مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [10]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.

وبعد:

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الصلاة في الرحال في المطر.

عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: ألا صلوا في رحالكم ) ].

هذا الحديث رواه البخاري و مسلم دون زيادة: (ومطر) في قوله: (ليلة ذات برد وريح ومطر)، كلمة (مطر) تفرد بها الإمام مسلم ، وإلا فإن الحديث متفق عليه.

وفي الحديث مسائل:

حكم قول المؤذن: (ألا صلوا في رحالكم) في السفر والحضر

المسألة الأولى: فالعلماء رحمهم الله قالوا: المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك في السفر، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أنه قال ذلك في الحضر، وأحسن ما جاء في الباب هو ما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس ( أنه أمر مؤذنه يوم الجمعة فقال له: إذا بلغت: حي على الصلاة حي على الفلاح فلا تقلها، وقل: صلوا في رحالكم، صلوا في رحالكم، فلما انتهى المؤذن قال: أما إن الجمعة عزمة ولكن كرهت أن يخرج الناس في الدحض والطين )، فهذا هو الثابت عن ابن عباس أنه قاله في الحضر، وأما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاءت في ذلك أحاديث لكنها غير ثابتة، وأحسن ما جاء وهو المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك في السفر، وعليه فإنه يجوز أيضاً أن يقول ذلك في الحضر.

الأولوية في الليلة المطيرة بين الجمع أو قول المؤذن: صلوا في رحالكم

المسألة الثانية: هل الأولوية فيما إذا كان المؤذن في ليلة مطيرة أن يقول في الحضر: صلوا في رحالكم، أم لا يقول ذلك ويجمع بين الصلاتين؟

بعض الفضلاء من طلبة العلم رأوا أن الأفضل أن يقول المؤذن: صلوا في رحالكم، ولا يجمع بين الصلاتين، وأقول: مع أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في الحضر مع جوازه، لكن الأفضل أن يصلوا في المسجد، يقول ابن تيمية : وهذا هو السنة الثابتة عن السلف، يقول: وكونه يصلي في بيته جائز، لكن أن يجمع لأجل المطر أفضل من الصلاة في الرحال، وبهذا نعرف أن بعض طلبة العلم يرى أن قول: (صلوا في رحالكم) بلا جمع أفضل من قولها مع الجمع، يقول ابن تيمية : وهذا قول أكثر السلف، أن الجمع أحسن من أن يصلي الواحد في رحله، فتحصيل الجماعة مطلب، والله أعلم.

الأسباب المبيحة للجمع

المسألة الثالثة: قوله: ( في ليلة ذات برد وريح ومطر ) ذكر أن أسباب الجمع ثلاثة: كانت الليلة باردة، وذات ريح ومطر.

أما المطر فالجمع فيه جائز كما جاء عن ابن عباس : إني كرهت أن يخرج الناس في الدحض والطين، وكما جاء في حديث نعيم أنه كان في رحله قال: كنت أتمنى أن يقول المؤذن: (صلوا في رحالكم)، فلما قال: (صلوا في رحالكم) فرحت، وكانت في ليلة مطر في سفر.

وأما الريح الباردة فإن العلماء يقولون: هي الريح الباردة التي لا يمكن في الغالب أن يتقى منها.

لكن السؤال: الليلة الباردة غير ذات الريح هل يجوز أن يجمع بين الصلاتين فيها؛ استدلالاً بعموم قول الراوي عن ابن عمر : إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر، وكأن البرد بحد ذاته جمع؟

الحنابلة لا يرون البرد عذراً تترك له الجمعة والجماعة، أو يجوز بسببه الجمع، إلا إذا كان مع البرد ريح، يقولون: لأن البرد يمكن أن يتقى منه، أما الريح دون البرد، أو الريح الباردة فهذا يجوز له أن يجمع.

أقول: ولا شك أن وجود هذه الأمثلة من باب تحقيق المناط، فإذا وجدت ليلة باردة فيها مشقة غير معتادة في هذا البلد فالذي يظهر والله أعلم أنه لا بأس أن يجمعوا؛ لأن البرد يكون عليهم فيه مشقة غير معتادة، والأصل في الجمع المشقة غير المعتادة، كما أشار إلى ذلك الشاطبي في الموافقات.

موضع قول المؤذن: (ألا صلوا في رحالكم) في الأذان

المسألة الرابعة: وقت قول المؤذن: صلوا في رحالكم.

حديث ابن عمر وهو حديث الباب أنه قاله في آخر ندائه، فهذا قد يفهم منه أنه إذا انتهى من قول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال: صلوا في رحالكم، والظاهر أن هذا غير مراد، وإنما كان يقول ذلك في آخر أذانه في الجملة، وأنه إذا قال: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح قال: صلوا في رحالكم، كما جاء ذلك مفسراً في بعض الروايات، وقد صح عن ابن عباس كما رواه مسلم أنه أمر المؤذن ألا يقول: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، وأن يقول بدلها: صلوا في رحالكم، وهذا مشكل، والإشكال هو إسقاط أربع جمل وهي: حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، أربع جمل من الأذان، وقد ذكر العلماء أن كل جملة واجبة.

