كتاب الصلاة [28]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد, وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

المأموم إذا وصل والإمام قد صلى ركعتين أو ركعة أو ثلاثاً, فقد فاتته مع الإمام بعض الصلاة؛ لأن الإمام قد يكون في آخر الصلاة، والمأموم يبتدئ أول الصلاة, فمن هنا اختلف العلماء فقالوا: هل صلاة المأموم هي أول صلاته أو آخر صلاته, فقال مالك و أبو حنيفة و أحمد : هي آخر صلاته, وقال الإمام الشافعي : هي أول صلاته وليست آخر صلاته, وفائدة الخلاف في كونها أول صلاته أو آخر صلاته, فمن قال: آخر صلاته, فإنه لو لحق معه المغرب فصلى معه ركعة، فيقوم في الأخيرتين فيجهر ويقرأ السورة, ولا يجلس للتشهد على قول عندهم لأنها ركعتا أول الصلاة، وأما على مذهب الإمام الشافعي فيقرأ الفاتحة وسورة في الركعة الأولى؛ لأنها تعتبر الثانية له ويجلس للتشهد ويعمل بنظام الصلاة, والذي دعاهم إلى هذا الاختلاف هو الرواية في قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ), فأخذ الشافعي بقوله: ( فأتموا ), والرواية الثانية: ( وما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ), فأخذ الأئمة الثلاثة بقول: ( فاقضوا ), فقالوا: هي قضاء.

وقد رجحنا مذهب الشافعي وقلنا: إن قوله: ( ما فاتكم فاقضوا ), أن القضاء هو بمعنى: الأداء في الشرع, ويدل عليه قوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200], أي: أديتم مناسككم, فهذا الذي سنرد به عليه, وأما كون القضاء غير الأداء فهذا اصطلاح من علماء الأصول متأخر, فلا نفسر الشريعة الإسلامية بالاصطلاحات المتأخرة.

قال المصنف رحمه الله: [ إتيان المأموم ما فاته من الصلاة.

من المسائل الثلاث الأول التي هي أصول هذا الباب وهي: هل إتيان المأموم بما فاته من الصلاة مع الإمام أداء أو قضاء؟ فإن في ذلك ثلاثة مذاهب:

قوم قالوا: إن ما يأتي به بعد سلام الإمام هو قضاء، وإن ما أدرك ليس هو أول صلاته ].

وبه قال مالك و أبو حنيفة و أحمد .

[ وقوم قالوا: إن الذي يأتي به بعد سلام الإمام هو أداء، وإن ما أدرك هو أول صلاته ]. وبه قال الشافعي .

[وقوم فرقوا بين الأقوال والأفعال..] وهو قول هذا قول لـمالك .

[ فقالوا: يقضي في الأقوال (يعنون في القراءة) ].

يقضي في الأقوال أي: يجهر ويقرأ السورة, ولكن التشهد ما يغيره، يأتي به, مثلاً: لو أدرك ركعة يقوم ويأتي بركعة في المغرب ويتشهد.

[ ويبني في الأفعال (يعنون: الأداء)، فمن أدرك ركعة من صلاة المغرب على المذهب الأول: (أعني مذهب القضاء) قام إذا سلم الإمام إلى ركعتين يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة من غير أن يجلس بينهما وعلى المذهب الثاني: (أعني على البناء) قام إلى ركعة واحدة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، ويجلس ] هذا مذهب الشافعي .

[ ثم يقوم إلى ركعة يقرأ فيها بأم القرآن فقط.

وعلى المذهب الثالث: يقوم إلى ركعة فيقرأ فيها بأم القرآن وسورة ].

ثم يجلس.

[ ثم يقوم إلى ركعة ثانية يقرأ فيها أيضاً بأم القرآن وسورة ] ويجهر.

[ وقد نسبت الأقاويل الثلاثة إلى المذهب ].

يعني مذهب مالك .

