كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [5]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الملقي: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب السلم: يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة إذا ضبطه بجميع صفاته التي يختلف بها الثمن، وذكر أجله وأعطاه الثمن قبل التفرق، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم )، متفق عليه ].

تعريف السلم

الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر عقد السلم، وذكر شروطه التي يرى وجوب توفرها.

واعلم أن عقد السلم: هو عقد على موصوف في الذمة، مؤجل بثمن، مقبوض في مجلس العقد، يعني: أن يشتري شخص موصوفاً في الذمة، مثل: بر مواصفاته كذا، أو أرز مواصفاته كذا، ووزنه كذا، وصفته كذا، بثمن مقبوض في مجلس العقد، بثمن معين كمائة ألف مثلاً، ولا بد أن يكون مقبوضاً في مجلس العقد؛ لأنه إذا لم يكن مقبوضاً في مجلس العقد فقد تأجل بدلان، وإذا تأجل بدلان صار بيع دين بدين.

ودليل عقد السلم قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، قال ابن عباس : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أباحه الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، وأجل معلوم، ووزن معلوم )، متفق عليه.

والسلم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع العلماء رحمهم الله.

شروط السلم

أما شروط السلم فهي كما يلي:

الشرط الأول: قال المؤلف: (إذا ضبط بجميع صفاته) إذاً: الشرط الأول: إمكان ضبط صفاته، وهو قوله: (في كل ما ينضبط بالصفة) فإذا لم يمكن ضبط صفاته مثل: الجوهر، والعقار، وبعض الفقهاء يقول: والنخل، فلا يمكن ضبط صفاته، فالنخلة السكرية ليست نخلاً سكرياً واحداً، ولكن يختلف، فلا يمكن بيعه بالآجال وبالصفة، فكل ما لا ينضبط لا يجوز بيعه بالسلم، فالعقار يختلف، فمثلاً حي الوادي الذي نحن فيه تجد أرضاً بجانب أرض، فتكون هذه أرض عزاز، وهذه أرض رمل أو دفان، فلا يمكن بيع السلم فيها.

الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف فيه الثمن غالباً، فلا يجوز أن يبيعه بوصف قليل يختلف فيه الثمن، فالنوع لا بد من ذكره، فإذا قلت: أبيعك تمراً ذكرت الجنس لكن لم أذكر النوع، فلا يكفي، فلو قلت: أبيعك سكرياً مواصفته كذا، فلا يلزم أن يقول: تمراً سكرياً، إذ أنني إذا قلت النوع فقد علم الجنس.

إذاً: لا بد أن أذكره بوصف يختلف فيه الثمن غالباً، فإذا قلت مثلاً: لونه أبيض، لكن ليس بياضه كذا فأصف البياض بدقة، فهذا لا يختلف فيه الثمن غالباً، فهذا لا بأس بترك مواصفاته.

الشرط الثالث: أن يقبض الثمن في مجلس العقد، فلا يجوز أن يتفرقا ولم يقبض المشتري الذي هو المسلم رأس المال في مجلس العقد؛ لأنه إذا لم يقبض صار الثمن مؤجلاً موصوفاً في الذمة، وصار المعقود عليه موصوفاً في الذمة مؤجلاً، فصار تأجيل بدلين، وهذا محرم عند الأئمة الأربعة على اختلاف فيما بينهم في جواز التأجيل إلى شهر عند الشافعية وثلاثة أيام عند مالك بشرط عدم اشتراط التأجيل، لكن نحن لا ندخل فيه.

الشرط الرابع: أن يكون السلم في الذمة، فلا يصح السلم في شيء معين، فلا يجوز أن أقول لك: أبيعك تمري في هذه المزرعة على أن تعطيني خمسين ألفاً، إذا خرج هذا التمر أعطيك إياه؛ لأنه على معين، فيمكن ألا ينبت الثمر هنا فيبطل العقد، والأصل أن الموصوف في الذمة له مواصفات، إذا لم يوجد عند فلان فقد وجد عند غيره، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدارقطني وإن كان في سنده بعض الضعف: (أما في حائط بني فلان فلا)، فلا تقول لي: أبيعك التمر من مزرعة فلان، لأنه جائز أن تصيب الهلكة في مزرعة فلان فيبطل البيع، فلا بد أن يكون في الذمة لا في شيء معين.

