تفسير قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, اللهم إياك نعبد, ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد, وبعد:

أحبتي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد بعث الله سبحانه وتعالى رسولنا صلى الله عليه وسلم ليكون خاتم النبيين، وبعثه بشريعة غراء, ليقيم أمة, وليبعث منهجاً، وهذه الأمة هي خير الأمم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110].

وهذه الخيرية أحبتي الكرام! ليست خيرية عرقية, ولا خيرية عنصرية, ولا جغرافية, ولكنها خيرية مستمدة من تطبيقها لشريعة الرب، ومتابعتها لسنة الحبيب عليه الصلاة والسلام, فقد جاء عند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( إن الله اطلع على قلوب العباد، فلم ير قلباً أخضع له وأحب إليه من قلب محمد صلى الله عليه وسلم ), ولذا اختاره لرسالته.

صبره عليه الصلاة والسلام في تحمل أذى الخلق

لماذا الحبيب عليه الصلاة والسلام كان أسوة حسنة؟ لأن الحبيب كان متحملاً بأبي هو وأمي أذى الخلق؛ في دعوته حكيماً, في توجيهاته سديداً, صابراً في دعوته, يحب أن يقدم لهذه البشرية ولهذه الإنسانية هذه الدعوة غضة طرية لا عوج فيها ولا أمتا, فقد روى البخاري و مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت:( يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت يوم العقبة, إذ عرضت نفسي إلى ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت, فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب, فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني, فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم, قال صلى الله عليه وسلم: فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك لك, وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك, فما شئت, إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال عليه الصلاة والسلام: لا. بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً )، انظروا هذا الحنان وهذا العطف من الحبيب عليه الصلاة والسلام كان لأجله هذا الحبيب.

ولماذا الحبيب عليه الصلاة والسلام كان أسوة حسنة؟ اسمع ما يرويه لنا ابن مسعود بالحديث الثابت الصحيح كما رواه البخاري و مسلم قال: ( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت, و أبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس, فقال أبو جهل : أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه على ظهر محمد -ونحن نقول صلى الله عليه وسلم- من يضعه على كتف محمد إذا سجد, فقام أشقى القوم فأخذه, فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على كتفيه وهو ساجد, يقول ابن مسعود : ولو كانت لي منعة لوضعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن ظهره، والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة , فجاءت وهي جويرية فطرحت عنه, ثم أقبلت عليهم تشتمهم, فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم وقال: اللهم عليك بقريش, اللهم عليك بقريش, اللهم عليك بقريش, وكان إذا دعا دعا ثلاثاً, وإذا سأل سأل ثلاثاً, فلما سمعوا دعوته وصوته ذهب عنهم الضحك, وخافوا دعوته, ثم قال: اللهم عليك بـأبي جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أمية بن خلف و عقبة بن أبي معيط , وذكر أسماء, قال ابن مسعود: فو الذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر, ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ), وهذا كله من صبره عليه الصلاة والسلام, وتفانيه لأجل أن يأتي بهذه الدعوة غضة طرية عليه الصلاة والسلام.

الرفق والترفق بالأمة

رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوانات والجمادات

ولماذا الحبيب عليه الصلاة والسلام كان أسوة حسنة؟ لأنه بأبي هو وأمي الرحمة المهداة, والنعمة المبتغاة, عرف رحمته الخلق وحتى الجمادات والحيوانات, فأحبه ورغب في القرب منه وخشي وبكى من الابتعاد منه؛ لأنه سائر بالخلق بالعدل والرحمة مبتغي رضا الرحيم الرحمن, جاء عند أبي داود و النسائي وغيرهما من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً للأنصار فإذا جمل, فلما رأى الجمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه ), وفي رواية: ( فجرجر وذرفت عيناه, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً حتى وضع رأسه على جسد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمسح رأسه بجسد الحبيب عليه الصلاة والسلام, فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ذفراه فسكت, فقال عليه الصلاة والسلام -وكأنه يصغي إلى شكواه-: من رب هذا الجمل؟ من صاحب هذا الجمل؟ فقام فتى من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها, فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه ), يعني: تتعبه.

