شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [12]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد وجدنا لهذين النوعين من الدلائل في الكتاب والسنة نحواً مما وجدنا في النوعين الأولين، فمن الشاهد على الشرك في التنزيل: قول الله تبارك وتعالى في آدم وحواء عند كلام إبليس إياهما هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف:189] إلى جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190] ، وإنما هو في التأويل: أن الشيطان قال لهما: سميا ولدكما عبد الحارث، فهل لأحد يعرف الله ودينه أن يتوهم عليهما الإشراك بالله مع النبوة والمكان من الله؟! فقد سمى فعلهما شركاً وليس هو الشرك بالله ].

سبق أن المؤلف رحمه الله ذكر أن المعاصي التي يفعلها المؤمنون جاءت على أربعة أنواع:

النوع الأول: نفي الإيمان عن العاصي، كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن).

النوع الثاني: البراءة منه، كقوله عليه الصلاة والسلام: (برئ النبي صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة والشاقة).

النوع الثالث: أن يخبر عنه بأنه شرك، كقوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).

النوع الرابع: أن يخبر عنه بأنه كفر، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر).

وسبق الكلام على بيان معناها وتأويلها عند أهل العلم، وذكر المؤلف رحمه الله مثالاً هنا لما ورد في النصوص تسميته شركاً، وهو من الكبائر ومن الشرك الأصغر الذي لا يصل إلى حد الشرك الأكبر فقال: (فمن الشاهد على الشرك في التنزيل قول الله تبارك وتعالى لآدم وحواء عند كلام إبليس إياهما: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:189-190]، أن الشيطان قال لهما: سميا ولدكما عبد الحارث، فهل لأحد يعرف الله ودينه أن يتوهم عليهما الإشراك بالله مع النبوة والمكان من الله؟! فقد سمى فعلهما شركاً وليس هو الشرك بالله. هذه القصة ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه يقول: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف:189]، ظاهر السياق أنه في آدم وحواء، فقوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف:189] هي آدم وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:1] هي حواء لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189] أي: ليسكن آدم إلى زوجه فَلَمَّا تَغَشَّاهَا [الأعراف:189] يعني: جامعها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:189].

دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً، يعني: ولداً حليماً مستوي الخلقة لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:189] فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190] ، ذكر المفسرون في تفسير هذه الآية أثراً عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الشيطان جاء لهما لما حملت حواء وقال لهما: سمياه عبد الحارث؛ لئن لم تسميه عبد الحارث لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقها، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتاً ثم حملت المرة الثانية فأتاهما فقال لهما مثل ذلك، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت في المرة الثالثة فقال لهما مثل ذلك فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث.

تفسير قوله تعالى: (فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما ... )

جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الشيطان جاء إلى آدم وحواء لما حملت حواء وقال لهما: سمياه عبد الحارث، لئن لم تسمياه عبد الحارث لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقك، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت المرة الثانية فأتاهما فقال لهما مثل ذلك، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت في المرة الثالثة فقال لهما مثل ذلك، فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث، فذلك قول الله تعالى: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190].

قوله: (شركاء) يعني: شركاء في التسمية والطاعة، وليس شركاً في العبادة، وهذه القصة من أخبار بني إسرائيل لا تثبت، لكن روي عن الحسن وغيره قال: أشفقا أن يكون بهيمة، وقال بعضهم: شركاء في التسمية والطاعة وليس في العبادة، وكون هذه القصة لا تثبت فالآية كافية لمن تدبرها وتأملها فإنها ظاهرة في آدم وحواء.

قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف:189] هي آدم وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189] هي حواء، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا [الأعراف:189] جامعها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ [الأعراف:189] ثقل الحمل في بطنها دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا [الأعراف:189] يعني: إنساناً مستوياً سليم الأعضاء لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:189-190].

