خطب ومحاضرات
فقه الصلاة أحكام صلاة الجمعة [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكر الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.
أما بعد:
فالكلام هنا إن شاء الله يتناول الأحكام المتعلقة بصلاة الجمعة، ويوم الجمعة هو خير أيام الأسبوع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة حذراً من قيام الساعة)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة)، والجمع بين الحديثين هو كما قال ابن القيم رحمه الله: بأن يوم الجمعة خير يوم باعتبار الأسبوع، ويوم عرفة خير يوم باعتبار السنة.
وثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، وهذا اليوم الذي فرض الله عليهم فضلوا عنه وهدانا الله إليه، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد).
إذاً: فقد فرض الله على اليهود والنصارى تعظيم يوم الجمعة لكنهم ضلوا عنه، فعوقب اليهود بالسبت وعوقب النصارى بالأحد، وهدانا الله معشر أمة محمد صلى الله عليه وسلم لعبادته في هذا اليوم العظيم، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأجر كبير لمن استوفى شروط الجمعة وأتى بسننها وآدابها، فقد ثبت عنه في الحديث أنه قال: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها أجر صيام سنة وقيامها، وذلك على الله يسير)، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تطهر يوم الجمعة بأحسن ما يجد من طهر، ثم لبس من أحسن ثيابه، ثم مس من طيبه أو طيب بيته، ثم خرج إلى المسجد فلم يفرق بين اثنين، ثم صلى ما كتب الله له أن يصلي، ثم إذا خرج الإمام جلس فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة والجمعة وزيادة ثلاثة أيام، وذلك أن الله يقول: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا[الأنعام:160]).
فيوم الجمعة ثوابه عظيم، وأجره كبير، وحري بالمسلم أن يعرف الأحكام المتعلقة بهذه الفريضة؛ حتى يأتي بها على الوجه الأتم الأكمل، والكلام عن هذه الفريضة العظيمة ينحصر في عدة مسائل نذكرها تباعاً.
يقول المالكية رحمهم الله: الجمعة فرض عين على المكلف الذكر الحر المقيم الخالي من الأعذار التي تمنع شهود الجمعة، وفرض العين: هو الذي يثبت على كل مسلم استقلالاً لا يغني فيه أحد عن أحد، لكن هذه الفرضية متوجهة لمن توافرت فيه ستة شروط من المكلفين، وكلمة المكلف تعني: من توافرت فيه صفتا البلوغ والعقل، فهذان شرطان، والمالكية أجملوهما في شرط واحد فبدلاً من أن يقولوا: الجمعة فرض عين على البالغ العاقل، قالوا: الجمعة فرض عين على المكلف، أي: البالغ العاقل.
وقد جاء في هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رفع القلم عن ثلاث..) وعد منهم الصبي والمجنون.
مطالبة الكفار بفروع الشريعة
والمالكية لم يقولوا: الجمعة فرض عين على المسلم؛ لأن الكافر مطالب بالعبادات وجميع فروع الشريعة وسيحاسب عليها يوم القيامة، فسيحاسب على كفره وسيحاسب كذلك على ترك الصلاة والصيام؛ لأن الله عز وجل قال: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ[المدثر:38-43].
بل وأكثر من ذلك: أن الكافر سيحاسب على النعم في يوم القيامة، فسيحاسب على الماء البارد الذي شربه وسيعاقب عليه، وسيحاسب أيضاً على اللحم الذي أكله وعلى العافية التي كانت في بدنه؛ لأن الله عز وجل قال: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ[الأعراف:32]، ومفهوم قوله تعالى: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[الأعراف:32]؛ أنها ليست خالصة للكفار.
وكذلك قول الله عز وجل: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا[المائدة:93]، فمفهوم الآية: أن على الكفار جناح فيما طعموا، ويدل على هذا قول الله عز وجل: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[التكاثر:8]، خاصة إذا علمنا بأن الكافر يدب على أرض الله، ويستظل بسمائه، ويتقلب في نعمه، ثم بعد ذلك يستعمل هذا النعيم كله لحرب الله ورسوله.
