فقه الصلاة أحكام العيدين


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم! علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

أما بعد:

فسنتكلم بعون الله تعالى في هذا المقام بكلام سهل ميسر، لا يحتاج إلى إمعان نظر أو فكر، بل أدلته واضحة بينة، سنتكلم عن أحكام العيدين، ونبدأ بتعريف العيد فنقول:

سمي العيد عيداً؛ لعوده وتكرره؛ فهو يتكرر في كل عام، وقيل: لعوده بالسرور، وقيل: تفاؤلاً ليعود على من أدركه، مثلما سمى العرب الصحراء مفازة تفاؤلاً بأن سالكها سيفوز، مع أن الصحراء مظنة الهلاك، ومثلما سمى العرب الضرير بصيراً، والعليل صحيحاً، تفاؤلاً بأنه سيبصر أو أنه سيصح، فكذلك سموا العيد عيداً تفاؤلاً بأنه سيعود على من أدركه، ومثلما سميت القافلة تفاؤلاً بأن يقفل أصحابها، أي: يرجع من سافروا فيها.

وليس للمسلمين إلا عيدان كلاهما عقيب عبادة: عيد الفطر بعد عبادة الصيام، وعيد النحر في ختام العشر الأولى من ذي الحجة، والتي يكون فيها الحج، ومعلوم أنه لا يحج من المسلمين إلا قليل، فالباقون يشغلون أنفسهم بالأعمال الصالحة، لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من أيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء).

قد تقدم معنا الكلام مراراً: أن جميع مسائل الشرع لا تخلو من خمسة أحكام، وهي: الوجوب، والندب والإباحة، والكراهة، والتحريم، فإذا سئلت عن حكم شرب اللبن فقل: الإباحة، وإذا سئلت عن حكم صلاة الجمعة، فقل: الوجوب، وإذا سئلت عن الركعتين بعد صلاة العشاء فقل: الندب أو الاستحباب أو السنية، وإذا سئلت عن النوم على البطن، فقل: مكروه، وإذا سئلت عن شرب الخمر فقل: حرام.

ونحن نتكلم عن حكم صلاة العيد، أي: عيد الفطر وعيد النحر، ولا نقصد عيد الشجرة، أو عيد الحب، أو عيد الأم، أو عيد الجلاء، أو عيد الفاتح من سبتمبر أو بقية الأعياد.

فحكم صلاة العيد: أنها سنة مؤكدة، وهذا مذهب مالك و الشافعي رحمة الله عليهما، واستدلا على ذلك بالقرآن والسنة والإجماع، فدليل الكتاب قول ربنا العزيز الوهاب: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[الكوثر:2]، فمعنى: صل لربك أي: صلاة العيد، وانحر أي: نسكك بعد الصلاة، فهي مرتبة هكذا.

رتب الرسول صلى الله عليه وسلم كما رتب القرآن، فإنه لما كان غادياً إلى صلاة العيد شم رائحة شواء، فسأل عليه الصلاة والسلام: (ما هذا؟ فقالوا: أبو بردة نحر) أي: أن أحد الصحابة استعجل وذبح، فقال عليه الصلاة والسلام: (مروه فليذبح مكانها أخرى، ثم قال: إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نغدو إلى مصلانا ثم نرجع فننحر نسكنا، فمن فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما شاته شاة لحم ليست من النسك في شيء)، فهذا السنية من السنة.

وإن قال أحد: قوله تعالى: فَصَلِّ )) أمر، والأمر يقتضي الوجوب، فنقول: نعم، لكن هذا الأمر صرف عن الوجوب إلى الندب بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على عباده، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة).

ومعنى ذلك: أنه ليس من الصلوات فرض إلا الخمس المكتوبات.

وإنما قلنا بأن صلاة العيد سنة مؤكدة: لمواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده عليها.

ولحديث أبي سعيد : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم).

وأما من الإجماع: فقد حكى أبو محمد بن حزم الاتفاق على أنها ليست بفرض، إذاً: فهي سنة، مع أن هذا الإجماع ليس مسلماً به؛ لأن بعض العلماء يحكي مسائلاً على أنها إجماع، وليس فيها إجماع، والخلاف فيها مشهور، وأكثر من يفعل ذلك الإمام الحجة أبو عمر بن عبد البر القرطبي المالكي رحمة الله عليه، فدائماً يقول: وأجمعوا على كذا ولا يكون هناك إجماع، وكذلك ابن المنذر رحمه الله في كتاب الإجماع يقول: وأجمعوا وأجمعوا واتفقوا واتفقوا وهو يعني بذلك الجمهور، ولكن يقول: في المسألة من خالف.