أما قوله تعالى: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190] فهو انتقال من الشخص إلى جنس الذرية، وقال بعض العلماء: إن الآية في الجنس لا في آدم، لكن الصواب: أنها في آدم وحواء، وهذا هو الظاهر من الآية، والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ذكرها في كتاب التوحيد في باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190] وذكر أثر ابن عباس بصرف النظر عن كونه ثابتاً أو غير ثابت، وذكر الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب تيسير العزيز الحميد: أن الآية صريحة في أن القصة في آدم وحواء، وأن على هذا تفاسير السلف، وأن إنكار كون الآية في آدم وحواء مكابرة وعدول عن تفاسير السلف إلى تفاسير أهل البدع.

ومن العلماء من قال: إنها ليست في آدم وحواء، وإنما هي في جنس بني آدم، وذهب إلى هذا فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في كتابه القول المفيد، وقال: إنه لا يمكن أن يقع الشرك من آدم، والأنبياء معصومون من الشرك، ولو كان وقع الشرك لذكر الله توبتهما منه كما ذكر توبتهما من الأكل من الشجرة.

والصواب والذي يظهر لي: أنها في آدم وحواء، وأن هذا شرك في التسمية، وقع منهم الذنب في التسمية كما وقع الذنب في الأكل من الشجرة، ولهذا قال العلماء: إن من ينكر وقوعهما في طاعة الشيطان في التسمية كيف يغفل عن معصيتهما في المرة الأولى، فهما وقعا في المعصية وأكلا من الشجرة، وسول لهما مرة أخرى وأطاعاه في التسمية، فهو شرك في التسمية لا شرك في العبادة.

أما قوله: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190] فهذا في الذرية، فهو انتقال من الشخص إلى الجنس, والشرك في هذه الآية ليس شركاً في العبادة والتوحيد، وإنما هو شرك في الطاعة والتسمية، وهو لا يمنع وقوعهما منهما كما وقعت المعصية منهما في أول الأمر، والمؤلف رحمه الله ذهب إلى أنها في آدم وحواء وقال: (فمن الشاهد على الشرك في التنزيل قول الله تعالى في آدم وحواء عند كلام إبليس... ثم قال: وإنما هو في التأويل: أن الشيطان قال لهما: سميا ولدكما عبد الحارث، فهل لأحد يعرف الله ودينه أن يتوهم عليهما الإشراك بالله مع النبوة؟!) فالمقصود: أن الله أخبر أنه وقع منهما الشرك، وآدم نبي عليه الصلاة والسلام، فهل يتوهم أحد وقوع الشرك الأكبر منه، والأنبياء معصومون من الشرك الأكبر وفيما يبلغون عن الله؟

قوله: (فقد سمى فعلهما شركاً وليس هو الشرك بالله)، يعني: هو شرك أصغر، شرك في الطاعة والتسمية ينافي كمال التوحيد.

فالشرك الذي وقع من الأبوين شرك في طاعة الشيطان في التسمية، فإنما سمياه عبد الحارث وليس شركاً في العبادة، ولهذا استدل المؤلف رحمه الله بهذه الآية على أن بعض المعاصي تسمى شركاً كقوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) فكما سمى الحلف بغير الله شركاً، فكذلك سمى ما وقع من الأبوين شركاً في التسمية وهو شرك أصغر، ويكون قد تابا منه، فهذا مثال في الشرك الذي لا يخرج من الملة.

مثال من السنة على تسمية بعض الذنوب شركاً

قال المؤلف رحمه الله: [ وأما الذي في السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر)، فقد فسر لك بقوله: (الأصغر) أن هاهنا شركاً سوى الذي يكون به صاحبه مشركاً بالله ].

هذا مثال من السنة على تسمية بعض الذنوب شركاً وليس شركاً في العبادة، وإنما هو كبيرة من الكبائر وسمي شركاً، وهو الرياء: (أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر).

والمؤلف يشير إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الرياء، يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه)، فالرياء شرك أصغر، وكذلك الحلف بغير الله شرك أصغر، فبعض الذنوب تسمى شركاً ولا يكون ذلك شركاً في العبادة.

قال المؤلف رحمه الله: [ ومنه قول عبد الله : الربا بضع وستون باباً، والشرك مثل ذلك ].

أي: أن الشرك مثل الربا أبوابه كثيرة، والحديث أخرجه البزار من حديث ابن مسعود ولا بأس بسنده.

