عرض كتاب الإتقان (24) - النوع الثامن والعشرون في معرفة الوقف والابتداء [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فقد أخذنا التقسيم المنطقي الذي ذكره ابن الجزري في تقسيم الوقف إلى أربعة أقسام، وذكرنا أن كثيراً من العلماء مشوا على هذا التقسيم، وأول من عرف عنه هذا التقسيم هو أبو عمرو الداني ، واعتمد كثير ممن جاء بعده على تقسيمه الرباعي هذا، وإن كان أدخل في التام التام والأتم، وفي الكافي الكافي والألفي، وفي الحسن الحسن والأحسن، وفي القبيح القبيح والأقبح، لكن هذه التقسيمات داخل هذه المصطلحات لا تزيد فيها شيئاً، فهي في الحقيقة أصولها ترجع إلى أربعة كما ذكر ابن الجزري في تحليله لهذه الأقسام.

وأخذنا أيضاً أمثلة على كل قسم، ولاحظنا في تلك الأمثلة عناية العلماء رحمهم الله تعالى على حسن المواقف، وهذه مسألة مهمة سيطرحها السيوطي رحمه الله تعالى في التنبيهات فيما يتعلق بقضية حسن المواقف.

قواعد مرتبطة بمصطلحات علماء الوقف والابتداء

ذكر في التنبيهات أول تنبيه مرتبط بالاصطلاح، وهو أن علماء الوقف والابتداء يقولون: لا يجوز، أو يقولون كذلك: لازم، أو يقولون كذلك: ممنوع، وليس مرادهم في ذلك الجواز أو المنع أو اللزوم الشرعي، إنما المراد هو الجواز الأدائي.

إذاً هذه قاعدة: أن مصطلحات علماء الوقف والابتداء ليست مصطلحات شرعية، بمعنى أنه لا يبنى عليها حكم شرعي، فمثلاً لو جاء قارئ وقرأ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ [الأنعام:36]، لا نقول: إنه ارتكب إثماً بسبب وصله؛ لأن هذا اللزوم الموجود في مثل هذه الآية ليس لزوماً شرعياً، إنما هو لزوم أدائي.

ثم ذكر قاعدة أخرى مرتبطة بهذا فقال: [ إلا أن يقصد بذلك تحريف القرآن، وخلاف المعنى الذي أراده الله ]، قال: [ فإنه يكفر فضلاً عن أن يأثم ].

إذاً التأثيم يقع بسبب القصد، وليس بسبب الوقف.

إذاً هاتان فائدتان مرتبطتان بما يتعلق بقضية المصطلحات.

أمثلة على بعض الوقوف المستبشعة

التنبيه الثاني: ذكر ابن الجزري بعض الأمثلة لما يتعسفه بعض المعربين، أو يتكلفه بعض القراء، أو يتأوله بعض أهل الأهواء مما يقتضي وقفاً أو ابتداءً ينبغي أن يتعمد الوقف عليه، بل ينبغي تحري المعنى الأتم، والوقف الأوجه.

ثم ذكر مثالاً وهو قوله سبحانه وتعالى: وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286]، يعني بعض القراء يقرأ هكذا وَارْحَمْنَا أَنْتَ [البقرة:286] ثم يقول: مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286]، فيجعل (مولانا) مبتدأ مع أن مولانا إنما هي خبر لأنت، أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286].

كذلك ذكر مثالاً آخر في الوقف الذي يقفه بعضهم: ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ [النساء:62]، ثم يقف، ثم يبتدئ فيقول: بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً [النساء:62] على سبيل القسم، وهذا أيضاً من الوقوف المستبشعة.

وأيضاً نحو يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ [لقمان:13]، ثم يبتدئ يقول: بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقصده في ذلك القسم، وفي هذا المثال بالذات نحب أن ننتبه إلى مسألة مهمة وهي أنه كيف نعرف الخلل في مثل هذه الأوقاف أو في غيرها؟ لو رجعنا إلى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية هل يرشدنا إلى خطأ هذا الواقف أو لا يرشدنا؟ أليس الرسول صلى الله عليه وسلم لما تلا الآية تلاها يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؟ فدل على (لا تشرك بالله) أن الجار ولفظ الجلالة المكتوب متعلق بـ (تشرك)، وليس متعلقاً بما بعده.

