شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [14]


الحلقة مفرغة

السؤال: فضيلة الشيخ كما تعلمون أن العلم وسيلة من وسائل التقرب إلى الله عز وجل وزيادة الإيمان والخشية، فبعد أن أنهينا كتاب الإيمان ولله الحمد, فما هي نصيحتكم لطلاب العلم للعمل بما علموا؛ لأن ثمرة العلم العمل؟

الجواب: لا شك أن ثمرة العلم العمل، وأن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل، والله سبحانه وتعالى أثنى على المؤمنين بخشيته وتقواه قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].

فالعلماء قسمان: علماء الآخرة والشريعة الذين يعلمون ويعملون، أما علماء السوء فهم الذين يعلمون ولا يعملون نسأل الله العافية، كما أخبر الله عن اليهود، ونحن في كل ركعة من ركعات الصلاة فرض الله علينا أن نقرأ سورة الفاتحة، وفيها الثناء على الله في أولها، ثم الدعاء العظيم في آخرها وهو أعظم وأنفع وأجمع دعاء اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، وحاجة المسلم إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبيه؛ لأن الإنسان إذا فقد الطعام والشراب وفقد النفس مات والموت لابد منه، ولا يظن الإنسان أنه يموت إذا كان مستقيماً على شرع الله ودينه، لكن إذا فقد الهداية مات روحه وقلبه وصار إلى النار نعوذ بالله، فقوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ثبتنا اهدنا ودلنا على الصراط المستقيم، وقوله: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] هم الذين يعلمون ويعملون، فهم المنعم عليهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] هم الذين يعلمون ولا يعملون، ويدخل في ذلك دخولاً أولياً اليهود ومن فسد من علماء هذه الأمة ففيه شبه من اليهود، قوله: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] يعني: غير طريق الضالين وهم الذين يعبدون الله على جهل وضلال.

فالطائفة الأولى تعلم ولا تعمل، فهم مغضوب عليهم، وهم العلماء الذين يعلمون ولا يعملون وهم علماء السوء كما قال ابن تيمية رحمه الله: (علماء السوء تخالف أقوالهم أفعالهم إذا قالوا بألسنتهم: افعلوا، قالت أفعالهم للناس: لا تفعلوا، قطاع طريق يقطعون الطريق عن الناس بأفعالهم الخبيثة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] فهم مغضوب عليهم يعلمون ولا يعملون، والطائفة الثانية يعملون ويتعبدون لكن على جهل وضلال كطوائف النصارى، وبعض الصوفية وغيرهم، وهما داءان إذا سلم الإنسان منهما سلم: الداء الأول: ترك العمل, وهو داء الغواية، والداء الثاني: الجهل، وهو التعبد على جهل وضلال، وقد برأ الله نبيه الكريم من هذين الداءين بقوله سبحانه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:1-2] (ما ضل) ليس ضالاً عليه الصلاة والسلام بل هو على علم علمه ربه، ولا غاوياً لا يعمل بعلمه بل هو بار راشد.

فالمؤمن الذي يعلم ويعمل يقال له: راشد، والذي يعلم ولا يعمل يقال له: غاوي, والذي يعمل بدون علم هذا ضال.

السؤال: أشكل علي قول: (لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل) أليس سب الله ذنب والسجود للصنم عمل، فلماذا لا نكفره خاصة؟

الجواب: إذا ذكر الذنب المراد به دون الشرك، فقوله (لا نكفره بذنب) يعني: دون الشرك، (ولا نخرجه من الإسلام بعمل يعمله) فمن زنا أو سرق أو ترك بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات لا نخرجه من الإسلام، ما لم يفعل شركاً أو يفعل ناقضاً من نواقض العبادة.

إذاً: الذنب إذا أطلق فالمراد به ما دون الشرك.

السؤال: ما مراد الإباضية بقولهم: كفر نعمة؟

الجواب: يعني: كفر أصغر لا يخرج من الملة مثل قوله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل:112].

السؤال: ما الفرق بين مذهب أهل السنة ومذهب الإباضية؟

الجواب: المعاصي عند أهل السنة طبقات، بعضها يسمى كفراً وهو ما سمي في النصوص كفراً مثل الطعن في النسب والنياحة على الميت، والذي لم يسم في النصوص كفراً لا نسميه كفراً, والإباضية يسمون كل معصية كفر نعمة، فإذا ترك شيئاً من الطاعات هو كافر كفر نعمة.