الشرط الخامس: قال المؤلف: (وذكر أجله)، أي لا بد فيه من الأجل، ولا يجوز أن يبيع سلماً بلا أجل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلى أجل معلوم )، ويجوز أن يقول: إلى العطاء، إلى الشتاء، إلى الحصاد، فهذا يمكن أن يئول إلى العلم، واختلاف بعض الأيام لا يضر كما هو مذهب مالك رحمه الله، واختيار أبي العباس ابن تيمية ، ورواية عند الإمام أحمد .

الشرط السادس لم يذكره المؤلف: وهو أن يكون المسلم فيه عام الوجود وقت التسليم، بمعنى: أنه لو قال له: أبيعك عنباً مواصفاته كذا، لونه كذا، في الشتاء فلا يصح، إلا إذا قال: مبرد أو من الثلاجة، فهذا شيء آخر، لكن إذا لم يكن فيه وسائل حفظ فإن العنب لا ينبت في الشتاء، فلا بد أن يكون عام الوجود لأجل أن يسلمه فيه.

إذا ثبت هذا فإن المؤلف قد ذكر الشرط، فقال: [وأعطاه الثمن قبل التفرق].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )، رواه البخاري ].

المؤلف ذكر هذا الحديث في باب السلم، وأكثر الفقهاء يذكره في باب القرض، والجامع بينهما أن كل واحد منهما ثابت في ذمة المدين، سواء كان عن ثمن مبيع أو قرض، فلا يجوز لمسلم أن يأخذ أموال الناس وفي نيته ألا يردها، أو يقول: أنا آخذها وإن شاء الله يأتيني مال، فإذا لم يكن عنده مال يستطيع أن يوفيه إياه فلا يجوز أن يأخذها، وهذا كثير مع الأسف الشديد، تجد بعض الناس يذهب عليه دين وليس عنده راتب ولا عنده شيء، فيقول لفلان: جزاك الله خيراً أريد خمسة آلاف، ويأخذها ويعطيها الثاني، ثم إذا جاء الثاني يذهب يقترض من فلان وهو لا يريد تسديدها، فهنا لا يجوز إلا أن يبين واقعه وحاله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه)، وهذا واقع، تجد أن الرجل الذي يحتاط لأمره، ويفتش عن حاله، ويخاف من أموال الناس، يعينه ربي لتسديد دينه، ومن لا يبالي فإن الله لا يعينه، وهذا واقع ملموس ومشاهد محسوس.

يقول الحافظ ابن حجر : أدى الله عنه، بمعنى: أن ييسر الله له تسديد دينه في الدنيا، وأما في الآخرة فبأن يرضي الدائن بحسنات بسبب نية صاحبه، وهذا هو الظاهر والله أعلم.

الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر عقد السلم، وذكر شروطه التي يرى وجوب توفرها.

واعلم أن عقد السلم: هو عقد على موصوف في الذمة، مؤجل بثمن، مقبوض في مجلس العقد، يعني: أن يشتري شخص موصوفاً في الذمة، مثل: بر مواصفاته كذا، أو أرز مواصفاته كذا، ووزنه كذا، وصفته كذا، بثمن مقبوض في مجلس العقد، بثمن معين كمائة ألف مثلاً، ولا بد أن يكون مقبوضاً في مجلس العقد؛ لأنه إذا لم يكن مقبوضاً في مجلس العقد فقد تأجل بدلان، وإذا تأجل بدلان صار بيع دين بدين.

ودليل عقد السلم قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، قال ابن عباس : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أباحه الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، وأجل معلوم، ووزن معلوم )، متفق عليه.

والسلم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع العلماء رحمهم الله.

أما شروط السلم فهي كما يلي:

الشرط الأول: قال المؤلف: (إذا ضبط بجميع صفاته) إذاً: الشرط الأول: إمكان ضبط صفاته، وهو قوله: (في كل ما ينضبط بالصفة) فإذا لم يمكن ضبط صفاته مثل: الجوهر، والعقار، وبعض الفقهاء يقول: والنخل، فلا يمكن ضبط صفاته، فالنخلة السكرية ليست نخلاً سكرياً واحداً، ولكن يختلف، فلا يمكن بيعه بالآجال وبالصفة، فكل ما لا ينضبط لا يجوز بيعه بالسلم، فالعقار يختلف، فمثلاً حي الوادي الذي نحن فيه تجد أرضاً بجانب أرض، فتكون هذه أرض عزاز، وهذه أرض رمل أو دفان، فلا يمكن بيع السلم فيها.

الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف فيه الثمن غالباً، فلا يجوز أن يبيعه بوصف قليل يختلف فيه الثمن، فالنوع لا بد من ذكره، فإذا قلت: أبيعك تمراً ذكرت الجنس لكن لم أذكر النوع، فلا يكفي، فلو قلت: أبيعك سكرياً مواصفته كذا، فلا يلزم أن يقول: تمراً سكرياً، إذ أنني إذا قلت النوع فقد علم الجنس.

إذاً: لا بد أن أذكره بوصف يختلف فيه الثمن غالباً، فإذا قلت مثلاً: لونه أبيض، لكن ليس بياضه كذا فأصف البياض بدقة، فهذا لا يختلف فيه الثمن غالباً، فهذا لا بأس بترك مواصفاته.

الشرط الثالث: أن يقبض الثمن في مجلس العقد، فلا يجوز أن يتفرقا ولم يقبض المشتري الذي هو المسلم رأس المال في مجلس العقد؛ لأنه إذا لم يقبض صار الثمن مؤجلاً موصوفاً في الذمة، وصار المعقود عليه موصوفاً في الذمة مؤجلاً، فصار تأجيل بدلين، وهذا محرم عند الأئمة الأربعة على اختلاف فيما بينهم في جواز التأجيل إلى شهر عند الشافعية وثلاثة أيام عند مالك بشرط عدم اشتراط التأجيل، لكن نحن لا ندخل فيه.

الشرط الرابع: أن يكون السلم في الذمة، فلا يصح السلم في شيء معين، فلا يجوز أن أقول لك: أبيعك تمري في هذه المزرعة على أن تعطيني خمسين ألفاً، إذا خرج هذا التمر أعطيك إياه؛ لأنه على معين، فيمكن ألا ينبت الثمر هنا فيبطل العقد، والأصل أن الموصوف في الذمة له مواصفات، إذا لم يوجد عند فلان فقد وجد عند غيره، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدارقطني وإن كان في سنده بعض الضعف: (أما في حائط بني فلان فلا)، فلا تقول لي: أبيعك التمر من مزرعة فلان، لأنه جائز أن تصيب الهلكة في مزرعة فلان فيبطل البيع، فلا بد أن يكون في الذمة لا في شيء معين.

الشرط الخامس: قال المؤلف: (وذكر أجله)، أي لا بد فيه من الأجل، ولا يجوز أن يبيع سلماً بلا أجل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلى أجل معلوم )، ويجوز أن يقول: إلى العطاء، إلى الشتاء، إلى الحصاد، فهذا يمكن أن يئول إلى العلم، واختلاف بعض الأيام لا يضر كما هو مذهب مالك رحمه الله، واختيار أبي العباس ابن تيمية ، ورواية عند الإمام أحمد .

الشرط السادس لم يذكره المؤلف: وهو أن يكون المسلم فيه عام الوجود وقت التسليم، بمعنى: أنه لو قال له: أبيعك عنباً مواصفاته كذا، لونه كذا، في الشتاء فلا يصح، إلا إذا قال: مبرد أو من الثلاجة، فهذا شيء آخر، لكن إذا لم يكن فيه وسائل حفظ فإن العنب لا ينبت في الشتاء، فلا بد أن يكون عام الوجود لأجل أن يسلمه فيه.

إذا ثبت هذا فإن المؤلف قد ذكر الشرط، فقال: [وأعطاه الثمن قبل التفرق].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )، رواه البخاري ].

المؤلف ذكر هذا الحديث في باب السلم، وأكثر الفقهاء يذكره في باب القرض، والجامع بينهما أن كل واحد منهما ثابت في ذمة المدين، سواء كان عن ثمن مبيع أو قرض، فلا يجوز لمسلم أن يأخذ أموال الناس وفي نيته ألا يردها، أو يقول: أنا آخذها وإن شاء الله يأتيني مال، فإذا لم يكن عنده مال يستطيع أن يوفيه إياه فلا يجوز أن يأخذها، وهذا كثير مع الأسف الشديد، تجد بعض الناس يذهب عليه دين وليس عنده راتب ولا عنده شيء، فيقول لفلان: جزاك الله خيراً أريد خمسة آلاف، ويأخذها ويعطيها الثاني، ثم إذا جاء الثاني يذهب يقترض من فلان وهو لا يريد تسديدها، فهنا لا يجوز إلا أن يبين واقعه وحاله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه)، وهذا واقع، تجد أن الرجل الذي يحتاط لأمره، ويفتش عن حاله، ويخاف من أموال الناس، يعينه ربي لتسديد دينه، ومن لا يبالي فإن الله لا يعينه، وهذا واقع ملموس ومشاهد محسوس.