المقصد من ذلك أن معرفة التفسير قد تبين عن خطأ الوقف أو الابتداء.

ومن القواعد التي يمكن أن يعلم بها ذلك: اختلال النظم العربي للجملة، وهذا يقع أحياناً بالتكرار، بمعنى أنه يقف على كلمة ثم يبتدئ بما وقف عليه ويكمل، مثل قوله سبحانه وتعالى: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:15]، فبعض القراء يقول: (ذو العرش المجيد) ثم يقول: (المجيد فعال لما يريد)، وطبعاً هنا ارتكب خطأً واضحاً، لماذا هذا الخطأ؛ لأن قوله: (ذو العرش) على القراءة الثانية لا زال يحتاج إلى تتمة، فهذا إخلال في النظم، وليس من الصواب أن يخل بالنظم من أجل معنىً ظهر للإنسان بهذه الصورة.

إذاً ينتبه إلى هذا، وهذا يقع فيه كثير من القراء أنه يقرأ مثل هذه.

أيضاً في قوله سبحانه وتعالى: لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر:16]، ثم يقول: الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، فهذا كله إخلال بالنظم العربي للقرآن، يعني: يبقى أن عندنا الجملة قد قطعت من أصلها ومن نظمها بوضوح، وليس فيما يعمله مثل هذا حجة في الإخلال بالنظم من أجل الإتيان بمعان جديدة، وإنما الالتزام بالمعاني التي تنطبق مع نظم الآية هو هذا هو الصواب.

فوائد طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة

التنبيه الثالث الذي ذكره وما يتعلق بطول الفواصل والقصص والجمل المعترضة، وهذا يستفاد منه في حال جمع القراءات، وفي قراءة التحقيق، والترتيل أيضاً، لماذا؟ لأنه بجمع القراءات لا بد أن يقف لكي يجمع من قرأ بذلك الوجه من القراء، فقطعاً سيضطر إلى الوقوف على أماكن ليست صالحة للوقف من حيث هي، ولكن اغتفر له؛ لأنه في باب جمع القراءات.

كذلك فيما يتعلق بقراءة التحقيق أو الترتيل بأنها قراءة مطولة، فأيضاً قد يقع عندهم انقطاع النفس، خصوصاً إذا كان ممن ليس عنده نفس طويل قد يقع عنده تقطيع للآية، فإذاً ما الذي يغتفر؟ يغتفر لسبب طول الآية، مثل قال الله سبحانه وتعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23]، ليس كل واحد يستطيع أن يأتي بالآية كلها، فإذا وقف على أي مقطع ثم أكمل فلا بأس، هذا في الجمل، وكذلك يلحق فيه المفردات إذا كانت طويلة، مثل قوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ [الأحزاب:35]، الآية طويلة، ليس كل واحد يستطيع أن يأتي بها كاملةً، لكن إذا كانت المفردات قصيرة، فإنه لا يغتفر فيها هذا الأمر، إنما يغتفر في حال الطول، يعني: في الجمل وفي المتعاطفات من المفردات في الآيات اللي تكون طويلة، هذه أيضاً تعتبر من القواعد المهمة.

وقالوا: هذا الذي سماه السجاوندي المرخص ضرورةً، والضرورة عند السجاوندي رحمه الله تعالى المراد بها طول الآية، وقصر النفس، فإن المسلم لا يستطيع أن يقرأ الآية حتى يصل إلى آخر المعنى التام، أو المعنى الكافي.

ثم ذكر أمثلة في مثل هذا، وذكر كلاماً عن صاحب المستوفى وهو علي بن مسعود بن محمود بن أحمد بن حكيم البرغاني ، وكتابه قد طبع مؤخراً، وفيه هذا النقل الذي ذكره السيوطي رحمه الله تعالى.

ذكر في التنبيهات أول تنبيه مرتبط بالاصطلاح، وهو أن علماء الوقف والابتداء يقولون: لا يجوز، أو يقولون كذلك: لازم، أو يقولون كذلك: ممنوع، وليس مرادهم في ذلك الجواز أو المنع أو اللزوم الشرعي، إنما المراد هو الجواز الأدائي.

