خطب ومحاضرات
عمدة الفقه - كتاب الحج [5]
الحلقة مفرغة
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أهلاً وسهلاً بكم أيها الأحبة المشاهدون في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، وفي درس عمدة الفقه للإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى.
يسعدنا في بداية هذه الحلقة: أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله بن ناصر السلمي ، الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء، فحياكم الله يا شيخ! عبد الله في بداية هذه الحلقة.
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.
الشيخ: الشكر موصول للإخوة الكرام الذين قدموا للأستوديو وسيشاركوننا بإذن الله تعالى، وسيثرون هذه الحلقة، نسأل الله أن يجزيهم عنا خير الجزاء.
لكم أنتم أيها الأحبة المشاهدون في كل مكان خير شكر على تواصلكم معنا واستمراركم في دعم برنامجنا، والذي هو بعد عون الله تعالى خير دافع لنا في تقديم المزيد من مثل هذه البرامج.
نرحب أيها الأحبة بمشاركاتكم عبر الموقع الإلكتروني للأكاديمية دبليو دبليو دبليو دوت إسلام أكاديمي دوت نت، كما يسعدنا تلقي اقتراحاتكم وملحوظاتكم أيضاً عبر الموقع، ويسعدنا تلقي أسئلتكم ومشاركاتكم عبر الهواتف التي تظهر تباعاً على الشاشة، نرحب بكم مرة أخرى، ونسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن ينفعنا بما نسمع ونقول، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونطلب من الشيخ عبد الله يتفضل مشكوراً مأجوراً بابتداء هذه الحلقة، تفضل يا شيخ عبد الله !
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
وصلنا إلى قول المؤلف: [ويستحب أن ينطق بما أحرم به ويشترط]، فتتفضل فضيلة الشيخ تقرأ ما بقي من هذا الفصل.
المقدم: نعم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشترط ويقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران، وأفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران، والتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه، والإفراد: أن يحرم بالحج وحده، والقران أن يحرم بهما أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليه الحج، ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد إحرامه بالعمرة، فإذا استوى على راحلته لبى فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويستحب الإكثار منها ورفع الصوت بها لغير النساء، وهي آكد فيما إذا على نشزاً، أو هبط وادياً، أو سمع ملبياً، أو فعل محظوراً ناسياً، أو لقي ركباً وفي أدبار الصلاة المكتوبة، وبالأسحار وإقبال الليل والنهار].
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: (ويستحب أن ينطق بما أحرم به)، ذكرنا أحبتي الكرام في درس سابق: أن النطق بالتلبية مستحب، ولم نكمل بسبب ضيق الوقت، فلعلنا نكمل بقية هذه المسألة.
النطق بالإحرام مستحب، ومعنى النطق أن يقول: لبيك عمرة، أو لبيك حجاً، أو لبيك عمرة وحجاً، فيستحب له أن ينطق بما أحرم به، وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبي، وأن الصحابة كانوا يلبون، بل ربما رفعوا أصواتهم بذلك، كما كان أبو حازم يقول: كانوا -يعني بذلك الصحابة- يلبون حتى إذا بلغو الروحاء بحت أصواتهم. وكما جاء في حديث الخلاد بن السائب بن يزيد الأنصاري عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أتاني
أجاب الجمهور فقالوا: إن حديث خلاد بن السائب عن أبيه غايته هو الأمر برفع الصوت، وقد أجمعنا نحن وإياكم على أن رفع الصوت ليس بواجب، فدل ذلك على أن التلبية شيء، ورفع الصوت شيء آخر، فلا يصح دليلاً لهم، فالقول بأن التلبية مستحبة وغير لازمة، وأن مجرد نيته كافٍ في دخول النسك هو قول الجمهور، وهو أظهر وأقوى، والله تبارك وتعالى أعلم.
مسألة أخرى: وهي التلفظ بالنية، فنقول: إن بعض الفقهاء في كتبهم يقول: ويستحب أن ينطق بما نوى فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، يعني: اللهم إني أريد عمرة متمتعاً بها إلى الحج، أو: اللهم إني أريد الحج، أو: اللهم إني أريد العمرة والحج، هكذا هو المراد، أما: اللهم إني نويت أن أحج هذا العام مفرداً وغير ذلك، فقد ذكر أهل العلم في بعض كتبهم كبعض أصحاب الشافعي وبعض الحنابلة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه بإسناد صحيح أنهم كانوا يتلفظون بالنية، إنما كانوا يتلفظون بالإهلال بما يريدون أن يهلوا به: حجاً، أو عمرة وحجاً، وهذا هو الأظهر، والله تبارك وتعالى أعلم، سواءً كان في الحج أو غيره من العبادات، فلا تقل: اللهم إني أريد أن أصلي صلاة الظهر فاقبلها مني ثم تكبر، هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: يقول المؤلف: (ويشترط).
