أرشيف المقالات

(2) نمط الأخ الفظ الغليظ - أنماط - محمد علي يوسف

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
وهذا نمط مُنفرٌ شديد الخطورة! يكفي لكي تدرك خطورته أن تتأمَّل كلام ربك لنبيه صلى الله عليه وسلم مُبينًا له أنه لو وُجِدَت فيه تلك الصفة -وحاشاه بأبي هو وأمي- إذن لانفض الناس من حوله..
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران من الآية:159].
ويكأن هاتين الخصلتين -الفظاظة والغلظة- كفيلتان بإنهاء تلك الحالة المتماسكة المبهرة التي كان عليها الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم فتأمَّل..

هذا هو المآل الذي لا يدركه كثيرٌ من أهل هذا النمط الغليظ الفظ ويحسبون أنهم بذلك أصحاب رسالة!

وأي رسالة تلك التي لا تُفرِّق بين مواضع الإغلاظ المشروعة {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[1] وبين أصل اللين والرفق والرحمة بالمؤمنين وتأليف قلب المدعوين؟!

أهل هذا النمط يخاطبون الناس كأنما هم محققون أو وكلاء نيابة! وأنت عندهم متهمٌ دائمًا!
فيسألونك تارةً عن أغراضك الخفية وتارة أخرى عن أهدافك (المستخبية) ويتهمون نِيتك وسريرتك ويستهزؤون بما يُسمُّونه (نوعيتك) التي انتشرت وملأت البلد! وبعد كل هذا الاستعلاء والتبكيت يحدثونك عن الكِبْر والاستعلاء الذي تلبستَ به! إذا ما رفضت يومًا أن تقبل المثول في أقفاص اتهامهم وأبيت الاستجابة لمسار تحقيقاتهم وإهاناتهم..

والحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت كثيرًا في ظهور هذا النمط..
إن مجرد إحساس المرء بقدرته على السِّباب، والإهانة من خلف لوحة المفاتيح يعطيه نوعًا من الشجاعة الكاذبة، واللذة الخفية، والإحساس بنصرٍ زائف، ورخيص، وإنى لأعلمُ أناسًا في غاية الخجل، وربما الانطواء خارج الـ" فيس بوك " و"تويتر"، بينما تجدهم على هذه الشبكات فرسان الفظاظة والغلظة وإن كانت الفظاظة لا تملك فرسانًا!

إنها شجاعة من خلف الشاشات، واحتماء بالكيبورد، وأخلاق ضِباعٍ تنضح بالخسة والنذالة.

ثم بدأت تلك الشجاعة، وإن شئت فسَمِّها الوقاحة وقلة الذوق تتخذ منحنى جديدًا فمع كثرة الاحتكاك، والتعامل مع الفظاظة، وسوء الأدب بدأ البعض يفقدون قدرتهم على التفريق بين الواقع الافتراضي، والواقع الحقيقي، وامتدت الوقاحة، والفظاظة لتصير بالتدريج سِمة أصحاب هذا النمط في مجتمعاتنا، وشوارعنا، ومنتدياتنا العامة، والخاصة..
ولدى الكثيرين صارت الآداب والأخلاقيات التي نشأنا عليها وعلَّمنا إيَّاها ديننا = ضعفًا، وقلة حيلة.

صحيح أن كثيرًا من أهل هذا النمط لا علاقة لهم بمواقع التواصل الاجتماعي، وربما لا علاقة لهم بالإنترنت نفسه، لكن هناك نسبة لا بأس بها تكفي لتتأثر بهذه الطبائع..
نسبة حرجة طبيعتها الشبابية تجعلها قادرة على التأثير فيمن حولها ممن لم يُباشر بنفسه تلك الوسائل الحديثة، لكن ريحها قد تسرَّب إلى أنفه، وعقله من خلال التعامل مع من يُباشرونها.

المشكلة أن الحياة الحقيقية ليس فيها حظر أو ما يُعرَف بـ"البلوك"، وهو الوسيلة التي يتعامل بها رواد تلك المواقع مع من يضايقونهم ويؤذونهم بألفاظهم وفظاظتهم!

في الحياة الواقعية سنظل نعيش معًا، ولا بُدَّ أن نسمع لبعض وأن نتعلَّم كيف ندعو إلى وجهة نظرنا وكيف نُغيِّر ما حولنا..
لا بُدَّ أن نتعلَّم كيف نتحاور وكيف نغرِس الوعي ونُوصل رسالتنا لغيرنا هذا إن كُنَّا حقًا أصحاب رسالة نريد لها أن تصل وتسمو بها الأرواح، وتعي معانيها العقول.
ولسنا أصحاب سياط وجلادين نصلِي ظهور من يخالفنا معاقبين بفظاظة مُنفِّرين ولمن حولنا فاضين ومُبعِدين..

لا بُدَّ لهذا النمط الفظ الغليظ من وقفةٍ مع النفس ..
قبل أن يجد حياته وحياتنا قد تحوَّلت إلى صفحة تواصل اجتماعي فظة غليظة تصير فيها الفظاظة أسلوبًا للحياة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- [التحريم من الآية:9].
 

شارك الخبر

المرئيات-١