مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [9]


الحلقة مفرغة

جاءت شريعة الإسلام بالتخفيف على الناس رحمة بهم، ومن التخفيف مشروعية الجمع والقصر في السفر إن كانت مسافة قصر، وتبدأ أحكامه من مفارقة البنيان، وكذلك الجمع في الحضر بعذر كالمطر أو المرض ونحوه، أو من غير عذر ما لم يتخذ عادة.

العمل بالزيادة الثابتة في السنة على ظاهر النص القرآني

المسألة الأولى: أنه يجوز الزيادة على ظاهر النص القرآني بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كانت السنة الثابتة من المتواتر أم من الآحاد؛ وذلك لأن في القرآن أن الله سبحانه جوز القصر في الرباعية إلى ثنائية إذا خاف الإنسان، كما قال تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101]، فمفهوم المخالفة: إن لم يفتنكم الذين كفروا ولم تخافوا فلا تقصروا؛ لكن السنة أثبتت جواز القصر حتى مع الأمن فصارت صدقة، فدل ذلك على أنه يجوز أن تنسخ السنة عموم القرآن خلافاً للحنفية الذين قالوا: إن الزيادة على النص نسخ، والنسخ لا يكون في المتواتر إلا بمتواتر.

حكم القصر في الصلاة للمسافر

المسألة الثانية: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) دلالة على مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة -خلافاً للحنيفة و ابن حزم - أنه يستحب القصر ولا يجب، ولا ينبغي للإنسان ألا يقبل صدقة ربه. أما أبو حنيفة و ابن حزم فيرون وجوب القصر.

واستدل المالكية ورواية عند الإمام أحمد على أن الإتمام وإن كان جائزاً إلا أنه مكروه؛ وذلك لأنه خالف المأمور، وأقل مخالفة المأمور الوقوع في غير المستحب. وهل يلزم من الوقوع في غير المستحب الوقوع في المكروه؟ هذه مسألة أصولية، الذي يظهر: أنه لا يلزم، لكن دوام فعله صلى الله عليه وسلم مع أمره بالقصر دلالة على أن ترك القصر مكروه، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم: في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة ) ].

هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس ، وجاء نحوه عن عمر .

هذا الحديث استدل به الحنفية و ابن حزم على وجوب القصر؛ لأن الله فرض الصلاة في الحضر أربعاً، فإذا كان لا يجوز للإنسان في الحضر أن يزيد أو ينقص عن أربع، فكذلك في السفر لا يجوز له أن يزيد أو أن ينقص عن ركعتين، بل ذهب ابن حزم إلى أبعد من الحنفية، فقال: لو صلى المسافر خلف مقيم وجب أن يقصر، وأما أبو حنيفة فإنه ذهب إلى ما ذهب إليه الجمهور من أن المسافر يتم متابعة لإمامه؛ لقوله: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا... ) الحديث.

وأما مناقشة الجمهور لهذا الحديث فإنهم قالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: ( فرض الله الصلاة على لسان نبيه )، يعني: أن الفرض يطلق على التشريع، ولا يلزم من التشريع الوجوب، فقوله صلى الله عليه وسلم: ( فرض الله الصلاة على لسان نبيه ) يعني: شرع، والتشريع هو بيان مشروعية الحكم أو الفعل في الجملة، وأما أن يكون واجباً من عدمه فهذه مسألة أخرى، بدليل أنه قال: ( وفي الخوف ركعة )، مع العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الخوف أكثر من ذلك، بل لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في السنة الثابتة الصحيحة أنه صلى أقل من ركعتين، وإنما التخفيف في الخوف هو تخفيف أركان لا تخفيف أعداد، وتخفيف الأركان، يعني: أن يترك الطمأنينة، وأن يترك الركوع، كما قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:238-239]، وعلى هذا فكما أنه لا يسوغ أن يصلي في الخوف ركعة، فكذلك يجوز أن يتم في القصر في السفر.