يعني: ويستحب له حين إحرامه أن يشترط، هذا هو مذهب الحنابلة، وهو أن الاشتراط مستحب سواء احتاج إليه أو لم يحتج، وهذا هو قول عمر، و علي بن أبي طالب، وهو قول عائشة رضي الله تعالى عنها، وغير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقالوا: إن فائدة الاشتراط أمران:
الأول: أنه إن عاقه عائق من عدو، أو مرض، أو خوف، أو منعه من الاستمرار في أداء نسكه كالحائض والنفساء فله أن يتحلل من غير إحرام.
الثاني: أنهم إذا تحللوا وخلعوا إحرامهم لا يلزمهم دم، ولا يلزمهم الاستمرار في العبادة، هذا هو معنى وفائدة الاشتراط.
وذهب أبو حنيفة و مالك إلى أن الاشتراط لا يشرع ولا يصح، واستدلوا على ذلك بما روى النسائي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه نهى عن الاشتراط، وقال: حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يشترط.
وذهب الشافعي إلى أن الاشتراط جائز ولا يشرع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة ولم يشترطه، فدل على أن تركه هو المستحب.
واختار أبو العباس بن تيمية قولاً وهو جمع بين هذه الأقوال فقال: متى احتاج الحاج أو المعتمر أو خاف عدم إدراك العمرة أو الحج فإنه يشرع له أن يشترط، وأما إذا لم يحتج لذلك مثل أن يكون قوياً فإنه لا يشرع له أن يشترط، ويكون الاشتراط في حقه جائزاً، والأقرب هو قول ابن تيمية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشترط؛ لأنه حين إحرامه كان ناوياً وقادراً بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، وأما أنه أمر ضباعة بنت الزبير كما سوف يأتي في مشروعية الاشتراط فذلك يدل على أن الإنسان متى ما احتاج إلى ذلك فلا بأس أن يشترط، وهذا القول أحسن لكونه جمعاً بين الأقوال.
وأما الاشتراط فدليله ما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس : ( أن
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: (وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران).
هذه الأنساك الثلاثة يشرع للحاج أن يهل بالتمتع والإفراد والقران، هذا هو قول عامة أهل العلم، بل نقل الإجماع على جواز هذه الأنساك غير واحد من أهل العلم، كالإمام الشافعي في كتاب الأم، والإمام النووي ، و ابن قدامة، وغير واحد من أهل العلم، قال الشافعي : لا أعلم خلافاً في أن التمتع والإفراد والقران واسع كله، وهذا هو قول عامة الفقهاء من الأئمة الأربعة وغيرهم، وخالف في ذلك ابن حزم و ابن القيم وبعض الفقهاء المعاصرين، فقالوا: إن التمتع واجب، وأن الإفراد منسوخ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب على من جاء مكة قبل يوم التروية أن يهل بالمتعة يعني: يكون متمتعاً، واستدلوا على ذلك بأدلة، أعني بهم أصحاب القول الثاني، ونسبوا هذا إلى ابن عباس ، وفي نسبة القول إلى ابن عباس محل تأمل ونظر.
أما استدلالهم على وجوب التمتع فهو بأن قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث جابر ، ومثله عند مسلم ، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن ( النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يفسخوا الإفراد ويجعلوها عمرة ) وقالوا كما قال جابر: فلما قدمنا طفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، فقال لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم: (أحلوا من إحرامكم) قلنا: أي الحل؟ قال: (الحل كله) قالوا: كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج؟! يعني كنا مفردين، قال: ( افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي لفعلت مثلما أمرتكم به )، وفي رواية من حديث جابر : ( أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت، وبالصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج ثم اهدوا، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام، وسبعة إذا رجعتم).
