خطب ومحاضرات
ديوان الإفتاء [755]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.
أما بعد:
إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء.
العدل أساس قيام الكون
أيها الإخوة! أبدأ هذه الحلقة بتقرير أن الله عز وجل قد أقام هذا الكون على أساس من العدل، كما قال سبحانه: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:7-9].
وما أرسل الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم إلا من أجل إقامة العدل في هذه الدنيا كما قال سبحانه: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25].
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى خيبر خارصاً، فأراد اليهود أن يقدموا له رشوة من أجل أن يخفف الخرص عنهم، فقال: يا أعداء الله! أترشونني؟! والله لقد جئتكم من عند أحب خلق الله إلي، ولأنتم أبغض إلي من إخوانكم القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن أظلمكم، فقال اليهود: بهذا قامت السموات والأرض.
تحريم الخالق الظلم على نفسه
إخوتي وأخواتي! إن الله تعالى قد حرم الظلم على نفسه فقال سبحانه: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ [غافر:31] ، وقال سبحانه: فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [التوبة:70]، وقال سبحانه: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49]، وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40]، وقال: وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].
وفي الحديث القدسي: ( يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا )، فلا ينبغي للمسلم أن يكون ظالماً.
أنواع الظلم
ومن الظلم ما يكون بين الإنسان وربه، وأفحشه وأقبحه الشرك بالله عز وجل كما قال تعالى حاكياً عن لقمان حين أوصى ابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقال الله عز وجل: وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، ومن ظلم الإنسان لنفسه أن يقترف المعاصي والآثام، وأن يقتحم الذنوب ويحتقب الأوزار، هذا أيضاً من ظلم الإنسان لنفسه.
ثم الظلم الذي يكون من الإنسان للإنسان، وهذا هو الديوان الذي لا يغفره الله عز وجل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الدواوين ثلاثة: فديوان لا يغفره الله أبداً، وديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، فأما الديوان الذي لا يغفره الله أبداً فالشرك، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً فما يكون بين العبد وبين ربه، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً فما يكون من ظلم الإنسان للناس ).
ظلم القذافي لإخواننا المؤمنين في ليبيا
أيها الإخوة والأخوات! ومن الظلم العظيم: قتل النفس بغير حق، فهذا الذي يحدث لإخواننا المسلمين في ليبيا في هذه الأيام هو من الظلم العظيم، ومن تعدي حدود الله عز وجل وانتهاك حرماته حين يعمد حاكم -لا يرجو لله وقاراً- إلى ضرب شعبه بالطائرات والقذائف المحرمة والرصاص الحي، ويسلط عليهم عصاباته ومرتزقة الناس من أجل أن يعيثوا في الأرض فساداً، ويجوسوا خلال الديار، فينتهكوا الحرمات ويروعوا الآمنين، لا شك أن هذا الحاكم المجرم هو ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم ).
يخرج على الملأ فيلعن شعبه ومن تظاهروا ضده، ومن كرهوا حكمه، وراموا الخلاص من جوره وبطشه وطغيانه وإفكه وزوره وكذبه على الله عز وجل، يخرج على الملأ من غير حياء، يصور نفسه حكيماً ويقول: أنا المجد، نعوذ بالله من الضلال، ونعوذ بالله من الخبال، ونعوذ بالله من أن يكون الإنسان في نفسه كبيراً وهو عند الله صغير حقير، نعوذ بالله من الكبر والغرور الذي يجعل مثل هذا الشخص ينتفخ أشراً وبطراً، ويرى نفسه كـفرعون الذي قال: مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29].
يخرج على شعبه متوعداً مهدداً وقد لبس لهم جلد النمر، وهو أمام أعداء الأمة من اليهود والصليبيين قط أليف، يفرضون عليه الإتاوات فيرضخ ويعطيها عن يد وهو صاغر، ويحاصرونه فيذل ويرضخ، ويطلبون منه أن يسلم أسلحته فيسلمها كاملة من غير سوء، ثم بعد ذلك يخرج على المساكين من شعبه تارة هو وتارة ولده، وكما قيل: لا تلد الحية إلا حية، ومن يشابه أباه فما ظلم، من يشابه أباه في الإجرام والعتو والفساد والكبر والغرور، ويخرج على الناس يهدد الشرفاء والأبرار والطيبين.
والإنسان يعجب من هذه الدول التي تتشدق بحقوق الإنسان، وتدعي أنها محافظة عليها داعية إليها تصمت صمتاً مريباً؛ لأن الدم الذي ينزف دم مسلم؛ ولأن المحتجين على حكم ذلك الصنيعة، ذلك المجرم المهرج إنما هم ناس مسلمون طيبون وشعب يتوق إلى الخلاص، شعب يقول: ربي الله، شعب يعتقد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، شعب يريد أن يأتي عليه يوم يحلل فيه الحلال ويحرم فيه الحرام، بعدما حُكم نيفاً وأربعين سنة بهذا المهووس، الذي أخرج على الناس زبالات أفكاره، وهو يدعي الحكمة وهو منها خواء، والحكمة منه براء.