[ والصحيح عن مالك : أنه يقضي في الأقوال، ويبني في الأفعال ] يعني أخذ بالثالث.

الشافعي له قول, و أبو حنيفة له قول, و أحمد له قول واحد, وأما مالك فله ثلاثة أقوال, فنضمه مع مالك ، له قولين فقط نضم مالك مع أبي حنيفة ونأتي بقوله الأخير المشهور ويصح أن يضم إلى الشافعي .

[ والصحيح عن مالك : أنه يقضي في الأقوال، ويبني في الأفعال; لأنه لم يختلف قوله في المغرب إنه إذا أدرك منها ركعة أنه يقوم إلى الركعة الثانية، ثم يجلس، ولا اختلاف في قوله: إنه يقضي بأم القرآن وسورة ] أي: يقرأ أم القرآن وسورة في الركعتين الأخيرتين ويجلس.

الخلاصة مالك يقول: يقضي في الأقوال ويبني في الأفعال, فمثلاً: لو أدرك ركعةً من المغرب فهذه تكون آخر صلاته في الأقوال, فإذا قام إلى الركعتين جهر وقرأ السورة, فهي الركعتان الأوليان, وأما الأفعال فهي: التشهد الأول, قال: يأتي به, فإذاً هو بناء في الأفعال، وقضاء في الأقوال, هذا هو معناه؛ لأنه لو حذف التشهد لكان كمل ركعتين الأولتين التي ليس فيها تشهد، تتشهد بعد الركعتين, فالإمام أحمد و أبو حنيفة قالوا قولاً واحداً: يقضي في الأقوال والأفعال, أي: إذا لحق بركعة من المغرب قام بالركعتين الأخيرتين وجهر وقرأ السورة ولم يجلس للتشهد الأوسط في حقه؛ لأنها ركعتان، صلى لمعقبه الأخيرة, وإذا انتهى سلم, وقال مالك في القول المشهور عنه: يقضي في الأقوال ويبني في الأفعال, فيقوم ويقرأ ويجهر ويقرأ السورة, ولكنه يجلس للتشهد, ويقوم بعد التشهد ويجهر ويقرأ السورة, فهو قضى في الأقوال وبنى في الأفعال، وقال الإمام الشافعي : إنما يبني في الأفعال والأقوال, فما أدركه أولاً فهو صلاته الأولى، فيقوم ويجهر في ركعة واحدة, ويجلس ويتشهد ثم يقوم في الثالثة ولا يجهر ولا يقرأ سورة, هذه هي الأقوال.

سبب اختلاف العلماء في كون ما يفعله المسبوق قضاءً أم أداءً

قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: أنه ورد في بعض روايات الحديث المشهور: ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )] أخرجه البخاري .

[ والإتمام يقتضي أن يكون ما أدرك هو أول صلاته. وفي بعض رواياته: ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا )]

أخرجه أحمد .

[ والقضاء يوجب أن ما أدرك هو آخر صلاته; فمن ذهب مذهب الإتمام ] كـالشافعي.

[ قال: ما أدرك هو أول صلاته; ومن ذهب مذهب القضاء قال: ما أدرك هو آخر صلاته، ومن ذهب مذهب الجمع جعل القضاء في الأقوال والأداء في الأفعال، وهو ضعيف ] هذا المذهب ضعيف ملفق.

[ (أعني أن يكون بعض الصلاة أداء وبعضها قضاء), واتفاقهم على وجوب الترتيب في أجزاء الصلاة ].

أي: على أن الِإنسان يبدأ بالركعة الأولى والثانية والثالثة وهكذا، فلا يسجد قبل الفاتحة ونحو ذلك.

[ وعلى أن موضع تكبيرة الإحرام هو افتتاح الصلاة، ففيه دليل واضح على أن ما أدرك هو أول صلاته ].

رجح مذهب الشافعي .

[ لكن تختلف نية المأموم والإمام في الترتيب، فتأمل هذا.. ].

