شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [8]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: تسمية الإيمان بالقول دون العمل.

قال أبو عبيد : قالت هذه الفرقة: إذا أقر بما جاء من عند الله، وشهد شهادة الحق بلسانه فذلك الإيمان كله؛ لأن الله عز وجل سماهم مؤمنين، وليس ما ذهبوا إليه عندنا قولاً، ولا نراه شيئاً، وذلك من وجهين: أحدهما: ما أعلمتك في الثلث الأول أن الإيمان المفروض في صدر الإسلام لم يكن يومئذ شيئاً إلا إقراراً فقط. وأما الحجة الأخرى: فإنا وجدنا الأمور كلها يستحق الناس بها أسماءها مع ابتدائها والدخول فيها، ثم يفضل فيها بعضهم بعضا، وقد شملهم فيها اسم واحد، من ذلك: أنك تجد القوم صفوفاً بين مستفتح للصلاة وراكع وساجد وقائم وجالس، فكلهم يلزمه اسم المصلي، فيقال لهم: مصلون، وهم مع هذا فيها متفاضلون. وكذلك صناعات الناس، لو أن قوماً ابتنوا حائطاً وكان بعضهم في تأسيسه، وآخر قد نصفه، وثالث قد قارب الفراغ منه قيل لهم جميعاً: بناة، وهم متباينون في بنائهم ].

هذا الباب في تسمية الإيمان بالقول دون العمل فقوله: [قالت هذه الفرقة] يعني: المرجئة [ إذا أقر بما جاء من عند الله وشهد شهادة الحق بلسانه فذلك الإيمان كله] هذا مذهب المرجئة، وهو أنه إذا أقر بما جاء من عند الله وصدق وأقر واعترف وصدق بقلبه وشهد بلسانه فذلك الإيمان كله.

وهو كامل في القلب ولو لم يعمل. وحجتهم أن الله عز وجل سماهم مؤمنين، وقد رد عليهم المؤلف رحمه الله من وجهين: فقال: [ وليس لما ذهبوا له عندنا قولاً ولا نراه شيئاً، وذلك من وجهين: أحدهما: ما أعلمتك في الثلث الأول ]، يعني: من الكتاب [ أن الإيمان المفروض في صدر الإسلام لم يكن يومئذ شيئاً إلا إقراراً فقط ] يعني: أن الله سبحانه وتعالى فرض على المسلمين في مكة قبل الهجرة الإيمان والتوحيد فقط, ففرض عليهم الإقرار والتصديق والإيمان وتوحيد الله عز وجل والبعد عن الشرك ولم تفرض الواجبات من صلاة وزكاة وصوم وحج، فأما الصلاة ففرضت لعظم شأنها قبل الهجرة بسنة أو سنتين أو ثلاث وأما الأذان والزكاة والصوم والحج والحدود كلها فما شرعت إلا في المدينة ففي مكة كان الواجب عليهم الإيمان والإقرار وتوحيد الله عز وجل وأما العمل فما شرع إلا بعد الهجرة إلى المدينة، لما ثبت التوحيد ورسخ الإيمان في القلوب وابتعدوا عن الشرك، فبعد ذلك شرعت الأعمال وفرضت الفرائض وشرعت الحدود؛ لأن التوحيد والإيمان هو أصل الدين وأساس الملة، وهو الذي تبنى عليه الأعمال، ولا يصح العمل إلا إذا بني على التوحيد والإيمان فأصل الدين وأساس الملة: الشهادة لله تعالى بالوحدانية، وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة, وقد كان هذا هو الواجب على المؤمنين في مكة قبل الهجرة إلى المدينة.