قالوا: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة بوجوب فسخ القران والإفراد إلى المتعة دليل على أن ذلك هو الواجب، قالوا: وهذا الأمر أوجبه عليه الصلاة والسلام لأصحابه إلى يوم الدين، واستدلوا على ذلك بأن قالوا: أن سراقة بن مالك بن جعشم قال كما في صحيح مسلم : ( يا رسول الله! أرأيت عمرتنا هذه؟ -يعني فسخ الحج إلى عمرة- ألعامنا هذا أم لأبد الأبد؟ قال: بل لأبد الأبد، وشبك بين أصابعه ، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)، بل قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: ونشهد الله علينا! أنا لو أحرمنا بالحج لرأينا أن نفسخها إلى عمرة تفادياً من غضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واتباعاً لأمره، فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده، ولا صح حرف واحد يعارضه، ولا خص به أصحابه على من جاء بعدهم، هذا كلام ابن القيم رحمه الله، ولا شك أنه مؤمن بهذا القول، وإن كان قول الأئمة الأربعة وما نقل فيه من إجماع أظهر، والله أعلم.
واستدل الجمهور على أن الأنساك الثلاثة مستحبة كلها بأدلة الدليل الأول: هو ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفسي بيده! ليهلن ابن مريم ) وابن مريم هو عيسى عليه السلام، ( والذي نفسي بيده! ليهلن ابن مريم بفج الروحاء )، يعني قريباً من ذي الحليفة ( حاجاً، أو معتمراً، أو ليثنينهما )، معنى (حاجاً) يعني: مفرداً، (أو معتمراً) يعني: متمتعاً، (أو ليثنينهما) يعني قارناً، وقوله عليه الصلاة والسلام بهذا الاختيار (أو .. أو) دليل على أن جعل ذلك على حسب استطاعة واختيار عيسى بن مريم حينما ينزل وقت آخر الزمان، وعيسى سوف يتبع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن عيسى إذا نزل فسوف يتبع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن شريعة محمد في الأنساك الثلاثة قائمة لا منسوخة، وهذا أظهر.
الدليل الثاني الذي استدل به الجمهور: حديث عائشة حيث قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج. فهذا يدل على أن الإهلال جائز، وأما أمره عليه الصلاة والسلام بأن يفسخوها عمرة فنقول: هذا حق، وأنه يستحب لكل من أهل بالإفراد أن يفسخها إلى عمرة، ولكن ذلك لا يجب إلا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وجمعنا هذا بسبب حديث أبي هريرة وقوله: ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ) بمعنى: أنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة إلى يوم القيامة، أما وجوبه فإنما ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم.
هنا قد يرد سؤال، فلقائل أن يقول: ما سبب وجوبها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تجب في عهدنا؟
نقول: السبب: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- كان يريد مخالفة المشركين بما كانوا يعتقدونه في جاهليتهم، وقد كانت قريش ترى أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، كما روى البخاري و مسلم من حديث ابن عباس : أن قريشاً كانت ترى العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفى الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة وقد أهلوا بالحج فقال: ( أحلوا من إحرامكم ) قالوا: يا رسول الله! كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج؟ قال: ( افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به )، قالوا: هذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بذلك ليقطع فكرة عدم جواز العمرة في أشهر الحج، وهذا القول قوي، ومعنى: (إذا برأ الدبر) أنهم كانوا إذا جاءوا من الحج فإن الإبل يكون عليها أثر بسبب السرج والقتب الذي تحملها في حملها، فيقول: (إذا برأ الدبر) يعني شفي هذا الذي على ظهر الدابة، وعفى الأثر، يعني: مع شفائه يزول جميع الأثر.
(وانسلخ صفر) لأنهم يرون النسأ، فيجعلون محرماً صفراً، (فقد حلت العمرة لمن اعتمر) وهذا القول أقوى، والله تبارك وتعالى أعلم، وهو جواز فسخ الحج أو القران إلى عمرة، وأن وجوبها إنما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ويبقى الاستحباب إلى يوم الدين.