لكن تختلف بشيء, فالأئمة الثلاثة يشترطون اتفاق النية, يقول: وهذا في أول صلاة وهذا في آخر صلاة, فاختلفت النية.

يقول: إذا قلنا أول صلاته يكون المأموم يصلي في أول الصلاة، والإمام يصلي في آخر الصلاة فاختلفت النية, وقلنا أن اشتراط اتفاق النية قول ضعيف, يرده حديث معاذ ويرده الأحاديث الأخرى, فإن معاذاً كان يصلي بهم نفلاً.

[ ويشبه أن يكون هذا هو أحد ما راعاه من قال: ما أدرك فهو آخر صلاته ].

أشبه أنه اعتبر اختلاف النية.

الراجح في ما أدركه المأموم

والراجح أن ما أدركه المأموم هو أول صلاته, وأن لفظ: ( اقضوا ), في الشرع بمعنى: أدوا وأتموا, قال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200], أي: أديتم, وأما جعل القضاء خلاف الأداء فهو اصطلاح أصولي, وهو حادث فلا يتم الاستدلال به على ما أرادوا, انتهى.

قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: أنه ورد في بعض روايات الحديث المشهور: ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )] أخرجه البخاري .

[ والإتمام يقتضي أن يكون ما أدرك هو أول صلاته. وفي بعض رواياته: ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا )]

أخرجه أحمد .

[ والقضاء يوجب أن ما أدرك هو آخر صلاته; فمن ذهب مذهب الإتمام ] كـالشافعي.

[ قال: ما أدرك هو أول صلاته; ومن ذهب مذهب القضاء قال: ما أدرك هو آخر صلاته، ومن ذهب مذهب الجمع جعل القضاء في الأقوال والأداء في الأفعال، وهو ضعيف ] هذا المذهب ضعيف ملفق.

[ (أعني أن يكون بعض الصلاة أداء وبعضها قضاء), واتفاقهم على وجوب الترتيب في أجزاء الصلاة ].

أي: على أن الِإنسان يبدأ بالركعة الأولى والثانية والثالثة وهكذا، فلا يسجد قبل الفاتحة ونحو ذلك.

[ وعلى أن موضع تكبيرة الإحرام هو افتتاح الصلاة، ففيه دليل واضح على أن ما أدرك هو أول صلاته ].

رجح مذهب الشافعي .

[ لكن تختلف نية المأموم والإمام في الترتيب، فتأمل هذا.. ].

لكن تختلف بشيء, فالأئمة الثلاثة يشترطون اتفاق النية, يقول: وهذا في أول صلاة وهذا في آخر صلاة, فاختلفت النية.

يقول: إذا قلنا أول صلاته يكون المأموم يصلي في أول الصلاة، والإمام يصلي في آخر الصلاة فاختلفت النية, وقلنا أن اشتراط اتفاق النية قول ضعيف, يرده حديث معاذ ويرده الأحاديث الأخرى, فإن معاذاً كان يصلي بهم نفلاً.

[ ويشبه أن يكون هذا هو أحد ما راعاه من قال: ما أدرك فهو آخر صلاته ].

أشبه أنه اعتبر اختلاف النية.

والراجح أن ما أدركه المأموم هو أول صلاته, وأن لفظ: ( اقضوا ), في الشرع بمعنى: أدوا وأتموا, قال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200], أي: أديتم, وأما جعل القضاء خلاف الأداء فهو اصطلاح أصولي, وهو حادث فلا يتم الاستدلال به على ما أرادوا, انتهى.

قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الثالثة من المسائل الأول، وهي متى يلزم المأموم حكم صلاة الإمام في الاتباع ] أي: أن المأموم لا بد أن يلتزم بما يلتزمه الإمام، فإذا كان الإمام في صلاة اقتديت بنفس صلاته [ فإن فيها مسائل ] أي أن: هذه مسألة تتفرع منها ثلاث مسائل.

