ديوان الإفتاء [661]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

سورة من سور القرآن آياتها خمس، وعدد كلماتها إحدى عشرة كلمة، وحروفها سبعة وأربعون حرفًا، ونحفظها جميعًا، صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، هي سورة الإخلاص.

فضل سورة الإخلاص

وهذه السورة المباركة أريد أن أذكركم بشيء من فضلها، وبشيء من معانيها:

أما فضلها: فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( احشدوا، فحشد الناس، فلما اجتمعوا قال لهم: إني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، فقرأ عليهم هذه السورة المباركة، ثم دخل صلى الله عليه وسلم بيته، فقال الصحابة بعضهم لبعض: إن هذا خبر من السماء قد جاء، فخرج عليهم صلى الله عليه وسلم فقال: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن )، قال علماؤنا: هذا من جهة أجناس المعاني، فإن القرآن قصص وأحكام وعقائد، وهذه السورة المباركة فيها بيان لعقيدة أهل الإسلام في الله رب العالمين، وثبت في صحيح مسلم من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليهم رجلًا، فكان إذا صلى بهم يختم بـ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فلما رجعوا أخبر الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام بفعل صاحبهم، فقال: سلوه: لِمَ يفعل ذلك؟ فقال الرجل المؤمن: إني أحبها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله تعالى قد أحبك )، فحب هذه السورة موجب لمحبة الله عز وجل لمن أحبها.

وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: ( أن أهل قباء كان يؤمهم رجل من الصحابة، فكان إذا صلى بهم يقرأ ما تيسر من القرآن، ثم يختم بهذه السورة، فقال له أصحابه: يا فلان! إنك تقرأ من القرآن ثم لا ترى أن ذلك يجزئك حتى تقرأ هذه السورة، فقال لهم: والله ما أنا بتاركها، إن شئتم أممتكم، وإن شئتم تركتكم، وكانوا يكرهون أن يتركهم؛ لأنهم يرونه أفضلهم، فأخبروا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام: فسأله: لِم تصنع ذلك؟ قال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحبها، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: حبك إياها أدخلك الجنة ).

وفي مسند الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ( لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدرته فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله! أوصني، فقال: يا عقبة ! أخرس لسانك، وابك على خطيئتك، وليسعك بيتك، ثم قال لي: يا عقبة ! ألا أعلمك خير سور أنزلها الله في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، لا تنسهن، ولا تنم ليلة حتى تأتي بهن، قال عقبة رضي الله عنه: فما نسيتهن منذ قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنسهن، وما نمت ليلة حتى قرأتهن، ثم لقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! أخبرني بفواضل الأعمال؟ قال: يا عقبة ! صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعفُ عمن ظلمك ).

وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من قرأ: (قل هو الله أحد) عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة، قال عمر رضي الله عنه: إذن تكثر قصورنا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: فالله أكثر وأطيب ). قال ابن كثير رحمه الله: وهذا مرسل جيد.

أعمال وأوقات يندب فيها قراءة سورة الإخلاص

يا أيها الإخوة والأخوات! هذه السورة المباركة نقرؤها في الركعة الثانية من صلاة الرغيبة، سنة الصبح، وفي الأولى نقرأ: (قل يا أيها الكافرون)، كذلك نصنع في سنة المغرب، وكذلك في سنة الطواف، وهذه السورة المباركة نقرؤها في دبر كل صلاة مع المعوذتين مرة، إلا بعد الفجر والمغرب فإننا نقرؤهن ثلاث مرات، نقرأ: (قل هو الله أحد) ثلاثًا، و(قل أعوذ برب الفلق) ثلاثًا، و(قل أعوذ برب الناس) ثلاثًا، ثم بعد ذلك إذا أوينا إلى فرشنا، وأخذنا مضاجعنا نعمل بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ( كان ينفث في كفيه بـ (قل هو الله أحد) والمعوذتين، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات )، يعني: يجمع كفيه عليه الصلاة والسلام، فيقرأ: (قل هو الله أحد)، والفلق، والناس، ثم ينفث، والنفث: نفخ من غير ريق، ثم يمسح عليه الصلاة والسلام ما استطاع من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.

سبب نزول سورة الإخلاص

معنى قل هو الله أحد

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ[الإخلاص:1]، أي: الله عز وجل واحد لا شريك له، قال بعض أرباب المعاني: تأملت الشرك فوجدته من ثمانية أوجه: إما من ناحية الكثرة والعدد، وإما من ناحية النقص والتقلب، وإما من ناحية الأشكال والأضداد، وإما من ناحية كونه علة أو معلولاً، فنفى الله عز وجل الكثرة والعدد بقوله: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ[الإخلاص:1]، ونفى النقص والتقلب بقوله: اللهُ الصَّمَدُ[الإخلاص:2]، ونفى كونه علة أو معلولًا بقوله: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ[الإخلاص:3]، ونفى الأشكال والأضداد بقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[الإخلاص:4].

البلاغة في كلمة (أحد) في قوله: (قل هو الله أحد)

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ قال المفسرون: (أحد)، أبلغ من (واحد)؛ لأن الواحد يدخل في الأحد، والأحد لا يدخل في الواحد، ثم الأحد في النفي أبلغ، فإنك لو قلت: ما بالدار من أحد، فإنه يعني: أن الدار خاوية، لكن لو قلت: ما بالدار واحد، فلعل بالدار اثنين أو ثلاثة أو عشرة أو مائة.

وقوله: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ إثبات لوحدانيته جل جلاله، كما قال: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[البقرة:163]، وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ[البقرة:163]، وكما قال: قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[ص:65]، فهو سبحانه واحد في ذاته، واحد في صفاته، لا شريك له، ولا ند ولا مثيل ولا نظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11].