السؤال: هل الإباضية القائلين بخلق القرآن، والقائلين بقول الجهمية: سميع بلا سمع، هل هم كفار؟

الجواب: من قال بخلق القرآن فهو كافر على جهة العموم، أما الشخص المعين فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة وحتى توجد الشروط وتنتفي الموانع، لكن على العموم من قال: كلام الله مخلوق فهو كافر كما قاله الإمام أحمد وكثير من السلف، أما نفي الصفات كأن يقول: إن الله سميع بلا سمع، فهذا قول المعتزلة، والمعتزلة فيهم خلاف بين العلماء، والجمهور على أنهم مبتدعة وبعض العلماء كفرهم.

السؤال: هل جميع دول الغرب في أوروبا وأمريكا دول حرب، بحيث يجوز للمسلم إذا كان داخلها بغير عهد جاز له أن يسرق فيها؟

الجواب: لا ليس بصحيح، لا يجوز للإنسان أن يسرق ولا يأخذ مالاً إلا من مال الكافر الحربي الذي بيننا وبينه حرب، وبيننا وبينه السلاح، هذا حلال الدم والمال، أما الكافر الذمي الذي له عهد بيننا وبينه أو صلح أو دخل إلى البلاد بذمة أو عهد وما أشبه ذلك فهؤلاء لا يجوز قتلهم ولا أخذ أموالهم، بل إن ذلك فيه الوعيد الشديد، قال عليه الصلاة والسلام: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)، هذا من كبائر الذنوب، فليس كل كافر يحل دمه وماله، إنما هذا في الكافر الحربي الذي بيننا وبينه حرب، وبيننا وبينه خلاف، هذا حلال دمه وماله.

السؤال: ما قولكم فيمن يكفر كل من والى الكفار بلا تفصيل؟

الجواب: ليس بصحيح، فهذا لا بد منه من التفصيل، تولي الكفار ردة، ومعنى توليهم محبتهم في القلب، ثم ينشأ عن ذلك نصرتهم على المسلمين بالمال أو السلاح أو الرأي، فإذا أحب الكافر أو أعان الكافر على المسلمين وهم يقاتلون المسلمين بسلاحه أو بماله أو برأيه فهذا ردة، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] أما الموالاة المتمثلة في معاشرتهم ومصادقتهم بدون حاجة فهذه كبيرة من كبائر الذنوب، أي: أن يتخذ الكافر عشيراً وصديقاً من دون المؤمنين.

السؤال: هل قول الإباضية يخالف منهج أهل السنة في الإيمان، وذلك لأن لهم نشاطاً قوياً في الدعوة إلى مذهبهم، وما نصيحتكم لهم؟

الجواب: كل مسلم يجب عليه أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سواء كان من الإباضية أو المعتزلة أو الأشاعرة، وكل إنسان وقع في الذنب سواء في الاعتقاد أو في العمل عليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يرجع إلى الحق، والحق أحق أن يتبع، هذا هو الواجب، وعليهم أن يصححوا معتقدهم وأن يتبعوا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما قرره السلف الصالح وأهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين والأئمة ومن بعدهم.

السؤال: المؤلف يقول: إن الأحاديث التي فيها ذكر الكفر والشرك يقول: أنها من أخلاق المشركين وأفعالهم، فهل هي كذلك أو أنها تفيد الترغيب والترهيب؟

الجواب: الأصوب في هذا أن يقال: إنها من كبائر الذنوب، وإنها تنافي كمال الإيمان, فهي كفر أصغر وشرك أصغر، ولا تفسر بهذا التفسير، وهذه هي طريقة السلف أنهم لا يفسرونها حتى تكون أبلغ في الزجر والردع.

السؤال: كما تعلمون أنه يجوز الزواج بالكتابية فهل محبة الزوجة تجوز مع أنها كتابية؟

الجواب: إذا أحبها لدينها فهذا ردة، أما إذا أحبها محبة طبيعية فلا بأس، ولا شك أنه يجوز الزواج بالكتابية لكن الأولى الترك؛ لأنه قد تؤثر على أولادها وقد تؤثر عليه هو.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [2] 1894 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [9] 1748 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [8] 1740 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [10] 1653 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [11] 1651 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [5] 1604 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [6] 1432 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [12] 1418 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [1] 1286 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [4] 1233 استماع