أقل ما يجزئ في صلاة الخوف

المسألة الثالثة: بعض العلماء قال: إن قوله: ( وفي الخوف ركعة ) دلالة على أن أقل ما يصلي في صلاة الخوف ركعة، باعتبار أن الجماعة الذين يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان هناك جماعتان يصلون قبل العدو، فتأتي جماعة فتصلي مع الإمام ركعة ثم ترجع فتصلي وحدها ركعة، فصارت ركعة مع الإمام، وركعة لوحدها، فصارت هذه بمثابة الركعة الواحدة، هذا هو مذهب جمهور العلماء. وبعضهم يقول: يجوز الصلاة ركعة واحدة، ولا يظهر لي جواز هذا على الإطلاق، وإنما هو -كما قلت- تخفيف أداء ركن وليس عدداً، والله أعلم.

وذلك لما ثبت في جامع الترمذي من حديث أنس بن مالك الكعبي أنه قال: ( إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم، وعن الحامل والمرضع )، وجه الدلالة: أنه لا يصح أن تصلى الصلاة إلا إتماماً إلا إذا كان في ذلك سفر، وما عدا الأمرين فلا يسوغ القصر، والله أعلم.

والجمهور -كما قلنا- يقولون: الصلاة ركعة باعتبار الجماعة؛ فهؤلاء يصلون ركعة مع الإمام، ثم يرجعون فيصلون ركعة لوحدهم، فليس المقصود أن يصلوا ركعة فقط، فلم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف -التي قيل: إنها خمس- أنه صلى ركعة واحدة، فمعنى صلى صلاة الخوف ركعة على اعتبار أمرين: على اعتبار الجماعة، وعلى اعتبار أنه لا يركع، فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239] هذا الاعتبار، وأما أن يصلي ركعة واحدة فهذا لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله، والله أعلم.

وبعضهم يقولون: إذا كان مسافراً وصلى صلاة الخوف فتكون الركعتين بمثابة ركعة واحدة؛ لأن الأربع في السفر تكون ركعتين، والركعتان في الخوف تكون ركعة، فتكون إذا كان في الخوف وهو مقيم ركعتين، وهذا بعيد.

المسألة الأولى: أنه يجوز الزيادة على ظاهر النص القرآني بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كانت السنة الثابتة من المتواتر أم من الآحاد؛ وذلك لأن في القرآن أن الله سبحانه جوز القصر في الرباعية إلى ثنائية إذا خاف الإنسان، كما قال تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101]، فمفهوم المخالفة: إن لم يفتنكم الذين كفروا ولم تخافوا فلا تقصروا؛ لكن السنة أثبتت جواز القصر حتى مع الأمن فصارت صدقة، فدل ذلك على أنه يجوز أن تنسخ السنة عموم القرآن خلافاً للحنفية الذين قالوا: إن الزيادة على النص نسخ، والنسخ لا يكون في المتواتر إلا بمتواتر.

المسألة الثانية: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) دلالة على مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة -خلافاً للحنيفة و ابن حزم - أنه يستحب القصر ولا يجب، ولا ينبغي للإنسان ألا يقبل صدقة ربه. أما أبو حنيفة و ابن حزم فيرون وجوب القصر.

واستدل المالكية ورواية عند الإمام أحمد على أن الإتمام وإن كان جائزاً إلا أنه مكروه؛ وذلك لأنه خالف المأمور، وأقل مخالفة المأمور الوقوع في غير المستحب. وهل يلزم من الوقوع في غير المستحب الوقوع في المكروه؟ هذه مسألة أصولية، الذي يظهر: أنه لا يلزم، لكن دوام فعله صلى الله عليه وسلم مع أمره بالقصر دلالة على أن ترك القصر مكروه، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم: في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة ) ].

هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس ، وجاء نحوه عن عمر .

هذا الحديث استدل به الحنفية و ابن حزم على وجوب القصر؛ لأن الله فرض الصلاة في الحضر أربعاً، فإذا كان لا يجوز للإنسان في الحضر أن يزيد أو ينقص عن أربع، فكذلك في السفر لا يجوز له أن يزيد أو أن ينقص عن ركعتين، بل ذهب ابن حزم إلى أبعد من الحنفية، فقال: لو صلى المسافر خلف مقيم وجب أن يقصر، وأما أبو حنيفة فإنه ذهب إلى ما ذهب إليه الجمهور من أن المسافر يتم متابعة لإمامه؛ لقوله: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا... ) الحديث.

