مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [8]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

وبعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: ترك الأذان والإقامة في العيدين.

عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة ) ].

هذا الحديث بهذا اللفظ رواه مسلم ، وقد جاء من حديث جابر بن عبد الله و ابن عباس متفق عليه بلفظ: ( لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى ) أما حديث جابر بن سمرة فقد رواه مسلم.

يستدل بهذا الحديث أنه لا يشرع الأذان لأداء صلاة العيد، لكن هل يشرع أن يقول المؤذن: الصلاة جامعة؟ استحب ذلك بعض الفقهاء، كما ذكره بعض فقهاء الحنابلة قالوا: لأنها اجتماع مشروع لسبب فصارت كصلاة الاستسقاء فجاز أن يقال: الصلاة جامعة.

والقول الثاني في المسألة: عدم المشروعية؛ لأنه قد أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة أعياد ولم يقل صلى الله عليه وسلم ذلك، والقاعدة: أنه إذا وجد المقتضي ولم يفعله صلى الله عليه وسلم دل على أن عدم فعله هو المشروع، وغير المشروعية لا يلزم منها البدعية، فبعض العلماء يقول: إذا وجد المقتضي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعل دل على أن فعله بدعة، وهذا ليس بجيد، فإطلاق البدعة محل نظر، ولكن الأولى أن يقال: غير مشروع، ثم ينظر بعد ذلك، فقد يكون بدعة وقد لا يكون.

أبو العباس بن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم عندما ذكر هذه المسألة إنما أشار إلى العبادات المحضة كالأذان والصلاة، أما الوسائل التي يحصل بها المقصود في العبادة، مثل: الخط في تسوية الصفوف فهذا ليس منها والله أعلم، خلافاً لبعض المشايخ الذين أدخلوا الوسائل في هذه القاعدة.

وعلى هذا فالذي يظهر أن قول المؤذن: الصلاة جامعة في صلاة العيدين غير مشروع.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة العيدين قبل الخطبة.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( شهدت صلاة الفطر مع النبي صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عمر رضي الله عنهم فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب، قال: فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء ومعه بلال فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا [الممتحنة:12] فتلا هذه الآية حتى فرغ منها، ثم قال حين فرغ منها: أنتن على ذلك، فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله! لا يدري حينئذ من هي، قال: فتصدقن، فبسط بلال ثوبه ثم قال: هلم فدى لكن أبي وأمي، فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال ) ].

هذا الحديث متفق عليه.

وفيه مسائل:

خلاف العلماء في خطبة العيد بين خطبة واحدة وخطبتين

المسألة الأولى: استدل العلماء بهذا الحديث وغيره مثل حديث جابر و أبي سعيد أن المشروع في خطبة العيدين أن تكون خطبتان، وعلى هذا أكثر أهل العلم، وقال بعضهم: أنها خطبة واحدة، فإن نزوله صلى الله عليه وسلم إلى النساء ووعظه لهن هذا استكمال الخطبة الأولى، ولم يحمد الله ولم يصل عليه، وجائز أن يكون الناس من الرجال قد تفرقوا بعد الخطبة الأولى.

أقول: ومع أن من العلماء من قال: إن خطبة العيدين خطبة واحدة، لكني لم أر من قال: إن المشروع خطبة وليس خطبتين، وإنما الخلاف بتجويز خطبة عن خطبتين، والخلاف واضح.

القول الثاني: إن خطبة العيد واحدة، أقول: ما وجدت عند المتقدمين أنهم يقولون: إن المشروع خطبة واحدة، وإنما الخلاف في إجزاء الخطبة الواحدة وعدم إجزائها.

وبعض مشايخنا المعاصرين يقول: إن المشروع خطبة واحدة، فينبغي أن ينظر في المسألة أكثر وأكثر، هل هناك من المتقدمين من قال: إن المشروع خطبة واحدة ويجوز الخطبة الثانية، أم المشروع خطبتان ويجوز خطبة واحدة؟ والخلاف معروف، والله أعلم.