وأما حكم صلاة العيد فالخلاف فيه قوي: فقد ذهب الحنابلة إلى: أنها فرض كفاية، وذهب الإمام أبو حنيفة و أبي العباس بن تيمية إلى: أنها فرض على الأعيان، أي: مثل صلاة الجمعة، واستدلوا على ذلك بأمور:

أولاً: بما ثبت في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر نساءه أن يخرجن لصلاة العيد، حتى أمر الحيض وذوات الخدور أن يخرجن وقال: من لم يكن عندها جلباب فلتعرها أختها).

فلم يستثنِ الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم العيد أحداً، وأمر النساء حتى الحيض منهن أن يخرجن، وأمر الحيض بأن يعتزلن المصلى، أي: يبتعدن قليلاً عن الناس الذين يصلون، حتى يشهدن الخير ودعوة المسلمين، وأمر ذوات الخدور، وذوات الخدور: هن الفتيات الشابات، يقال لهن: ذوات الخدور، ويقال لهن: المخدرات، أي: المستورات، فهن دائماً يجلسن في الخدر، وخلف الستر، فمثلاً لو طرق الباب طارق الذي يفتح الباب زوجتك أو العجوز وليس ابنتك الشابة، فإنها تكون مخدرة، أما الأشياء القبيحة التي يتناولها الناس فلا يطلق عليها مُخَدَرات وإنما مُخَدِرات-بكسر الدال-؛ لأنها تخدر الناس، أما هؤلاء فإنهن مُخدرات -بفتح الدال-؛ لأنهن يجلسن في الخدور، ومنه الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها) أي: في سترها.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء حتى من كانت حائضاً، وليس عندها جلباب يليق بالصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: (لتعرها أختها) وتعرها: من الإعارة، أي: تسلفها، فكون النبي صلى الله عليه وسلم ما عفا أحداً فهذا دليل على فرضيتها ووجوبها.

ثانياً: مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين عليها.

ثالثاً: أنها من شعائر الدين الظاهرة، بحيث يقاتل أهل بلد تواطئوا على تركها، فمثلاً: لو قال أهل بلد: نحتفل بالعيد ونلبس الجديد، ولكن لا نصلي صلاة العيد، فهؤلاء يحاسبون، مثلما لو تمالئوا على ترك الأذان، وقالوا: كان هذا الأذان عندما لم يكن للناس ساعات، أما الآن فعندهم ساعات، فما عادوا يحتاجون إليه، وصلوا بغير أذان، فإنهم يقاتلون؛ لأن هذه من شعائر الدين الظاهرة، ويميز بين دار الإسلام ودار الكفر بهذه الشعائر.

فمثلاً: لو نزلت لندن أو فرانكفورت فلن تسمع أذاناً، لكن لو نزلت الخرطوم أو القاهرة أو المدينة فستسمع الأذان في كل مكان، ولو أنك حضرت العيد في إحدى ديار الكفر فلن تشعر أن اليوم يوم عيد، لكن لو نزلت في بلد من بلاد الإسلام -رغم بعد الناس عن الإسلام الآن- إلا أنك تشعر بأن اليوم عيد من كثرة المكبرين والمهللين، وظهور البِشْر والسرور على وجوه الناس، وما يلبسونه من ثياب حسنة تشعر بأن عيداً قد حل على الناس.

وكلام الإمام ابن حزم رحمة الله عليه في أن الإجماع منعقد على أن صلاة العيد ليست فرضاً، غير مسلم له به، فالخلاف مشهور، وقد خالف ما ادعاه من الإجماع على عدم الفرضية أئمة كبار، كالإمام أبي حنيفة في قوله بأنها فرض عين، وكالإمام أحمد في قوله بأنها فرض كفاية.

أما القائلون: بأنها سنة مؤكدة فهم المالكية والشافعية رحمة الله على الجميع.

صلاة العيد بالاتفاق ركعتان، وقد حكى النووي : الإجماع على ذلك، والأصل في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم)، فالصبح والجمعة والأضحى والفطر والسفر كلها ركعتان تمام غير قصر.