بيان وجه الدلالة من النصوص السابقة وتوجيهها

قال المؤلف رحمه الله: [ فقد أخبرك أن في الذنوب أنواعاً كثيرة تسمى بهذا الاسم، وهي غير الإشراك التي يتخذ لها مع الله إلهاً غيره ].

هذا بيان وجه الدلالة من هذه النصوص، يقول: هناك ذنوب كثيرة سميت شركاً، منها: ما وقع من الأبوين، ومنها: الرياء، ومنها: الحلف بغير الله، ومنها ما جاء في حديث ابن مسعود أن الربا بضع وستون باباً، والشرك مثل ذلك، يعني: هو بضع وستون باباً، وهي ذنوب سميت شركاً.

قوله: (وهي غير الإشراك الذي يتخذ لها مع الله إلهاً غيره) يعني: غير الشرك الأكبر الذي يكون شركاً في العبادة ويخرج من الملة، وإنما هي معاص وكبائر سميت شركاً، فهي تضعف الإيمان وتنقصه، ولا يخرج صاحبها عن اسم الإيمان بل يبقى اسم الإيمان عليه كسائر المعاصي، فإذا ارتكب كبيرة، زنا أو سرق أو شرب الخمر أو عق والديه أو قطع رحمه أو شهد زوراً أو حلف بغير الله فإن إيمانه يكون ضعيفاً ناقصاً، ولن ينتهي إلا إذا فعل الشرك الأكبر، فالمؤلف يبين أن بعض الذنوب تسمى شركاً ولا يخرج صاحبها عن الإيمان، وإن كانت أكبر من الكبائر، ولذلك ما سميت شركاً وكفراً أكبر من الكبائر إلا لأنها لا تخرج من الملة؛ لأنها ليست شركاً في العبادة ولا ناقضاً من نواقض الإسلام.

قال المؤلف رحمه الله: [ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فليس لهذه الأبواب عندنا وجوه إلا أنها أخلاق المشركين وتسميتهم وسننهم وألفاظهم وأحكامهم ونحو ذلك من أمورهم ].

سبق الكلام أن الأصل في هذا أن يقال: إن هذه النصوص تفيد الوعيد والزجر وأنها من الكبائر، وما سميت شركاً أو كفراً فهو أصغر لا يخرج من الملة ما لم يكن شركاً في العبادة أو ناقضاً من نواقض الإسلام، فإذا حلف بغير الله يكون إيمانه ناقصاً وضعيفاً، لكن لا يخرج من الإيمان ولا ينتهي إيمانه إلا بالشرك الأكبر.

جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الشيطان جاء إلى آدم وحواء لما حملت حواء وقال لهما: سمياه عبد الحارث، لئن لم تسمياه عبد الحارث لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقك، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت المرة الثانية فأتاهما فقال لهما مثل ذلك، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت في المرة الثالثة فقال لهما مثل ذلك، فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث، فذلك قول الله تعالى: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190].

قوله: (شركاء) يعني: شركاء في التسمية والطاعة، وليس شركاً في العبادة، وهذه القصة من أخبار بني إسرائيل لا تثبت، لكن روي عن الحسن وغيره قال: أشفقا أن يكون بهيمة، وقال بعضهم: شركاء في التسمية والطاعة وليس في العبادة، وكون هذه القصة لا تثبت فالآية كافية لمن تدبرها وتأملها فإنها ظاهرة في آدم وحواء.

قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف:189] هي آدم وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189] هي حواء، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا [الأعراف:189] جامعها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ [الأعراف:189] ثقل الحمل في بطنها دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا [الأعراف:189] يعني: إنساناً مستوياً سليم الأعضاء لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:189-190].

أما قوله تعالى: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190] فهو انتقال من الشخص إلى جنس الذرية، وقال بعض العلماء: إن الآية في الجنس لا في آدم، لكن الصواب: أنها في آدم وحواء، وهذا هو الظاهر من الآية، والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ذكرها في كتاب التوحيد في باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190] وذكر أثر ابن عباس بصرف النظر عن كونه ثابتاً أو غير ثابت، وذكر الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب تيسير العزيز الحميد: أن الآية صريحة في أن القصة في آدم وحواء، وأن على هذا تفاسير السلف، وأن إنكار كون الآية في آدم وحواء مكابرة وعدول عن تفاسير السلف إلى تفاسير أهل البدع.