الرد على القائلين بجواز كشف الوجه المستدلين بحديث: (سفعاء الخدين)

المسألة الثانية: أن بعض العلماء استدل بهذا الحديث على جواز كشف الوجه لحديث: ( فقامت امرأة لم يجبه غيرها سفعاء الخدين )، قال: وهذا فيه دلالة على أن كشف الوجه جائز، والجواب عليه ببساطة: أن هذا الحديث كان في السنة السادسة، والحجاب فرض في أواخر السنة التاسعة، وعلى هذا فقيام المرأة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فرضية الحجاب، والله أعلم.

وذكر قول مخالف لبعض الشافعية، لكن الراجح أن الحجاب فرض في السنة التاسعة، نعم ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه فرض في السنة السادسة كما فرض الحج في السنة السادسة عند الشافعية، والصحيح: أن الحج لم يفرض إلا في السنة التاسعة، وأن الحجاب لم يفرض إلا في السنة التاسعة هذا الذي يظهر والله أعلم.

زكاة الحلي ولبس الذهب المحلق

المسألة الثالثة: استدل بعض العلماء بهذا الحديث على عدم وجوب زكاة الحلي، وهذا قول جماهير الفقهاء، وعليه فقهاء الأمصار وجمهور الصحابة، وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد: ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة ، وإلا فإن أكثر أهل العلم على عدم وجوب زكاة الحلي؛ لأنه بالاستعمال صار بمثابة الأمتعة والقنية والمتاع.

واستدل بعض العلماء بهذا الحديث أيضاً على أن لبس الذهب المحلق لا بأس به، ووجه الدلالة: ( فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال )، والفتخ والخواتم دليل على لبس المحلق، وما جاء في الحديث من النهي عن لبس الذهب المحلق، فإن هذا أحسن ما يقال فيه وجهان:

الوجه الأول: أن الأحاديث منكرة وإن صححها المتأخرون كـالمنذري و الألباني .

الثاني: أنها منسوخة، والله أعلم.

وبعضهم يقول: إنه محل إجماع، لكن ليس في المسألة إجماع نقل عن بعض السلف كما أشار إلى ذلك ابن أبي شيبة ، لكن الأقرب أنها رواية منكرة، صححها المنذري وأشار إلى تصحيحها في الترغيب والترهيب، وصححها الألباني رحمه الله، والصحيح أن الأحاديث كلها منكرة، وعندي قاعدة: أن يكون عامة أهل العلم على قول وفيه حديث ظاهر المعارضة، هذا بعيد جداً، وهذا أصل عند مالك رحمه الله فإنه يرى أن الحديث الآحاد وإن كان ظاهره الصحة إذا خالف عمل أهل المدينة لا يعول عليه، وهذا الكلام معروف عند العلماء.

ولكن الراجح: أنه إذا أجمع العلماء أو هو شبه إجماع منهم على مسألة وجاء حديث يخالفه فإن الغالب أن هذا الحديث منكر ولم يتركه الأئمة عبثاً، ولو نقل عن بعضهم أنه يقول به، مثل حديث أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه وهب بن زمعة فقال له صلى الله عليه وسلم وقد رمى جمرة العقبة: هل أفضت أبا عبد الله ؟ قال: لا، قال: إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم جمرة العقبة أن تحلوا فإن أمسيتم أصبحتم حرماً )، وهذا حديث منكر، ولم ينقل عن واحد من السلف أنه قال به، إنما نقله ابن حزم أن عروة كان يقول به، ومن المعلوم أن هذا لا يكفي إلا أن يأتي بإسناد، وكون ابن حزم ينسب لـعروة من غير إسناد، ومن عادته أن ينسبه بإسناد، فدل ذلك على أن هذا منكر، والله أعلم.

