مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: صلاة الكسوف.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فأطال القيام جداً ثم ركع فأطال الركوع جداً، ثم رفع رأسه فأطال القيام جداً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع جداً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم رفع رأسه فقام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الشمس والقمر من آيات الله، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا، يا أمة محمد! إن من أحد أغير من الله أن يزنى عبده أو تزنى أمته، يا أمة محمد! والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ألا هل بلغت؟ ). وفي رواية مالك : ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ) ].

الجمع بين الروايات المختلفة في صفة صلاة الكسوف

هنا مسألة وهي أنه قد جاءت في أحاديث أخرى صفات تخالف ما جاء في حديث عائشة كحديث جابر وحديث علي، فهل يقال بترجيح حديث عائشة على حديث علي وحديث جابر ، أم يقال بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا وفعل هذا؟

أقول: إنه لا يتأتى الجمع إلا إذا ثبت أنه خسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، والمحفوظ أن الشمس لم تنخسف في عهده صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة، وبالتالي فلا بد أن يكون أحدهم أصاب والبقية أخطأوا؛ ولهذا فالذي يظهر والله أعلم هو سبيل الترجيح، وأن يكون حديث عائشة أصح من حديث جابر وإن رواه مسلم في صحيحه.

فبعضهم يقول: صلاتها كصلاة الفجر، وهذا قول لـأبي حنيفة ، أن تصلى صلاة الخسوف كصلاة الفجر، وبعضهم يقول: في كل ركعة ثلاثة ركوعات، وأقول: الصحيح هو حديث عائشة.

الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف

هل تصلى صلاة الكسوف -يقال: خسوف الشمس أو كسوف الشمس، وخسوف القمر أو كسوف القمر، لكن الفقهاء جعلوا الخسوف في القمر والكسوف في الشمس- هل تصلى جهراً أم سراً؟

بعض العلماء وهو رواية عند أحمد وقول لبعض أهل الظاهر قال: إنها تصلى سراً إذا كانت في النهار، يعني: كسوف الشمس، واستدلوا على ذلك بأن حديث عائشة ليس فيه ما يدل على أنه كان يجهر.

وذهب الجمهور وهو المذهب عند الحنابلة، وهو مذهب مالك و الشافعي : إلى أن صلاة الكسوف يجهر بها كجمعة وعيد، فكل ما يشرع له الاجتماع لسبب يشرع فيه جهر الصلاة، وهذه قاعدة عندهم: كل ما يشرع له الاجتماع لسبب يشرع له الجهر في النهار كانت أم في الليل، وهذا أصح، وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يبين ما هي القراءة أو السور التي قرأها فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لم يقرأ سورة واحدة أو في كل ركعة سورة، بل قرأ سورة طويلة، وجاء في بعض الروايات أنها البقرة، ولكن لم يصح في ذلك حديث، والله أعلم.

أما وجه عدم الجهر في صلاة الجنازة دون غيرها فلأن صلاة الجنازة واجبة، إما فرض كفاية أو فرض عين، لكن الصلوات الأخرى الراجح أنها ليست فرض كفاية، الراجح أنها سنة مؤكدة، فالحنابلة والجمهور يفرقون بين صلاة الجماعة وبين الصلاة الأخرى.

مسائل متعلقة بصلاة الكسوف

قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا رأيتموهما فكبروا )، هذه من السنن المندثرة في زماننا هذا وغيره، وهو مشروعية التكبير في خسوف القمر أو في كسوف الشمس. وكذلك من السنن المهجورة: الصدقة، ويمكن للإنسان أن يتصدق ولو عن طريق ما يسمى بالأمر المستديم، إذا لم يجد فقيراً يذهب إلى البنك أو الإنترنت فيتصدق عن طريق الأمر المستديم، فإنه يحصل في ذلك الأجر إن شاء الله.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا رأيتموها ) دلالة على أن العبرة بالرؤية أو إمكانية الرؤية، وأما إذا قال الفلكيون أن القمر يخسف أو أن الشمس تكسف ولا يمكن رؤية ذلك فإنه لا يشرع الصلاة حتى يتمكن الرؤية.

