ديوان الإفتاء [769]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار، أما بعد:

فمرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء.

السؤال: ما رأي الدين في الذهاب بالليل إلى النادي للعبة (الكتشينة) أو غيرها من الألعاب، بالنسبة لكبير السن، وقد حج بيت الله الحرام؟

الجواب: الإنسان إذا وفق لحج بيت الله الحرام فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الخير، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وصح عنه صلوات ربي وسلامه عليه أنه قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، وحري بالحاج بعدما وفق لأداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام أن يشغل ما بقي من عمره بطاعة الله عز وجل، وأن يملأه بأنواع القربات.

و(الكتشينة) معلوم بأنها لعبة قائمة على محض الحظ، وليس فيها نشاط ذهني ولا متعة عقلية ولا رياضة بدنية، وإنما هي مجرد تقضية للفراغ وإمضاء للوقت في غير نفع، ولا ينبغي للمسلم خاصة من تقدم به العمر -أي: من كبر سنه ورق عظمه وزاد شيبه- أن يشغل وقته إلا بالنافع المفيد من أمر الدنيا والآخرة.

السؤال: امرأة في العدة تريد مرافقة ابنتها الصغيرة لجراحة عاجلة في الخارج، وابنتها تصر على مرافقة أمها، فهل تسافر معها أم لا؟

الجواب: إذا كانت هذه الجراحة يمكن تأجيلها فلا ينبغي لها أن تسافر، بل يجب عليها أن تلزم بيت الزوجية حتى يبلغ الكتاب أجله، لكن لو كانت هذه الجراحة يتوقف عليها الحياة ولا يمكن تأجيلها، فلا حرج عليها أن تسافر مع بنتها، وتلتزم الحداد بأن تجتنب الزينة، فلا تكتحل ولا تختضب ولا تتحلى ولا تتعطر، ولا تلبس ثياب زينة.

السؤال: زوجتي كثيراً ما تطلب مني الطلاق في أقل الأمور، حتى جاء يوم وكانت تصرخ بأعلى صوتها طالبة الطلاق، فأغضبني هذا وطلقتها، وكانت هذه الطلقة الأخيرة، فما رأي الدين في ذلك؟

الجواب: ما دمت أنك قد تلفظت بالطلاق وأنت تعقل ما تقول فهذا الطلاق يقع، وأما كونك غاضباً فلا يؤثر هذا في وقوع الطلاق، وطالما أنك تعقل ما تقول وتدري ما تتلفظ به، ولست في حالة الإغلاق بل أنت واع فطلاقك يقع، وليس بالضرورة أن الزوجة صاحت وصرخت وطلبت الطلاق أن تطلقها.

السؤال: إذا دعوت لشخص بشيء معين فاستجاب الله دعائي له في نفس اليوم والحمد لله، فهل إذا أخبرته بالدعاء يكون رياء؟

الجواب: نعم، يكون رياء، فلا تخبره يا أخي! ثم ما أدراك بأن الله استجاب دعاءك أو دعاء غيرك، فالدعاء لا يعلم بحقيقة الإجابة له إلا الله عز وجل، والإجابة تتعدد صورها، وقد يعجل الله الإجابة على النحو الذي دعوت به، وقد يصرف الله من السوء مثلها، وقد يدخر له في الآخرة ما هو خير وأبقى.

والإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني جاءته إحدى البنات -جارية- وقالت له: يا أحمد! إن أمي قد أصابها الفالج، يعني: الشلل، وهي تطلب أن تدعو لها، فنهرها أحمد رحمه الله وقال لها: من أنا حتى أدعو لها، اذهبي، فخرجت البنت، فـأحمد رحمه الله دعا الله عز وجل، فبعض المرافقين لحق بالجارية وقال لها: رأيته يتمتم كأنه دعا لها، فرجعت البنت إلى البيت فوجدت أمها وقد شفاها الله عز وجل وتحركت، وزال عنها ما بها.

فهكذا الصالحون من عباد الله يخفون أمرهم، ولا يقولون للناس: تعالوا إلينا نحن ندعو لكم، ودعاؤنا مستجاب، وطلبنا محقق، ورجاؤنا قريب، وما إلى ذلك، فهذا لا يقع من العبد الصالح، وإنما الصالح يستر صلاحه؛ ولذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما رأى ناساً يمشون خلفه قال: لو علمتم ما أغلق عليه بابي ما تبعني منكم أحد، فدائماً الصالح لا يشهر صلاحه ولا يظهر أمره.

السؤال: أختي ماتت وعمرها سنتان، وأمس جاءت لأمي في المنام وهي عريانة؟

الجواب: ما أدري، وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ[يوسف:44]، سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[البقرة:32]، وأرشد السائل أو السائلة إلى الاتصال ببعض من لهم دربة في تأويل الأحلام.

