حكم الدعوة إلى الله
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
حكم الدعوة إلى الله تعالىدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، ودعوة المسلمين المنحرفين إلى الرجوع إلى الإسلام، واجب على كل مسلم قادر، رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا.
والقرآن الكريم هو كتاب الدعوة ومصدرها، يأمر بتبليغ الدعوة إلى الناس كافة؛ بحكم أن الإسلام دينٌ عالميٌّ جاء للناس عامة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67]، فهذا أمر بتبليغ الدعوة من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، وقال تعالى: ﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [الشورى: 15]، وقال تعالى: ﴿ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [القصص: 87]، وقال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، والدعوة إلى الخير تعني الدعوة إلى الإسلام، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2]، والإنذار هو تبليغ الدعوة عن طريق الترهيب، كما أن التبشير تبليغ للدعوة بطريق الترغيب، وقال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]، هذه الآيات قاطعة الدلالة على وجوب تبليغ الدعوة.
أما السنة النبوية فقد دلَّت فيها أحاديث كثيرة على وجوب تبليغ الدعوة إلى الله تعالى، منها ما ورد في الحديث الصحيح: ((والذي نفسي بيدهِ لتأمرنَّ بالمعروفِ، ولتنهونَّ عن المنكرِ، أو ليوشكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عذابًا من عندِهِ، ثم لتدعنهُ، فلا يُستَجابُ لكُم))، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ رأى مِنكُم مُنكرًا فليُغيِّرهُ بيدِهِ، فإن لَم يَستَطِع فبِلسانِهِ، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِهِ، وذلِكَ أضعَفُ الإيمانِ))؛ رواه مسلم، ليس لك حجة في ترك إنكار المنكر، فتغيير المنكر درجات، فإن لم تستطع تغييره بفعلك، فأنكره بلسانك، فإن لم تستطع فبقلبك، وذلك أضعف الإيمان.
متى يكون تغيير المنكر بالفعل؟ ومتى يكون باللسان؟ ومتى يكون بالقلب؟
إذا كان عندك سلطة وقدرة على تغيير المنكر بيدك فلا بد أن تُغيِّره بيدك؛ كإراقة الخمر، وكسر آلة لهو، والحيلولة بين الضارب والمضروب، ورد المغصوب إلى مالكه، وهنا نتذكَّر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كلُّكم راعٍ ومسؤول عن رعيَّته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيَّته، والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤول عن رعيَّته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيَّتها، والخادم في مال سيده راعٍ، وهو مسؤول عن رعيَّته، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّته))؛ رواه مسلم؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن عاقبة الذين يفرطون في هذه الأمانة فقال: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطَّها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة))؛ رواه مسلم.
فإذا لم أستطع تغيير المنكر بيدي؛ لإمكانية أن يلحقني أذًى؛ لأن الفاعل أقوى مني أنتقل للمرحلة التي تليها، وهي: الإنكار باللسان، فأنصحه، وأذكِّر العاصي بالله، وأخوِّفه من عقابه، بما يناسب طبيعة المعصية وطبيعة صاحبها.
فإن لم أستطع لوجود مانع؛ كخوف فتنة، أو خوف على نفس، أو عضو، أو مال، ((فبقلبه)) ينكره وجوبًا، بأن يكرهه ولا يرضى به، ولا يكفي إنكاره بالقلب؛ بل لا بد مع ذلك العزم على أنه لو قدر على تغييره بفعل أو قول لفعَل.
فأفاد الحديث وجوب تغيير المنكر بكل طريق ممكن، فلا يكفي الوعظ لمن يمكنه إزالته بيده، ولا بالقلب لمن يمكنه باللسان.
من الأحاديث أيضًا، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بلِّغُوا عنِّي ولو آية، وحدِّثُوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمِّدًا فَلْيتَبَوَّأ مقعده من النار))؛ رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لِيُبَلِّغْ الشاهدُ الغائبَ، فإن الشاهدَ عسى أن يُبَلِّغَ مَن هو أوعى له منه))؛ رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((جاهدوا المشركين بأموالِكم وأنفسِكم وألسنتِكم))؛ رواه أبو داود، والأحاديث كثيرة في الأمر بتبليغ الدعوة؛ لكن هل هي فرض عين؛ أي: واجبة على كل فرد من أفراد الأمة؟ أم هي فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين؟
يقول الله تعالى آمرًا هذه الأمة بالدعوة إليه سبحانه: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، واختلف أهل التفسير في "منكم" هذه هل هي للتبعيض أم لبيان الجنس، يعني واجب على بعض الأُمَّة ولا كل الأمة.
رجَّح الطبري والقرطبي وابن كثير أنها للتبعيض، قال القرطبي: "ومن في قوله "منكم" للتبعيض، ومعناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء وليس كل الناس علماء، وقيل: لبيان الجنس، والمعنى: لتكونوا كلكم كذلك، قلت: القول الأول أصح، فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية".
وقد يكون الجمع بين القولين بأن انتصاب طائفة من المسلمين وتفرُّغهم للدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية على الأمة، وأن قيام كل فرد بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب قدرته فرض عين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].