مختصر صحيح مسلم - كتاب الوضوء


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.

وبعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: من ترك من مواضع الوضوء شيئاً غسله وأعاد الصلاة.

عن جابر رضي الله عنه قال: أخبرني عمر بن الخطاب : ( أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى ) ].

هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وقد تفرد به عن الإمام البخاري .

الترتيب في الوضوء

في هذا الحديث مسألة وهي: اشتراط الموالاة في الوضوء؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى موضع درهم على رِجل رَجل أمره أن يعيد الوضوء، إلا أن في رواية مسلم أمره فقال له: ( ارجع فأحسن وضوءك )، فهل إحسان الوضوء دلالة على الإعادة، أم غسل العضو الذي لم يصبه الماء؟ فعلى هذا فالحديث فيه مسألتان: الموالاة والترتيب، وقد اختلف أهل العلم في هاتين المسألتين، والراجح والله تبارك وتعالى أعلم هو أن الترتيب في الوضوء واجب، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6]، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، والقاعدة: أن كل ما أجمل وجاء أمره في القرآن وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله فإنه يدل على أنه مأمور به، وقد قرر هذه القاعدة الإمام الشافعي في كتابه الرسالة وغير واحد من أهل العلم وهي أنه إذا جاء الأمر بالفعل على بيان المجمل، وجاء تفسيره من فعله صلى الله عليه وسلم دل على أن فعله مأمور به.

الموالاة في الوضوء

وأما المسألة الثانية: وهي الموالاة، فإن الراجح والله أعلم هو مذهب الحنابلة والشافعية وقول عند المالكية: أن الموالاة واجبة مع القدرة، وقد روى ابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنه كما في الأوسط: أنه توضأ خارج المسجد وترك موضع بعض أعضائه ثم دخل المسجد فأكمل وضوءه، وقد استدل أبو العباس ابن تيمية بهذا الأثر على أن الموالاة واجبة وتسقط مع العجز، مثل: قلة الماء أو شدة البرودة أو شدة الحرارة حتى تجف بعض الأعضاء من غير اعتياد.

ودليلهم على هذا ما جاء عند الإمام أحمد من حديث خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد ترك موضع ظفر لم يصبه الماء، فقال: ارجع فأعد وضوءك ). وقد نقل الأثرم عن الإمام أحمد أنه يحسنه؛ وذلك لأن بقية بن الوليد رواه بالتصريح بالسماع عن بحيرة عن خالد بن معدان ، و بقية إذا صرح بالتحديث في كل طبقة من طبقات الإسناد فالحديث حسن، والله أعلم.

في هذا الحديث مسألة وهي: اشتراط الموالاة في الوضوء؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى موضع درهم على رِجل رَجل أمره أن يعيد الوضوء، إلا أن في رواية مسلم أمره فقال له: ( ارجع فأحسن وضوءك )، فهل إحسان الوضوء دلالة على الإعادة، أم غسل العضو الذي لم يصبه الماء؟ فعلى هذا فالحديث فيه مسألتان: الموالاة والترتيب، وقد اختلف أهل العلم في هاتين المسألتين، والراجح والله تبارك وتعالى أعلم هو أن الترتيب في الوضوء واجب، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6]، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، والقاعدة: أن كل ما أجمل وجاء أمره في القرآن وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله فإنه يدل على أنه مأمور به، وقد قرر هذه القاعدة الإمام الشافعي في كتابه الرسالة وغير واحد من أهل العلم وهي أنه إذا جاء الأمر بالفعل على بيان المجمل، وجاء تفسيره من فعله صلى الله عليه وسلم دل على أن فعله مأمور به.

وأما المسألة الثانية: وهي الموالاة، فإن الراجح والله أعلم هو مذهب الحنابلة والشافعية وقول عند المالكية: أن الموالاة واجبة مع القدرة، وقد روى ابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنه كما في الأوسط: أنه توضأ خارج المسجد وترك موضع بعض أعضائه ثم دخل المسجد فأكمل وضوءه، وقد استدل أبو العباس ابن تيمية بهذا الأثر على أن الموالاة واجبة وتسقط مع العجز، مثل: قلة الماء أو شدة البرودة أو شدة الحرارة حتى تجف بعض الأعضاء من غير اعتياد.