مذهب القائلين بأفضلية التمتع على غيره من الأنساك
المؤلف رحمه الله يقول: (وأفضلها التمتع)، وهذا هو قول ابن عباس، أما أنه يرى أن التمتع واجب ولا يجوز الإفراد والقران كما هو مذهب ابن حزم ومن تبعه إلى ذلك فهذا محل تأمل ونظر كما قلنا، وذلك أن ابن عباس يرى أن كل من طاف بالبيت قبل عرفة أو بعد عرفة فقد حل من إحرامه، فمن طاف بالبيت ولبى بالحج قبل يوم عرفة فيجب عليه أن يجعلها عمرة، أما لو لبى بالحج ولم يأت البيت إلا بعد عرفة فإنه يصح عنه أن يكون مفرداً، أما لو لبى بالحج ولم يأت البيت حتى جاءها من عرفة بعد عرفة فإنه يصح أن يكون مفرداً، ودليله: مثل ذلك حديث عروة بن مضرس حيث أنه جاء ولبى بالحج، ووقف بعرفة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: والله يا رسول الله! جئت من جبل طي، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، ما تركت من جبل إلا وقفت فيه، فهل لي من حج؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن له الحج كما سوف يأتي إن شاء الله استطراداً وتكملة لما سوف يذكره المؤلف، هذا هو معنى قول ابن عباس ، أما أنه يرى عدم جواز الإفراد أو القران فهذا ليس بصحيح، فـ ابن عباس يرى أن من طاف بالبيت قبل عرفة أو بعده فقد حل، فمن أراد الإفراد أو أراد القران فلا يأت البيت قبل عرفة، هذا قول ابن عباس، وإن كان الراجح هو قول الجمهور وهو أنه يجوز الأنساك الثلاثة.
أما كون أفضلها التمتع فقد بينوا ذلك بأن قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك فقال: ( افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به، إلا أنه لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله )، وهذا هو قول الإمام أحمد في المشهور عنه، بل يروى أن أحد أصحابه وهو سلمة بن شبيب قال: يا أبا عبد الله ! قويت أهل البدع -يقصد بذلك الروافض وغيرهم- تقول بالمتعة، وفي رواية أنه قال للإمام أحمد -وهذه من الاعتماد على النص، مهما حصل- قال سلمة : يا أبا عبد الله ! كل أمرك عندي حسن إلا أنك تقول بالمتعة، يعني: كل أمرك جيد إلا أنك تقول بالمتعة، قال الإمام أحمد رحمه الله -وهذا يعني تلطف من العالم بالتلميذ إذا رأى أنه لم يحسن السؤال- قال: يا سلمة ! قد كان الناس يقولون عنك أنك أحمق، وكنت أدافع عنك، فلم أعلم أنك أحمق إلا هذه الساعة، عندي أحد عشر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فسخ الحج إلى عمرة، فهل أدعها لقولك؟ الله أكبر، وهذا من الاعتصام بالكتاب والسنة، وقال رحمه الله: لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً، وقيل له: إن بعض الناس يقولون: إنه كان مفرداً، قال: أو يقول أحد؟ لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً يقصد بذلك القران، وهذا قول الإمام أحمد كما مر معنا، وهو قول ابن عباس ، واستدلوا كما مر معنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم، ولا يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما هو أفضل، بل يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم تأسف لذلك، فقال: ( لولا أني سقت الهدي ).
مذهب القائلين بأفضلية الإفراد على غيره من الأنساك
وقد استدلوا على ذلك بما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج، وحديث عائشة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، قالوا: فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفرداً.
أجاب أصحاب القول الأول فقالوا: إن قول الصحابة غلط وقال ابن تيمية: الغلط ليس في نقل الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما الغلط في من جاء بعدهم، وذلك أن الصحابة إذا قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج يقصدون بذلك: أفرد أعمال الحج، وليس معنى كلامهم أنهم قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم صار مفرداً؛ لأن المفرد والقارن عملهما واحد، إلا أن القارن ينوي أن يكون عمرته وحجه سواء، ويكون طوافه بالبيت وسعيه بين الصفا والمروة يجزئ عن حجه وعمرته، فإذا قال الصحابة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أفرد الحج فإنهم يقصدون بذلك أعمال الحج؛ لأن المفرد والقارن عملهما سواء إلا في النية والهدي.
قالوا: ومما يدل على ذلك أن الراوي عن ابن عمر هو بكر بن عبد الله المزني، وقد أخطأ في ذلك فظن أن ابن عمر حينما قال: أفرد الحج أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى بالحج وحده، ولهذا قال بكر لـأنس : إني سألت ابن عمر فقال: لبى بالحج وحده، قال أنس : ما تعدوننا إلا صبياناً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل بهما جميعاً: لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً، وهذا أظهر، ومما يدل على ذلك: حديث عمران بن حصين حيث قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه، ومعنى التمتع هو: أخذ عمرة وحجة في سفرة واحدة، فإن ساق الهدي صار قارناً، وهذا الأظهر، والله أعلم.