وأخيراً: كما قالت العرب: رمتني بدائها وانسلت، يخرج على الناس ويتهمهم بأنهم مهووسون، وأنهم يتناولون المخدرات، وأنهم يأخذون حبوب الهلوسة، ومثلما قال الفراعنة أمثاله الذين أسقطهم الله قبل أسابيع، وكان هذا يتباكى عليهم ويتفجع على ذهابهم، مثلما خرج هؤلاء يزعمون أن قلة مندسة، وأن عملاء مأجورين هم الذين يحركون تلك المظاهرات، هذا أيضاً يخرج على الناس بذات التهم وبنفس الأساليب كما قال ربنا: أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:53].
هكذا الطواغيت والجبابرة الذين يريدون أن يلتصقوا بهذه الكراسي ويستمسكوا بها، يريدون للناس أن يكونوا كالقطيع من الغنم، يرضخون لهذه الذئاب البشرية، ويبقون تحت حكمها آماداً طويلة، ثم بعد ذلك يورثون الأمر لأولادهم وأحفادهم من بعدهم، ويطلبون من الشعوب أن تكون كالنعاج.
الناس في غفلة عما يراد بهم كأنهم غنم في بيت جزار
هؤلاء الجزارون الذين ظهروا للناس في ثوب الحكام وفي ثوب الحكماء، ما راعوا في شعوبهم إلاً ولا ذمة ولا عهداً ولا خافوا رباً، ولا تذكروا بعثاً، ولا حساباً، ولا جزاءً، وإنما هم يريدون هذه الدنيا، يريدون الملك ويتهمون غيرهم بما هو فيهم، مثلما كان يقول فرعون اللئيم عن موسى الكليم: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26].
هكذا فرعون كان يتهم موسى عليه السلام بأنه مبدل للدين، ومظهر للفساد في الأرض، بينما فرعون اللئيم هو المبدل للدين، وهو الذي دعا الناس إلى عبادته من دون الله، وهو الذي أظهر في الأرض الفساد حين قتل الرجال، واستحيا النساء، وأذل الشرفاء، وسام بني إسرائيل سوء العذاب.
هكذا سيرة فرعون، وهكذا هؤلاء الفراعنة المعاصرون والجبابرة المحدثون، وهم صغار عند الله وصغار في أعين شعوبهم؛ لأنهم مطبوعون على الجبن، مجبولون على الهلع، وعما قريب إن شاء الله سيلحقون بأسلافهم ممن طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ [الفجر:11-12]، ثم خرجوا كالفئران المذعورة مشيعين باللعنات من المسلمين لا يذكرون بخير، ولا يترحم عليهم أحد، ولا يتمنى عودتهم أحد، يريح الله منهم البلاد والعباد والشجر والدواب.
إخوتي في الله! ورد في الحديث: ( إن في يوم الجمعة ساعة مستجابة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه )، وحري بنا أن نتفاءل بأن يكون غداً إن شاء الله هو آخر أيام هذا الطاغوت، مثلما كان يوم الجمعة نهاية طاغوت قبله، وفي جمعة أخرى نهاية طاغوت آخر، إن شاء الله هذه الجمعة تكون نهاية هذا الثالث، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:4-7].
اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك وأنت أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وأنت خير المسئولين وخير المعطين، وأنت إله العالمين ورب المستضعفين، يا من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، نسألك أن تعجل فرج إخواننا في ليبيا، وأن تحسن خلاصهم، وأن تفك أسرهم، وأن تجبر كسرهم وأن تتولى أمرهم، وأن ترحم شهداءهم وتداوي جرحاهم، وأن تجعل غدهم خيراً من يومهم، وأن تخلصهم من هذا الجبار العنيد وأذنابه وجنوده، وأن تأخذه أخذ عزيز مقتدر، وأن تنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وأن ترينا فيه عجائب قدرتك يا رب العالمين، يا من لا يخلف وعده ولا يهزم جنده، هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة! أبدأ هذه الحلقة بتقرير أن الله عز وجل قد أقام هذا الكون على أساس من العدل، كما قال سبحانه: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:7-9].
وما أرسل الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم إلا من أجل إقامة العدل في هذه الدنيا كما قال سبحانه: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25].
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى خيبر خارصاً، فأراد اليهود أن يقدموا له رشوة من أجل أن يخفف الخرص عنهم، فقال: يا أعداء الله! أترشونني؟! والله لقد جئتكم من عند أحب خلق الله إلي، ولأنتم أبغض إلي من إخوانكم القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن أظلمكم، فقال اليهود: بهذا قامت السموات والأرض.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
ديوان الإفتاء [485] | 2822 استماع |
ديوان الإفتاء [377] | 2648 استماع |
ديوان الإفتاء [277] | 2534 استماع |
ديوان الإفتاء [263] | 2532 استماع |
ديوان الإفتاء [767] | 2506 استماع |
ديوان الإفتاء [242] | 2475 استماع |
ديوان الإفتاء [519] | 2464 استماع |
ديوان الإفتاء [332] | 2442 استماع |
ديوان الإفتاء [550] | 2406 استماع |
ديوان الإفتاء [303] | 2405 استماع |