ودليلهم على هذا ما جاء عند الإمام أحمد من حديث خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد ترك موضع ظفر لم يصبه الماء، فقال: ارجع فأعد وضوءك ). وقد نقل الأثرم عن الإمام أحمد أنه يحسنه؛ وذلك لأن بقية بن الوليد رواه بالتصريح بالسماع عن بحيرة عن خالد بن معدان ، و بقية إذا صرح بالتحديث في كل طبقة من طبقات الإسناد فالحديث حسن، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ما يكفي من الماء في الغسل والوضوء.

عن أنس رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ) ].

هذا الحديث متفق عليه.

ويفيد استحباب عدم الإسراف في الماء، والمبالغة في الإسراف فيه على سبيل الاعتياد تدل على الكراهة الشديدة، وقد جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن: ( سيكون في آخر الزمان قوم يعتدون في الطهور والدعاء ) وأما حديث: ( ولو كنت على نهر جار ) فهذا حديث ضعيف عند عامة أهل العلم.

ومن الاعتداء في الطهور المبالغة في الماء؛ ولهذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري و مسلم من حديث جابر أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع، فقال رجل من الحاضرين: هذا لا يكفيني، فقال جابر : قد كان يكفي من هو أوفر منك شعراً وخيراً منك ) أو ( من هو خير منك ).

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: المسح على الخفين.

عن همام قال: ( بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: بال ثم توضأ ومسح على خفيه )، قال الأعمش : قال إبراهيم : كان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ].

والحديث متفق عليه.

حكم المسح على الخفين والمفاضلة بينه وبين الغسل

والحديث يفيد مشروعية المسح على الخفين.

وقول إبراهيم النخعي : (وكان يعجبهم هذا الحديث)؛ لأن فيه رداً على أهل البدع الذين قالوا: إن المسح على الخفين إنما كان قبل فرضية الوضوء، فكان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن آية الوضوء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6] في سورة المائدة، وكان إسلام جرير بعد نزول سورة المائدة، وهو الذي روى المسح على الخفين، والمسح على الخفين من الأحاديث المتواترة.

مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب

ورؤية شفاعة وحوض ومسح خفين وهذا بعض

كما يقول الحافظ ابن حجر، وهذا منها، والله أعلم.

وأيهما أفضل أن يمسح أو يغسل؟

في هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحسنها ما اختاره أبو العباس ابن تيمية : أنه على حسب حال قدمه فإن كانت قدمه فيها الخفان مسح، وإن كانت قدمه ليس فيها شيء غسل، فلا يتكلف خلع الخف ليغسل قدمه، ولا يتكلف اللبس ليمسح.

التيسير فيما عمت به البلوى من النجاسات ونحوها

قال المؤلف رحمه الله: [ عن أبي وائل قال: ( كان أبو موسى يشدد في البول ويبول في قارورة، ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض، فقال حذيفة: لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد، فلقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سباطة خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه، فأشار إلي فجئت فقمت عند عقبه حتى فرغ ) زاد في رواية: ( فتوضأ فمسح على خفيه ) ].

هذا الحديث متفق عليه إلا قوله: ( فمسح على خفيه ) فإنها لم يروها البخاري.

والحديث يفيد عند أهل العلم أن ما عمت به البلوى ويشق التحرز منه فإنه يغتفر من النجاسات وغيرها، فكان أبو موسى يشدد في البول ويبول في قارورة خوفاً من تراش هذا البول على ثيابه، فكان حذيفة يقول: ( لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد، فلقد كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى سباطة قوم ) يعني: مكاناً يجتمع فيه ذلك الشيء، (فبال قائماً) صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة: أن من عادة من يبول قائماً أن بعض البول ربما يتراش إلى ثيابه.