السؤال: دائماً أجد رائحة طيبةً من حولي عندما أكون في صلاة أو تلاوة أو ذكر في جوف الليل، فماذا يعني ذلك؟

الجواب: الله أعلم، لكن احذر يا أخي! فربما يكون هذا بشرى وشيئاً طيباً، وربما يكون هذا تلبيساً من الشيطان، فإن من تلبيس إبليس كما ذكر العلماء: أن بعض العباد يكون بالليل مستغرقاً في عبادته، فيأتي إبليس لعنه الله فيطلق بعض الروائح الطيبة، ثم بعد ذلك يخاطبه وهو لا يدري أن المخاطب إبليس يقول له: أنت يا فلان! قد صرت ولياً من أولياء الله وقريباً إلى الله، وقد حل لك ما حرم على غيرك.. إلى آخر هذا الكلام، فينبغي للإنسان أن يحذر، يعني: دائماً يدعو الله عز وجل بألا يفتنه، ويدعو الله عز وجل بأن يختم له بالحسنى، ويستعيذ بالله من همزات الشياطين، هذا الذي ينبغي في حقنا جميعاً.

السؤال: هل الأوساخ البسيطة في الأظافر تمنع الغسل والوضوء، وهل من وجدها بعد الغسل يعيد الغسل؟

الجواب: لا يعيد الغسل، فهذه الأوساخ مما يعفى عنها، يعني: الشيء اليسير الذي يكون تحت الظفر يعفى عنه لمشقة الاحتراز، لكن ينبغي للإنسان أن يعتاد في كل جمعة تقليم أظافره؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد عدها من خصال الفطرة؛ ولأن ( النبي صلى الله عليه وسلم وقت لنا ألا ندع أربعين يوماً )، يعني: أربعين يوماً الإنسان لا يترك أظافره دون تقليم، وكما قلت: حبذا لو أن الإنسان عود نفسه في كل جمعة قبل أن يغتسل أن يقلم أظافره، وأن يحلق عانته، وأن ينتف إبطه، وأن يقص شاربه، فيأتي بخصال الفطرة من أجل أن تكمل طهارته، وتحقق نظافته، ويتشبه بالأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فهذه الأظفار أمرنا بتقليمها؛ لأنها مجتمع الأوساخ، فالأوساخ قد تجتمع تحتها؛ لأن اليد تلامس ما لا يلامس غيرها؛ ولأن الإنسان يتناول بها طعامه فينبغي أن يعنى بنظافتها؛ ولأن الإنسان يصافح بها غيره.

السؤال: إذا قلت: الحمد لله والشكر له مائة مرة، هل هذا صحيح؟

الجواب: نعم، صحيح إن شاء الله، (الحمد لله) هذه كلمة طيبة مباركة، وهي كلمة كل شاكر، قالها نوح عليه السلام: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[المؤمنون:28]، وقالها إبراهيم: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ[إبراهيم:39]، وقالها داود وسليمان: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ[النمل:15]، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ[الإسراء:111]، وقالها أهل الجنة: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ[فاطر:34]، وهي كلمة كل شاكر، فينبغي للإنسان أن يكثر منها مائة مرة مائتين ألف مرة.. فالحمد لله كلمة طيبة، وفي الحديث: (لو أن الدنيا بحذافيرها بيد رجل من عباد الله فقال: الحمد لله، لكانت الحمد لله خيراً من ذلك كله)، وأيضاً كلمة (الشكر لله)، كلمة طيبة.

السؤال: هل يجوز للحائض أن تقرأ القرآن من جوال فيه برنامج قرآن مكتوب؟ وكيف يتحصن الجنب؟

الجواب: نعم، يجوز للحائض أن تقرأ من جوال أو تقرأ مما يسمى بـ(الآيباد) أو أن تقرأ من كتاب تفسير.. لا مانع من هذا كله.

وأما كيف يتحصن الجنب؟ فأقول: الجنب يتحصن باليسير من القرآن لا مانع من ذلك، ويتحصن أيضاً بالأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله: ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق )، ثلاثاً، أو: ( أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة )، وكذلك: ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم )، وكذلك: ( اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم )، فهذا كله مشروع، ولا يشترط له الطهارة.

السؤال: هل العفو عن يسير النجاسة يشمل جميع النجاسات؟ وما مقداره؟

الجواب: يسير النجاسة الذي يعفى عنه هو ما يشق الاحتراز عنه، مثال ذلك: الحشرات التي تقف على النجاسات، ثم تأتي بعد ذلك فتقف على الإنسان على ثوبه أو عمامته أو بدنه، قد تنقل شيئاً من هذه النجاسات، فهذا يعفى عنه لمشقة الاحتراز، ومثله أيضاً: من كان مصاباً بسلس بول، وبول الآدمي ورجعه نجس باتفاق، لكن بعض الناس قد يكون مصاباً بالسلس، أو بعض الناس عافانا الله وإياكم والمسلمين! قد يصاب بأن يخرج منه النجاسة من غير إرادة منه، فمثل هذا أيضاً معفو عنه، وكذلك لو أن الإنسان كان مصاباً بجرح ودمه يتواصل دون إرادة منه، فهذا أيضاً يصلي بهذه النجاسة، وما زال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون في جراحاتهم، ومثله أيضاً: الدم اليسير كما يقول المالكية: قدر الدرهم البغلي، يعني: بعض الناس قد يعطى حقنة علاجية فتخرج بعض قطرات يسيرة من الدم، وتظهر على ثوبه، فهذا يصلي ولا حرج في ذلك إن شاء الله.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2822 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2648 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2534 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2532 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2506 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2475 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2464 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2442 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2406 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2404 استماع