أوله: إذا ارتفعت الشمس وحلت السبحة أي: جازت، والسبحة هي: النافلة، ومنه قول الصحابي: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب ثم صلى العشاء ولم يسبح بينهما شيئاً) أي: لم يتنفل.

ومنه أيضاً حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على راحلته في السفر: يومئ بركوعه وسجوده حيث ما توجهت به)، فمعنى: يسبح على راحلته أي: يتنفل، أما صلاة الفريضة فلا تكون إلا على الأرض، فالسبحة هنا معناها: النافلة، وتحل النافلة إذا طلعت الشمس ورؤيت من وراء البيوت، أي: ما بعد طلوع الشمس بعشر دقائق أو ربع ساعة، وبعد ذلك يجوز للناس أن يتنفلوا. فأوله: إذا ارتفعت الشمس وحلت السبحة وفوق ذلك قليلاً.

وآخره: إذا زالت الشمس من يوم العيد، أي: مالت ناحية المغرب؛ لأنه معروف أن الشمس تطلع من جهة المشرق، فيبدو للإنسان ظل طويل في جهة المغرب، ثم بعد ذلك كلما ارتفعت الشمس كلما تقلص حجم الظل، وساعة استوائها في كبد السماء يكون الإنسان ليس عنده ظل، فإذا بدأ الظل في الزيادة عرفنا أن الشمس قد زالت ودخل وقت صلاة الظهر، فإذا صار ظلك مثلك فقد انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر، فإذا صار ظلك مثليك فقد دخل الوقت الضروري للظهر والعصر معاً، بحيث أنه من أخر الصلاة إلى ذلك الوقت من غير عذر صلاها، وأصحاب الأعذار هم: المريض، والمسافر، والناسي، وكذلك الحائض لو طهرت، والصبي لو احتلم، والمجنون لو عقل فنقول له: قم وصل الظهر والعصر.

وقوله: إذا زالت الشمس من يوم العيد، قال مالك : مضت السنة التي لا اختلاف فيها عندنا -أي: عند أهل المدينة- في وقت الفطر والأضحى: أن الإمام يخرج من منزله قدر ما يبلغ مصلاه وقد حلت الصلاة، أي: جازت.

ولو فات الناس وقت صلاة العيد فإنهم يقضونها في اليوم التالي.

أنواع الصلاة المقضية

وقضاء الصلاة على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: صلاة تقضى متى ما زال العذر، وهي الصلوات الخمس، فمن نام عن صلاة العصر صلاها متى استيقظ، وفي هذه الحالة يخطئ كثير من الناس، ويقولون: نصليها مع العصر غداً، قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي[طه:14]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) فالصلوات الخمس تقضى متى ما زال العذر، فلو تذكر إنسان أنه صلى من غير طهارة ناسياً، أو أنه صلى الصبح جنباً فنقول له: صلها الآن فوراً.

النوع الثاني: صلاة لا تقضى وهي الجمعة، بل تقضى ظهراً، فلو فاتت صلاة الجمعة فلا تقضي ركعتين باتفاق أهل العلم، بل تقضى ظهراً.

النوع الثالث: صلاة تقضى في مثل وقتها من اليوم الثاني، وهي صلاة العيد، فقد حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم صاموا يوم الثلاثين من رمضان، أي: تراءوا الهلال فما رأوه فأصبحوا صائمين، ثم بعدما زالت الشمس جاء بعض الناس من الأعراب وشهدوا بأنهم رأوا الهلال، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا، وواعدهم أن يخرجوا إلى المصلى غداً.

وقضاء الصلاة على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: صلاة تقضى متى ما زال العذر، وهي الصلوات الخمس، فمن نام عن صلاة العصر صلاها متى استيقظ، وفي هذه الحالة يخطئ كثير من الناس، ويقولون: نصليها مع العصر غداً، قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي[طه:14]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) فالصلوات الخمس تقضى متى ما زال العذر، فلو تذكر إنسان أنه صلى من غير طهارة ناسياً، أو أنه صلى الصبح جنباً فنقول له: صلها الآن فوراً.

النوع الثاني: صلاة لا تقضى وهي الجمعة، بل تقضى ظهراً، فلو فاتت صلاة الجمعة فلا تقضي ركعتين باتفاق أهل العلم، بل تقضى ظهراً.