ومن العلماء من قال: إنها ليست في آدم وحواء، وإنما هي في جنس بني آدم، وذهب إلى هذا فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في كتابه القول المفيد، وقال: إنه لا يمكن أن يقع الشرك من آدم، والأنبياء معصومون من الشرك، ولو كان وقع الشرك لذكر الله توبتهما منه كما ذكر توبتهما من الأكل من الشجرة.

والصواب والذي يظهر لي: أنها في آدم وحواء، وأن هذا شرك في التسمية، وقع منهم الذنب في التسمية كما وقع الذنب في الأكل من الشجرة، ولهذا قال العلماء: إن من ينكر وقوعهما في طاعة الشيطان في التسمية كيف يغفل عن معصيتهما في المرة الأولى، فهما وقعا في المعصية وأكلا من الشجرة، وسول لهما مرة أخرى وأطاعاه في التسمية، فهو شرك في التسمية لا شرك في العبادة.

أما قوله: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190] فهذا في الذرية، فهو انتقال من الشخص إلى الجنس, والشرك في هذه الآية ليس شركاً في العبادة والتوحيد، وإنما هو شرك في الطاعة والتسمية، وهو لا يمنع وقوعهما منهما كما وقعت المعصية منهما في أول الأمر، والمؤلف رحمه الله ذهب إلى أنها في آدم وحواء وقال: (فمن الشاهد على الشرك في التنزيل قول الله تعالى في آدم وحواء عند كلام إبليس... ثم قال: وإنما هو في التأويل: أن الشيطان قال لهما: سميا ولدكما عبد الحارث، فهل لأحد يعرف الله ودينه أن يتوهم عليهما الإشراك بالله مع النبوة؟!) فالمقصود: أن الله أخبر أنه وقع منهما الشرك، وآدم نبي عليه الصلاة والسلام، فهل يتوهم أحد وقوع الشرك الأكبر منه، والأنبياء معصومون من الشرك الأكبر وفيما يبلغون عن الله؟

قوله: (فقد سمى فعلهما شركاً وليس هو الشرك بالله)، يعني: هو شرك أصغر، شرك في الطاعة والتسمية ينافي كمال التوحيد.

فالشرك الذي وقع من الأبوين شرك في طاعة الشيطان في التسمية، فإنما سمياه عبد الحارث وليس شركاً في العبادة، ولهذا استدل المؤلف رحمه الله بهذه الآية على أن بعض المعاصي تسمى شركاً كقوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) فكما سمى الحلف بغير الله شركاً، فكذلك سمى ما وقع من الأبوين شركاً في التسمية وهو شرك أصغر، ويكون قد تابا منه، فهذا مثال في الشرك الذي لا يخرج من الملة.

قال المؤلف رحمه الله: [ وأما الذي في السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر)، فقد فسر لك بقوله: (الأصغر) أن هاهنا شركاً سوى الذي يكون به صاحبه مشركاً بالله ].

هذا مثال من السنة على تسمية بعض الذنوب شركاً وليس شركاً في العبادة، وإنما هو كبيرة من الكبائر وسمي شركاً، وهو الرياء: (أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر).

والمؤلف يشير إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الرياء، يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه)، فالرياء شرك أصغر، وكذلك الحلف بغير الله شرك أصغر، فبعض الذنوب تسمى شركاً ولا يكون ذلك شركاً في العبادة.

قال المؤلف رحمه الله: [ ومنه قول عبد الله : الربا بضع وستون باباً، والشرك مثل ذلك ].

أي: أن الشرك مثل الربا أبوابه كثيرة، والحديث أخرجه البزار من حديث ابن مسعود ولا بأس بسنده.

قال المؤلف رحمه الله: [ فقد أخبرك أن في الذنوب أنواعاً كثيرة تسمى بهذا الاسم، وهي غير الإشراك التي يتخذ لها مع الله إلهاً غيره ].