مذهب القائلين بأفضلية القران على غيره من الأنساك
قال ابن تيمية وهو رواية عن أحمد -وهذا هو الأقوى، والله أعلم- قال: أفضل الأنساك: سوق الهدي من الميقات، وأن يكون قارناً، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره ربه بذلك، كما في الصحيحين من حديث عمر أن النبي قال: ( أتاني الليلة آت من ربي وقال: صل في هذا الواد المبارك وقل: عمرة في حجة )، وقد ساق الهدي من ذي الحليفة، كما أشار إلى ذلك ابن عمر وغيره، قالوا: ولا يختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وصفيه وخليله إلا ما هو الأفضل، فالرسول صلى الله عليه وسلم ساق الهدي؛ لأن الله اختار له ذلك وأهل قارناً، قالوا: وأما قوله: ( فإني لولا أني سقت الهدي )، فإنما قاله جبراً لخواطر الصحابة، وهذا ديدنه وسنته وشريعته وهو أنه ربما يترك الفاضل إلى المفضول جبراً لخواطر الناس، وهذا القول أقوى، فإذا شق ذلك عليه بألا يستطيع أن يسوق الهدي فإن الثاني مرتبة هو التمتع، ثم الإفراد، ثم القران لمن لم يسق الهدي، فالراجح: هو سوق الهدي مع القران، فإن لم يكن سوق هدي فالأفضل التمتع، فإن لم يستطع فالأفضل الإفراد، وإلا فالقران مع عدم سوق الهدي، هذا هو الأفضل.
الشيخ: إذا ثبت جواز هذه الأنساك الثلاثة، فأي الأنساك أفضل؟
المؤلف رحمه الله يقول: (وأفضلها التمتع)، وهذا هو قول ابن عباس، أما أنه يرى أن التمتع واجب ولا يجوز الإفراد والقران كما هو مذهب ابن حزم ومن تبعه إلى ذلك فهذا محل تأمل ونظر كما قلنا، وذلك أن ابن عباس يرى أن كل من طاف بالبيت قبل عرفة أو بعد عرفة فقد حل من إحرامه، فمن طاف بالبيت ولبى بالحج قبل يوم عرفة فيجب عليه أن يجعلها عمرة، أما لو لبى بالحج ولم يأت البيت إلا بعد عرفة فإنه يصح عنه أن يكون مفرداً، أما لو لبى بالحج ولم يأت البيت حتى جاءها من عرفة بعد عرفة فإنه يصح أن يكون مفرداً، ودليله: مثل ذلك حديث عروة بن مضرس حيث أنه جاء ولبى بالحج، ووقف بعرفة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: والله يا رسول الله! جئت من جبل طي، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، ما تركت من جبل إلا وقفت فيه، فهل لي من حج؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن له الحج كما سوف يأتي إن شاء الله استطراداً وتكملة لما سوف يذكره المؤلف، هذا هو معنى قول ابن عباس ، أما أنه يرى عدم جواز الإفراد أو القران فهذا ليس بصحيح، فـ ابن عباس يرى أن من طاف بالبيت قبل عرفة أو بعده فقد حل، فمن أراد الإفراد أو أراد القران فلا يأت البيت قبل عرفة، هذا قول ابن عباس، وإن كان الراجح هو قول الجمهور وهو أنه يجوز الأنساك الثلاثة.