النوع الثالث: صلاة تقضى في مثل وقتها من اليوم الثاني، وهي صلاة العيد، فقد حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم صاموا يوم الثلاثين من رمضان، أي: تراءوا الهلال فما رأوه فأصبحوا صائمين، ثم بعدما زالت الشمس جاء بعض الناس من الأعراب وشهدوا بأنهم رأوا الهلال، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا، وواعدهم أن يخرجوا إلى المصلى غداً.

يكبر الإمام والناس بعده في الركعة الأولى ستاً غير تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً غير تكبيرة القيام، أي: في الركعة الأولى سبعاً وفي الثانية ستاً، والأصل في ذلك حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة رضي الله عنه، فكبر في الركعة الأولى سبعاً قبل القراءة، وفي الآخرة خمساً قبل القراءة)، قال مالك رحمه الله: وهو الأمر عندنا أي: هذا هو المشهور، وإلا المسألة فيها خلاف.

قالت المالكية: وليس بين التكبير ذكر ولا دعاء، وإنما يسكت الإمام بقدر ما ينقطع تكبير من خلفه، يقول: الله أكبر، فإن قالوا: الله أكبر، فيقول ثانية: الله أكبر وهكذا.

وبعض الناس بين التكبيرتين يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم بعد ذلك يقول: الله أكبر، قال ابن مسعود : يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، رواه البيهقي و الطبراني في الكبير.

فلو وجدنا إنساناً يذكر الله بين التكبيرات لا ننكر عليه، فالأمر واسع، وأنا أذكر الخلاف دائماً من أجل أن تتسع الآفاق إن شاء الله، وقد حدث أن أحد إخواننا زار السودان قبل حين، فأنكر أن وجد الإمام لما قال: السلام عليكم قال كل الناس: السلام عليكم، بصوت عالٍ؛ لأنه ما رأى هذا في بلده، لكن في حقيقة الأمر هذا منصوص عليه عند المالكية، وهو: استحباب الجهر بتكبيرة الإحرام وتسليمة الختام، وأن من فضائل الصلاة الجهر بتكبيرة الإحرام وتسليمة الختام.

فحقيقةً لما ينشأ الإنسان في بلد معين وعلى مذهب معين يضيق أفقه فلا يتحمل الآخرين، وقد يكون الأمر فيه سعة. فمثلاً: ذكروا في بعض بلاد الله ممن أهلها أحناف: أنه صلى أحدهم وبجانبه رجل وأشار بأصبعه في التشهد فقام وكسرها؛ لأنه ضيق الأفق، وقد سمع من الفقهاء الأحناف بأن هذا عبث لا يليق بالصلاة، ونحن عرفنا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقبض على أصابعه كلها ويشير بسبابته عليه الصلاة والسلام، ولربما حلق بين الإبهام والوسطى وأشار بسبابته، لكنه لا يستسيغ هذا الكلام، بل ما سمعه من علمائه فهمه: أن يجاهد وهو في الصلاة فيكسر أصبع أخيه المسلم الذي هو أقرب إلى السنة منه.

وهناك أمور كثيرة ينكرها الناس وهي عين السنة، حتى أنه في مرة من المرات جاء أحد الناس زائراً إلى المدينة المنورة، وهو من أهل هذه البلاد، ومعروف أنه في المسجد النبوي بعد كل صلاة يؤتى بجنازة غالباً، وأحياناً أربعاً، وأحياناً تسعاً، فبعد كل صلاة يقوم الناس ليصلوا، والمؤذن يقول: الصلاة على الأموات، أو الصلاة على الرجل، أو على المرأة، فقام وقال لي: يا أخي! هؤلاء الناس يحاربون البدع، هذه الصلاة التي يصلونها بعد الفريضة ما الذي أتى بها؟ فقلت له: أما سمعت المؤذن يقول: الصلاة على المرأة؟ أي: صلاة الجنازة، فعلى الإنسان أن لا يتعجل الإنكار.

يقول أهل العلم: من ينكر المنكر لابد أن تتوفر فيه من ثلاثة شروط، هي كالآتي:

الشرط الأول: العلم، وبغير العلم قد ينكر الإنسان معروفاً، كالذي كسر أصبع الرجل، ومثل الذي أنكر الجهر بتسليمة التحليل، فالذي ينكر المنكر لابد أن يكون عالماً بما يأمر به وبما ينهى عنه، وعالم بأن الذي يأمر به معروف، وأن الذي ينهى عنه منكر، وإلا فالجاهل قد يأمر بمنكر وينهى عن معروف.