يقول الحافظ ابن حجر : أدى الله عنه، بمعنى: أن ييسر الله له تسديد دينه في الدنيا، وأما في الآخرة فبأن يرضي الدائن بحسنات بسبب نية صاحبه، وهذا هو الظاهر والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرهن والضمان والكفالة.

وهذه وثائق بالحقوق الثابتة، فالرهن يصح بكل عين يصح بيعها، فتبقى أمانة عند المرتهن، لا يضمنها إلا إن تعدى أو فرط كسائر الأمانات].

تعريف الرهن وحكمه

قول المؤلف: (باب الرهن والضمان والكفالة)، هذه تسمى عند العلماء: عقود التوثيقات، وأما ما مضى من العقود فتسمى عند العلماء: عقود المعاوضات، كالبيع والإجارة والسلم.

قول المؤلف: (باب الرهن)، الرهن لغة: الحبس، كما قال سبحانه وتعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، يعني: محبوسة بعملها.

والرهن ثابت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، كما قال تعالى: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، وقالت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين: ( اشترى النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً من يهودي ورهنه درعاً له من حديد ).

وقد أجمع العلماء على جواز الرهن كما نقل النووي و ابن قدامة رحمة الله تعالى على الجميع.

وأما الرهن في الاصطلاح: فإنه توثقة دين أو عين بعين أو دين أو منفعة.

صورة المسألة: توثقة دين، مثل: أن آخذ منك مائة ألف ريال، وأقول لك: خذ هذه الفلة، إذاً الفلة عين وهي الرهن.

وتوثقة دين بدين، مثل أن أقول: أعطني مائة ألف ريال ومالي الذي عند الشيخ عيسى رهن لك علي، فيأتي الدائن فيذهب إلى عيسى ويقول له: المال الذي عندك لعبد الله هو لي أعطني إياه.

أو منفعة مباحة، مثل: أن أكون مستأجراً وأقول: عقد الإجارة هذا لك، فهذه توثقة دين بمنفعة.

والرهن هل هو عقد لازم أم غير لازم؟

الجواب: عقد لازم على الراهن غير لازم على المرتهن.

مدى صحة الرهن قبل العقد أو بعده

قول المؤلف: (وهذه وثائق بالحقوق الثابتة)، أي: أنه إذا ثبت الحق فإنه يجوز أن يوثق حقه بعين أو دين أو منفعة.

واعلم أن الحق -الذي هو الرهن- يجوز أن يكون مع العقد أو بعد العقد بإجماع، يعني: أقول لك: أبيعك هذه السيارة بمائة مؤجلة بشرط أن تعطيني الرهن الفلاني، هذا مع العقد.

أو بعد العقد أقول لك: أعطني رهناً يا فلان! أخاف ألا توفيني، فقال: خذ هذه الفلة رهناً.

ويجوز أيضاً على الراجح أن أقول لك: خذ هذه الفلة رهناً، لكي تبيعني بعد يومين سيارتك للآجل، فهذا يسمى: رهناً قبل العقد، فكل ذلك جائز خلافاً للحنابلة في الصورة الأخيرة.

ضابط ما يجوز رهنه واعتبار يد المرتهن يد أمانة

قول المؤلف: (فالرهن يصح بكل عين يصح بيعها)، أي: يجوز أن أرهن كل ما يجوز بيعه؛ لأن الرهن إنما شرع لأجل أن المدين إذا تعذر عن التسديد، أمكن استيفاء الحق الذي عليه بهذه العين بأن تباع ويأخذ المرتهن وهو الدائن دينه، وإذا لم يمكن بيعها أو لا يجوز بيعها فإن المرتهن والدائن لا يستطيع أن يأخذ حقه بذلك.