وهذا الحديث ليس فيه مخالفة بينه وبين حديث ابن عباس كما في الصحيحين، حينما قال: ( أما إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما إنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله )، ومعنى الاستتار: لا يتوقى من البول، فربما يكون فيه بقع ظاهرة، هذا لا إشكال فيه؛ لأنه يجب فيه الغسل، ولكن كما يقول ابن القيم : على مقدار رأس الإبرة فهذا مغتفر، يقول العلماء: وهذا مما عمت به البلوى.

وقد أشار أبو العباس بن تيمية إلى أن بعض الصحابة أصحاب حرف، ولربما علق تحت أظفارهم بعض الأوساخ، فتحبس هذه الجلدة بشيء من التراب، ومع ذلك فمثل هذه التي لم يصبها الماء مما عمت به البلوى فيغتفر، ومثل صاحب العجين إذا كان يعجن، فإنه لو توقى ما توقى فلا بد أن يبقى بعض الأشياء التي يصعب التحرز منها فتكون مغتفرة، ومثل ذلك في واقعنا المعاصر ما تصنعه بعض النساء من الطلاء على أظفارها فإنها مأمورة بإزالته، وأما ما يعلق تحت الجلد فإن ذلك مما يخفف فيه إذا صعب إزالته، والله أعلم.

استحباب الاستتار عن أعين الناس عند قضاء الحاجة

والحديث يفيد مشروعية المسح على الخفين.

وقول إبراهيم النخعي : (وكان يعجبهم هذا الحديث)؛ لأن فيه رداً على أهل البدع الذين قالوا: إن المسح على الخفين إنما كان قبل فرضية الوضوء، فكان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن آية الوضوء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6] في سورة المائدة، وكان إسلام جرير بعد نزول سورة المائدة، وهو الذي روى المسح على الخفين، والمسح على الخفين من الأحاديث المتواترة.

مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب

ورؤية شفاعة وحوض ومسح خفين وهذا بعض

كما يقول الحافظ ابن حجر، وهذا منها، والله أعلم.

وأيهما أفضل أن يمسح أو يغسل؟

في هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحسنها ما اختاره أبو العباس ابن تيمية : أنه على حسب حال قدمه فإن كانت قدمه فيها الخفان مسح، وإن كانت قدمه ليس فيها شيء غسل، فلا يتكلف خلع الخف ليغسل قدمه، ولا يتكلف اللبس ليمسح.

قال المؤلف رحمه الله: [ عن أبي وائل قال: ( كان أبو موسى يشدد في البول ويبول في قارورة، ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض، فقال حذيفة: لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد، فلقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سباطة خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه، فأشار إلي فجئت فقمت عند عقبه حتى فرغ ) زاد في رواية: ( فتوضأ فمسح على خفيه ) ].

هذا الحديث متفق عليه إلا قوله: ( فمسح على خفيه ) فإنها لم يروها البخاري.

والحديث يفيد عند أهل العلم أن ما عمت به البلوى ويشق التحرز منه فإنه يغتفر من النجاسات وغيرها، فكان أبو موسى يشدد في البول ويبول في قارورة خوفاً من تراش هذا البول على ثيابه، فكان حذيفة يقول: ( لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد، فلقد كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى سباطة قوم ) يعني: مكاناً يجتمع فيه ذلك الشيء، (فبال قائماً) صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة: أن من عادة من يبول قائماً أن بعض البول ربما يتراش إلى ثيابه.

وهذا الحديث ليس فيه مخالفة بينه وبين حديث ابن عباس كما في الصحيحين، حينما قال: ( أما إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما إنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله )، ومعنى الاستتار: لا يتوقى من البول، فربما يكون فيه بقع ظاهرة، هذا لا إشكال فيه؛ لأنه يجب فيه الغسل، ولكن كما يقول ابن القيم : على مقدار رأس الإبرة فهذا مغتفر، يقول العلماء: وهذا مما عمت به البلوى.

