أحكام الغسل أحكام التيمم


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

نتكلم في هذا الدرس على ما يتعلق بأحكام الغسل.

الغسل في اللغة مصدر غسل يغسل غسلاً بالضم، لكن إذا كان تعميماً للبدن بالماء نسميه غُسلاً، ولذلك ما نقول: غَسل الميت وإنما نقول: غُسل الميت؛ لأن الميت لا نغسل منه أعضاءً مخصوصة، وإنما نعمم بدنه، أما بالنسبة لغسل اليد في الوضوء لا نقول: غُسل اليد، وإنما نقول: غَسل اليد.

أما في الشرع فهو: تعميم البدن بالماء مع اقتران النية.

الغسل على نوعين: غسل واجب وغسلٌ مستحب، ويكون الغسل واجب في أربعة أحوال:

أولها: الجنابة، فإذا أصابت الإنسان جنابة وجب عليه الغسل.

ثانيها: غسل المسلم إذا مات.

ثالثها: غسل الكافر إذا أسلم.

رابعها: غسل المرأة إذا انقطع عنها دم الحيض أو النفاس.

هذه أربعة أحوال الغسل فيها فرض.

فغسل الجنابة فرض، وكلمة الجنابة معناها: البعد، كما قال الله عز وجل: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ[النساء:36]، والجنب سمي جنباً لأنه بعيد من العبادة، هذه هي الحالة الأولى من موجبات الغسل.

الحالة الثانية: غسل المسلم إذا مات؛ لأنه إذا مات يجب علينا معشر المسلمين أن نغسله، ولو أنا دفناه من غير غسل ومن غير عذر فإننا آثمون، لكن قد يكون في مكان ليس فيه ماء مثلاً أو قد يكون بدنه مهترئاً بحيث لو غسل تزايل، كما في حالة الغريق الذي لم نجد جثمانه إلا بعد ثلاثة أيام أو أكثر، ففي هذه الحالة يكون بدنه مهترئاً بحيث لو غسل سيتزايل، ففي هذه الحالة لا يجب غسله.

الحالة الثالثة: غسل الكافر إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لما ثبت في حديث قيس بن عاصم أنه لما أسلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يغتسل.

الحالة الرابعة: غسل المرأة إذا انقطع عنها دم الحيض أو النفاس.

الأغسال المستحبة هي:

1- غسل الجمعة.

2- غسل العيدين.

3- غسل الإحرام.

4- الغسل من حمل الميت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ).

5- الغسل لدخول مكة.

6- غسل يوم عرفة.

أما غسل يوم الجمعة فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، ويحمل على ذلك الغسل في العيدين؛ لأنه لما كانت الجمعة عيداً فيوم الفطر ويوم النحر من باب أولى؛ ولأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ثبت عنه أنه كان يغتسل يوم الجمعة والعيدين.

ثالثاً: غسل حمل الجنازة، فإنه يستحب لك بعدها أن تغتسل.

رابعاً: غسل الإحرام، فإذا أردت أن تحرم بالنسك في الحج أو العمرة فيستحب لك أن تغتسل، كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام.

خامساً: يستحب غسل دخول مكة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى ذي طوى بات بها، ولما أصبح اغتسل ودخل مكة، وهذا من باب التعظيم لحرم الله عز وجل.

أما غسل الجنابة فيدل على وجوبه قول الله عز وجل: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا[المائدة:6]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الماء من الماء)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) أي: وإن لم ينزل.

فرائض الغسل خمسة:

أولها: النية، وفي الوضوء ذكرنا أن أول فرض النية، وفي الغسل أول فرض النية، وسيأتي في التيمم أن أول فرض هو النية، وفي الصلاة سيأتي أن أول فرض هو النية، وفي الصيام أول فرض هو النية، وفي الزكاة أول فرض هو النية، وهكذا في الحج، فكل عمل لابد فيه من نية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فالغسل لابد فيه من النية، والنية محلها القلب، فلا يصح أن تدخل الحمام وتقول: نويت أن أغتسل غسل الجمعة مثلاً.

الفرض الثاني: تعميم جميع الجسم، كما قال الله عز وجل: حَتَّى تَغْتَسِلُوا[النساء:43]، والاغتسال هو غسل جميع الجسد، فلابد أن الماء يصل إلى كل جزء من أجزاء بدنك الظاهرة، ولذلك جاء: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدخل أصابعه في شئون رأسه حتى يروي بشرته) لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحلق إلا في نسك في حج أو عمرة.

الفرض الثالث: الدلك؛ لأنه لا يقال: اغتسل إلا لمن دلك نفسه، أما إنسان وقف تحت الدش فقط ولم يدلك فهذا يقال: أفاض على جسده الماء، ولا يقال: اغتسل، والعرب تفرق بين قولها: غسلت الثوب وقولها: أفضت عليه الماء، يعني: لو أني أدخلت الثوب تحت الماء فلا يقال: إني غسلته.