الشرط الثاني: أن يكون حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه، مثل الرسول صلى الله عليه وسلم: (لما أساء الرجل الصلاة وقال: السلام عليك يا رسول الله! قال: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل)، فأعاد الصلاة ثلاث مرات وفي كل مرة يسلم عليه فيرد عليه السلام ويقول له: ارجع فصل فإنك لم تصل.

الشرط الثالث: أن يكون صبوراً فيما يأمر به وينهى عنه، فمثلاً: إذا وجدت من يسب -والسبة قبيحة ولا تليق بأهل المروءة- فقل له: السب حرام واتق الله، وليس بالضرورة الانتهاء عن المنكر مباشرة فإنه يراه حسناً:

يقضى على المرء في أيام محنته

حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

لكن اصبر عليه، واجلس معه وسلم عليه غداً وإن سب، وبعد غد كذلك، وجرب معه أكثر من طريقة، فالمسلم لابد أن يصبر في أمره ونهيه، لكن بعض الناس دائماً يسلك مسلك الشدة وإن كانت المسألة حمالة أوجه.

أول سنن العيد: الغسل بعد صلاة الصبح؛ لحديث نافع : أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو للمصلى.

والأغسال المستحبة ستة: وهي غسل الجمعة، والعيدين، والإحرام، ودخول مكة، ويوم عرفة، وغسل من غسل ميتاً.

السنة الثانية: التطيب والتزين؛ لحديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد).

وجعفر هوابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، و محمد أبو جعفر هو: محمد الباقر ، و علي بن الحسين هو: زين العابدين ، و الحسين هو: الشهيد رضي الله عنه سيد شباب أهل الجنة، و علي بن أبي طالب هو ختن الرسول وزوج البتول، ومعنى: ختن الرسول، أي: صهره، وزوج البتول فاطمة رضي الله عن الجميع.

فيستحب للإنسان في يوم العيد أن يلبس من الثياب أحسنها، وأن يضع من الطيب ألطفه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس في كل عيد بردة حبرة، أي: مخططة، وكان يتخذ عليه الصلاة والسلام اللباس للعيد وللوفود، فإذا أتاه وفد لمقابلته كان يلبسه عليه الصلاة والسلام، وإلا فهو ذا سمت ووضاءة بأي لباس، كما قالت الصحابية: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك ترى الشمس طالعة، وكما قال أحد الصحابة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بدر وكانت ليلة الإضحيان -أي: ليلة مقمرة- فجعلت أنظر إلى القمر تارة وأنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم تارة فلهو أجمل في عيني من القمر عليه الصلاة والسلام، ولكنه كان من أدبه وسنته: أن يتخذ ليوم العيد ثياباً مخصوصة.

السنة الثالثة: المشي إليها -أي: إلى صلاة العيد-؛ لقول علي رضي الله عنه: من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً.

وقد تقدم أن قول الصحابي: من السنة كذا، أن له حكم الرفع، أي: كأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اخرجوا إليها ماشين، وهكذا يوم الجمعة فنقول: من لم يشق عليه المشي فعليه به، أما من يشق عليه فله أن يركب.

ويسن تأخر الإمام إلى وقت الصلاة، ودليله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى العيد فأول شيء يبدأ به الصلاة) رواه الشيخان، فصلاة العيد يسن للناس التبكير إليها، فبعد صلاة الفجر يمشي الإنسان إلى المصلى ثم ينشغل بالتكبير إلى أن يخرج الإمام، والإمام ليس من السنة في حقه أن يبكر، وإنما يخرج وقت الصلاة مباشرة، فإذا رآه الناس قاموا إلى صلاتهم، كما هو الحال في الجمعة، أي: من السنة أن يخرج الإمام من بيته إلى المنبر، وليس كما يظن بعض الأئمة: أن من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وفي الثانية بقرة ثم يقيس العيد عليه ، فنقول: هذا مثاب على نيته، ولكنه ليس مثاباً على عمله؛ لأن عمله مخالف للسنة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته إلى المنبر في يوم الجمعة، وكان يخرج من بيته إلى المصلى في يوم العيد.