وقوله: ( فإذا رأيتم ذلك )، دلالة أيضاً على أنه لو خسف القمر وطلع الفجر فإذا أمكن رؤية خسوف القمر فإنه يشرع الصلاة خلافاً للمذهب عند الحنابلة، فإنهم قالوا: لا يشرع لذهاب سلطانه، والصحيح: أنه يشرع ذلك ما دام أن الرؤية ممكنة، حتى ولو كان بعد صلاة الفجر، حتى ينتشر النهار ويذهب سلطانه بحيث لا يميز الرائي بين الخسوف وغيره، هذا هو الراجح، والله أعلم.

وقوله: ( فادعوا الله وصلوا )، لو صلوا والقمر ما زال خاسفاً أو الشمس ما زالت كاسفة فالجمهور على أنه لا تعاد الصلاة جماعة، لكن لو صلى كل واحد وحده فلا حرج؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( فادعوا الله وصلوا وتصدقوا حتى ينجلي ما بكم )، كما في رواية أبي موسى الأشعري في الصحيحين، فقوله: ( حتى ينجلي ما بكم ) وهذا دليل على مشروعية الصدقة والصلاة حتى ينجلي، فإن كان الوقت يسيراً فإنه يتصدق ويدعو الله أن يفرج هذه الغمة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فإن كان في الصلاة ثم زال الخسوف أو الكسوف فإنه يصليها خفيفة، فالذي يظهر والله أعلم أن رواية: (تصدقوا) صحيحة، وقد رواها البخاري و مسلم.

التعليق على ما رواه مسلم في صفة صلاة الكسوف أنها ثمان ركعات

قال المؤلف: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات ) ].

هذا من الأحاديث التي رواها مسلم ، فإذا كان ثمان ركعات في أربع سجدات فإنه يكون في كل ركعة أربع ركوعات، وهذا مما تفرد به مسلم والصحيح خلاف ذلك، لكني أقول: لو صلى صلاة الخسوف أو الكسوف كفجر أو بما جاء في بعض الروايات عن علي فلا حرج، ففعل الصحابة يدل على الجواز، لكن السنة أحق أن تتبع.

هنا مسألة وهي أنه قد جاءت في أحاديث أخرى صفات تخالف ما جاء في حديث عائشة كحديث جابر وحديث علي، فهل يقال بترجيح حديث عائشة على حديث علي وحديث جابر ، أم يقال بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا وفعل هذا؟

أقول: إنه لا يتأتى الجمع إلا إذا ثبت أنه خسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، والمحفوظ أن الشمس لم تنخسف في عهده صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة، وبالتالي فلا بد أن يكون أحدهم أصاب والبقية أخطأوا؛ ولهذا فالذي يظهر والله أعلم هو سبيل الترجيح، وأن يكون حديث عائشة أصح من حديث جابر وإن رواه مسلم في صحيحه.

فبعضهم يقول: صلاتها كصلاة الفجر، وهذا قول لـأبي حنيفة ، أن تصلى صلاة الخسوف كصلاة الفجر، وبعضهم يقول: في كل ركعة ثلاثة ركوعات، وأقول: الصحيح هو حديث عائشة.

هل تصلى صلاة الكسوف -يقال: خسوف الشمس أو كسوف الشمس، وخسوف القمر أو كسوف القمر، لكن الفقهاء جعلوا الخسوف في القمر والكسوف في الشمس- هل تصلى جهراً أم سراً؟

بعض العلماء وهو رواية عند أحمد وقول لبعض أهل الظاهر قال: إنها تصلى سراً إذا كانت في النهار، يعني: كسوف الشمس، واستدلوا على ذلك بأن حديث عائشة ليس فيه ما يدل على أنه كان يجهر.