وقد أشار أبو العباس بن تيمية إلى أن بعض الصحابة أصحاب حرف، ولربما علق تحت أظفارهم بعض الأوساخ، فتحبس هذه الجلدة بشيء من التراب، ومع ذلك فمثل هذه التي لم يصبها الماء مما عمت به البلوى فيغتفر، ومثل صاحب العجين إذا كان يعجن، فإنه لو توقى ما توقى فلا بد أن يبقى بعض الأشياء التي يصعب التحرز منها فتكون مغتفرة، ومثل ذلك في واقعنا المعاصر ما تصنعه بعض النساء من الطلاء على أظفارها فإنها مأمورة بإزالته، وأما ما يعلق تحت الجلد فإن ذلك مما يخفف فيه إذا صعب إزالته، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: التوقيت في المسح على الخفين.

عن شريح بن هانئ قال: ( أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بـابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم ) ].

هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

وفيه دلالة على وجوب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال كثيرة، أصحها: هو مذهب أهل الحديث وفقهاء أهل الحديث خلافاً لـمالك ، فإن مالكاً لا يرى في هذا وينقل عن عمر بن الخطاب كما في قصة عقبة بن عامر : أنه جاءه مع البريد فقال: ( ما كنت تصنع بخفيك؟ قال: لم أزل أمسح حتى وصلت، قال: أصبت السنة ). والصحيح أن رواية (أصبت السنة) منكرة، وعلى هذا فالراجح وجوب التوقيت إلا لخائف، فمن المعلوم أن الإنسان إذا خاف على نفسه ترك بعض الأركان والواجبات، فترك الركوع والسجود خوفاً من العدو، فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، وأما ما عدا ذلك فالأصل وجوب التوقيت في المسح على الخفين.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: المسح على الناصية والعمامة.

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ( تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلفت معه، فلما قضى حاجته، قال: أمعك ماء؟ فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يده من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه، وغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه، ثم ركب وركبت فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصلاة يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة، فلما أحس بالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر فأومأ إليه فصلى بهم، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقمت فركعنا الركعة التي سبقتنا ) ].

هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

وجوب إسباغ الوضوء

في هذا الحديث فائدة: وهي وجوب إسباغ الوضوء على الأعضاء؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأراد أن يحسر كميه فلم يستطع، فألقى الجبة وغسل يديه إلى المرفقين، وهذا خلاف ما يفعله بعض الناس في الشتاء يحسر ثيابه وربما لا ترتفع فلا يغسل المرافق، وهذا لا يجوز، وهذا يدخل في الوعيد كما قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ومن حديث عائشة ومن حديث أبي هريرة : ( ويل للأعقاب من النار ) .

أقوال العلماء في حكم المسح على العمامة

وفي الحديث فائدة: وهي جواز المسح على العمامة، وهو مذهب الحنابلة، وأما مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والمالكية فمنعوا من ذلك، وجوزها الشافعي إذا كان قد مسح على الناصية؛ لأنه لا يرى وجوب التعميم في الرأس كما هو مذهب مالك و أحمد.

والراجح: هو مذهب جمهور الصحابة أنه مسح على العمامة، وهو قول عمر و أبي موسى و أنس و ابن عمر ، وقد حكى هذه الأقوال عنهم ابن المنذر في الأوسط.

مشروعية صلاة المؤتم إماماً إذا تأخر الإمام الراتب

والحديث فيه فائدة: وهي أنه إذا تأخر الإمام عن الوقت المعتاد جاز للمأمومين أن يصلي بهم أحدهم كما صنع الصحابة، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أحسنتم أو أصبتم، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها ) وليس فيها افتيات في حق إمام المسجد، أما الصلاة قبل الوقت المعتاد ففيه افتيات ولكن الصلاة صحيحة، خلافاً للرواية الأخرى عند الحنابلة حيث قالوا: لا تصح، والصحيح صحة ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل في هذا الأمر سواء تقدمت أو تأخرت، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.