والظاهر والله أعلم أنه يقولها بعد حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح؛ لأنه عند سماع حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح فمن جاء فهو أفضل، ومن بقي فهو جائز، فيجب على الإنسان إذا أذن أن يجمع بينهما لمن أراد أن يأتي ولمن أراد أن يبقى.

وهل يقول ذلك في الإقامة؟ المحفوظ أنه لا يقول؛ وذلك لأن الإقامة إنما هي دعوة الحاضرين للنهوض إلى الصلاة.

حكم الجمع بسبب الغبار وذكر اختلاف المذاهب في أسباب الجمع

المسألة الخامسة: بالنسبة للغبار فلم أجد عند المتقدمين كلاماً في جواز الجمع في الغبار، وأما الحنابلة فهم أوسع المذاهب من حيث تعداد الأعذار، فقد أوصلوها إلى تسعة أعذار، ثم بعدهم الشافعية، ثم بعدهم المالكية، فالمالكية يجعلون الأعذار أربعة، والشافعية يجعلونها خمسة لكنها ليست واحدة، فمن الأعذار عندهم: المرض والخوف والمطر والوحل، هذه عندهم موجودة، والريح الباردة عند الحنابلة والشافعية، والحنابلة يزيدون: أو خوف فوات رفقة، أو خاف على نفسه وماله وغير ذلك، أما أبو العباس بن تيمية فإنه لا يرى حصر الأعذار، وإنما يرى وصفها، والله أعلم.

والفرق بين حصر الأعذار ووصفها: أننا إذا قلنا: إن الأعذار محصورة فلا يصح أن يزاد عليها، والقاعدة عند بعض الأصوليين تقول: الرخص لا يقاس عليها، ومن رأى أن الأعذار أوصاف فلا بأس بالقياس عليها، والله أعلم.

إذاً يجوز الجمع للمطر والخوف والسفر، لكن المالكية لا يرون الجمع بالمرض، وأن الجمع لأجل المرض إنما هو عند الحنابلة وأحد القولين للشافعية.

وباب الجمع بين الصلاتين فيه بحوث وأشهرها كتابان، أولاً وهو أقدمها: كتاب الجمع بين الصلاتين لـمشهور حسن، والكتاب الثاني: الجمع بين الصلاتين رسالة ماجستير من كلية الشريعة وهي جيدة في الجملة من حيث التقسيم، ومن حيث ذكر أقوال المذاهب، لكنها فقيرة في الآثار، والله أعلم.

المسألة الأولى: فالعلماء رحمهم الله قالوا: المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك في السفر، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أنه قال ذلك في الحضر، وأحسن ما جاء في الباب هو ما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس ( أنه أمر مؤذنه يوم الجمعة فقال له: إذا بلغت: حي على الصلاة حي على الفلاح فلا تقلها، وقل: صلوا في رحالكم، صلوا في رحالكم، فلما انتهى المؤذن قال: أما إن الجمعة عزمة ولكن كرهت أن يخرج الناس في الدحض والطين )، فهذا هو الثابت عن ابن عباس أنه قاله في الحضر، وأما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاءت في ذلك أحاديث لكنها غير ثابتة، وأحسن ما جاء وهو المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك في السفر، وعليه فإنه يجوز أيضاً أن يقول ذلك في الحضر.

المسألة الثانية: هل الأولوية فيما إذا كان المؤذن في ليلة مطيرة أن يقول في الحضر: صلوا في رحالكم، أم لا يقول ذلك ويجمع بين الصلاتين؟

بعض الفضلاء من طلبة العلم رأوا أن الأفضل أن يقول المؤذن: صلوا في رحالكم، ولا يجمع بين الصلاتين، وأقول: مع أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في الحضر مع جوازه، لكن الأفضل أن يصلوا في المسجد، يقول ابن تيمية : وهذا هو السنة الثابتة عن السلف، يقول: وكونه يصلي في بيته جائز، لكن أن يجمع لأجل المطر أفضل من الصلاة في الرحال، وبهذا نعرف أن بعض طلبة العلم يرى أن قول: (صلوا في رحالكم) بلا جمع أفضل من قولها مع الجمع، يقول ابن تيمية : وهذا قول أكثر السلف، أن الجمع أحسن من أن يصلي الواحد في رحله، فتحصيل الجماعة مطلب، والله أعلم.

المسألة الثالثة: قوله: ( في ليلة ذات برد وريح ومطر ) ذكر أن أسباب الجمع ثلاثة: كانت الليلة باردة، وذات ريح ومطر.