وأما الحجة الثانية التي رد بها المؤلف رحمه الله فهي قوله: [ فإنا وجدنا الأمور كلها يستحق الناس بها اسماءها مع ابتدائها والدخول فيها, ثم يفضل فيها بعضهم بعضاً، وقد شملهم فيها اسم واحد ] يعني أن الإنسان إذا دخل في الشيء استحق هذا الاسم مع الابتداء والدخول فيه، وإن كان الناس يتفاضلون فيه, فإذا أقر المسلم وصدق وآمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيناً ورسولاً فقد دخل في الإسلام وشمله اسم الإيمان ولو أن آخر أقر كذلك ثم عمل أيضاً فصلى وصام وزكى وحج، ثم جاء آخر فزاد على ذلك فأدى النوافل، وفعل المستحبات فكلهم يشملهم اسم الإيمان من حين ابتداء دخولهم فيه، ولكنهم يفضل بعضهم بعضاً ومثل لذلك بأنك تجد القوم صفوفاً في الصلاة، فتجد الأول قد كبر واستفتح الصلاة، وتجد الثاني راكعاً، والثالث ساجداً، والرابع قائماً، والخامس يتشهد، وكلهم يسمون مصلين، وهم متفاوتون، فهذا مصلٍ في أول الصلاة في الركعة الأولى، وهذا مصلٍ في الركعة الثانية، وهذا مصل في الركعة الثالثة، وهذا مصل في الركعة الرابعة فمن حين يكبر الشخص ويدخل في الصلاة يسمى مصلياً وإن كان المصلون يتفاوتون فيها. فكذلك المؤمن إذا دخل في الإيمان سمي مؤمناً, ومن أدى الواجبات وترك المحرمات سمى مؤمناً، ومن زاد فأدى النوافل والمستحبات سمى مؤمناً ولكنهم يتفاضلون في ذلك، فالذي يؤدي الواجبات وينتهي عن المحرمات من المقتصدين, والذي ينشط بعد ذلك فيؤدي المستحبات والنوافل ويبتعد عن المكروهات وفضول المباحات من السابقين الأولين، وهو مؤمن، والمؤمن الذي يقصر في بعض الواجبات ويرتكب بعض المحرمات ظالم لنفسه، وهو مؤمن، وكلهم مؤمنون, فالظالم لنفسه مؤمن، ولكنه مؤمن ناقص الإيمان, والمقتصد الذي أدى الواجبات وانتهى عن المحرمات مؤمن, والسابق للخيرات الذي أدى الواجبات وفعل المستحبات والنوافل وترك المحرمات والمكروهات وفضول المباحات مؤمن أيضاً, وهم متفاوتون فكذلك الناس في الإيمان يتفاوتون, وكذلك في الصناعات يتفاوت الناس فيها وقد مثل المؤلف رحمه الله لذلك بقوله: لو أن قوماً ابتنوا حائطاً وكان بعضهم يؤسس في أصل الحائط، وآخر في طرف الحائط قد بلغ نصفه، والثالث قارب الفراغ منه فكلهم جميعاً يبنون حائطاً واحداً ولكن أولهم يحفر الأساس، والثاني قد وصل إلى نصف الحائط، والثالث قد قارب الفراغ منه، وكلهم يسمون بناة. وهم متباينون في بنائهم. فكذلك المؤمنون كلهم يسمون مؤمنين فهذا دخل في الإسلام من أوله، وهذا أدى الواجبات وترك المحرمات، وهذا فعل المستحبات والنوافل، وكلهم مؤمنون.

قال المؤلف رحمه الله: [ وكذلك لو أن قوماً أمروا بدخول دار فدخلها أحدهم فلما تعتب الباب أقام مكانه، وجاوزه الآخر بخطوات، ومضى الثالث إلى وسطها قيل لهم جميعاً: داخلون، وبعضهم فيها أكثر مدخلاً من بعض. فهذا الكلام المعقول عند العرب السائر فيهم فكذلك المذهب في الإيمان إنما هو دخول في الدين، قال الله تبارك وتعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ .. [النصر:1-3] ].

وهذا مثال آخر ضربه المؤلف رحمه الله ومثل به, فقال: وكذلك لو أن قوماً أمروا بدخول دار، فلو كان عندك جماعة من الضيوف وقفوا عند الباب فقلت لهم: تفضلوا حياكم الله، فدخل أحدهم، فلما تعتب الباب وجاوز العتبة جلس، وجاوزه الآخر بخطوات وجلس، ومضى الثالث إلى المجلس، قيل لهم جميعاً: داخلون، وبعضهم فيها أكثر مدخلاً من بعض، وهذا كلام معقول عند العرب، فكلهم في الدار. فكذلك الداخلون في الإيمان يتفاوتون؛ ولذلك قال المؤلف: كذلك المذهب في الإيمان إنما هو دخول في الدين قال الله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [النصر:2-3] فهم يدخلون في دين الله وهم متفاوتون في إيمانهم.

قال المؤلف رحمه الله: [ وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] فالسلم: الإسلام وقوله: (كافة) معناها عند العرب: الإحاطة بالشيء ].

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ ، يعني: في الإسلام وقوله: (كافة) معناه: الإحاطة بالشيء، أي: ادخلوا فيه في جميعه فهم يدخلون في الإسلام وهم متفاوتون فيه.

قال المؤلف رحمه الله: [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس) فصارت الخمس كلها هي الملة التي سماها الله سلماً مفروضاً فوجدنا أعمال البر وصناعات الأيدي ودخول المساكن كلها تشهد على اجتماع الاسم، وتفاضل الدرجات فيها ].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس) رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام).

وقول المؤلف: [فصارت الخمس كلها هي الملة التي سماها الله]. يعني: هي الدين الذي سماه الله سلماً مفروضاً. يعني: إسلاماً مفروضاً؛ لأن هذه الأركان هي عمود الإسلام وأساسه التي لا يقوم ولا يستكمل إلا بها, فمن استقام عليها وأداها عن صدق وإخلاص فلا بد من أن يؤدي بقية أعمال وشرائع الإسلام.

