ديوان الإفتاء [342]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير، والسراج المنير، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

مرحباً بكم في حلقة جديدة, نسأل الله أن يجعلها نافعة مفيدة، نذكركم في بدايتها بأن هذه الليلة قد تكون هي أولى ليالي شهر رجب، وقد يكون غداً هو المتمم للثلاثين من جمادى الثانية، وأياً ما كان الأمر فما بيننا وبين رجب سوى ساعات معدودات, وكلمة رجب مشتقة من الترجيب الذي هو التعظيم، وهو أحد الأشهر الحرم التي أمرنا بتعظيمها، ومعرفة قدرها، قال الله عز وجل: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36] , وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع هذه الأشهر الحرم حين قال: ( ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، والشهور أربعة حرم، ثلاثة سرد، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد فرد وهو رجب الذي بين جمادى الآخرة وشعبان ) , وهذا الشهر المبارك يسمى رجب الفرد؛ لأنه شهر حرام مفرد، ليس قبله ولا بعده شهر حرام؛ ويسمى كذلك رجب مضر؛ لأن مضر كانوا يعظمونه من بين قبائل العرب ولا يجرون فيه تلك العادة الجاهلية المقيتة، وهي عادة النسيء، التي قال الله فيها: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [التوبة:37], ولا بد هاهنا من التنبيه على مسائل:

الفرح بدخول شهر رجب

المسألة الأولى: أن رجب إذا دخل فإن المسلم يسر ويفرح باقتراب رمضان، فإنه ما بعد رجب إلا شعبان، وما بعد شعبان إلا رمضان، والأيام تمر سراعاً, فقد صارت (السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق سعفة النخل)، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الإكثار من العمل الصالح في شهر رجب

المسألة الثانية: أن شهر رجب يستحب فيه الإكثار من العمل الصالح؛ لأنه شهر حرام، وقد قرر أهل العلم بأن العمل الصالح يتضاعف ثوابه إذا كان للزمان حرمة أو للمكان حرمة، فطاعة الله عز وجل في مكة ليست كطاعته في سائر البلاد, وكذلك طاعة الله في رجب ليست كطاعته في سائر الشهور, فالموفق هو الذي يكثر في رجب من ذكر الله، وتلاوة القرآن، ويحرص على مجالس الذكر وحلق العلم، ويحرص على الإكثار من نوافل الصلاة والصيام والصدقة، ويحرص على الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى صلة الأرحام، والإحسان إلى خلق الله، وغير ذلك من خصال البر وصنوف الخير.

بطلان اعتقاد فضيلة خاصة للعمرة في رجب

المسألة الثالثة: ينبغي أن يقال في هذا المقام بأنه ليس لعمرة رجب مزية على العمرة في سائر السنة، فإن الناس قد تواطئوا على تسميتها بالعمرة الرجبية، ويحرصون على الإتيان بها، ولكننا قد علمنا من أدلة السنة بأن العمرة خلال السنة كلها سواء، إلا عمرة رمضان؛ لأنه ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) ، وفي رواية: ( تعدل حجة معي ) أي: مع النبي عليه الصلاة والسلام, فالعمرة في رجب ليست لها مزية, ثم الصيام في رجب كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لم يصح فيه حديث، لكنه قربة على كل حال، ولو أن الإنسان تطوع بالصيام في رجب فأجره عظيم وثوابه كبير، خاصة مع اشتداد الحر في هذه الأيام، وقد قال العبد الصالح أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل الأوسي رضي الله عنه لما حضره الموت: مرحباً بالموت، مرحباً بحبيب جاء على فاقة، اللهم إنك تعلم أني ما كنت أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، وإنما كنت أحب البقاء في الدنيا لأربع خصال: لظمأ الهواجر، وسهر الليالي، ومزاحمة العلماء بالركب، ومعاشرة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر. فظمأ الهواجر، بمعنى: الصيام في شدة الحر, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجه عن النار سبعين خريفاً ).

القضاء في شهر رجب

المسألة الرابعة: أذكر إخوتي وأخواتي بأن الإنسان الذي أفطر أياماً من رمضان لمرض أو سفر، أو أفطرت المرأة لحيض مثلاً، فعلينا جميعاً أن نبادر بالقضاء قبل أن يدخل رمضان، فما بيننا وبين رمضان سوى شهرين، نسأل الله أن يبلغنا أيامه، وأن يعيننا على صيامه وقيامه، وأن يوفقنا لصالح العمل فيه, فنتهيأ -إن شاء الله- لرمضان بقضاء ما علينا من أيام قد أفطرناها في رمضان الذي مضى، ولو أن الإنسان أخر القضاء من غير عذر حتى دخل عليه رمضان الذي بعده، فإنه سيكون عليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم؛ ولذلك البدار البدار، نبادر الآن بقضاء ما علينا مما أفطرناه من أيام رمضان الذي مضى، وأسأل الله أن يتقبل منا أجمعين.

وهذه المواسم -مواسم الخير- قد جعلها الله عز وجل باباً لتجديد التوبة، وباباً للتزود من الحسنات، وتكفير السيئات، وغير ذلك من أنواع الخيرات، والموفق هو الذي يغتنم هذه المواسم، ولا يجعل أيامه كلها سواء، فإن للقلوب إقبالاً وإدباراً، والموفق السعيد هو الذي يتحين هذه الفرص ليتقرب إلى الله عز وجل بما يحضره من صالح العمل، وأياً ما كان الأمر سواء كانت هذه الليلة هي أولى ليالي رجب، أو كانت هي الليلة المتممة للثلاثين من جمادى الآخرة، فهأنذا قد أخبرتكم بما ينبغي، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا أجمعين.

المسألة الأولى: أن رجب إذا دخل فإن المسلم يسر ويفرح باقتراب رمضان، فإنه ما بعد رجب إلا شعبان، وما بعد شعبان إلا رمضان، والأيام تمر سراعاً, فقد صارت (السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق سعفة النخل)، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2822 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2648 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2534 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2532 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2506 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2475 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2464 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2442 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2406 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2405 استماع