السنة الرابعة: أن يرجع من طريق غير التي أتى منها؛ لحديث جابر رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق)، فإن قيل: إن الحكمة كثرة الخطى، قلنا: قد يكون الطريق الثاني أقل من الأول، إلا أن يقال: بأن الطريقين كلاهما أطول من الآخر، وهذا مستحيل، فلابد أن يكون أحدهما أطول من الآخر.

وقد قيل: إن الحكمة من ذلك: ليشهد له الطريقان، وقيل: ليشهد سكانهما من الجن والإنس، وقيل: ليسوي بينهما في مزية الفضل بمروره، هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست هناك ميزة لغيره، لكن الصحيح: أن الطريق الذي يمر منه النبي صلى الله عليه وسلم له مزية ولا شك في ذلك، وقيل: للتبرك به صلى الله عليه وسلم، أو لتشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها، وقيل: لإظهار شعار الإسلام فيهما، وقيل: لإظهار ذكر الله تعالى، وقيل: ليغيظ الكفار والمنافقين واليهود، وقيل: ليرهبهم لكثرة من معه من الرجال، وقيل: حذراً من كيد الطائفتين أو إحداهما، والطائفتين هما: اليهود والمنافقين، وهذا ضعيف؛ لأنه لو كان كذلك ما كرر المرور عليه الصلاة والسلام؛ لأنه معروف بعد الإسلام أنه قضي على اليهود، وقيل: فعل ذلك ليعم المسلمين بالسرور به، والتبرك بمروره ورؤيته، والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء أو التعليم أو الاقتداء أو الصدقة أو السلام عليه، وقيل: ليزور أقاربه الأحياء والأموات، أي: يزور ذهاباً وإياباً، وقيل: ليصل رحمه، وقيل: للتفاؤل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضى، وقيل: كان في ذهابه يتصدق عليه الصلاة والسلام، فإذا رجع لم يبق معه شيء، فيرجع من طريق آخر لئلا يرد من سأله، وهذا الذي قال هذا الكلام هل كان مع النبي صلى الله عليه وسلم؟! وهل راقب جيبه؟! فهل يعجز عليه الصلاة والسلام أن يقول: ليس عندي، فهذا في الحقيقة بعيد.

وكان بعض الناس يأتي ويطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اذهب إلى السوق والشيء الذي تشتريه علي قضاؤه، حتى مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأشفق على الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! ما كلفك الله؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال عمر رضي الله عنه، فقال أحد الأنصار: يا رسول الله! أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، فتهلل وجهه عليه الصلاة والسلام، وليس هناك كرم مثل هذا، فالكرم من الإنسان أن ينفق شيئاً مما عنده، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فينفق كل ما عنده، بل أكثر من ذلك إذا نفد ما عنده وأتاه من يسأله قال له: خذ، وعليَّ قضاؤه.

فالتعليل الأخير لمخالفة طريقه عليه الصلاة والسلام تعليل ضعيف.

وقيل: إنه خالف بين الطريقين لتخفيف الزحام، وقيل: كان طريقه التي يرجع منها أبعد من التي يتوجه فيها، فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطى في الذهاب، وأما في الرجوع فمن أجل أن يسرع إلى منزله، أي: أن الطريق الذي يذهب منه بعيد، والطريق الذي يرجع منه قريب، فهو يسلك البعيد في الذهاب من أجل كثرة الأجر، ويرجع من الطريق القريب في الرجوع حتى يدرك منزله، وهذا غير صحيح.

وقد ذكرنا حديث أبي بن كعب وفيه: (الرجل الذي كان أبعد الناس مسكناً من المسجد، وكانت لا تخطئه صلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قالوا له: لو ابتعت حماراً لليلة الظلماء والليلة الشاتية؟ قال: إني لأرجو أن يكتب الله لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي منه، فقال له صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله) معناه: أن أجر الذهاب والرجوع مكتوب، فلو كان الطريق بعيداً كما قيل لكان النبي صلى الله عليه وسلم سيحرص على أن يذهب منه ويرجع.

والمقصود من سرد هذه الأقوال: أن نعرف أن الأئمة رحمهم الله أجهدوا أنفسهم واستفرغوا وسعهم في فهم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس صحيحاً ما يظنه بعض الناس: أن مثل أئمة الحديث هؤلاء يروون الأحاديث دون فقه بمعناها، حتى قال بعض الناس: إن علماء الحديث مع أهل الفقه بمنزلة من يأتي بالطوب والبناء يبنيه كما يريد، وما من شك بأن هذا خطأ، فعلماء الحديث رحمهم الله فقهاء، ولذلك لو تأملنا صحيح البخاري وجدنا أنه لا يخلو من الفقه، قال العلماء: تراجم البخاري دليل فقهه أي: أنه يستنبط من الأحاديث.