إذاً هذه قاعدة: أن مصطلحات علماء الوقف والابتداء ليست مصطلحات شرعية، بمعنى أنه لا يبنى عليها حكم شرعي، فمثلاً لو جاء قارئ وقرأ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ [الأنعام:36]، لا نقول: إنه ارتكب إثماً بسبب وصله؛ لأن هذا اللزوم الموجود في مثل هذه الآية ليس لزوماً شرعياً، إنما هو لزوم أدائي.

ثم ذكر قاعدة أخرى مرتبطة بهذا فقال: [ إلا أن يقصد بذلك تحريف القرآن، وخلاف المعنى الذي أراده الله ]، قال: [ فإنه يكفر فضلاً عن أن يأثم ].

إذاً التأثيم يقع بسبب القصد، وليس بسبب الوقف.

إذاً هاتان فائدتان مرتبطتان بما يتعلق بقضية المصطلحات.

التنبيه الثاني: ذكر ابن الجزري بعض الأمثلة لما يتعسفه بعض المعربين، أو يتكلفه بعض القراء، أو يتأوله بعض أهل الأهواء مما يقتضي وقفاً أو ابتداءً ينبغي أن يتعمد الوقف عليه، بل ينبغي تحري المعنى الأتم، والوقف الأوجه.

ثم ذكر مثالاً وهو قوله سبحانه وتعالى: وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286]، يعني بعض القراء يقرأ هكذا وَارْحَمْنَا أَنْتَ [البقرة:286] ثم يقول: مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286]، فيجعل (مولانا) مبتدأ مع أن مولانا إنما هي خبر لأنت، أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286].

كذلك ذكر مثالاً آخر في الوقف الذي يقفه بعضهم: ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ [النساء:62]، ثم يقف، ثم يبتدئ فيقول: بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً [النساء:62] على سبيل القسم، وهذا أيضاً من الوقوف المستبشعة.

وأيضاً نحو يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ [لقمان:13]، ثم يبتدئ يقول: بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقصده في ذلك القسم، وفي هذا المثال بالذات نحب أن ننتبه إلى مسألة مهمة وهي أنه كيف نعرف الخلل في مثل هذه الأوقاف أو في غيرها؟ لو رجعنا إلى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية هل يرشدنا إلى خطأ هذا الواقف أو لا يرشدنا؟ أليس الرسول صلى الله عليه وسلم لما تلا الآية تلاها يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؟ فدل على (لا تشرك بالله) أن الجار ولفظ الجلالة المكتوب متعلق بـ (تشرك)، وليس متعلقاً بما بعده.

المقصد من ذلك أن معرفة التفسير قد تبين عن خطأ الوقف أو الابتداء.

ومن القواعد التي يمكن أن يعلم بها ذلك: اختلال النظم العربي للجملة، وهذا يقع أحياناً بالتكرار، بمعنى أنه يقف على كلمة ثم يبتدئ بما وقف عليه ويكمل، مثل قوله سبحانه وتعالى: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:15]، فبعض القراء يقول: (ذو العرش المجيد) ثم يقول: (المجيد فعال لما يريد)، وطبعاً هنا ارتكب خطأً واضحاً، لماذا هذا الخطأ؛ لأن قوله: (ذو العرش) على القراءة الثانية لا زال يحتاج إلى تتمة، فهذا إخلال في النظم، وليس من الصواب أن يخل بالنظم من أجل معنىً ظهر للإنسان بهذه الصورة.

إذاً ينتبه إلى هذا، وهذا يقع فيه كثير من القراء أنه يقرأ مثل هذه.

أيضاً في قوله سبحانه وتعالى: لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر:16]، ثم يقول: الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، فهذا كله إخلال بالنظم العربي للقرآن، يعني: يبقى أن عندنا الجملة قد قطعت من أصلها ومن نظمها بوضوح، وليس فيما يعمله مثل هذا حجة في الإخلال بالنظم من أجل الإتيان بمعان جديدة، وإنما الالتزام بالمعاني التي تنطبق مع نظم الآية هو هذا هو الصواب.