المسألة الأولى: استدل العلماء بهذا الحديث وغيره مثل حديث جابر و أبي سعيد أن المشروع في خطبة العيدين أن تكون خطبتان، وعلى هذا أكثر أهل العلم، وقال بعضهم: أنها خطبة واحدة، فإن نزوله صلى الله عليه وسلم إلى النساء ووعظه لهن هذا استكمال الخطبة الأولى، ولم يحمد الله ولم يصل عليه، وجائز أن يكون الناس من الرجال قد تفرقوا بعد الخطبة الأولى.

أقول: ومع أن من العلماء من قال: إن خطبة العيدين خطبة واحدة، لكني لم أر من قال: إن المشروع خطبة وليس خطبتين، وإنما الخلاف بتجويز خطبة عن خطبتين، والخلاف واضح.

القول الثاني: إن خطبة العيد واحدة، أقول: ما وجدت عند المتقدمين أنهم يقولون: إن المشروع خطبة واحدة، وإنما الخلاف في إجزاء الخطبة الواحدة وعدم إجزائها.

وبعض مشايخنا المعاصرين يقول: إن المشروع خطبة واحدة، فينبغي أن ينظر في المسألة أكثر وأكثر، هل هناك من المتقدمين من قال: إن المشروع خطبة واحدة ويجوز الخطبة الثانية، أم المشروع خطبتان ويجوز خطبة واحدة؟ والخلاف معروف، والله أعلم.

المسألة الثانية: أن بعض العلماء استدل بهذا الحديث على جواز كشف الوجه لحديث: ( فقامت امرأة لم يجبه غيرها سفعاء الخدين )، قال: وهذا فيه دلالة على أن كشف الوجه جائز، والجواب عليه ببساطة: أن هذا الحديث كان في السنة السادسة، والحجاب فرض في أواخر السنة التاسعة، وعلى هذا فقيام المرأة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فرضية الحجاب، والله أعلم.

وذكر قول مخالف لبعض الشافعية، لكن الراجح أن الحجاب فرض في السنة التاسعة، نعم ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه فرض في السنة السادسة كما فرض الحج في السنة السادسة عند الشافعية، والصحيح: أن الحج لم يفرض إلا في السنة التاسعة، وأن الحجاب لم يفرض إلا في السنة التاسعة هذا الذي يظهر والله أعلم.

المسألة الثالثة: استدل بعض العلماء بهذا الحديث على عدم وجوب زكاة الحلي، وهذا قول جماهير الفقهاء، وعليه فقهاء الأمصار وجمهور الصحابة، وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد: ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة ، وإلا فإن أكثر أهل العلم على عدم وجوب زكاة الحلي؛ لأنه بالاستعمال صار بمثابة الأمتعة والقنية والمتاع.

واستدل بعض العلماء بهذا الحديث أيضاً على أن لبس الذهب المحلق لا بأس به، ووجه الدلالة: ( فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال )، والفتخ والخواتم دليل على لبس المحلق، وما جاء في الحديث من النهي عن لبس الذهب المحلق، فإن هذا أحسن ما يقال فيه وجهان:

الوجه الأول: أن الأحاديث منكرة وإن صححها المتأخرون كـالمنذري و الألباني .

الثاني: أنها منسوخة، والله أعلم.

وبعضهم يقول: إنه محل إجماع، لكن ليس في المسألة إجماع نقل عن بعض السلف كما أشار إلى ذلك ابن أبي شيبة ، لكن الأقرب أنها رواية منكرة، صححها المنذري وأشار إلى تصحيحها في الترغيب والترهيب، وصححها الألباني رحمه الله، والصحيح أن الأحاديث كلها منكرة، وعندي قاعدة: أن يكون عامة أهل العلم على قول وفيه حديث ظاهر المعارضة، هذا بعيد جداً، وهذا أصل عند مالك رحمه الله فإنه يرى أن الحديث الآحاد وإن كان ظاهره الصحة إذا خالف عمل أهل المدينة لا يعول عليه، وهذا الكلام معروف عند العلماء.