السنة الخامسة: الأكل قبل الغدو يوم الفطر؛ لحديث أنس : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) وفي رواية: (وتراً)، والوتر أقله واحدة، لكنه كان يأكل أكثر من واحدة؛ لأنه قال: يأكل تمرات، والمعنى: أن أقلها ثلاث، أما ما يصنعه بعض الناس كأن يأكل كيلو بمفرده، ومن ثم يأتي إلى المصلى ويمسك ببطنه ويصلي الركعتين، ويخرج سريعاً ولا يحضر الخطبة، فليس هذا من السنة، فالسنة أن تأكل تمرات، وجاء في الحديث الصحيح: (من تصبح بسبع تمرات من تمر المدينة -وفي بعض الألفاظ: ما بين لابتيها، وفي بعض الألفاظ: من تمر العوالي- لم يضره سم ولا سحر بإذن الله).

السنة السادسة: تأخير الفطر يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته، لحديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي).

وقوله: (فيأكل من أضحيته) مفهومه: بأن الذي لا يضحي لا حرج عليه لو أكل قبل خروجه للصلاة، لكن من كان يريد اتباع السنة وكان ذا سعة وأمكنه الله من الأضحية فلا يأكل حتى يرجع فينحر فيأكل من أضحيته.

السنة السابعة: التكبير جهراً في الغدو إلى المصلى، ويستمر التكبير إلى الشروع في الصلاة، فإذا جلسنا بعد صلاة الفجر فنبدأ بالتكبير ونرفع أصواتنا إلى أن يحين وقت الصلاة، وبالنسبة لعيد الفطر: فالمشروع: التكبير من ليلة العيد، لقول الله عز وجل: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ[البقرة:185].

وأما بالنسبة للأضحى: فنكبر من ظهور هلال ذي الحجة، لحديث نافع : أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلى، ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير.

وإذا خرجت إلى المصلى فلا تصلي ركعتين، وإنما تأتي فتجلس وتستمر في التكبير حتى إذا خرج الإمام تقطع التكبير.

السنة الثامنة: أداء الصلاة في المصلى، أي: في الصحراء؛ لحديث أبي سعيد : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى)، وتكره صلاتها في المسجد إلا لعذر، كالبرد الشديد، والريح.

فأحياناً يمنع الناس من الخروج إلى المصلى عذر كالمطر أو الريح، أو عدم وجود مكان، أو أن السلطات منعت، كما حصل في بعض البلاد، فلا يصيروها فتنة في يوم العيد بل يصلون في المسجد، وقد قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286].

السنة التاسعة: قراءة الإمام بـ سَبِّحِ[الأعلى:1]و الْغَاشِيَةِ[الغاشية:1]؛ لحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين (بسبح) و(هل أتاك حديث الغاشية))، ومثلها في صلاة الجمعة، وأحياناً كان صلى الله عليه وسلم يقرأ، في الركعة الأولى ق )) ، وفي الثانية اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ[القمر:1]، لكن هذه القراءة في زماننا قد تكون طويلة على الناس، والمناسبة في قراءتها واضحة؛ لأن في هذه السور كلها ذكر القيامة كقوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ )).

وقوله تعالى: خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ[القمر:7]، وقوله عز وجل في سورة ق: ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ[ق:42]، وفي سورة الأعلى: وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى[الأعلى:17-18].

وكذلك في سورة الغاشية، يتحدث الله عز وجل عن الجنة والنار، فخروج الناس يوم العيد واجتماعهم يذكرهم بيوم القيامة وما فيها من الأهوال.

السنة العاشرة: خطبتان يلقيهما الإمام بعد الصلاة؛ لحديث أبي سعيد : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس بعد الصلاة يعظهم ويأمرهم).

وقولنا: خطبتان، ليس في السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم العيد خطبتين، وإنما هي خطبة واحدة، والذين قالوا: خطبتين، قاسوا العيد على الجمعة، وهناك فروق بين خطبة العيد وخطبة الجمعة، وهي كما يلي:

الأول: أن خطبة الجمعة قبل الصلاة، وخطبة العيد بعد الصلاة.