أما كون أفضلها التمتع فقد بينوا ذلك بأن قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك فقال: ( افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به، إلا أنه لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله )، وهذا هو قول الإمام أحمد في المشهور عنه، بل يروى أن أحد أصحابه وهو سلمة بن شبيب قال: يا أبا عبد الله ! قويت أهل البدع -يقصد بذلك الروافض وغيرهم- تقول بالمتعة، وفي رواية أنه قال للإمام أحمد -وهذه من الاعتماد على النص، مهما حصل- قال سلمة : يا أبا عبد الله ! كل أمرك عندي حسن إلا أنك تقول بالمتعة، يعني: كل أمرك جيد إلا أنك تقول بالمتعة، قال الإمام أحمد رحمه الله -وهذا يعني تلطف من العالم بالتلميذ إذا رأى أنه لم يحسن السؤال- قال: يا سلمة ! قد كان الناس يقولون عنك أنك أحمق، وكنت أدافع عنك، فلم أعلم أنك أحمق إلا هذه الساعة، عندي أحد عشر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فسخ الحج إلى عمرة، فهل أدعها لقولك؟ الله أكبر، وهذا من الاعتصام بالكتاب والسنة، وقال رحمه الله: لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً، وقيل له: إن بعض الناس يقولون: إنه كان مفرداً، قال: أو يقول أحد؟ لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً يقصد بذلك القران، وهذا قول الإمام أحمد كما مر معنا، وهو قول ابن عباس ، واستدلوا كما مر معنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم، ولا يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما هو أفضل، بل يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم تأسف لذلك، فقال: ( لولا أني سقت الهدي ).
الشيخ: القول الثاني في المسألة -وهو قول مالك و الشافعي - حيث قالوا: إن الإفراد أفضل، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقد استدلوا على ذلك بما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج، وحديث عائشة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، قالوا: فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفرداً.
أجاب أصحاب القول الأول فقالوا: إن قول الصحابة غلط وقال ابن تيمية: الغلط ليس في نقل الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما الغلط في من جاء بعدهم، وذلك أن الصحابة إذا قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج يقصدون بذلك: أفرد أعمال الحج، وليس معنى كلامهم أنهم قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم صار مفرداً؛ لأن المفرد والقارن عملهما واحد، إلا أن القارن ينوي أن يكون عمرته وحجه سواء، ويكون طوافه بالبيت وسعيه بين الصفا والمروة يجزئ عن حجه وعمرته، فإذا قال الصحابة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أفرد الحج فإنهم يقصدون بذلك أعمال الحج؛ لأن المفرد والقارن عملهما سواء إلا في النية والهدي.
قالوا: ومما يدل على ذلك أن الراوي عن ابن عمر هو بكر بن عبد الله المزني، وقد أخطأ في ذلك فظن أن ابن عمر حينما قال: أفرد الحج أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى بالحج وحده، ولهذا قال بكر لـأنس : إني سألت ابن عمر فقال: لبى بالحج وحده، قال أنس : ما تعدوننا إلا صبياناً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل بهما جميعاً: لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً، وهذا أظهر، ومما يدل على ذلك: حديث عمران بن حصين حيث قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه، ومعنى التمتع هو: أخذ عمرة وحجة في سفرة واحدة، فإن ساق الهدي صار قارناً، وهذا الأظهر، والله أعلم.
الشيخ: القول الثالث قول أبي حنيفة : أن القران أفضل؛ لأنه يرى رحمه الله أن القران فيه سعيان وفيه طوافان، وهذا خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول عائشة وقد كانت قارنة: ( طوافك بالبيت، وسعيك بين الصفا والمروة يجزئ عن عمرتك وحجتك جميعاً ).
قال ابن تيمية وهو رواية عن أحمد -وهذا هو الأقوى، والله أعلم- قال: أفضل الأنساك: سوق الهدي من الميقات، وأن يكون قارناً، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره ربه بذلك، كما في الصحيحين من حديث عمر أن النبي قال: ( أتاني الليلة آت من ربي وقال: صل في هذا الواد المبارك وقل: عمرة في حجة )، وقد ساق الهدي من ذي الحليفة، كما أشار إلى ذلك ابن عمر وغيره، قالوا: ولا يختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وصفيه وخليله إلا ما هو الأفضل، فالرسول صلى الله عليه وسلم ساق الهدي؛ لأن الله اختار له ذلك وأهل قارناً، قالوا: وأما قوله: ( فإني لولا أني سقت الهدي )، فإنما قاله جبراً لخواطر الصحابة، وهذا ديدنه وسنته وشريعته وهو أنه ربما يترك الفاضل إلى المفضول جبراً لخواطر الناس، وهذا القول أقوى، فإذا شق ذلك عليه بألا يستطيع أن يسوق الهدي فإن الثاني مرتبة هو التمتع، ثم الإفراد، ثم القران لمن لم يسق الهدي، فالراجح: هو سوق الهدي مع القران، فإن لم يكن سوق هدي فالأفضل التمتع، فإن لم يستطع فالأفضل الإفراد، وإلا فالقران مع عدم سوق الهدي، هذا هو الأفضل.