هذا بيان وجه الدلالة من هذه النصوص، يقول: هناك ذنوب كثيرة سميت شركاً، منها: ما وقع من الأبوين، ومنها: الرياء، ومنها: الحلف بغير الله، ومنها ما جاء في حديث ابن مسعود أن الربا بضع وستون باباً، والشرك مثل ذلك، يعني: هو بضع وستون باباً، وهي ذنوب سميت شركاً.

قوله: (وهي غير الإشراك الذي يتخذ لها مع الله إلهاً غيره) يعني: غير الشرك الأكبر الذي يكون شركاً في العبادة ويخرج من الملة، وإنما هي معاص وكبائر سميت شركاً، فهي تضعف الإيمان وتنقصه، ولا يخرج صاحبها عن اسم الإيمان بل يبقى اسم الإيمان عليه كسائر المعاصي، فإذا ارتكب كبيرة، زنا أو سرق أو شرب الخمر أو عق والديه أو قطع رحمه أو شهد زوراً أو حلف بغير الله فإن إيمانه يكون ضعيفاً ناقصاً، ولن ينتهي إلا إذا فعل الشرك الأكبر، فالمؤلف يبين أن بعض الذنوب تسمى شركاً ولا يخرج صاحبها عن الإيمان، وإن كانت أكبر من الكبائر، ولذلك ما سميت شركاً وكفراً أكبر من الكبائر إلا لأنها لا تخرج من الملة؛ لأنها ليست شركاً في العبادة ولا ناقضاً من نواقض الإسلام.

قال المؤلف رحمه الله: [ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فليس لهذه الأبواب عندنا وجوه إلا أنها أخلاق المشركين وتسميتهم وسننهم وألفاظهم وأحكامهم ونحو ذلك من أمورهم ].

سبق الكلام أن الأصل في هذا أن يقال: إن هذه النصوص تفيد الوعيد والزجر وأنها من الكبائر، وما سميت شركاً أو كفراً فهو أصغر لا يخرج من الملة ما لم يكن شركاً في العبادة أو ناقضاً من نواقض الإسلام، فإذا حلف بغير الله يكون إيمانه ناقصاً وضعيفاً، لكن لا يخرج من الإيمان ولا ينتهي إيمانه إلا بالشرك الأكبر.

أحوال الحكم بغير ما أنزل الله

قال المؤلف رحمه الله: [ وأما الفرقان فالشاهد عليه بالتنزيل: قول الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].

وقال ابن عباس : ليس بكفر ينقل عن الملة، وقال عطاء بن أبي رباح : كفر دون كفر، فقد تبين لنا أنه كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله وإن خالطه ذنوب، فلا معنى له إلا خلاف الكفار وسنتهم على ما أعلمتك من الشرك سواء؛ لأن من سنن الكفار الحكم بغير ما أنزل الله، ألا تسمع قوله: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]، تأويله عند أهل التفسير: أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية، إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون ].

هنا قوله: (وأما الفرقان) فلعله (وأما الكفر)، وقوله: (فقد تبين أنه كان) الأصح (فقد تبين لنا إذ كان)، وقوله: (إلا خلاف الكفار وسنتهم) الأصح (إلا أخلاق الكفار).

هذا مثال للكفر الذي لا يخرج من الملة، مثله المؤلف رحمه الله بقول الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، واستدل بتفسير ابن عباس وتفسير عطاء ، قال ابن عباس في هذه الآية الكريمة: ليس بكفر ينقل عن الملة، وكمال كلام ابن عباس ولم يذكره المؤلف قوله: ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعله فهو فيه أو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر، هذا تكملة الأثر عند ابن عباس ، وقال عطاء بن أبي رباح : (كفر دون كفر) على هذا يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر.