وليس هذا في الحيوانات فحسب، بل حتى في الجمادات, فقد روى البخاري في صحيحه من حديث جابر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يقوم إلى جذع في سارية المسجد فيتكئ عليه ويمسكه ويخطب الناس، فقال لامرأة من الأنصار: انظري غلامك النجار يصنع لي أعواداً أكلم الناس فيها, فصنع هذه الثلاث الدرجات, يقول جابر رضي الله عنه: فلما صنع له المنبر وقام عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت ), وفي رواية: (فصاحت النخلة كصياح الصبي ), وفي رواية عند النسائي : ( فاضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج ), والخلوج: التي انتزع منها ولدها, وفي رواية: ( فخار الجذع كما يخور الثور -الله أكبر- فقام النبي صلى الله عليه وسلم فضمه إليه وهدهده كما يهدهد أحدكم صبيه, قال: فسكت, فقال عليه الصلاة والسلام: أما إني لو لم أصنع به هكذا لحن إلى يوم القيامة ).

وكان الحسن البصري إذا روى هذا الحديث جثا على ركبته وبكى وقال: عباد الله! جذع تحن لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم, أفلا يكون نحن أحق بذلك وأولى.

سيرة النبي صلى الله عليه وسلم المكتملة حفظاً وتدويناً ودراسة

ولماذا الحبيب عليه الصلاة والسلام كان أسوة حسنة؟ لأنه عاش كثير من العظماء وكثير من رجالات التاريخ والديانات، ونقلت الأنباء أخبارهم, ودونت الكتب أوصافهم, وسجلت المدونات أحوالهم, غير أنه لا يوجد أحد من هؤلاء العظماء, ولا أحد من هؤلاء الرجال من نقلت له أخباره, ودونت صفاته, وحفظت سيرته كما حفظت سيرة الحبيب عليه الصلاة والسلام.

إن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم أصح سيرة على وجه التاريخ, حتى قال أحد أعداء هذا الدين من المستشرقين: إن محمداً فقط هو النبي الوحيد الذي ولد تحت ضوء الشمس, إشارة من هذا المستشرق أو هذا الكاتب إلى دقة أخبار من روى سيرة الحبيب عليه الصلاة والسلام, بل إننا نقول: إن من الظلم لنبينا صلى الله عليه وسلم, وإن من الظلم للحقيقة أن نقيسه بواحد من هؤلاء الآلاف من العظماء الذين لمعت سيرهم وأسماؤهم, وسطرت يراع المؤرخين آثارهم, فإن من العظماء وإن من القادة، وإن من الساسة من كان عظيم العقل، ولكنه فقير العاطفة عقير اللسان, وإن من العظماء من كان كريم السجايا، واسع العطاء, ولكنه قليل الحكمة، سيئ الرأي, ومنهم بليغ القلب، بليغ العقل، والقول وثاب الخيال, ولكنه بارد الشعور، قليل الإرادة.

أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو وحده بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام الذي جمع العظمة من أطرافها.

أحبتي الكرام! لقد أخبرت أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن كل شيء عنه وكل ما يأتي ويذر, حتى في معاشرتهن وما يقول وما يفعل, فعرفنا كيف يأكل, وعرفنا كيف ينام, وعرفنا كيف يشرب, وعرفنا كيف يتنظف, وعرفنا كيف يقضي حاجته، فصلاة ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار, وفي السر والجهار، وصلى الله وسلم وبارك عليه كلما ذكره الذاكرون, وغفل عن ذكره الغافلون, وصلى الله عليه في الأولين والآخرين, أفضل وأكثر وأزكى ما صلى على أحد من خلقه, وجزاه عنا أفضل ما جزى رسولاً عن أمته, فإنه أنقذنا به من الهلكة, ووقانا بسنته من التخبط والانحراف والعجلة, فلم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت نلنا بها حظاً في دين ودنيا، أو دفع بها عنا مكروهاً فيهما, وفي واحد منهما إلا ومحمد صلى الله عليه وسلم سببها, وهو عليه الصلاة والسلام القائد إلى خيرها, والهادي إلى رشدها, الذائد عن الهلكة والزيغ والعناد، الهادي إلى سبيل الرشاد, القائم بالنصيحة والإرشاد، كذا ذكر الإمام الشافعي في أول مقدمته لكتابه العظيم كتاب الرسالة.