صفة التمتع
الإحرام بالتمتع لم يذكر المؤلف رحمه الله إلا صفة واحدة، قال: (أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه)، هنا مسألة: أولاً: أنه لا يكون متمتعاً إلا أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، وأشهر الحج هي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، فعلى هذا يقول: إذا كان في شوال إلى ليلة العيد له أن يقول: لبيك عمرة ويستطيع أن يكملها، ثم بعد ذلك يذهب إلى عرفة إذا كان يستطيع أن يقف بعرفة وينهي عمرته.
فعلى هذا: لو أحرم بالعمرة عصر يوم الثلاثين من رمضان لا يكون متمتعاً؛ لأنه أحرم قبل أشهر الحج، والمؤلف يقول: في أشهر الحج، وهذا هو الصحيح.
الثاني يقول: (ويفرغ منها)، فعلى هذا: لو أنه أهل بالعمرة ولم يستطع أن يطوف بالبيت حتى خشي فوات الحج، فإنه والحالة هذه يدخل الحج على العمرة ويصير قارناً، وهذا مثلما حصل لـعائشة رضي الله عنها قالت عائشة كما في صحيح مسلم : فأهللت بعمرة فحضت، فلم أزل حائضاً حتى كان يوم عرفة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن أنقض رأسي وأمتشط وأهل بالحج، يعني: أدخلت الحج على العمرة، فهذا معنى قول المؤلف: (ويفرغ منها).
أما إذا لم يستطع أن يفرغ منها وخشي فوات عرفة فلا يكون متمتعاً، فلو أنه أحرم بالعمرة في أشهر الحج ولم يفرغ منها فإننا نقول: لا يكون متمتعاً، ومن التمتع الذي لم يذكره المؤلف: هو أن يهل بالإفراد في أشهر الحج ثم يفسخها إلى عمرة سواء بعد الطواف والسعي أو قبل الطواف والسعي.
فمثلاً: شخص قال: لبيك عمرة وحجاً، هذا يصير قارناً، أو يقول: لبيك حجاً، فجاءنا فقال: أيهما أفضل؟ نقول: الأفضل أن تكون متمتعاً إذا لم تسق الهدي، قال: أنا الآن أهللت بالإفراد أو أهللت بالقران قلنا له: اجعلها عمرة، فطف بالبيت، واسع بين الصفا والمروة، وقصر، وأقم حلالاً، هذا الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فهذا يدل على أنه لو أهل بالحج أو أهل بالقران: لبيك عمرة وحجا، فإن له أن يفسخها إلى عمرة، هذه الصورة الثانية التي لم يذكرها المؤلف، وقلنا: سواء فسخها قبل الطواف والسعي أو بعد الطواف والسعي، خلافاً للجمهور حيث جوزوا فسخها قبل الطواف والسعي، وحرموها ومنعوها بعد الطواف، والصحيح أنه يجوز بعد الطواف والسعي، ودليل ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر قال في الحديث الطويل: ( حتى إذا كنا في آخر طواف على المروة )، هذا يعني أنهم طافوا مهلين بالحج، وسعوا وهم مهلين بالحج، قال: حتى إذا كنا بآخر طواف على المروة قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أحلوا من إحرامكم ) قالوا: يا رسول الله! كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج؟ قال: ( افعلوا مثلما آمركم به )، فهنا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفسخوها بعد الطواف، فإذا جاز بعد الطواف فلأن يجوز قبل الطواف من باب أولى، وقد ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر.
صفة الإفراد
بمعنى أن يقول: لبيك حجاً فقط، فيستمر على إحرامه حتى يرمي جمرة العقبة ويقصر أو يحلق، فيكون قد تحلل التحلل الأول، فإذا طاف طواف الإفاضة يكون قد تحلل التحلل الكامل، هذا معنى الإفراد، بمعنى أن يقول: لبيك حجاً، ثم يطوف طوافه الأول ويكون في حقه مستحباً، وهو الذي يسمى في حق المفرد: طواف القدوم، ثم يسعى بين الصفا والمروة، ويبقى على إحرامه، ولا يجوز له أن يفعل التقصير؛ لأنه محظور عليه، ويستمر على إحرامه حتى يوم العيد بأن يرمي جمرة العقبة ويقصر أو يحلق، فيكون قد تحلل التحلل الأول، ثم بعد ذلك يطوف طواف الإفاضة فيكون قد تحلل التحلل الكامل.