والصواب: أن الآية محتملة للكفر الأكبر والكفر الأصغر على حسب الحاكم واعتقاده، فإن حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الحكم بما أنزل الله لا يناسب العصر، وأنه لا يناسب العصر إلا الحكم بالقوانين الوضعية فإن هذا كفر أكبر يخرج عن الملة، وكذا إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الحكم بما أنزل الله مماثل الحكم بالقوانين والآراء وأنهما سيان، وأن الإنسان مخير بين أن يحكم بما أنزل الله أو يحكم بالقوانين والآراء فهذا كفر أكبر يخرج من الملة، وكذا إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الحكم بما أنزل الله أحسن وأفضل إلا أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا أيضاً كفر أكبر يخرج من الملة؛ لأنه استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه، والحكم بغير ما أنزل الله حرام بالإجماع، فإذا استحله ورأى أن الحكم بالقوانين والآراء جائز صار كافراً كفراً أكبر، ولو اعتقد أن الحكم بما أنزل الله أحسن، وكذلك إذا حكم بغير ما أنزل الله واستهان بحكم الله، وكذا إذا بدل الدين رأساً على عقب.

فالمقصود: أن الآية محتملة للكفر الأكبر والأصغر، والمؤلف رحمه الله مثل بها للكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة وأنه ينافي الإيمان، ولهذا علق عليها فقال: (فقد تبين لنا إذ كان) يعني الحكم بغير ما أنزل الله (إذ كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله) يعني: أن من حكم بغير ما أنزل الله يكون دينه باق وإيمانه باق ولا يخرج من الملة ولا ينتهي إيمانه؛ لأنه لم يفعل شركاً في العبادة ولم يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام، وإنما فعل كبيرة من كبائر الذنوب وإن سميت كفراً، إلا أنها لا تخرج من الملة، فيكون إيمانه ضعيفاً وناقصاً، ويكون فاسقاً بهذا العمل لكنه لا يخرج من الملة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فقد تبين لنا إذ كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله وإن خالطه ذنوب، فلا معنى له إلا أخلاق الكفار وسنتهم على ما أعلمتك من الشرك سواء؛ لأن من سنن الكفار الحكم بغير ما أنزل الله، ألا تسمع قوله عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]، تأويله عند أهل التفسير أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية، إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون) فالمعنى: أنه لا يخرج من الملة، وإن ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب وكفراً أصغر لا يخرج من الملة ولا ينتهي إيمانه بذلك، بل يكون إيمانه ضعيفاً وناقصاً، ويفسق بهذا العمل إلا أنه لا يكفر كفراً يخرج من الملة.

قال المؤلف رحمه الله: [ وأما الفرقان فالشاهد عليه بالتنزيل: قول الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].

وقال ابن عباس : ليس بكفر ينقل عن الملة، وقال عطاء بن أبي رباح : كفر دون كفر، فقد تبين لنا أنه كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله وإن خالطه ذنوب، فلا معنى له إلا خلاف الكفار وسنتهم على ما أعلمتك من الشرك سواء؛ لأن من سنن الكفار الحكم بغير ما أنزل الله، ألا تسمع قوله: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]، تأويله عند أهل التفسير: أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية، إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون ].

هنا قوله: (وأما الفرقان) فلعله (وأما الكفر)، وقوله: (فقد تبين أنه كان) الأصح (فقد تبين لنا إذ كان)، وقوله: (إلا خلاف الكفار وسنتهم) الأصح (إلا أخلاق الكفار).

هذا مثال للكفر الذي لا يخرج من الملة، مثله المؤلف رحمه الله بقول الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، واستدل بتفسير ابن عباس وتفسير عطاء ، قال ابن عباس في هذه الآية الكريمة: ليس بكفر ينقل عن الملة، وكمال كلام ابن عباس ولم يذكره المؤلف قوله: ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعله فهو فيه أو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر، هذا تكملة الأثر عند ابن عباس ، وقال عطاء بن أبي رباح : (كفر دون كفر) على هذا يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر.

والصواب: أن الآية محتملة للكفر الأكبر والكفر الأصغر على حسب الحاكم واعتقاده، فإن حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الحكم بما أنزل الله لا يناسب العصر، وأنه لا يناسب العصر إلا الحكم بالقوانين الوضعية فإن هذا كفر أكبر يخرج عن الملة، وكذا إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الحكم بما أنزل الله مماثل الحكم بالقوانين والآراء وأنهما سيان، وأن الإنسان مخير بين أن يحكم بما أنزل الله أو يحكم بالقوانين والآراء فهذا كفر أكبر يخرج من الملة، وكذا إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الحكم بما أنزل الله أحسن وأفضل إلا أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا أيضاً كفر أكبر يخرج من الملة؛ لأنه استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه، والحكم بغير ما أنزل الله حرام بالإجماع، فإذا استحله ورأى أن الحكم بالقوانين والآراء جائز صار كافراً كفراً أكبر، ولو اعتقد أن الحكم بما أنزل الله أحسن، وكذلك إذا حكم بغير ما أنزل الله واستهان بحكم الله، وكذا إذا بدل الدين رأساً على عقب.