وقول المؤلف: [ فوجدنا أعمال البر وصناعات الأيدي ودخول المساكن كلها تشهد على اجتماع الاسم، وتفاضل الدرجات فيها ] يعني: أعمال البر يدخل الناس فيها ويتفاوتون كما سبق، فيتفاوت الناس في صدقاتهم، وكلهم متصدق, فهذا يتصدق بألف، وهذا يتصدق بألفين، وهذا يتصدق بثلاثة آلاف، وهذا بريال، وكلهم متصدقون وكلهم يشملهم اسم المتصدق، ولكنهم يتفاوتون، وكذلك المصلون يتفاوتون، وكذلك المحسنون يتفاوتون, وكذلك يتفاوتون في الصناعات، مع أنهم كلهم يشملهم اسم الصناعة, وكذلك في دخول المساكن ولهذا قال المؤلف رحمه الله: [فوجدنا أعمال البر وصناعات الأيدي ودخول المساكن كلها تشهد على اجتماع الاسم، وتفاضل الدرجات فيها]. يعني: مع تفاضل الدرجات فيها، وهذه الأدلة إنما هي أدله من جهة النظر والعقل فتضاف إلى الأدلة التي دلت عليها النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فقد دلت النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودل النظر الصحيح على أن الإيمان درجات ومنازل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وإن كان المؤمنون كلهم يسمون مؤمنين، إلا أنهم يتفاوتون في هذا الإيمان.

قال المؤلف رحمه الله: [ فوجدنا أعمال البر وصناعات الأيدي ودخول المساكن كلها تشهد على اجتماع الاسم، وتفاضل الدرجات فيه هذا في التشبيه والنظر مع ما احتججنا به من الكتاب والسنة ].

يعني: لقد احتججنا بالنظر والعقل, واحتججنا بنصوص الكتاب والسنة، أي: لقد دلت النصوص من كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم على أن الإيمان درجات ومنازل، وأن والناس يتفاضلون فيه، وكذلك دل على ذلك العقل والنظر الصحيح.

قال المؤلف رحمه الله: [ فهكذا الإيمان هو درجات ومنازل، وإن كان سمى أهله اسماً واحداً ].

يعني: سمى الله أهله اسماً واحداً.

قال المؤلف رحمه الله: [ وإنما هو عمل من أعمال تعبد الله به عباده، وفرضه على جوارحهم، وجعل أصله في معرفة القلب، ثم جعل المنطق شاهداً عليه، ثم الأعمال مصدقة له، وإنما أعطى الله كل جارحة عملاً لم يعطه الأخرى، فعمل القلب: الاعتقاد، وعمل اللسان: القول، وعمل اليد: التناول، وعمل الرجل: المشي، وكلها يجمعها اسم العمل فالإيمان على هذا التناول إنما هو كله مبني على العمل، من أوله إلى آخره، إلا أنه يتفاضل في الدرجات على ما وصفنا ].

فقوله: [ الإيمان كله عمل ] أي: سواء أكان أعمال القلوب أم أعمال الجوارح أم أعمال اللسان, فكلها أعمال تعبد الله بها عباده وفرضها على جوارحهم ففرض الله على الإنسان أن يؤمن ويصدق ويقر بقلبه، وفرض عليه أن ينطق بلسانه. فعمل اللسان: النطق بالشهادتين وعمل القلب: الإقرار والتصديق, والجوارح كذلك لها أعمال. وأصل الإيمان: تصديق القلب وإقراره وإيمانه، ثم النطقُ بالشهادتين شاهد على ما في القلب ومنبئ عما فيه, ثم الأعمال تصدق هذا الإيمان فالإيمان أصله: التصديق والإقرار والاعتراف والإيمان بالقلب، ثم النطق بالشهادتين شاهد لهذا الإقرار، ثم أعمال الجوارح تصدق هذا الإيمان.

وقول المؤلف رحمه الله: [ وإنما أعطى الله كل جارحة عملاً لم يعطها الأخرى ] أي: فكل جارحة من الجوارح لها عمل تعبدها الله به، فعمل القلب: الاعتقاد وعمل اللسان: القول والنطق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وتلاوة القرآن والذكر، إلى غير ذلك, وعمل اليد: التناول، فيتناول بها ويأخذ ويعطي وعمل الرجل المشي، قال: [ وكلها يجمعها اسم العمل، فالإيمان على هذا مبني على العمل من أوله إلى آخره، إلا أنه يتفاضل في الدرجات على ما وصفنا ].

بيان تناقض القائل بأن الإيمان قول دون العمل

قال المؤلف رحمه الله: [ وزعم من خالفنا أن القول دون العمل، فهذا عندنا متناقض؛ لأنه إذا جعله قولاً فقد أقر أنه عمل، وهو لا يدري بما أعلمتك من العلة الموهومة عند العرب في تسمية أفعال الجوارح عملاً ].