[ إحداها: متى يكون مدركاً لصلاة الجمعة؟. والثانية: متى يكون مدركاً معه لحكم سجود السهو (أعني سهو الإمام) ].

يعني: يلزمه سهو الإمام.

[ والثالثة: متى يلزم المسافر الداخل وراء إمام يتم الإتمام إذا أدرك من صلاة الإمام بعضها؟ ] هذه كل مسألة سيتكلم فيها, وسيذكر الخلاف والراجح.

أما المسألة الأولى: المأموم يدرك صلاة الجمعة.

لا بد أن يدرك ركعة أو يدرك أقل من ركعة, وهناك حديثان متعارضان أحدهما عام والآخر خاص، يفهم منه سبب الخلاف, يكون مفهومه يعارض العام, فمن أدرك مع الإمام ركعة فقد اتفقوا: على أنه أدرك الجمعة, ومن أدرك أقل من ركعة فقال الأئمة الثلاثة مالك و الشافعي و أحمد : إنه لا يدرك الجمعة, بل ينوي الجمعة ويصليها ظهراً, وقال أبو حنيفة : ولو أدرك التشهد فإنه يصليها جمعة, واستدل أبو حنيفة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ), فمن أدرك من الجمعة التشهد وفاته ركعتين من الجمعة فيتمها, وفي هذا غموض.

وأما الأئمة الثلاثة فقالوا: إنه لا يدرك الجمعة إلا بركعة، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك من الصلاة ), وفي رواية: ( من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك ), فمفهوم المخالفة فيه أنه إذا أدرك أقل من ركعة لا يكون قد أدرك.

فتعارض مفهوم المخالفة مع عموم المنطوق وقد مر معنا في باب النية: أنه إذا تعارض مفهوم المخالفة مع عموم المنطوق قدم عموم المنطوق, فرأينا من باب القواعد الأصولية تقديم مذهب أبي حنيفة , ولكنا بعد ذلك تأملنا في دراسة قديمة عند شيخنا ناصر الدين الألباني فرأيناه يصحح مذهب الجمهور، ويقول: إن هناك نقلاً عن ابن مسعود يفصل فيه، ويقول: من أدرك ركعةً فقد أدرك ومن لم يدرك ركعةً فلم يدرك يوم الجمعة, وسنده صحيح, فكان هذا التفصيل عن ابن مسعود يؤيد هذا المفهوم, وتشم منه رائحة الرفع؛ لأنه تفصيل, فبعد ذلك رجعنا عن كلامنا الأول وقلنا: يمكن أن نعمل بمفهوم المخالفة, والسبب في علمنا بمفهوم المخالفة: هو أنه خاص, ( من أدرك من صلاة الجمعة ), والعموم عام، فلعل العمل بهذا المفهوم من باب تقديم الخاص على العام, ودخلنا من مدخل أصولي آخر.

وليس أثر ابن مسعود موقوف مثل أثر ابن عمر : (من نسي صلاته وهو مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد ..)؛ لأن هذا يؤيده قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعةً من الجمعة فقد أدرك الجمعة ).

هنا مسألة: رجل صلى ولم ينو، ونوى ولم يصلِ, نوى الجمعة وما صلاها, إذا أدركه في التشهد فهو ينوي الجمعة، ولكنه لم يصل.

ويصلي الظهر وهو لم ينوها، فقالوا: لنا رجل صلى ما نوى، ونوى ما صلى, ونوى يكون (ما) نافية في الجميع.

المسألة الأولى: المأموم يدرك صلاة الجمعة.

[ فإن قوماً قالوا: إذا أدرك ركعةً من الجمعة فقد أدرك الجمعة، ويقضي ركعة ثانية، وهو مذهب مالك ، و الشافعي ].

و أحمد .

[ فإن أدرك أقل صلى ظهراً أربعاً. وقوم قالوا: بل يقضي ركعتين أدرك منها ما أدرك، وهو مذهب أبي حنيفة ].