من تجب عليهم الجمعة؟
والجمعة فرض على المكلف لا على الصغير، ولا على المجنون، لكن الصغير يؤمر بها؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر)، وفرضيتها: إنما هي على المكلف الذكر، فخرج بذلك الأنثى والخنثى، فالأنثى معروفة، والخنثى: هو الذي اشتبهت ذكوريته بأنوثيته ولم تتبين حقيقته، والدليل على عدم وجوب صلاة الجمعة على الأنثى حديث طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة العبد المملوك والمرأة والصبي والمريض)، فعد النبي صلى الله عليه وسلم المرأة ممن لا تجب عليهم الجمعة، وهذا الحديث رواه الإمام أبو داود و الطبراني في الكبير و البيهقي ، و طارق بن شهاب رضي الله عنه من صغار الصحابة، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه فهو صحابي؛ لأن الصحابي: هو من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً ومات على إسلامه، وليس المقصود بالرؤية الرؤية البصرية فقط، بل الرؤية البصرية والرؤية القلبية؛ لكي يدخل فيه من كان أعمى كـعبد الله بن أم مكتوم الصحابي الجليل، ويدخل في هذا التعريف ممن غزا معه ومن لم يغز ممن طالت صحبته، وكذلك من صافحه ولامسه صلوات ربي وسلامه عليه ومن رآه ولو من بعيد.
فالجمعة واجبة على المكلف الذكر الحر وحديث طارق بن شهاب استثنى النبي صلى الله عليه وسلم فيه العبد المملوك؛ لأنه مشغول بحق سيده، وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، فبعض العلماء يرى دخول العبد في عموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ[الجمعة:9]، وبعضهم يخصص هذه الآية بهذا الحديث، وبعضهم يتوسط ويقول: إن أذن له سيده فقد وجبت عليه، وإن لم يأذن فلا تجب عليه.
عدم وجوب الجمعة على المسافر
فالجمعة واجبة على المكلف الذكر الحر المقيم، فخرج بذلك المسافر، والدليل على أن الجمعة لا تجب على المسافر حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في أسفاره لا يصلي الجمعة، وإنما يصلي ظهراً)، وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم بطن الوادي يوم عرفة نزل فخطب الناس، ثم بعد الخطبة أذن بلال ، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر)، فإن قال قائل: لعله صلى الجمعة فكيف نجيب عليه؟
فالجواب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة سراً، فهذا دليل على أنها كانت ظهراً ولم تكن جمعة؛ لأننا نعرف أن الصلوات الجهرية: هي الصبح والعشاء والمغرب والجمعة، فلما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم سراً دل على أنها كانت ظهراً.
وأيضاً: فقد جاء هنا أنه جمع تلك الصلاة مع العصر، لا تجمع الجمعة مع العصر، فالجمع لا يكون إلا بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء وكذلك نقول: إن خطبة الجمعة تكون بعد الأذان، وفي الحديث أنه خطب قبل الأذان، فعلم بأن هذه الصلاة ليست جمعة، وكذلك فقد خطب رسول الله هنا خطبة واحدة، والجمعة لا تصح إلا بخطبتين كما سيأتي معنا إن شاء الله.
ثم إن جابراً وهو أعلم بما حدث منكم يقول: صلى رسول الله الظهر، فلا داعي أن نستنبط خلافه وهو الذي شاهد ذلك، وهو رضي الله عنه عربي فصيح وقد نص على أنها كانت صلاة ظهر.