قوله: [ وزعم مخالفنا ] أي: المرجئة [ أن الإيمان هو القول دون العمل ]. ويقصدون بالقول: قول القلب وإقراره وتصديقه, أي: زعمت المرجئة أن الإيمان: هو تصديق القلب وإقراره، وأن العمل لا يدخل في مسماه.

يقول المؤلف رحمه الله: هذا متناقض؛ لأنه إذا جعله قولاً فقد أقر أنه عمل؛ لأن قول القلب وإقراره وتصديقه عمل من أعمال القلب، وذلك لأن العرب تسمي أفعال الجوارح عملاً، وبه استدل المؤلف رحمه الله على تسمية قول اللسان عملاً، فيقول: إن المرجئة متناقضون بقولهم: إن الإيمان هو القول دون العمل؛ لأن القول الذي هو التصديق والإقرار هو عمل للقلب وقول اللسان ونطقه عمل وقد جاءت النصوص بتسمية النطق باللسان عملاً, وكذلك العرب تسمي أفعال الجوارح عملاً، فأفعال الجوارح تسمى عملاً، وقول اللسان يسمى عملاً وإقرار القلب وتصديقه يسمى عملاً.

قال المؤلف رحمه الله: [ وزعم من خالفنا أن القول دون العمل، فهذا عندنا متناقض؛ لأنه إذا جعله قولاً فقد أقر أنه عمل، وهو لا يدري بما أعلمتك من العلة الموهومة عند العرب في تسمية أفعال الجوارح عملاً ].

قوله: [ وزعم مخالفنا ] أي: المرجئة [ أن الإيمان هو القول دون العمل ]. ويقصدون بالقول: قول القلب وإقراره وتصديقه, أي: زعمت المرجئة أن الإيمان: هو تصديق القلب وإقراره، وأن العمل لا يدخل في مسماه.

يقول المؤلف رحمه الله: هذا متناقض؛ لأنه إذا جعله قولاً فقد أقر أنه عمل؛ لأن قول القلب وإقراره وتصديقه عمل من أعمال القلب، وذلك لأن العرب تسمي أفعال الجوارح عملاً، وبه استدل المؤلف رحمه الله على تسمية قول اللسان عملاً، فيقول: إن المرجئة متناقضون بقولهم: إن الإيمان هو القول دون العمل؛ لأن القول الذي هو التصديق والإقرار هو عمل للقلب وقول اللسان ونطقه عمل وقد جاءت النصوص بتسمية النطق باللسان عملاً, وكذلك العرب تسمي أفعال الجوارح عملاً، فأفعال الجوارح تسمى عملاً، وقول اللسان يسمى عملاً وإقرار القلب وتصديقه يسمى عملاً.

قال المؤلف رحمه الله:[ وتصديقه في تأويل الكتاب في عمل القلب واللسان قول الله في القلب: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] ، وقال: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم:4] ، وقال: الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وهي القلب) وإذا كان القلب مطمئناً مرة، ويصغي أخرى، ويوجل ثالثة، ثم يكون منه الصلاح والفساد فأي عمل أكثر من هذا؟ ].

هذه النصوص استدل بها المؤلف رحمه الله على تسمية عمل القلب عملاً فطمأنينة القلب تسمى عملاً، وكونه يصغي ويوجل وكونه يصلح ويفسد كل هذه أعمال ولهذا قال المؤلف رحمه الله: [ وتصديقه في تأويل الكتاب في عمل القلب قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] ] فوصف القلب بأنه يطمئن وهذا عمل وقال تعالى: الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] ووجل القلب عمل للقلب. وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله) والمؤلف روى الحديث بالمعنى ونصه: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فنسب الصلاح والفساد إلى القلب. فدل على أن القلب له أعمال, فيوصف بأنه مطمئن، وبأنه يصغي، وبأنه يوجل، وبأنه يصلح، وبأنه يفسد, فأي عمل أكثر من هذا؟!

قال المؤلف رحمه الله: [ ثم بين ما ذكرنا قوله: وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ [المجادلة:8] فهذا ما في عمل القلب ].

فقوله تعالى: وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ يعني: في قلوبهم أي: يقولون سراً في قلوبهم وقد ينطقون به بألسنتهم قال تعالى: وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ [المجادلة:8]، فسماه قولاً وهو عمل القلب وجاء في تفسير هذه الآية، ويقولون في أنفسهم يعني: يقولون سراً بألسنتهم.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [2] 1894 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [14] 1827 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [9] 1748 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [10] 1653 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [11] 1652 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [5] 1604 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [6] 1433 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [12] 1418 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [1] 1288 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [4] 1233 استماع