وذهب الجمهور وهو المذهب عند الحنابلة، وهو مذهب مالك و الشافعي : إلى أن صلاة الكسوف يجهر بها كجمعة وعيد، فكل ما يشرع له الاجتماع لسبب يشرع فيه جهر الصلاة، وهذه قاعدة عندهم: كل ما يشرع له الاجتماع لسبب يشرع له الجهر في النهار كانت أم في الليل، وهذا أصح، وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يبين ما هي القراءة أو السور التي قرأها فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لم يقرأ سورة واحدة أو في كل ركعة سورة، بل قرأ سورة طويلة، وجاء في بعض الروايات أنها البقرة، ولكن لم يصح في ذلك حديث، والله أعلم.

أما وجه عدم الجهر في صلاة الجنازة دون غيرها فلأن صلاة الجنازة واجبة، إما فرض كفاية أو فرض عين، لكن الصلوات الأخرى الراجح أنها ليست فرض كفاية، الراجح أنها سنة مؤكدة، فالحنابلة والجمهور يفرقون بين صلاة الجماعة وبين الصلاة الأخرى.

قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا رأيتموهما فكبروا )، هذه من السنن المندثرة في زماننا هذا وغيره، وهو مشروعية التكبير في خسوف القمر أو في كسوف الشمس. وكذلك من السنن المهجورة: الصدقة، ويمكن للإنسان أن يتصدق ولو عن طريق ما يسمى بالأمر المستديم، إذا لم يجد فقيراً يذهب إلى البنك أو الإنترنت فيتصدق عن طريق الأمر المستديم، فإنه يحصل في ذلك الأجر إن شاء الله.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا رأيتموها ) دلالة على أن العبرة بالرؤية أو إمكانية الرؤية، وأما إذا قال الفلكيون أن القمر يخسف أو أن الشمس تكسف ولا يمكن رؤية ذلك فإنه لا يشرع الصلاة حتى يتمكن الرؤية.

وقوله: ( فإذا رأيتم ذلك )، دلالة أيضاً على أنه لو خسف القمر وطلع الفجر فإذا أمكن رؤية خسوف القمر فإنه يشرع الصلاة خلافاً للمذهب عند الحنابلة، فإنهم قالوا: لا يشرع لذهاب سلطانه، والصحيح: أنه يشرع ذلك ما دام أن الرؤية ممكنة، حتى ولو كان بعد صلاة الفجر، حتى ينتشر النهار ويذهب سلطانه بحيث لا يميز الرائي بين الخسوف وغيره، هذا هو الراجح، والله أعلم.

وقوله: ( فادعوا الله وصلوا )، لو صلوا والقمر ما زال خاسفاً أو الشمس ما زالت كاسفة فالجمهور على أنه لا تعاد الصلاة جماعة، لكن لو صلى كل واحد وحده فلا حرج؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( فادعوا الله وصلوا وتصدقوا حتى ينجلي ما بكم )، كما في رواية أبي موسى الأشعري في الصحيحين، فقوله: ( حتى ينجلي ما بكم ) وهذا دليل على مشروعية الصدقة والصلاة حتى ينجلي، فإن كان الوقت يسيراً فإنه يتصدق ويدعو الله أن يفرج هذه الغمة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فإن كان في الصلاة ثم زال الخسوف أو الكسوف فإنه يصليها خفيفة، فالذي يظهر والله أعلم أن رواية: (تصدقوا) صحيحة، وقد رواها البخاري و مسلم.

قال المؤلف: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات ) ].

هذا من الأحاديث التي رواها مسلم ، فإذا كان ثمان ركعات في أربع سجدات فإنه يكون في كل ركعة أربع ركوعات، وهذا مما تفرد به مسلم والصحيح خلاف ذلك، لكني أقول: لو صلى صلاة الخسوف أو الكسوف كفجر أو بما جاء في بعض الروايات عن علي فلا حرج، ففعل الصحابة يدل على الجواز، لكن السنة أحق أن تتبع.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في صلاة الاستسقاء.

عن عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه ). وفي رواية: ( فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله, واستقبل القبلة, وحول رداءه ثم صلى ركعتين) ].

هذا الحديث متفق عليه.

وفي زيادة: ( ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة ).