وأما مناقشة الجمهور لهذا الحديث فإنهم قالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: ( فرض الله الصلاة على لسان نبيه )، يعني: أن الفرض يطلق على التشريع، ولا يلزم من التشريع الوجوب، فقوله صلى الله عليه وسلم: ( فرض الله الصلاة على لسان نبيه ) يعني: شرع، والتشريع هو بيان مشروعية الحكم أو الفعل في الجملة، وأما أن يكون واجباً من عدمه فهذه مسألة أخرى، بدليل أنه قال: ( وفي الخوف ركعة )، مع العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الخوف أكثر من ذلك، بل لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في السنة الثابتة الصحيحة أنه صلى أقل من ركعتين، وإنما التخفيف في الخوف هو تخفيف أركان لا تخفيف أعداد، وتخفيف الأركان، يعني: أن يترك الطمأنينة، وأن يترك الركوع، كما قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:238-239]، وعلى هذا فكما أنه لا يسوغ أن يصلي في الخوف ركعة، فكذلك يجوز أن يتم في القصر في السفر.

المسألة الثالثة: بعض العلماء قال: إن قوله: ( وفي الخوف ركعة ) دلالة على أن أقل ما يصلي في صلاة الخوف ركعة، باعتبار أن الجماعة الذين يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان هناك جماعتان يصلون قبل العدو، فتأتي جماعة فتصلي مع الإمام ركعة ثم ترجع فتصلي وحدها ركعة، فصارت ركعة مع الإمام، وركعة لوحدها، فصارت هذه بمثابة الركعة الواحدة، هذا هو مذهب جمهور العلماء. وبعضهم يقول: يجوز الصلاة ركعة واحدة، ولا يظهر لي جواز هذا على الإطلاق، وإنما هو -كما قلت- تخفيف أداء ركن وليس عدداً، والله أعلم.

وذلك لما ثبت في جامع الترمذي من حديث أنس بن مالك الكعبي أنه قال: ( إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم، وعن الحامل والمرضع )، وجه الدلالة: أنه لا يصح أن تصلى الصلاة إلا إتماماً إلا إذا كان في ذلك سفر، وما عدا الأمرين فلا يسوغ القصر، والله أعلم.

والجمهور -كما قلنا- يقولون: الصلاة ركعة باعتبار الجماعة؛ فهؤلاء يصلون ركعة مع الإمام، ثم يرجعون فيصلون ركعة لوحدهم، فليس المقصود أن يصلوا ركعة فقط، فلم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف -التي قيل: إنها خمس- أنه صلى ركعة واحدة، فمعنى صلى صلاة الخوف ركعة على اعتبار أمرين: على اعتبار الجماعة، وعلى اعتبار أنه لا يركع، فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239] هذا الاعتبار، وأما أن يصلي ركعة واحدة فهذا لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله، والله أعلم.

وبعضهم يقولون: إذا كان مسافراً وصلى صلاة الخوف فتكون الركعتين بمثابة ركعة واحدة؛ لأن الأربع في السفر تكون ركعتين، والركعتان في الخوف تكون ركعة، فتكون إذا كان في الخوف وهو مقيم ركعتين، وهذا بعيد.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ما تقصر فيه الصلاة من السفر.

عن أنس بن مالك قال: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً، وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين ) ].

هذا الحديث متفق عليه.

وفيه مسائل: ‏

وقت شروع المسافر في أحكام السفر

المسألة الأولى: قد استدل به العلماء على أنه إذا أراد المسافر أن يسافر سفراً يقصر لمثله الصلاة -وهو أربعة برد- فإنه إذا فارق عامر قريته جاز أن يشرع في أحكام السفر، وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله: أن ذلك بغير خلاف يعلمه، وهذا في الجملة، وإلا فإن ابن حزم يقول: العبرة بأن يفارق بلدته بمقدار ميل، والميل كيلو وستمائة، يعني كيلوين إلا، فيبدأ يقصر، ولا اعتبار عنده بالمفارقة مطلقاً.

والصحيح: أنه إذا فارق عامر قريته، كما هو مذهب الأئمة الأربعة والسلف؛ لحديث أبي بصرة الغفاري : ( حينما ركب من الفسطاط فلما لم يجاوز البيوت -وفي رواية: وهم يرون البيوت- فقال: هلم إلى الغداة وقال: كل، قال: أولست ترى البيوت؟ قال: أترغب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم )، والحديث رواه الإمام أحمد و الدارقطني، وإسناده جيد.

