لقاء الباب المفتوح [234]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الرابع والثلاثون بعد المائتين، من اللقاءات التي تعرف بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو التاسع والعشرون من شهر محرم عام (1421هـ).

تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ...)

نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير ما يسر الله عز وجل، وقد انتهينا فيما سبق إلى قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ [المجادلة:8] (نهوا) أي: نهاهم الله عز وجل أو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.. (عن النجوى) أي: عن التناجي فيما بينهم والكلام السر الذي يريدون به إرغام المؤمنين، حيث يظن المؤمن إذا مر بهم وجعلوا يتناجون أنهم يتناجون في أمر يكيدون له به، فنهوا عن ذلك ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ [المجادلة:8] تجدهم يتناجون فيما بينهم، فيما يأثمون به أي: يكسبون به عقوبة في الآخرة، والعدوان هو: الاعتداء على المؤمنين بإحداث الهم والغم لهم، (ومعصية الرسول) أي: أنهم يتواصون فيما بينهم أن يعصوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله سلم.

تفسير قوله تعالى: (وإذا جاءوك حيوك ...)

قال تعالى: وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [المجادلة:8] أي: إذا مروا بك أو أتوا إليك وأنت في مجلس حيوك بما لم يحيك به الله، وذلك بقولهم: السام عليك -يعني: الموت- ولكنهم لا يفصحون بها جيداً، فيظن السامع أنهم يقولون: السلام عليكم. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذا سلم علينا أهل الكتاب أو غير أهل الكتاب ممن نظن أنهم يقولون السام عليكم أن نقول: وعليك. إن كان دعا بالسلام فعليه، وإن كان دعا بالسام فعليه، وهذا غاية العدل، لكن إذا سلم عليك اليهودي أو النصراني أو غيره بقوله: السلام عليك واضحة فلك أن تقول: وعليك السلام. لقول الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] ولأن النبي صلى الله عليه وعلى سلم قال: (إن أهل الكتاب إذا سلموا يقولون: السام عليكم فقولوا: وعليكم) وهذا يدل على أنهم لو قالوا السلام لقلنا وعليكم السلام.

وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ [المجادلة:8] أي: يحدث شخص منهم نفسه أو المعنى يقولون فيما بينهم لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ [المجادلة:8] أي: هلاَّ يعذبنا الله بما نقول لو كان ما نقول خطأً، كأنهم يتحدون الله عز وجل ويقولون: لو ارتكبنا خطأ لعذبنا الله، قال الله تعالى: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ [المجادلة:8] أي: كافيتهم يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [المجادلة:8] وهذا وعيد شديد لهؤلاء الذين نجوا من عذاب الدنيا، أن لهم عذاب الآخرة.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ...)

ثم قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المجادلة:9] لما ذكر الله عن حال اليهود أنهم يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول نهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم، فقال: فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وضد ذلك: وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى (بالبر) أي: فعل الخير، (والتقوى) اجتناب الشر. أي: ليناجِ بعضكم بعضاً بما فيه الخير، إما براً يأمرون به، وإما محرماً يأمرون بتقواه واجتنابه وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ اتقوا الله تعالى يعني: أطيعوا الله، لأن التقوى هي: اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأنه لا شيء يقي من عذاب الله إلا هذا.

قوله تعالى: الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي: تجمعون إليه يوم القيامة فإن الله تبارك وتعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد متساو، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر.. نحن في الدنيا لسنا على أرض متساوية، بل على أرض تشبه الكرة ولذلك لا ينفذ البصر إلى ما وراء المنحنى: منحنى الكرة ولا يسمع الداعي، لكن في الآخرة يقول الله عز وجل: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ [الانشقاق:3] يعني: تمد مداً واحداً ليس فيها جبال ولا انحناء ولا مساكن، ولهذا يسمعهم الداعي لأنه لا يوجد شيء يرد الصوت، وينفذهم البصر: يرى أقصاهم كما يرى أدناهم فيحشر الخلائق كلهم على هذه الأرض المسطوحة، لا جبال ولا أنهار ولا شعاب ولا غيرها. وفي قوله:

وقوله: الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ منه إثبات المعاد وهو اليوم الآخر، والإيمان به أحد أركان الإيمان الستة.

وأركان الإيمان هي: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فمن أنكر البعث فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، بل من شك فيه فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، فلينقذ نفسه قبل الموت، وليوطنها على الإيمان باليوم الآخر، فنحن نحشر إلى الله ونبعث يوم القيامة ونجازى بأعمالنا إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

تفسير قوله تعالى: (إنما النجوى من الشيطان)

ثم قال تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ [المجادلة:10] أي: من أوامره، أي: هو الذي يأمركم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول لماذا؟ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة:10] أي: يلحقهم الحزن في نفوسهم، ولكن هل هذا يضرهم؟

الجواب: لا يضرهم، ولهذا قال: وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [المجادلة:10] كل الأسباب يبطلها الله عز وجل إذا شاء، وإذا شاء نفذ قدره فيها، فهؤلاء الذين يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ليحزنوا الذين آمنوا لن يضر المؤمنين نجواهم إلا بإذن الله، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يتناجى اثنان دون الثالث -أي: إذا كانوا ثلاثة لا يتسامع اثنان من دون الثالث- من أجل أن ذلك يحزنه) ومثله إذا كانوا ثلاثة واثنان منهم يعرفون لغة غير عربية والثالث لا يعرف هذه اللغة فلا يجوز أن يتحدث بعضهم إلى بعض باللغة التي لا يعرفها الثالث لأن ذلك يحزنه، وهذا من عمل الشيطان، نسأل الله العافية.

قال تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:10] أي: يجب على كل مؤمن أن يتوكل على الله عز وجل، وإذا توكل على الله فهو حسبه لن يضره أحد.

اللهم نسألك التوكل عليك وصدق الإيمان بك إنك على كل شيء قدير.

نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير ما يسر الله عز وجل، وقد انتهينا فيما سبق إلى قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ [المجادلة:8] (نهوا) أي: نهاهم الله عز وجل أو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.. (عن النجوى) أي: عن التناجي فيما بينهم والكلام السر الذي يريدون به إرغام المؤمنين، حيث يظن المؤمن إذا مر بهم وجعلوا يتناجون أنهم يتناجون في أمر يكيدون له به، فنهوا عن ذلك ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ [المجادلة:8] تجدهم يتناجون فيما بينهم، فيما يأثمون به أي: يكسبون به عقوبة في الآخرة، والعدوان هو: الاعتداء على المؤمنين بإحداث الهم والغم لهم، (ومعصية الرسول) أي: أنهم يتواصون فيما بينهم أن يعصوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله سلم.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3400 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3358 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3321 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3300 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3283 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3262 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3121 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3096 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3044 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3039 استماع