الجهر في صلاة الاستسقاء

وهذا يدل على استحباب الجهر في صلاة الاستسقاء.

وفيه فائدة أيضاً: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد بدأ بالخطبة قبل الصلاة، وذهب الجمهور إلى أن السنة أن تصلى الصلاة قبل الخطبة، لحديث ابن عباس : ( فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يصلي في العيد ) ففهم بعض الفقهاء أن قوله: ( كما يصلي في العيد ) يعني أن تقدم الصلاة قبل الخطبة، والذي يظهر والله أعلم أن قصد ابن عباس صفة الصلاة لا من حيث التقديم أو التأخير تصلى كما تصلى صلاة العيد، هذا هو الظاهر، وقد جاء عند أهل السنن من حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الصلاة على الخطبة ) ولكن هذا في سنده ضعف، ولكني أقول: وإن كان السنة أن تصلى الصلاة بعد الخطبة لكن يجوز أن تصلى الصلاة قبل الخطبة؛ وذلك لأن هذا كان مشهوراً في عهد الخلفاء الراشدين، والقاعدة كما أشار أبو العباس بن تيمية : أن كل سنة أو كل فعل فعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير نكير فليس ببدعة.

قلب الرداء في صلاة الاستسقاء

في حديث عبد الله بن زيد مسألة -كثيراً ما يخالف فيها الناس- وهي أن السنة في قلب الرداء أن تكون بعد الدعاء؛ وذلك لأنه استقبل القبلة ثم دعا وحول رداءه، وأكثر الناس اليوم إذا انتهى الخطيب من خطبته واستقبل القبلة يحول رداءه ثم يدعو، وإن قلب قبل الدعاء لا حرج، لكن الأقرب والله أعلم أن يقلب رداءه بعد الانتهاء من الدعاء تفاؤلاً بالإجابة، والإجابة لا تتأتى إلا بعد الدعاء.

وبعض الفقهاء يقول: إن قلب الرداء يكون للإمام خاصة، وأقول: لم يثبت عندي أن الصحابة قلبوا أرديتهم بعدما قلب، لكن ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على ثبوته عند غيره؛ لأن هذا يشمله قوله صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، ولأن الصحابة كانوا يقتدون به في كل ما يفعله على المنبر حتى أنه لما صلى على المنبر صلى الصحابة، وقال: ( لتعلموا صلاتي ) كما في حديث سهل بن سعد الساعدي ، فالذي يظهر والله أعلم أن المأموم يقلب رداءه كما يقلب الإمام.

ثم إن السنة الجهر بالقراءة كما هو مذهب جمهور الفقهاء، والله أعلم.

مشروعية حسر الثوب لإصابة الماء للجسد عند نزول المطر

قال المؤلف رحمه الله: [ عن أنس رضي الله عنه قال: ( أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه ) ].

هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

وفيه مشروعية أن يصيب الماء جسدك، قوله: (فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه)، يطلق الثوب على ما لم يكن له أكمام ولم يفصل على البدن، مثل الإزار والرداء يسمى ثوباً؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( أو لكلكم ثوبان )، وأما إذا فصل على قدر العضد فيسمى قميصاً، هذا كلام بعض علماء اللغة، والذي يظهر والله أعلم أنه لا بأس بإطلاق القميص على الثوب. وفيه مشروعية حسر الرأس أو غيره.

وقوله: ( لأنه حديث عهد بربه ) ليس معنى ذلك أن المطر ينزل من فوق السماوات السبع بل المعروف أن المطر ينزل من السحب، وقوله: ( لأنه حديث عهد بربه ) يحتمل أن المعنى: إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى عالم بخلقه، ويحتمل أن معنى ( لأنه حديث عهد بربه ) يعني: أنه نزل بأمره سبحانه، وكل أمر من أوامره حديث عهد به تعالى، لكنه يخص في ذلك المطر، والله أعلم.

وهذا يدل على استحباب الجهر في صلاة الاستسقاء.