القصر في الصلاة لمن دخل عليه الوقت وهو مقيم ثم سافر أو العكس

المسألة الثانية: استدل العلماء بهذا الحديث على مسألة وهي: إذا دخل عليه الوقت ثم سافر فهل يقصر بناء على أن العبرة هو حال أداء العبادة، حاله هو؟ هل هو مسافر أم مقيم -كما هو مذهب الجمهور من الأئمة الثلاثة، ونقل ابن المنذر الإجماع على جواز القصر- أم أن العبرة هو إدراك جزء من الوقت متماً فيجب عليه أن يتم ولو أداها في السفر كما هو مذهب الحنابلة؟

الراجح والله أعلم: هو مذهب السلف والخلف خلافاً للمذهب عند الحنابلة، وهو أنه يجوز أن يقصر ولو أدرك جزءًا من الوقت وهو مقيم، بمعنى: أذن الظهر وهو في البلد ثم سافر، فإنه إذا أداها بعد أن فارق عامر قريته فله أن يقصر؛ وذلك لأن أنساً يقول: ( صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين )، وليس فيه ما يدل على أنه خرج بعد الظهر أو خرج بعد العصر، أدرك الوقت أو لم يدرك، فترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.

أما إذا كان العكس بأن دخل عليه الوقت وهو مسافر ثم أقام فإنه يأثم إن قصر؛ لأن الحنابلة يبالغون في الوقت، يقولون: أدرك مقيماً، والجمهور يقولون: العبرة بحال أداء العبادة، فيؤديها متماً.

المسألة الأولى: قد استدل به العلماء على أنه إذا أراد المسافر أن يسافر سفراً يقصر لمثله الصلاة -وهو أربعة برد- فإنه إذا فارق عامر قريته جاز أن يشرع في أحكام السفر، وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله: أن ذلك بغير خلاف يعلمه، وهذا في الجملة، وإلا فإن ابن حزم يقول: العبرة بأن يفارق بلدته بمقدار ميل، والميل كيلو وستمائة، يعني كيلوين إلا، فيبدأ يقصر، ولا اعتبار عنده بالمفارقة مطلقاً.

والصحيح: أنه إذا فارق عامر قريته، كما هو مذهب الأئمة الأربعة والسلف؛ لحديث أبي بصرة الغفاري : ( حينما ركب من الفسطاط فلما لم يجاوز البيوت -وفي رواية: وهم يرون البيوت- فقال: هلم إلى الغداة وقال: كل، قال: أولست ترى البيوت؟ قال: أترغب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم )، والحديث رواه الإمام أحمد و الدارقطني، وإسناده جيد.

المسألة الثانية: استدل العلماء بهذا الحديث على مسألة وهي: إذا دخل عليه الوقت ثم سافر فهل يقصر بناء على أن العبرة هو حال أداء العبادة، حاله هو؟ هل هو مسافر أم مقيم -كما هو مذهب الجمهور من الأئمة الثلاثة، ونقل ابن المنذر الإجماع على جواز القصر- أم أن العبرة هو إدراك جزء من الوقت متماً فيجب عليه أن يتم ولو أداها في السفر كما هو مذهب الحنابلة؟

الراجح والله أعلم: هو مذهب السلف والخلف خلافاً للمذهب عند الحنابلة، وهو أنه يجوز أن يقصر ولو أدرك جزءًا من الوقت وهو مقيم، بمعنى: أذن الظهر وهو في البلد ثم سافر، فإنه إذا أداها بعد أن فارق عامر قريته فله أن يقصر؛ وذلك لأن أنساً يقول: ( صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين )، وليس فيه ما يدل على أنه خرج بعد الظهر أو خرج بعد العصر، أدرك الوقت أو لم يدرك، فترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.

أما إذا كان العكس بأن دخل عليه الوقت وهو مسافر ثم أقام فإنه يأثم إن قصر؛ لأن الحنابلة يبالغون في الوقت، يقولون: أدرك مقيماً، والجمهور يقولون: العبرة بحال أداء العبادة، فيؤديها متماً.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [1] 2402 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [2] 2041 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [7] 2024 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الحيض 2004 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [8] 1881 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [5] 1879 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [11] 1839 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الجنائز 1580 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الوضوء 1549 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [3] 1445 استماع