سبب اختلاف العلماء فيما تدرك به الجمعة

قال رحمه الله: [ وسبب الخلاف في هذا: هو ما يظن من التعارض بين عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )، وبين مفهوم قوله -صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ), فإنه من صار إلى عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( وما فاتكم فأتموا ) أوجب أن يقضي ركعتين، وإن أدرك منها أقل من ركعتين، ومن كان المحذوف عنده في قوله صلى الله عليه وسلم: ( فقد أدرك الصلاة )].

( من أدرك ركعةً من الصلاة ) أو ( من الجمعة فقد أدرك الصلاة ), فكان المحذوف عنده حكم يعني: فقد أدرك حكم الصلاة, قال: إنه إذا أدرك أقل من ركعة يصلي؛ لأنه ما أدرك حكم الصلاة.

[ ومن كان المحذوف عنده في قوله عليه الصلاة والسلام: ( فقد أدرك الصلاة ), أي: فقد أدرك حكم الصلاة، وقال: دليل الخطاب يقضي أن من أدرك أقل من ركعة فلم يدرك حكم الصلاة، والمحذوف في هذا القول محتمل ].

أي: فقد أدرك حكم الصلاة, أو فقد أدرك فضل الصلاة, أو فقد أدرك وقت الصلاة, ثلاثة احتمالات وكلها محتمله على أن نقول واحداً منها, فإذاً صار مجملاً.

[ فإنه يمكن أن يراد به فضل الصلاة، ويمكن أن يراد به وقت الصلاة، ويمكن أن يراد به حكم الصلاة، ولعله ليس هذا المجاز في أحدهما أظهر منه في الثاني ] فكلها محتملة بالسواء.

[ فإن كان الأمر كذلك كان من باب المجمل الذي لا يقتضي حكماً ].

المؤلف يمهد لترجيح مذهب أبي حنيفة .

[ وكان الآخر بالعموم أولى ].

لأن هذا الخاص فيه احتمالات ثلاثة تجعله مجملاً، أما العام فليس فيه احتمال.

[ وإن سلمنا أنه أظهر في إحدى هذه المحذوفات ] أي: أظهر في الحكم.

[ وهو مثلاً الحكم على قول من يرى ذلك لم يكن هذا الظاهر معارضاً للعموم، إلا من باب دليل الخطاب، والعموم أقوى من دليل الخطاب عند الجميع ] كما قلنا في (ما).

[ ولا سيما الدليل المبني على المحتمل ].

يعني: هذا مفهوم الخطاب محتمل لثلاثة.

[ أو الظاهر، وأما من يرى أن قوله عليه الصلاة والسلام: ( فقد أدرك الصلاة ), أنه يتضمن جميع هذه المحذوفات فضعيف ].

فقد أدرك حكم الصلاة, وفضل الصلاة, ووقت الصلاة, فهذا قول ضعيف؛ لأن العرب لا تحمل اللفظ أكثر من معنى في وقت واحد، حتى ولو كان مشتركاً, فلا يقول: رأيت عيناً يريد بها الذهب والفضة، والعين الجارية، وعين الشمس ما يتصور هذا, ولا يحملوه المجاز والحقيقة في آن واحد، فيقولوا: نظرت عيناً، أي عيناً باصرة وجاسوساً بالبصر, يتجسس علينا, فعيناً باصرة هي الحقيقة, والمخابرات تسمى عيناً, لكنه مجاز, فلا يصح أن أقول: أنا الآن أرى عيناً، وأقصد بها العين الباصرة، والمخابرات في الفصل, لا بد أن أستعملها في معنىً واحد, فالعرب لا يستعملون اللفظ في معنيين في آن واحد؛ لأن اللفظ لا يستطيع أن يحمل معنيين, فهنا قال: فإن قيل: إن يحتمل الثلاثة المعاني: فضل الصلاة, وحكم الصلاة, ووقت الصلاة, قلنا: اللفظ لا يستطيع إلا أن يحمل معنىً واحداً عند العرب.