أما المطر فالجمع فيه جائز كما جاء عن ابن عباس : إني كرهت أن يخرج الناس في الدحض والطين، وكما جاء في حديث نعيم أنه كان في رحله قال: كنت أتمنى أن يقول المؤذن: (صلوا في رحالكم)، فلما قال: (صلوا في رحالكم) فرحت، وكانت في ليلة مطر في سفر.

وأما الريح الباردة فإن العلماء يقولون: هي الريح الباردة التي لا يمكن في الغالب أن يتقى منها.

لكن السؤال: الليلة الباردة غير ذات الريح هل يجوز أن يجمع بين الصلاتين فيها؛ استدلالاً بعموم قول الراوي عن ابن عمر : إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر، وكأن البرد بحد ذاته جمع؟

الحنابلة لا يرون البرد عذراً تترك له الجمعة والجماعة، أو يجوز بسببه الجمع، إلا إذا كان مع البرد ريح، يقولون: لأن البرد يمكن أن يتقى منه، أما الريح دون البرد، أو الريح الباردة فهذا يجوز له أن يجمع.

أقول: ولا شك أن وجود هذه الأمثلة من باب تحقيق المناط، فإذا وجدت ليلة باردة فيها مشقة غير معتادة في هذا البلد فالذي يظهر والله أعلم أنه لا بأس أن يجمعوا؛ لأن البرد يكون عليهم فيه مشقة غير معتادة، والأصل في الجمع المشقة غير المعتادة، كما أشار إلى ذلك الشاطبي في الموافقات.

المسألة الرابعة: وقت قول المؤذن: صلوا في رحالكم.

حديث ابن عمر وهو حديث الباب أنه قاله في آخر ندائه، فهذا قد يفهم منه أنه إذا انتهى من قول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال: صلوا في رحالكم، والظاهر أن هذا غير مراد، وإنما كان يقول ذلك في آخر أذانه في الجملة، وأنه إذا قال: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح قال: صلوا في رحالكم، كما جاء ذلك مفسراً في بعض الروايات، وقد صح عن ابن عباس كما رواه مسلم أنه أمر المؤذن ألا يقول: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، وأن يقول بدلها: صلوا في رحالكم، وهذا مشكل، والإشكال هو إسقاط أربع جمل وهي: حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، أربع جمل من الأذان، وقد ذكر العلماء أن كل جملة واجبة.

والظاهر والله أعلم أنه يقولها بعد حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح؛ لأنه عند سماع حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح فمن جاء فهو أفضل، ومن بقي فهو جائز، فيجب على الإنسان إذا أذن أن يجمع بينهما لمن أراد أن يأتي ولمن أراد أن يبقى.

وهل يقول ذلك في الإقامة؟ المحفوظ أنه لا يقول؛ وذلك لأن الإقامة إنما هي دعوة الحاضرين للنهوض إلى الصلاة.

المسألة الخامسة: بالنسبة للغبار فلم أجد عند المتقدمين كلاماً في جواز الجمع في الغبار، وأما الحنابلة فهم أوسع المذاهب من حيث تعداد الأعذار، فقد أوصلوها إلى تسعة أعذار، ثم بعدهم الشافعية، ثم بعدهم المالكية، فالمالكية يجعلون الأعذار أربعة، والشافعية يجعلونها خمسة لكنها ليست واحدة، فمن الأعذار عندهم: المرض والخوف والمطر والوحل، هذه عندهم موجودة، والريح الباردة عند الحنابلة والشافعية، والحنابلة يزيدون: أو خوف فوات رفقة، أو خاف على نفسه وماله وغير ذلك، أما أبو العباس بن تيمية فإنه لا يرى حصر الأعذار، وإنما يرى وصفها، والله أعلم.

والفرق بين حصر الأعذار ووصفها: أننا إذا قلنا: إن الأعذار محصورة فلا يصح أن يزاد عليها، والقاعدة عند بعض الأصوليين تقول: الرخص لا يقاس عليها، ومن رأى أن الأعذار أوصاف فلا بأس بالقياس عليها، والله أعلم.

إذاً يجوز الجمع للمطر والخوف والسفر، لكن المالكية لا يرون الجمع بالمرض، وأن الجمع لأجل المرض إنما هو عند الحنابلة وأحد القولين للشافعية.

وباب الجمع بين الصلاتين فيه بحوث وأشهرها كتابان، أولاً وهو أقدمها: كتاب الجمع بين الصلاتين لـمشهور حسن، والكتاب الثاني: الجمع بين الصلاتين رسالة ماجستير من كلية الشريعة وهي جيدة في الجملة من حيث التقسيم، ومن حيث ذكر أقوال المذاهب، لكنها فقيرة في الآثار، والله أعلم.