واستثنى العلماء صورتين في ما لا يجوز بيعه ويجوز رهنه. الثمرة قبل بدو صلاحها، فلا يجوز أن أبيعها لكن يجوز أن أرهنها؛ لأن البيع إنما منع خوفاً من العاهة التي تصيبها فيضيع مال المشتري، أما هنا فإنه لو حصل على الثمرة الهلاك فإن الحق ثابت بلا رهن، فالرهن إنما هو تأكيد لإرجاع حقه. وكذلك رهن الزرع قبل اشتداد حبه، والله أعلم.

قول المؤلف: (فتبقى أمانة عند المرتهن كسائر الأمانات)، يعني: أن المرتهن إذا قبض الرهن فما قبضه أمانة، فلو هلك من غير تعد ولا تفريط فإنه لا يضمن؛ لأن يده يد أمانة وليس يد ملك أو ضمان، إلا إذا تعدى أو فرط، فإذا فرط فإنه يكون قد تعدى، وقد قال الله تعالى: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173]، فإذا تعدى أو بغى فإنه يكون ضامناً، والله أعلم.

انفكاك الرهن

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن حصل الوفاء التام انفك الرهن].

بمعنى: أنه لو قام المشتري -وهو الراهن- بتسديد وإيفاء بعض الحق، فإن الرهن قائم بيد المرتهن لا ينفك إلا بتسديد جميع الحق، سواء كان الرهن يتجزأ أو لا يتجزأ، فلو قال: خذ عشرة أبعر رهناً، فسدد ثلث الدين، هل يقول: أعطني من الرهن ثلثه؟

الجواب: لا، فإن الرهن قائم سواء أمكن تجزئته أم لم يمكن، كل ذلك لا ينفك الرهن من يد المرتهن.

عجز الراهن عن الوفاء وطلب بيع الرهن

قال المؤلف رحمه الله: [وإن لم يحصل وطلب صاحب الحق بيع الرهن وجب بيعه والوفاء من ثمنه، وما بقي من الثمن بعد وفاء الحق فلربه، وإن بقي من الدين شيء يبقى ديناً مرسلاً بلا رهن].

إذا حل الأجل وطلب من الراهن -وهو المدين- أن يسدد فأبى، فإن صاحب الحق يذهب إلى القاضي، فلا يجوز أن يتصرف الراهن من عند نفسه، بل لا بد أن يذهب إلى القاضي، فيطلب القاضي من الراهن أن يسدد، فإن أبى جاز للحاكم أن يبيع ملك الراهن، وهذا من بيع المكره، إذا كان بحق، فيبيع الحاكم الرهن ثم يعطي المرتهن حقه والوفاء من ثمنه.

ولا يخلو قيمة الرهن من أن تكون أكثر من الدين، أو مثل الدين، أو أقل، فليس هناك قسمة عقلية غير هذا، فإن كان أكثر من الدين أعطى الحاكم الدين الذي للمرتهن والباقي وجب ردة إلى الراهن، وإن كان مثله أعطاه ولا رد للراهن، وإن كان أقل فإن الحاكم يعطيه المرتهن، والباقي يكون مطالباً به البائع مرسلاً بلا رهن، وهل يجوز للمرتهن أن يقول: لا، أعطني رهناً مثله؟ نقول: لا؛ لأنك رضيت بهذا الرهن فقط دون غيره، والله أعلم.

ولهذا قال المؤلف: (وإن بقي من الدين شيء يبقى ديناً مرسلاً بلا رهن)، ولا يقال أيضاً: إنه يبطل حق المرتهن؛ لأنه إنما جعل هذا الرهن لهذا الدين، نحن نقول: لا، إنما جعل هذا الرهن للإيفاء واستتام لأجل الدين، فإذا كان أكثر وجب رده إلى ربه، وإذا كان أقل وجب على ربه أن يعطيه الباقي، والله أعلم.

ضمان المرتهن للرهن إذا تلف

قال المؤلف: [وإن أتلف الرهن أحد فعليه ضمانه يكون رهناً].