[ وغير معلوم من لغة العرب، إلا أن يتقرر أن هناك اصطلاحا عرفياً أو شرعياً ].

ولا يوجد لا عرفي ولا شرعي.

الراجح فيما تدرك به صلاة الجمعة

والراجح من حيث القواعد الأصولية: مذهب أبي حنيفة ؛ لأنه إذا تعارض عموم المنطوق مع مفهوم المخالفة، قدم عموم المنطوق على مفهوم المخالفة, وهذا مثل: تقديم عموم ( الماء لا ينجسه شيء ) على مفهوم حديث القلتين, لكن قال الألباني في الدرس: والآثار الواردة عن السلف في هذه القضية تنص على أن من أدرك ركعةً من صلاة الجمعة فقد أدرك, ومن لم يدركها فليصلِ أربعاً, نص على ذلك ابن مسعود كما في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح, أقول: فهذا الأثر يؤيد العمل بمفهوم المخالفة ويقويه على عموم المنطوق, لا سيما وهذا العموم وارد في مطلق الصلاة, أما هذا المفهوم فإنه خاص بالجمعة كما ورد في بعض الروايات: ( من أدرك ركعةً من صلاة الجمعة ), فيكون هذا المفهوم من باب تقديم الخاص على العام.

فالأقرب أن يكون المحذوف في قوله: (فقد أدرك) أي: حكم الصلاة؛ لأنه هو أقرب من الحقيقة, ولا نخرج عن الحقيقة, ففضل الصلاة ووقت الصلاة أبعد, وإذا كانت الاحتمالات ثلاثة وأحدهما أقرب من الحقيقة فنعمل بالأقرب من الحقيقة.

قال رحمه الله: [ وسبب الخلاف في هذا: هو ما يظن من التعارض بين عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )، وبين مفهوم قوله -صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ), فإنه من صار إلى عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( وما فاتكم فأتموا ) أوجب أن يقضي ركعتين، وإن أدرك منها أقل من ركعتين، ومن كان المحذوف عنده في قوله صلى الله عليه وسلم: ( فقد أدرك الصلاة )].

( من أدرك ركعةً من الصلاة ) أو ( من الجمعة فقد أدرك الصلاة ), فكان المحذوف عنده حكم يعني: فقد أدرك حكم الصلاة, قال: إنه إذا أدرك أقل من ركعة يصلي؛ لأنه ما أدرك حكم الصلاة.

[ ومن كان المحذوف عنده في قوله عليه الصلاة والسلام: ( فقد أدرك الصلاة ), أي: فقد أدرك حكم الصلاة، وقال: دليل الخطاب يقضي أن من أدرك أقل من ركعة فلم يدرك حكم الصلاة، والمحذوف في هذا القول محتمل ].

أي: فقد أدرك حكم الصلاة, أو فقد أدرك فضل الصلاة, أو فقد أدرك وقت الصلاة, ثلاثة احتمالات وكلها محتمله على أن نقول واحداً منها, فإذاً صار مجملاً.

[ فإنه يمكن أن يراد به فضل الصلاة، ويمكن أن يراد به وقت الصلاة، ويمكن أن يراد به حكم الصلاة، ولعله ليس هذا المجاز في أحدهما أظهر منه في الثاني ] فكلها محتملة بالسواء.

[ فإن كان الأمر كذلك كان من باب المجمل الذي لا يقتضي حكماً ].

المؤلف يمهد لترجيح مذهب أبي حنيفة .

[ وكان الآخر بالعموم أولى ].

لأن هذا الخاص فيه احتمالات ثلاثة تجعله مجملاً، أما العام فليس فيه احتمال.

[ وإن سلمنا أنه أظهر في إحدى هذه المحذوفات ] أي: أظهر في الحكم.