وفيه فائدة أيضاً: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد بدأ بالخطبة قبل الصلاة، وذهب الجمهور إلى أن السنة أن تصلى الصلاة قبل الخطبة، لحديث ابن عباس : ( فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يصلي في العيد ) ففهم بعض الفقهاء أن قوله: ( كما يصلي في العيد ) يعني أن تقدم الصلاة قبل الخطبة، والذي يظهر والله أعلم أن قصد ابن عباس صفة الصلاة لا من حيث التقديم أو التأخير تصلى كما تصلى صلاة العيد، هذا هو الظاهر، وقد جاء عند أهل السنن من حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الصلاة على الخطبة ) ولكن هذا في سنده ضعف، ولكني أقول: وإن كان السنة أن تصلى الصلاة بعد الخطبة لكن يجوز أن تصلى الصلاة قبل الخطبة؛ وذلك لأن هذا كان مشهوراً في عهد الخلفاء الراشدين، والقاعدة كما أشار أبو العباس بن تيمية : أن كل سنة أو كل فعل فعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير نكير فليس ببدعة.

في حديث عبد الله بن زيد مسألة -كثيراً ما يخالف فيها الناس- وهي أن السنة في قلب الرداء أن تكون بعد الدعاء؛ وذلك لأنه استقبل القبلة ثم دعا وحول رداءه، وأكثر الناس اليوم إذا انتهى الخطيب من خطبته واستقبل القبلة يحول رداءه ثم يدعو، وإن قلب قبل الدعاء لا حرج، لكن الأقرب والله أعلم أن يقلب رداءه بعد الانتهاء من الدعاء تفاؤلاً بالإجابة، والإجابة لا تتأتى إلا بعد الدعاء.

وبعض الفقهاء يقول: إن قلب الرداء يكون للإمام خاصة، وأقول: لم يثبت عندي أن الصحابة قلبوا أرديتهم بعدما قلب، لكن ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على ثبوته عند غيره؛ لأن هذا يشمله قوله صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، ولأن الصحابة كانوا يقتدون به في كل ما يفعله على المنبر حتى أنه لما صلى على المنبر صلى الصحابة، وقال: ( لتعلموا صلاتي ) كما في حديث سهل بن سعد الساعدي ، فالذي يظهر والله أعلم أن المأموم يقلب رداءه كما يقلب الإمام.

ثم إن السنة الجهر بالقراءة كما هو مذهب جمهور الفقهاء، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ عن أنس رضي الله عنه قال: ( أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه ) ].

هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

وفيه مشروعية أن يصيب الماء جسدك، قوله: (فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه)، يطلق الثوب على ما لم يكن له أكمام ولم يفصل على البدن، مثل الإزار والرداء يسمى ثوباً؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( أو لكلكم ثوبان )، وأما إذا فصل على قدر العضد فيسمى قميصاً، هذا كلام بعض علماء اللغة، والذي يظهر والله أعلم أنه لا بأس بإطلاق القميص على الثوب. وفيه مشروعية حسر الرأس أو غيره.

وقوله: ( لأنه حديث عهد بربه ) ليس معنى ذلك أن المطر ينزل من فوق السماوات السبع بل المعروف أن المطر ينزل من السحب، وقوله: ( لأنه حديث عهد بربه ) يحتمل أن المعنى: إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى عالم بخلقه، ويحتمل أن معنى ( لأنه حديث عهد بربه ) يعني: أنه نزل بأمره سبحانه، وكل أمر من أوامره حديث عهد به تعالى، لكنه يخص في ذلك المطر، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب في التعوذ عند رؤية الريح والغيم, والفرح بالمطر.

عن عائشة رضي الله عنه زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة : فسألته فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف:24] ) ].

الحديث رواه البخاري و مسلم ، إلا أن البخاري لم يرو: ( إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ) إنما روى التعوذ من شرها، ( وإذا تخيلت السماء ... ) الحديث، فيكون ( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ) تفرد بها مسلم.

وفيه خوف النبي صلى الله عليه وسلم مع حسن العمل وفي زماننا كثر الرجاء مع قلة وتقصير في العمل، والله المستعان.