الثاني: أن خطبة الجمعة يسبقها أذان وخطبة العيد لا يسبقها أذان.

الثالث: أن وقت الجمعة غير وقت العيد.

الرابع: أن خطبة الجمعة الاستماع إليها واجب أما خطبة العيد فسنة، فمن أراد أن ينصرف انصرف، والرسول صلى الله عليه وسلم ما كان ينصرف، أما خطبة الجمعة فلا يجوز تركها والصلاة نيابة عنها في البيت ركعتين.

وهناك دليل آخر أن للعيد خطبتين: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما خطب في الناس يوم العيد أتى إلى النساء في مصلاهن فوعظهن وذكرهن، وقال: (يا معشر النساء! أكثرن من الصدقة فإني رأيتكن أكثر أهل النار)، وذهب ومعه بلال فبسط بلال ثوبه وجعل النساء يلقين فيه من أقراطهن وخواتمهن طاعة للرسول عليه الصلاة والسلام الذي قال: (أكثرن من الصدقة)، والمعنى الملحوظ هنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم خص النساء ربما لعل الصوت لم يبلغهن، أو لعلة أخرى، لكن لا يمكن أن نقول استدلالاً بهذا: إنه في يوم العيد خطبتان، بل المشروع خطبة واحدة.

أما الحديث الذي ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين في العيد فهو ضعيف ضعفه العقيلي رحمه الله في زوائده، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب في العيد خطبتين، ولكن الأمر واسع فإذا وجدت يوم العيد الإمام يخطب خطبتين فلا تنكر عليه، فإن أئمة المذاهب ينصون على أنه في يوم العيد خطبتان.

السنة الحادية عشرة: افتتاح الخطبتين بالتكبير وتخليلهما به؛ لحديث سعد القرظ الذي هو أحد المؤذنين الأربعة في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم، ومؤذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم أولهم: بلال ، وثانيهم: ابن أم مكتوم ، وثالثهم: أبو محذورة ، الذي ذكره الشاعر في قوله:

أما ورب الكعبة المستورة وما تلا محمد من سورة

والنغمات من أبي محذورة

لأفعلن فعلة مدبورة

و أبو محذورة كان صوته جميلاً، وقد أسلم يوم الفتح، والرسول صلى الله عليه وسلم اتخذه مؤذناً، ورابعهم: سعد القرظ رضي الله عن الجميع، فقال سعد القرظ : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير في خطبة العيدين).

وأما حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن تفتتح الخطبة بتسع تكبيرات تتراً -أي متتابعة- والثانية بسبع تكبيرات تتراً، فلم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يفتتح خطبة لا في العيد ولا في الاستسقاء ولا في الجمعة ولا في غيرها إلا بالحمد لله.

ومثل حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة في قوله: السنة كذا، الأصل أن له حكم المرفوع إذا كان القائل صحابياً، أما هذا الرجل فليس من الصحابة، وإنما هو أحد الفقهاء السبعة رضوان الله عليهم أجمعين.

ويمكن الجمع بين القولين، فنقول: للإمام في صلاة العيد أن يقول: الحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً، فيكون قد افتتح بالحمد والتكبير، ثم في أثناء الخطبة لو أكثر من التكبير فلا حرج إن شاء الله.

فإن وافق يوم العيد يوم الجمعة فالإمام ملزم بأن يصلي العيد ويخطب الجمعة، أما الناس فهم مخيرون، من شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأت، ومن شاء صلاها ظهراً، وبعض أهل العلم يقول: لا تصلِ ظهراً ولا غيره، بل تصلي العيد ثم تصلي العصر.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحكام الغسل أحكام التيمم 2122 استماع
فقه الصلاة مبطلات الصلاة 2041 استماع
فقه الصلاة أحكام صلاة الجمعة [1] 1987 استماع
مقدمة الطهارة وسائل التطهير أنواع النجاسات 1804 استماع
فقه الصلاة فضل الجماعة وشروط الإمامة 1719 استماع
فقه الصلاة أحكام صلاة المسافر 1618 استماع
فقه الصلاة أحكام صلاة الجمعة [2] 1465 استماع
فقه الصلاة مكروهات الصلاة [1] 1449 استماع
فقه الصلاة أخطاء يقع فيها بعض المصلين [2] 1324 استماع
فقه الصلاة أحكام صلاة الجماعة 1115 استماع