والدلك هو: إمرار اليد على العضو إمراراً متوسطاً، هذا هو الدلك.

والمكان الذي لا تصل إليه اليد لا شيء فيه؛ ولو أن إنساناً يستعمل بدل يده خرقة ونحوها أو ما يسمى الآن بالليف فإنه يجزي، وجعل الدلك من فرائض الغسل هو مذهب المالكية، وأما الحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم رحمة الله على الجميع فلا يجعلون الدلك من فرائض الغسل.

الفرض الرابع: تخليل الشعر خفيفاً كان أو كثيفاً؛ لأن أمنا رضي الله عنها قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بهما أصول شعره)، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كان دائماً يحلق شعره، فلما سئل قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (في كل شعرة جنابة، فمن ترك موضع شعرة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا)، فمن ثم عاديت شعري، يعني صار شعري هو عدوي، فكان يحلق دائماً، كلما نبت شعره حلق، وهذا كان فيما مضى؛ لأن القضية كان فيها غرف ماء وكان فيها مشقة، أما الآن بفضل الله تفتح الدش فيصب عليك الماء صباً، وأنت تشتغل بالدلك بكلتا يديك، فلو كان شعرك كصوف خروف فلن يضر؛ لأنك تستطيع أن تخلله بكل سهولة.

الفرض الخامس: الموالاة، وهي: الإتيان بأفعال الغسل في زمن واحد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغتسل إلا غسلاً متوالياً، ولم نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل فرجه ثم خرج ثم جاء فتوضأ ثم أكل ثم رجع فخلل شعره ثم ذهب ثم جاء، وإنما أفعال الغسل كلها تقع في وقت واحد متوالية.

سنن الغسل خمسة:

أولها: غسل اليدين إلى الكوعين قبل إدخالهما في الإناء، هذا فيما مضى لما كان الناس يستعملون الآنية، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى الجنب أن يدخل يده في الإناء إلا بعد أن يغسلهما ثلاثاً، وكذلك نهى صلى الله عليه وسلم من استيقظ من النوم أن يغمس يده في الإناء؛ لأن النوم أخو الموت.

ثانيها: المضمضة، وهي: إدخال الماء في الفم وتحريكه، ومضمضة على وزن فعللة، مثل كلمة زلزلة، وفعللة تدل على حركة، كالقلقلة؛ فإن الإنسان يحرك فمه ولسانه عند حروف القلقلة.

ثالثها: الاستنشاق، وهو: جذب الماء إلى داخل الأنف.

رابعها: الاستنثار، وهو: طرح الماء بواسطة النفس.

خامسها: مسح صماخ الأذنين. فهذه هي سنن الغسل الخمسة، غسل اليدين إلى الكوعين قبل إدخالها في الإناء ثم المضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح صماخ الأذنين.

الفرق بين السنة والفضيلة: أن السنة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأظهره للناس وأمر به، والفضيلة ما كان دون ذلك.

وفضائل الغسل هي:

أولها: التسمية، وهنا سؤال: إذا كان الإنسان يتوضأ في الحمام هل يسمي الله؟ والجواب: لا يسمي، بل يذكر الله عز وجل بقلبه، لكن لا ينطق؛ فإن اسم الله عز وجل ينزه عن أن ينطق به في تلك الأماكن، وبعض الناس يقول: ما هو الدليل؟ ونقول: الدليل هو الأدب؛ فإنه يجب أن نتأدب مع الله عز وجل، وأن نتأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن نتأدب مع القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا هذا الأدب بأنه كان إذا أراد الخلاء طرح خاتمه صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه اسم الله جل جلاله، فإذا كنت في الحمام فلا تذكر الله، وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء يقول: (غفرانك)، تنزيهاً لله من الذكر في ذلك الموطن.

ثانيها: البدء بإزالة الأذى عن جسده وعورته وأعضائه بوضوئه، فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا اغتسل من الجنابة يغرف من الماء فيغسل يديه ثلاثاً، ثم يصب بيديه فيغسل بقية أعضاء الوضوء، وأحياناً يؤخر غسل رجليه صلى الله عليه وسلم.

ثالثها: تقديم الأعالي على الأسافل والميامن على المياسر، والإنسان إذا بدأ بالغسل يبدأ بغسل رأسه، وكذلك يبدأ بميامنه قبل مياسره.

رابعها: تثليث غسل رأسه، ففي الوضوء يكون مسح الرأس مرة واحدة، أما في الغسل فلا بد من غسله ثلاثاً كما كان يصنع الرسول عليه الصلاة والسلام.