فائدة في سبب تسمية الجمعة بهذا الاسم
ويوم الجمعة كان في الجاهلية يسمى: يوم العروبة، وسمي هذا اليوم بيوم الجمعة؛ لأن اكتمال خلق السموات والأرض كان فيه؛ وقد قال الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ[ق:38]، وقيل: لأن آدم عليه السلام اجتمع خلقه فيه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يوم الجمعة كان فيه خلق آدم، وقيل: لأن الأنصار قبل مقدم النبي عليه الصلاة والسلام اجتمعوا على أسعد بن زرارة رضي الله عنه وكان من النقباء ومن سادة الأنصار، فخطب فيهم وذكرهم، وقيل: لأن العرب قبل البعثة كانوا يجتمعون على سعد بن لؤي جد الرسول عليه الصلاة والسلام الأعلى فيخطب فيهم ويذكرهم، وقيل: لأن الناس يجتمعون فيه، وعلى كلِّ هذه الأقوال فهي جمعة مشتقة من الاجتماع، فالاجتماع حاصل في خلق السموات والأرض، وفي خلق آدم، وفي اجتماع الأنصار على أسعد بن زرارة ، أو اجتماع الناس على سعد بن لؤي ، أو لاجتماع المسلمين في مساجدهم.
والإسلام دين جماعة، وهذه الجماعة لها أنواع منها: جماعة الحي: وهي التي تكون في الصلوات الخمس، وجماعة البلد: وهي التي تكون في الجمعة، ففي بعض البلاد تكون هناك مساجد للناس يصلون فيها الصلوات الخمس، ولكن ليس للجمعة إلا جامع واحد، فالصلوات الخمس اجتماع حي، وصلاة الجمعة اجتماع بلد، ثم اجتماع البلاد كلها يكون في يوم عرفة.
أدلة وجوب صلاة الجمعة
ودليل الوجوب من القرآن قول ربنا الرحمن: يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ[الجمعة:9]، ومن الأدلة أن النبي عليه الصلاة والسلام شدد في النهي عن ترك الجمعة، فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لينتهين أقوام عن الجمعات ودعهم أو ليكونن من الغافلين)، ومعنى ودعهم: تركهم، تقول: دع عنك هذا، أي: اتركه، وقال عليه الصلاة والسلام: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه)، قال أهل العلم: أي: يصير الله قلبه قلب منافق؛ لأنه ترك الجمعة تهاوناً ثلاث مرات، وهذا الحديث يحذر مما وقع فيه بعض المسلمين الذين يختارون يوم الجمعة للنزهة فيترتب على ذلك تضييعها، وهذا فيه من الشر والفساد ما يحذرهم منه هذا الحديث: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه)، فالمؤمنون يحافظون على الجمعة، والمنافقون يتهاونون بها، ولذا قال الله عز وجل عنهم: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ[المنافقون:5]، وهذه الآية نزلت في عبد الله ابن سلول لما انخذل بثلث الجيش يوم أحد -وكانت غزوة أحد يوم السبت في الخامس عشر من شوال- فعصى عبد الله بن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع بثلاثمائة من المقاتلين ثم بعد ذلك في يوم الجمعة خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليصعد على المنبر، وإذا بـعبد الله بن أبي يقول: يا معشر الأنصار هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنهم لا يعرفونه، مع أن الله قد قال عنهم: وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ[الأعراف:157].
فلما قال ذلك بعدما صنع ما صنع يوم أحد قام في جمعة أخرى ليقول ما يقول فجذبوه من ثوبه وقالوا له: اجلس عدو الله فلست لهذا المقام أهلاً. فلا تستحق أن تنوه برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تأمرنا بنصره وأنت الذي خذلته، فالمنافق -قاتله الله- ظهر نفاقه فخرج يتخطى رقاب الناس مغضباً وترك الصلاة فلقيه بعض الناس على الباب فقالوا له: ويلك! ما شأنك؟ قال: قمت لأشد أمر صاحبهم وأقويه فزجروني وكأني قلت: هجراً، فقالوا له: ويلك! ارجع يستغفر لك رسول الله، فقال: والله ما أريد أن يستغفر لي، فنزلت هذه الآية: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ[المنافقون:5].
ولذلك قال العلماء: إن من الحكمة في صلاة الجمعة أن يقرأ الإمام في الركعتين بسورة الجمعة والمنافقون، فأما الجمعة؛ فلأن فيها قوله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ[الجمعة:9]، وأما المنافقون؛ فلأن من صفات المنافقين التهاون بالجمعة، وقد غلط من نسب إلى الإمام الشافعي أن الجمعة فرض كفاية، بل الجمعة فرض عين بإجماع المسلمين، وما قال الشافعي ولا غيره من أهل العلم رحمهم الله بأن الجمعة فرض كفاية على من توافرت فيه هذه الشروط، بأن يكون بالغاً عاقلاً ذكراً حراً مقيماً.