[ وهو مثلاً الحكم على قول من يرى ذلك لم يكن هذا الظاهر معارضاً للعموم، إلا من باب دليل الخطاب، والعموم أقوى من دليل الخطاب عند الجميع ] كما قلنا في (ما).

[ ولا سيما الدليل المبني على المحتمل ].

يعني: هذا مفهوم الخطاب محتمل لثلاثة.

[ أو الظاهر، وأما من يرى أن قوله عليه الصلاة والسلام: ( فقد أدرك الصلاة ), أنه يتضمن جميع هذه المحذوفات فضعيف ].

فقد أدرك حكم الصلاة, وفضل الصلاة, ووقت الصلاة, فهذا قول ضعيف؛ لأن العرب لا تحمل اللفظ أكثر من معنى في وقت واحد، حتى ولو كان مشتركاً, فلا يقول: رأيت عيناً يريد بها الذهب والفضة، والعين الجارية، وعين الشمس ما يتصور هذا, ولا يحملوه المجاز والحقيقة في آن واحد، فيقولوا: نظرت عيناً، أي عيناً باصرة وجاسوساً بالبصر, يتجسس علينا, فعيناً باصرة هي الحقيقة, والمخابرات تسمى عيناً, لكنه مجاز, فلا يصح أن أقول: أنا الآن أرى عيناً، وأقصد بها العين الباصرة، والمخابرات في الفصل, لا بد أن أستعملها في معنىً واحد, فالعرب لا يستعملون اللفظ في معنيين في آن واحد؛ لأن اللفظ لا يستطيع أن يحمل معنيين, فهنا قال: فإن قيل: إن يحتمل الثلاثة المعاني: فضل الصلاة, وحكم الصلاة, ووقت الصلاة, قلنا: اللفظ لا يستطيع إلا أن يحمل معنىً واحداً عند العرب.

[ وغير معلوم من لغة العرب، إلا أن يتقرر أن هناك اصطلاحا عرفياً أو شرعياً ].

ولا يوجد لا عرفي ولا شرعي.

والراجح من حيث القواعد الأصولية: مذهب أبي حنيفة ؛ لأنه إذا تعارض عموم المنطوق مع مفهوم المخالفة، قدم عموم المنطوق على مفهوم المخالفة, وهذا مثل: تقديم عموم ( الماء لا ينجسه شيء ) على مفهوم حديث القلتين, لكن قال الألباني في الدرس: والآثار الواردة عن السلف في هذه القضية تنص على أن من أدرك ركعةً من صلاة الجمعة فقد أدرك, ومن لم يدركها فليصلِ أربعاً, نص على ذلك ابن مسعود كما في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح, أقول: فهذا الأثر يؤيد العمل بمفهوم المخالفة ويقويه على عموم المنطوق, لا سيما وهذا العموم وارد في مطلق الصلاة, أما هذا المفهوم فإنه خاص بالجمعة كما ورد في بعض الروايات: ( من أدرك ركعةً من صلاة الجمعة ), فيكون هذا المفهوم من باب تقديم الخاص على العام.

فالأقرب أن يكون المحذوف في قوله: (فقد أدرك) أي: حكم الصلاة؛ لأنه هو أقرب من الحقيقة, ولا نخرج عن الحقيقة, ففضل الصلاة ووقت الصلاة أبعد, وإذا كانت الاحتمالات ثلاثة وأحدهما أقرب من الحقيقة فنعمل بالأقرب من الحقيقة.




استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2956 استماع
كتاب الزكاة [1] 2912 استماع
كتاب الطهارة [15] 2904 استماع
كتاب الطهارة [3] 2616 استماع
كتاب الصلاة [33] 2565 استماع
كتاب الصلاة [29] 2414 استماع
كتاب الطهارة [6] 2396 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2386 استماع
كتاب الطهارة [2] 2364 استماع
كتاب الصلاة [1] 2326 استماع