معنى قوله تعالى: (الله الصمد)

وقوله: اللهُ الصَّمَدُ[الإخلاص:2]، أي: الذي تصمد إليه المخلوقات في حوائجها، كل يسأل الله عز وجل حاجته، وهو سبحانه غني عن العالمين، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، لا تخفى عليه الحركات، ولا تشتبه عليه اللغات، ولا تختلط عليه الأصوات: أَمَّنْ يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ[النمل:62]، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[البقرة:186].

اللهُ الصَّمَدُ الله السيد الذي كمل في سؤدده، الشريف الذي كَمُل في شرفه، العظيم الذي كمل في عظمته جل جلاله، له صفات الجمال والكمال والجلال.

ينفي الله عز وجل عن نفسه ما نسبه إليه أرباب الديانات المحرفة، أو أهل الشرك والإلحاد حين قال المشركون: الملائكة بنات الله، وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ[التوبة:30]، الله عز وجل لم يلد ولم يولد، ينفي عن نفسه جل جلاله كونه والدًا، وينفي عن نفسه كونه مولودًا: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ[الإخلاص:3].

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنها تعدل ثلث القرآن)

ثم ختم هذه السورة بقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[الإخلاص:4]، جل جلاله، ليس له شبيه، ولا مثيل، كما قال سبحانه: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا[مريم:65]، وكما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[الشورى:11]، فالله عز وجل لا يشبهه أحد من خلقه، ولذلك قال أهل العلم: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر.

وهذه السورة المباركة إخوتي وأخواتي! حري بنا أن نقرأها إذا أصبحنا وإذا أمسينا، حري بنا أن نقرأها في الخلوة والجلوة، بكرة وعشيًا؛ لأن فيها من الأجر العظيم، والثواب الكبير، ما لا يعلمه إلا الله عز وجل.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أنها تعدل ثلث القرآن)

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنها تعدل ثلث القرآن)، قال بعض المفسرين: بأنها تعدل ثلث القرآن لمن لا يحسن غيرها، يعني: لو أن إنسانًا لا يحفظ إلا هذه السورة المباركة فقرأها ثلاثًا، فإن ثوابها يعدل ثواب من قرأ القرآن كله حتى ختمه، وقال بعضهم: إنما هي تعدل ثلث القرآن إذا قرئ ثلث القرآن سواها، وقال بعضهم: إنما هي تعدل ثلث القرآن من جهة المعاني؛ لأنها مشتملة على بيان عقيدة أهل الإيمان في الله الواحد القهار؛ حيث يصفونه بنعوت الجلال والكمال سبحانه وتعالى: فاقرءوا هذه السورة وعلموها أولادكم، وأحبوها، فإن حبكم إياها موجب لحب الله إياكم.

وكذلك حبكم إياها يوصلكم إلى جنة عرضها السموات والأرض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الصحابي: ( حبك إياها أدخلك الجنة ).

أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب همومنا، وجلاء أحزاننا، وأن يعلمنا منه ما جهلنا، ويذكرنا منه ما نسينا، ويرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يرضيه عنا.

وهذه السورة المباركة أريد أن أذكركم بشيء من فضلها، وبشيء من معانيها:

أما فضلها: فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( احشدوا، فحشد الناس، فلما اجتمعوا قال لهم: إني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، فقرأ عليهم هذه السورة المباركة، ثم دخل صلى الله عليه وسلم بيته، فقال الصحابة بعضهم لبعض: إن هذا خبر من السماء قد جاء، فخرج عليهم صلى الله عليه وسلم فقال: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن )، قال علماؤنا: هذا من جهة أجناس المعاني، فإن القرآن قصص وأحكام وعقائد، وهذه السورة المباركة فيها بيان لعقيدة أهل الإسلام في الله رب العالمين، وثبت في صحيح مسلم من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليهم رجلًا، فكان إذا صلى بهم يختم بـ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فلما رجعوا أخبر الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام بفعل صاحبهم، فقال: سلوه: لِمَ يفعل ذلك؟ فقال الرجل المؤمن: إني أحبها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله تعالى قد أحبك )، فحب هذه السورة موجب لمحبة الله عز وجل لمن أحبها.

وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: ( أن أهل قباء كان يؤمهم رجل من الصحابة، فكان إذا صلى بهم يقرأ ما تيسر من القرآن، ثم يختم بهذه السورة، فقال له أصحابه: يا فلان! إنك تقرأ من القرآن ثم لا ترى أن ذلك يجزئك حتى تقرأ هذه السورة، فقال لهم: والله ما أنا بتاركها، إن شئتم أممتكم، وإن شئتم تركتكم، وكانوا يكرهون أن يتركهم؛ لأنهم يرونه أفضلهم، فأخبروا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام: فسأله: لِم تصنع ذلك؟ قال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحبها، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: حبك إياها أدخلك الجنة ).

وفي مسند الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ( لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدرته فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله! أوصني، فقال: يا عقبة ! أخرس لسانك، وابك على خطيئتك، وليسعك بيتك، ثم قال لي: يا عقبة ! ألا أعلمك خير سور أنزلها الله في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، لا تنسهن، ولا تنم ليلة حتى تأتي بهن، قال عقبة رضي الله عنه: فما نسيتهن منذ قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنسهن، وما نمت ليلة حتى قرأتهن، ثم لقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! أخبرني بفواضل الأعمال؟ قال: يا عقبة ! صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعفُ عمن ظلمك ).

وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من قرأ: (قل هو الله أحد) عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة، قال عمر رضي الله عنه: إذن تكثر قصورنا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: فالله أكثر وأطيب ). قال ابن كثير رحمه الله: وهذا مرسل جيد.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2824 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2650 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2508 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2477 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2466 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2444 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2407 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2407 استماع