والمالكية لم يقولوا: الجمعة فرض عين على المسلم؛ لأن الكافر مطالب بالعبادات وجميع فروع الشريعة وسيحاسب عليها يوم القيامة، فسيحاسب على كفره وسيحاسب كذلك على ترك الصلاة والصيام؛ لأن الله عز وجل قال: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ[المدثر:38-43].
بل وأكثر من ذلك: أن الكافر سيحاسب على النعم في يوم القيامة، فسيحاسب على الماء البارد الذي شربه وسيعاقب عليه، وسيحاسب أيضاً على اللحم الذي أكله وعلى العافية التي كانت في بدنه؛ لأن الله عز وجل قال: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ[الأعراف:32]، ومفهوم قوله تعالى: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[الأعراف:32]؛ أنها ليست خالصة للكفار.
وكذلك قول الله عز وجل: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا[المائدة:93]، فمفهوم الآية: أن على الكفار جناح فيما طعموا، ويدل على هذا قول الله عز وجل: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[التكاثر:8]، خاصة إذا علمنا بأن الكافر يدب على أرض الله، ويستظل بسمائه، ويتقلب في نعمه، ثم بعد ذلك يستعمل هذا النعيم كله لحرب الله ورسوله.
والجمعة فرض على المكلف لا على الصغير، ولا على المجنون، لكن الصغير يؤمر بها؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر)، وفرضيتها: إنما هي على المكلف الذكر، فخرج بذلك الأنثى والخنثى، فالأنثى معروفة، والخنثى: هو الذي اشتبهت ذكوريته بأنوثيته ولم تتبين حقيقته، والدليل على عدم وجوب صلاة الجمعة على الأنثى حديث طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة العبد المملوك والمرأة والصبي والمريض)، فعد النبي صلى الله عليه وسلم المرأة ممن لا تجب عليهم الجمعة، وهذا الحديث رواه الإمام أبو داود و الطبراني في الكبير و البيهقي ، و طارق بن شهاب رضي الله عنه من صغار الصحابة، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه فهو صحابي؛ لأن الصحابي: هو من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً ومات على إسلامه، وليس المقصود بالرؤية الرؤية البصرية فقط، بل الرؤية البصرية والرؤية القلبية؛ لكي يدخل فيه من كان أعمى كـعبد الله بن أم مكتوم الصحابي الجليل، ويدخل في هذا التعريف ممن غزا معه ومن لم يغز ممن طالت صحبته، وكذلك من صافحه ولامسه صلوات ربي وسلامه عليه ومن رآه ولو من بعيد.
فالجمعة واجبة على المكلف الذكر الحر وحديث طارق بن شهاب استثنى النبي صلى الله عليه وسلم فيه العبد المملوك؛ لأنه مشغول بحق سيده، وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، فبعض العلماء يرى دخول العبد في عموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ[الجمعة:9]، وبعضهم يخصص هذه الآية بهذا الحديث، وبعضهم يتوسط ويقول: إن أذن له سيده فقد وجبت عليه، وإن لم يأذن فلا تجب عليه.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحكام الغسل أحكام التيمم | 2125 استماع |
فقه الصلاة مبطلات الصلاة | 2045 استماع |
مقدمة الطهارة وسائل التطهير أنواع النجاسات | 1806 استماع |
فقه الصلاة فضل الجماعة وشروط الإمامة | 1721 استماع |
فقه الصلاة أحكام العيدين | 1629 استماع |
فقه الصلاة أحكام صلاة المسافر | 1620 استماع |
فقه الصلاة أحكام صلاة الجمعة [2] | 1467 استماع |
فقه الصلاة مكروهات الصلاة [1] | 1452 استماع |
فقه الصلاة أخطاء يقع فيها بعض المصلين [2] | 1326 استماع |
فقه الصلاة أحكام صلاة الجماعة | 1120 استماع |