أحبتي الكرام! إن الذين وصفوا سيرته عليه الصلاة والسلام أحبوه واقتدوا به, فاجتمع في وصفهم وتدوينهم أمانة النقل مع محبتهم للموصوف, وهو عليه الصلاة والسلام أنموذج الإنسانية الكاملة, وهو عليه الصلاة والسلام ملتقى الأخلاق الفاضلة, وحامل لواء الدعوة العالمية, أعطاه ربه وأكرمه, وأعلى قدره، ورفع ذكره، ووعده بالمزيد حتى يرضى, ولاه قبلة يرضاها, من أطاعه فقد أطاع الله, ومن عصاه فقد عصى الله, ومن بايعه فإنما بايع الله, لا قدر لأحد من البشر يسامي قدره, صفوة الخلق عليه الصلاة والسلام, وأكرم الأكرمين على الله.

وحينما قال موسى كليم الله: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84], قال الله لمحمد: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5], وحين سأل موسى عليه الصلاة والسلام هذا النبي الوجيه عند ربه قال: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي [طه:25-26], أما الله فقد قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ [الشرح:1-2].

أكرم الله به هذه الأمة بأفضل الكتب, وخير الشرائع, وجعلها خير الأمم, فلا تكاد ترى إماماً من الأئمة ولا صحابياً سطر التاريخ مآثره, ولا قائداً من قواد الإسلام سطر الأئمة مآثره, إلا وسببه هو محمد صلى الله عليه وسلم, فمن أبو بكر رضي الله عنه؟ ومن عمر ؟ ومن الشافعي ومن مالك ومن النعمان ؟ ومن خالد ومن صلاح الدين ؟ من الأئمة الذي جاءوا بعده من كل الخلق؟ لولا محمد صلى الله عليه وسلم, حتى إن الله سبحانه وتعالى جعل الميثاق على كل نبي بعثه أن إذا بعث محمداً أن يتبعه ويساير شريعته, ولهذا يقول القائل:

شهم تشيد به الدنيا برمتها على المنابر من عرب ومن عجم

أحيا بك الله أرواحاً قد اندثرت في تربة الوهم بين الكأس والصنم

نفضت عنها غبار الذل فافتقدت وأبدعت وروت ما قلت للأمم

ربيت جيلاً أبياً مؤمناً يقظاً حسوا شريعتك الغراء في نهم

فمن أبو بكر قبل الوحي من عمر ومن علي ومن عثمان ذو الرحم

وخالد من صلاح الدين قبلك من مالك ومن النعمان في القمم

من البخاري ومن أهل الصحاح ومن سفيان والشافعي الشهم ذو الحكم

من ابن حنبل فينا وابن تيمية من الملايين أهل الفضل الشمم

من نهرك العذب يا خير الورى اغترفوا أنت الإمام لأهل الفضل كلهم

لماذا الحبيب عليه الصلاة والسلام كان أسوة حسنة؟ لأن الحبيب كان متحملاً بأبي هو وأمي أذى الخلق؛ في دعوته حكيماً, في توجيهاته سديداً, صابراً في دعوته, يحب أن يقدم لهذه البشرية ولهذه الإنسانية هذه الدعوة غضة طرية لا عوج فيها ولا أمتا, فقد روى البخاري و مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت:( يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت يوم العقبة, إذ عرضت نفسي إلى ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت, فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب, فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني, فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم, قال صلى الله عليه وسلم: فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك لك, وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك, فما شئت, إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال عليه الصلاة والسلام: لا. بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً )، انظروا هذا الحنان وهذا العطف من الحبيب عليه الصلاة والسلام كان لأجله هذا الحبيب.