قول المؤلف: (وإن أتلف الرهن أحد فعليه ضمانه)، فلو كانت السيارة التي بحوزتي رهناً، فجاء شخص فدخل على بيتي وضرب هذه السيارة التي هي رهن عندي، فإنه يجب على الذي أوقع الحادث أن يدفع الأرش، والأرش يكون رهناً عندي؛ لأنه ربما تباع هذه السلعة وتكون أقل من الثمن، وكذلك لو أن الرجل له أمة أو عبد فجنى العبد فتكون جنايته وثمنه على نفسه، ولا يجوز للبائع أن يعتقه؛ لأنه مازال رهناً، على الصحيح.

نماء الرهن ومؤنته

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونماؤه تبعاً له ومؤنته على ربه، وليس للراهن الانتفاع به إلا بإذن الآخر، أو بإذن الشارع في قوله صلى الله عليه وسلم: ( الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة )،رواه البخاري ].

قول المؤلف: (ونماؤه تبعاً له)، يعني: أن المرتهن يده على الرهن يد أمانة، فلو أن الرهن نما، كمن أخذ مزرعة وطلعت لها ثمرة، فهذه الثمرة لمن تكون للمرتهن أم تكون لربها؟

الجواب: تكون لربها؛ لأنه مالك لها، فمن ملك العين ملك نماءه، وقد جاء في ذلك حديث رواه أبو داود وهو مرسل ولا يصح مرفوعاً، رواه سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يغلق الرهن من صاحبه، له غنمه، وعليه غرمه )، يعني: لا يمنع الرهن من صاحبه إذا كان له نماء فإنه يعود إلى الراهن، ولكن إذا كان له نماء فالأصل أن يكون رهناً باقياً في يد المرتهن، إلا إذا كان يخشى منه الهلاك، فهل يرده إليه أم لا؟

الجواب: هي معاوضة إما أن يباع ويكون الثمن من ضمن الرهن، وإما أن يعطى الراهن، ولهذا قال: (ومؤنته على ربه)، يعني: إذا كانت العمارة التي أخذها عقاراً تحتاج إلى صيانة، فإن الصيانة على الراهن، لأن (الخراج بالضمان)، فكما أن نماءه له فإن خسارته عليه.

انتفاع الراهن من الرهن

قال المؤلف: (وليس للراهن الانتفاع به إلا بإذن الآخر، أو بإذن الشارع)، المرتهن لا يجوز له أن ينتفع بالرهن إلا بإذنين: إذن من المالك، أو إذن من الشارع.

أما الصورة الأولى: إذن من المالك: وتكون بأن يأذن المالك للمشتري بأن ينتفع من الرهن، بأن يقول المرتهن: أنا أخذت الاستراحة رهناً، هل تأذن لي أن أجلس فيها؟ فيقول: نعم، ولا شك أن الإذن يختلف، والمؤلف لم يفصل هنا، فإذا كان الرهن لأجل قرض فلا يجوز أن ينتفع به المرتهن؛ لأنه يكون قرضاً جر نفعاً، فلو أعطيت أحدكم مائة ألف وأخذت لأجلها استراحة قرضاً، فلا يجوز لي أن أنتفع بهذه الاستراحة؛ لأنها تكون قرضاً جر نفعاً، وأما إذا كان الدين أصله ثمن مبيع، فيجوز الانتفاع من الرهن بإذن الراهن.

أما الصورة الثانية: الإذن من الشارع، فإن الحنابلة -وهو قول إسحاق- قالوا: إذا كان الرهن حيواناً مثل: الإبل، أو الغنم، أو البقر، أو الخيل فإنه يجوز أن يركب أو يحلب ويشرب لبنه، لنفقته التي أنفقها، فإذا كان يطعم هذه البهيمة فإن عوض هذا الإطعام شرب اللبن والركوب، فهذا يسميه العلماء إذناً شرعياً، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند البخاري : ( الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة )، يعني: إذا قال المرتهن: تعال يا الراهن! أنا الذي أنفق على بهيمتك.

إذاً: إذا كان الراهن هو الذي ينفق، فلبن المرهون وركوبه للراهن، وإذا كان المرتهن هو الذي يطعم وينفق فيجوز له أن يركب ويحلب ويشرب، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه )، نحن نقول: هذا في غير الرهن جمعاً بين الأحاديث، خلافاً لجمهور أهل العلم، والله أعلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [11] 2190 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [12] 2042 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الصداق [2] 2033 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الأطعمة 1987 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [4] 1744 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [6] 1711 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الجنايات والحدود 1670 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [7] 1614 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [9] 1606 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الطلاق 1542 استماع