خامسها: قلة الماء، وقد تقدم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ بالمد، والمد: ملء الكفين المعتدلتين، وكان عليه الصلاة والسلام يغتسل بالصاع، والصاع: حوالى اثنين كيلو وربع.

وهذه الفضائل والسنن أخذناها من حديث عائشة و ميمونة رضي الله عنهما، فقد قالت ميمونة رضي الله عنها: (أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً، ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات كل حفنة ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده)، وفي رواية: (وجعل ينفض الماء بيديه)، وليس معنى هذا أن تنشيف الأعضاء مكروه، بل ممكن أن تغتسل وتتنشف، وممكن أن تغتسل ولا تتنشف، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنديل إما لأنه كان في المنديل شيء كرهه عليه الصلاة والسلام، أو لأنه كان مستعجلاً، ليس عنده وقت للتنشيف، وإما ليخالف فعل المترفين، أو ليبين جواز التنشف وعدمه، فهذا جائز وهذا جائز.

وميمونة رضي الله عنها ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم غسل كفيه مرتين أو ثلاثاً، ثم غسل فرجه صلى الله عليه وسلم، ثم توضأ، ثم حثا على رأسه، ثم أفاض الماء على سائر جسده، ثم غسل رجليه، وقد أجمع أهل العلم على أن المغتسل لو لم يتوضأ جاز له أن يصلي بهذا الغسل؛ لأنه غسل عبادة وليس غسل عادة، يعني: سواء كان غسلاً واجباً أو مستحباً يصح لك أن تصلي بهذا الغسل دون أن تتوضأ؛ لأنهم متفقون على أن الحدث الأصغر يندرج في الحدث الأكبر، وأن الطهارة الصغرى تندرج تحت الطهارة الكبرى، فإذا ارتفع الأكبر فمن باب أولى الأصغر.

إذا اقتصرت في غسلك على تعميم بدنك بالماء على قول الجمهور جاز لك أن تصلي به، وإذا كان الغسل مستحباً جاز لك أن تصلي به؛ لأنه غسل عبادة؛ لأنك لم تغتسل تبرداً ولا تنظفاً وإنما اغتسلت تعبداً، لذلك الواحد منا لو كان أطهر ما يكون في يوم الجمعة والجو بارد فيستحب له أن يغتسل.

من المكروهات في الوضوء والسغل الكلام إلا لمهم كرد سلام وطلب ماء ونحوه إذا طرق عليك الباب طارق مثلاً وقال لك: أنا أريد كذا، فترشده إلى مكان الشيء المطلوب.

موانع الجنابة:

الحدث الأصغر يمنع من أمور:

أولاً: الصلاة.

ثانياً: مس المصحف.

ثالثاً: الطواف.

رابعاً: مس المصحف وقراءة القرآن، فالإنسان إذا كان عليه جنابة لا يجوز له أن يقرأ القرآن؛ لأن نبينا عليه الصلاة والسلام ما كان يمنعه من القرآن شيء إلا الجنابة.

خامساً: دخول المسجد، فالإنسان الذي عليه جنابة وكذلك أيضاً الحائض والنفساء لا يجوز لهم دخول المسجد؛ لأن الله عز وجل قال الله : (( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ )) قال أهل التفسير: يدخل في ذلك مواضعها، ومواضع الصلاة هي المساجد، قال الله: وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا[النساء:43]، فالجنب إذا اتخذ المسجد معبراً فلا حرج عليه، أما المكث في المسجد فممنوع.

فإذا أقيمت الصلاة فاغتسل وصل في بيتك، ولا تأت المسجد وأنت جنب؛ لأن الطهارة شرط.

صلاة الجماعة على قول المالكية والحنفية سنة مؤكدة، وعلى قول الحنابلة واجبة، وعلى قول الشافعية فرض كفاية، ولم يقل أحد بأنها شرط في صحة الصلاة إلا الظاهرية فقط.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه الصلاة مبطلات الصلاة 2041 استماع
فقه الصلاة أحكام صلاة الجمعة [1] 1987 استماع
مقدمة الطهارة وسائل التطهير أنواع النجاسات 1804 استماع
فقه الصلاة فضل الجماعة وشروط الإمامة 1719 استماع
فقه الصلاة أحكام العيدين 1627 استماع
فقه الصلاة أحكام صلاة المسافر 1618 استماع
فقه الصلاة أحكام صلاة الجمعة [2] 1465 استماع
فقه الصلاة مكروهات الصلاة [1] 1449 استماع
فقه الصلاة أخطاء يقع فيها بعض المصلين [2] 1324 استماع
فقه الصلاة أحكام صلاة الجماعة 1115 استماع