ولماذا الحبيب عليه الصلاة والسلام كان أسوة حسنة؟ اسمع ما يرويه لنا ابن مسعود بالحديث الثابت الصحيح كما رواه البخاري و مسلم قال: ( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت, و أبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس, فقال أبو جهل : أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه على ظهر محمد -ونحن نقول صلى الله عليه وسلم- من يضعه على كتف محمد إذا سجد, فقام أشقى القوم فأخذه, فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على كتفيه وهو ساجد, يقول ابن مسعود : ولو كانت لي منعة لوضعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن ظهره، والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة , فجاءت وهي جويرية فطرحت عنه, ثم أقبلت عليهم تشتمهم, فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم وقال: اللهم عليك بقريش, اللهم عليك بقريش, اللهم عليك بقريش, وكان إذا دعا دعا ثلاثاً, وإذا سأل سأل ثلاثاً, فلما سمعوا دعوته وصوته ذهب عنهم الضحك, وخافوا دعوته, ثم قال: اللهم عليك بـأبي جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أمية بن خلف و عقبة بن أبي معيط , وذكر أسماء, قال ابن مسعود: فو الذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر, ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ), وهذا كله من صبره عليه الصلاة والسلام, وتفانيه لأجل أن يأتي بهذه الدعوة غضة طرية عليه الصلاة والسلام.

ولماذا الحبيب عليه الصلاة والسلام كان أسوة حسنة؟ لأنه بأبي هو وأمي الرحمة المهداة, والنعمة المبتغاة, عرف رحمته الخلق وحتى الجمادات والحيوانات, فأحبه ورغب في القرب منه وخشي وبكى من الابتعاد منه؛ لأنه سائر بالخلق بالعدل والرحمة مبتغي رضا الرحيم الرحمن, جاء عند أبي داود و النسائي وغيرهما من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً للأنصار فإذا جمل, فلما رأى الجمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه ), وفي رواية: ( فجرجر وذرفت عيناه, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً حتى وضع رأسه على جسد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمسح رأسه بجسد الحبيب عليه الصلاة والسلام, فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ذفراه فسكت, فقال عليه الصلاة والسلام -وكأنه يصغي إلى شكواه-: من رب هذا الجمل؟ من صاحب هذا الجمل؟ فقام فتى من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها, فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه ), يعني: تتعبه.

وليس هذا في الحيوانات فحسب، بل حتى في الجمادات, فقد روى البخاري في صحيحه من حديث جابر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يقوم إلى جذع في سارية المسجد فيتكئ عليه ويمسكه ويخطب الناس، فقال لامرأة من الأنصار: انظري غلامك النجار يصنع لي أعواداً أكلم الناس فيها, فصنع هذه الثلاث الدرجات, يقول جابر رضي الله عنه: فلما صنع له المنبر وقام عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت ), وفي رواية: (فصاحت النخلة كصياح الصبي ), وفي رواية عند النسائي : ( فاضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج ), والخلوج: التي انتزع منها ولدها, وفي رواية: ( فخار الجذع كما يخور الثور -الله أكبر- فقام النبي صلى الله عليه وسلم فضمه إليه وهدهده كما يهدهد أحدكم صبيه, قال: فسكت, فقال عليه الصلاة والسلام: أما إني لو لم أصنع به هكذا لحن إلى يوم القيامة ).

وكان الحسن البصري إذا روى هذا الحديث جثا على ركبته وبكى وقال: عباد الله! جذع تحن لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم, أفلا يكون نحن أحق بذلك وأولى.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شركات المساهمة 2615 استماع
عبادة القلوب 2463 استماع
مسائل فقهية في النوازل 2445 استماع
التأصيل العلمي 2088 استماع
عبادة القلب 2044 استماع
البطاقات الائتمانية - بيع المرابحة للآمر بالشراء 1948 استماع
أعمال القلوب 1930 استماع
العبادة زمن الفتن 1927 استماع
كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [2] 1863 استماع
الرزق الحلال وآثاره 1807 استماع