فالمقصود: أن الآية محتملة للكفر الأكبر والأصغر، والمؤلف رحمه الله مثل بها للكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة وأنه ينافي الإيمان، ولهذا علق عليها فقال: (فقد تبين لنا إذ كان) يعني الحكم بغير ما أنزل الله (إذ كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله) يعني: أن من حكم بغير ما أنزل الله يكون دينه باق وإيمانه باق ولا يخرج من الملة ولا ينتهي إيمانه؛ لأنه لم يفعل شركاً في العبادة ولم يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام، وإنما فعل كبيرة من كبائر الذنوب وإن سميت كفراً، إلا أنها لا تخرج من الملة، فيكون إيمانه ضعيفاً وناقصاً، ويكون فاسقاً بهذا العمل لكنه لا يخرج من الملة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فقد تبين لنا إذ كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله وإن خالطه ذنوب، فلا معنى له إلا أخلاق الكفار وسنتهم على ما أعلمتك من الشرك سواء؛ لأن من سنن الكفار الحكم بغير ما أنزل الله، ألا تسمع قوله عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]، تأويله عند أهل التفسير أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية، إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون) فالمعنى: أنه لا يخرج من الملة، وإن ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب وكفراً أصغر لا يخرج من الملة ولا ينتهي إيمانه بذلك، بل يكون إيمانه ضعيفاً وناقصاً، ويفسق بهذا العمل إلا أنه لا يكفر كفراً يخرج من الملة.

قال المؤلف رحمه الله: [ وهكذا قوله: (ثلاثة من أمر الجاهلية: الطعن في الأنساب والنياحة، والأنواء) ].

هذا الحديث يدل على أن من فعل هذه الثلاثة أو واحداً منها يكون مرتكباً لكبيرة؛ لأنه فعل فعلاً من أفعال الجاهلية التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (الطعن في الأنساب) يعني: عيبها وتنقصها وذمها.

قوله: (والنياحة) هي: رفع الصوت بالبكاء على الميت والندب، وتعداد محاسن الميت.

قوله: (والأنواء) يعني: الاستسقاء بالأنواء وهي: النجوم، بمعنى نسبة المطر والسقي إلى النجوم والأنواء على أنها سبب، فهذا شرك وكفر أصغر، وهو من أعمال الجاهلية، لكنه لا يخرج به من الملة، مثل قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب, والاستسقاء بالنجوم, والنياحة على الميت)، وهذا الحديث يفيد فائدتين:

الفائدة الأولى: أن هذه الأمور واقعة في هذه الأمة، فهي علم من أعلام النبوة وأنه رسول الله حقاً.

والفائدة الثانية: التحذير من فعل هذه الأشياء، وأنه ينبغي للمسلم أن يحذرها ولا يفعل شيئاً منها.

قال المؤلف رحمه الله: [ ومثله الحديث الذي يروى عن جرير وأبي البختري الطائي : ثلاثة من سنة الجاهلية: النياحة، وصنعة الطعام، وأن تبيت المرأة في أهل الميت من غيرهم ].

أما النياحة فالأحاديث فيها كثيرة في أنها من كبائر الذنوب ومن أعمال الجاهلية، وكذلك صنعة الطعام والاجتماع كما قال جرير بن عبد الله البجلي رحمه الله: كنا نعد الاجتماع عند الميت وصنعة الطعام من النياحة، وأما مبيت المرأة في أهل الميت فيحتاج إلى النظر في ثبوت هذا الحديث.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [2] 1899 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [14] 1831 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [9] 1751 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [8] 1744 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [10] 1660 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [11] 1654 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [5] 1612 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [6] 1437 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [1] 1291 استماع
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [4] 1239 استماع