بالمناسبة: بعض الناس يقول: أنا مفرد، نقول: ما معنى مفرد؟ يقول: لا أريد أن أذبح هدياً فيطوف، ويسعى، ويحلق أو يقصر، ويلبس ثيابه، فهنا يكون تقصيره ولبسه لثيابه محظوراً من محظورات الإحرام، فيجب عليه أن يخلع ثيابه، ويلبس إحرامه، ولا عليه شيء؛ لأنه فعل ذلك جاهلاً أو ناسياً، كما في حديث صاحب الجبة الذي مر معنا فقال: ( اخلع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك )، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن محظورات الإحرام يعفى عنها مع الجهل والنسيان.
هذا معنى الإفراد، وقد ذكر المؤلف صورة واحدة له، ومن صور الإفراد: أن يهل بالعمرة في رمضان، مثل إخواننا الذي يأتون من بلاد غير بلاد الحرمين، فيأتون فيأخذون عمرة في رمضان، ويقولون: سوف نبقى في مكة حتى الحج فنقول: أنتم الآن الأفضل في حقكم أن تبقوا في مكة، فإذا جاء يوم التروية أهلوا بالحج، فتكونون مفردين؛ لأن عمرتكم هذه قبل أشهر الحج، ولهذا يقول ابن تيمية : يكونون مفردين باتفاق الفقهاء.
صفة القران
ذكر المؤلف للقران صورتين:
الصورة الأولى: أن يحرم بهما، بمعنى أن يقول: لبيك عمرةً وحجاً، فيكون قارناً، ودليل ذلك: قول النبي: ( أتاني الليلة آت من ربي وقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة )، والأفضل أن يقول ابتداء: لبيك عمرة وحجاً من أراد أن يكون قارناً.
الصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج، وقد قال ابن عمر كما في الصحيحين: (وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج)، يعني: أنه أدخل الحج على العمرة، هذا هو فهم ابن عمر، وفهم ابن عباس و جابر و أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما لبى بالحج والعمرة جميعاً.
ومما يدل على أنه يهل بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قصة عائشة رضي الله عنها حينما أهلت بالعمرة فلم تستطع أن تكمل عمرتها فأدخلت الحج على العمرة، ومعنى إدخال الحج على العمرة بأن يكون قارناً، أهل بالعمرة وهو التمتع، ثم أدخل عليه الحج فصار قارناً.
هنا مسألة تحصل كثيراً، وهي أن بعض الناس يذهب إلى الحج بالطائرة فتطير عصر أو صبيحة يوم التاسع، فيقول: لبيك عمرة، فإذا حاذى الميقات وهو في الطائرة يقول: لبيك عمرة، فهو يريد التمتع، ولكنه بسبب زحام المطار لا يستطيع أن يأتي البيت، بل ربما غربت الشمس وهو لم يخرج من المطار، فماذا نقول له؟ نقول: أدخل الحج على العمرة فتكون قارناً، فتقول: لبيك عمرة وحجاً، وانطلق بعد ذلك إلى عرفة، هذا قول جمهور أهل العلم، فهو يدخل الحج في العمرة ويغير نيته من التمتع إلى القران، وللمعلومية فإن السلف رضي الله عنهم يقصدون بالتمتع صورتين:
الصورة الأولى: التمتع الخاص وهو: أن يهل بعمرة فقط، حتى إذا انتهى منها أهل بالحج يوم التروية، وهذا التمتع المعروف الذي يذكره الفقهاء.
الصورة الثانية: التمتع الذي بمعنى القران وهو: أن يهل بالعمرة والحج جميعاً، وسمي هذا تمتعاً لأن التمتع المراد به عند السلف وعند الصحابة أن يهل بعمرة أو أن يأخذ عمرة وحجة في سفرة واحدة فيكون متمتعاً، سواءً تمتع بعمرة فقط ثم أهل بالحج يوم التروية، أم لبى بالعمرة والحج جميعاً، وعلى هذا: فقوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] يدخل في ذلك القارن والمتمتع.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] | 2651 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] | 2533 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] | 2450 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] | 2396 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] | 2316 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] | 2169 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] | 2166 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] | 2128 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] | 2110 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] | 2107 استماع |