ولكن الراجح: أنه إذا أجمع العلماء أو هو شبه إجماع منهم على مسألة وجاء حديث يخالفه فإن الغالب أن هذا الحديث منكر ولم يتركه الأئمة عبثاً، ولو نقل عن بعضهم أنه يقول به، مثل حديث أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه وهب بن زمعة فقال له صلى الله عليه وسلم وقد رمى جمرة العقبة: هل أفضت أبا عبد الله ؟ قال: لا، قال: إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم جمرة العقبة أن تحلوا فإن أمسيتم أصبحتم حرماً )، وهذا حديث منكر، ولم ينقل عن واحد من السلف أنه قال به، إنما نقله ابن حزم أن عروة كان يقول به، ومن المعلوم أن هذا لا يكفي إلا أن يأتي بإسناد، وكون ابن حزم ينسب لـعروة من غير إسناد، ومن عادته أن ينسبه بإسناد، فدل ذلك على أن هذا منكر، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ما يقرأ في صلاة العيدين.

عن عبيد الله بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي : ما كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ فقال: ( كان يقرأ فيهما بــ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] و اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] ).

هذا الحديث رواه مسلم.

وفي هذا الحديث مسائل منها: أنه ليس عيباً أن يسأل الكبير من هو دونه، وليس في ذلك منقصة فـعمر رضي الله عنه وهو المحدث الملهم سأل أبا واقد ، وكان الصحابة بالذات كثر.

ومن المسائل أيضاً: أن الفقيه ليس هو الحافظ، فالحفظ شيء آخر، وإن كان من توابع الفقه أن يكون حافظاً، لكنه لا يلزم، فـعمر رضي الله عنه نسي ماذا كان صلى الله عليه وسلم يقرأ أو أراد أن يتثبت مع أنه هو الفقيه حقاً.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ترك الصلاة قبل العيد وبعده في المصلى.

عن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم الأضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة، فكانت المرأة تلقي خرصها وتلقي سخابها ) ].

هذا الحديث متفق عليه، لكن ليس زيادة ( أو فطر ) رواها مسلم ، ( خرج يوم أضحى فصلى ركعتين )، هكذا الحديث أما زيادة ( فطر ) فقد تفرد بها مسلم.

والمؤلف في تبويبه (ترك الصلاة قبل العيد وبعده في المصلى) إشارة إلى تقويته لحديث أبي سعيد ( أنه كان إذا رجع صلى في بيته ركعتين )، فدل ذلك على أن المقصود هو أن الإمام لا يصلي قبل العيد ولا بعده في المصلى، أما المأموم فإن كان يذهب إلى مصلى وليس بمسجد فإن المشروع في حقه ألا يصلي، خاصة أنه ربما أتى في وقت نهي، وعلى هذا فلا يشرع له أن يصلي، وبعد الصلاة والخطبة أيضاً لم يكن السلف يصلون في المصليات، وعلى هذا فالسنة ألا يصلي المسلم في المصلى لا قبل الصلاة ولا الخطبة ولا بعدها.

وأما إذا كان في المسجد فينبني على الخلاف في مسألة الصلاة لدخول المسجد في أوقات النهي، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يصلي؛ لأن ذلك من باب تعظيم النواهي على المستحبات.

والقول الثاني في المسألة -وهو مذهب الشافعي ورواية عن أحمد واختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله- أنه لا بأس بركعتي دخول المسجد ولو في أوقات النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب، والنهي ليس محفوظاً من العام المخصوص، والأمر بالصلاة من العام المحفوظ، وإذا تعارض عام مخصوص وعام محفوظ فالمقدم هو العام المحفوظ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بركعتين حتى ولو كان يخطب على المنبر، فدل ذلك على جواز صلاة الركعتين، وهذا أصح، والله أعلم.

وأما بعد ذلك فإن المشروع أن ينشغل الناس بالتهنئة والسلام، والله أعلم.