمالكية والشافعية، وهو على إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله، ولا يسع الناس في هذا الزمان إلا هذا، ولو قلنا بغير ذلك لوقع في الناس حرج ومشقة.
مثال الشرط الثاني: شرط الشغار، أن يقول الرجل: أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، أو أزوجك موليتي على أن تزوجني موليتك -كما سوف يأتي تفصيله- بمهر أو بغير مهر.
أو نكاح المتعة، وهي أن يقول الرجل: أتزوجك شهراً، أو لمدة معينة، كما سيأتي تعريف ذلك مفصلاً.
أو يكون الشرط عرفياً، يعني: تعارف الناس عليه ولو لم يصرحا به في العقد فإنه يأخذ حكم الشرط الصريح الفاسد.
فالشرط الفاسد ينقسم إلى: صريح، وضمني، ومعنى (الضمني) إذا تعارف الناس أن هذا الحي أو هذا البلد لا يأتيه شخص يتزوج إلا بقصد المتعة، ومأذونو الأنكحة لا يبرمون إلا بمعنى نكاح المتعة، فهذا يكون حكمه كحكم الشرط الصريح الفاسد.
كما سيأتي تفصيل ذلك.
ودليل الشرط الفاسد قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ) وهذا الحديث متفق عليه من حديث عائشة.
وقوله: (ليس في كتاب الله) ليس المراد به أنه ليس موجوداً في الكتاب والسنة كما ظن ذلك أبو محمد بن حزم ، ولكن المراد كل شرط غير مخالف لكتاب الله؛ لأن ثمة شروطاً غير موجودة في الكتاب، وهي صحيحة بإجماع الفقهاء، مثل: التأجيل في الثمن، أو التأجيل في الصداق.
الشيخ: هنا نكون قد ضبطنا مسألة الشروط في النكاح، فالشروط في النكاح تنقسم إلى قسمين:
شروط صحيحة، وشروط فاسدة.
الشروط الصحيحة ووجوب الوفاء بها
الشروط الفاسدة المفسدة لعقد النكاح
القسم الأول: شروط محرمة تعود على أصل العقد بالإبطال، وإن شئت قل: وهي الشروط المحرمة التي تخالف مقصود العقد؛ فإنها تكون شروطاً فاسدة مفسدة للعقد.
فالشروط الفاسدة المفسدة للعقد هي الشروط المحرمة التي تعود على أصل العقد بالإبطال، أو التي تخالف مقصود العقد.
مثال ذلك: لو أن امرأة اشترطت على زوجها أن يتزوجها شهراً واحداً -كما سوف يأتي تفصيله في زواج المتعة أو النكاح السياحي أو المصياف كما يسميه بعض الصحفيين وبعض الإعلاميين- فهذا نكاح مؤقت بوقت يعود على أصل عقد النكاح بالإبطال والمخالفة؛ لأن الأصل في النكاح الديمومة والاستمرار والبقاء، فإذا اشترط خلاف ذلك فقد اشترط ما هو مخالف لمقصود العقد.
ومثال ذلك أيضاً: شرط الشغار، كأن يقول: أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، فهذا الشرط مخالف للشرع ويعود على أصل العقد بالإبطال، لأنه سوف يتزوج المرأة من غير رضاها، ومن شروط العقد -كما قلنا- رضا الزوجين.
الشروط الفاسدة التي لا تفسد العقد
مثاله أيضاً: عائشة رضي الله عنها حينما أرادت أن تعتق بريرة فقال أولياء بريرة : تعتقينها يا عائشة ويكون الولاء لنا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :( إنما الولاء لمن أعتق )، فشرطهم هذا شرط فاسد لكن العقد صحيح.
ومثل ذلك: لو أن امرأة اشترطت على زوجها أن لا يأتيها إلا بعد مدة، وهذا نقول: شرط فاسد؛ لأنه يمنع حق الزوج ولكنه لا يخالف مقصود العقد كاملاً، هذه هي أقسام الشروط في النكاح.
الشيخ: الشروط الصحيحة: يجب الوفاء بها، وإذا لم يف الزوج فللمرأة الخيار، إن شاءت أبطلت حقها، وإن شاءت فسخت العقد عند القاضي، ولا يلزم طلاق الزوج؛ لأنه خالف شرطها.
الشيخ: أما القسم الثاني وهو الشروط الفاسدة: فإننا نقسمها من حيث الحكم إلى قسمين:
القسم الأول: شروط محرمة تعود على أصل العقد بالإبطال، وإن شئت قل: وهي الشروط المحرمة التي تخالف مقصود العقد؛ فإنها تكون شروطاً فاسدة مفسدة للعقد.
فالشروط الفاسدة المفسدة للعقد هي الشروط المحرمة التي تعود على أصل العقد بالإبطال، أو التي تخالف مقصود العقد.
مثال ذلك: لو أن امرأة اشترطت على زوجها أن يتزوجها شهراً واحداً -كما سوف يأتي تفصيله في زواج المتعة أو النكاح السياحي أو المصياف كما يسميه بعض الصحفيين وبعض الإعلاميين- فهذا نكاح مؤقت بوقت يعود على أصل عقد النكاح بالإبطال والمخالفة؛ لأن الأصل في النكاح الديمومة والاستمرار والبقاء، فإذا اشترط خلاف ذلك فقد اشترط ما هو مخالف لمقصود العقد.
ومثال ذلك أيضاً: شرط الشغار، كأن يقول: أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، فهذا الشرط مخالف للشرع ويعود على أصل العقد بالإبطال، لأنه سوف يتزوج المرأة من غير رضاها، ومن شروط العقد -كما قلنا- رضا الزوجين.
الشيخ: القسم الثاني من الشروط الفاسدة: شروط فاسدة لا يفسد العقد بها، وهي الشروط التي لا تخالف شروط العقد الخمسة التي ذكرناها أو الأربعة على الخلاف، فهي لا تخالف مقصود العقد ولكنها تخالف مقصود الشارع، ومعنى (مقصود الشارع) أن الشارع نهى عنها، مثالها: لو أن امرأة اشترطت على زوجها أن يتزوجها بشرط أن يطلق زوجته الأولى، فقال: نعم أنا أتزوجك وإن شاء الله سوف أطلقها، فتزوجها ولم يطلقها، هل تقول: لي الخيار؟ نقول: لا، هذا شرط فاسد لا يفسد العقد.
مثاله أيضاً: عائشة رضي الله عنها حينما أرادت أن تعتق بريرة فقال أولياء بريرة : تعتقينها يا عائشة ويكون الولاء لنا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :( إنما الولاء لمن أعتق )، فشرطهم هذا شرط فاسد لكن العقد صحيح.
ومثل ذلك: لو أن امرأة اشترطت على زوجها أن لا يأتيها إلا بعد مدة، وهذا نقول: شرط فاسد؛ لأنه يمنع حق الزوج ولكنه لا يخالف مقصود العقد كاملاً، هذه هي أقسام الشروط في النكاح.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] | 2651 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] | 2533 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] | 2450 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] | 2396 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] | 2316 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] | 2169 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] | 2166 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] | 2128 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] | 2110 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] | 2107 استماع |