ديوان الإفتاء [279]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآل كل، وصحب كل أجمعين.

أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسأل الله عز وجل أن يعينني وإياكم على فعل الخيرات، وترك المنكرات، وأن يستعملنا في طاعته، إنه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.

وأذكركم في بداية هذه الحلقة بأن غداً إن شاء الله هو اليوم العاشر من المحرم, فاحرصوا بارك الله فيكم! على صيامه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أحتسب على الله في صيام يوم عرفة أن يكفر ذنوب سنة ماضية وسنة آتية، وأحتسب على الله في صيام عاشوراء أن يكفر ذنوب سنة ماضية )، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يواظب على صيام هذا اليوم المبارك الذي نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، وأسأل الله أن يتقبل منا أجمعين.

وأذكر إخوتي وأخواتي بأن الحديث الذي يروى عن نبينا صلى الله عليه وسلم ( من وسع على أهله في يوم عاشوراء وسع الله عليه في سائر سنته )، هذا الحديث كثير من أهل العلم قال: أنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بل بعضهم عده كذباً، وبعضهم عده من وضع النواصب الذين يبغضون آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام, كأنهم يحتفلون بعاشوراء ويفرحون سروراً بمقتل الحسين والعياذ بالله، ولا يسر بهذا مسلم، في مقابل فعل الروافض الذين يجعلون من عاشوراء موسماً للأحزان والبكاء والعويل وضرب الصدور وشق الجيوب، ويأتون بتلك الفعلات العجيبة من جرح أنفسهم واستعمال الآلات الحادة في إسالة دمائهم بزعم أنهم يكفرون عن مقتل الحسين ، ولا شك أن هذا منكر وزور، وكذلك الأول منكر وزور، والمطلوب التوسط والاعتدال، رضي الله عن الحسين وأرضاه وجمعنا به في مستقر رحمته، ودار كرامته.

المتصل: عندي سؤالان لو سمحت:

السؤال الأول: أحياناً أكون في محل عام, كالسوق مثلاً، وتدركني صلاة الظهر أو العصر في المسجد، ويكون هناك زحام شديد في حمامات المسجد ولا أجد محلاً أقضي فيه حاجتي، ولم يبق على الصلاة إلا خمس دقائق أو سبع دقائق أو أقل، والحمام يكون مزدحماً فهل في هذه الحالة يجوز أن أصلي بدون أن أقضي حاجتي؟

السؤال الثاني: ما هو الرأي الشرعي الإسلامي في المحامين الذين يدافعون عن أناس مجرمين، أو متهمين في قضايا كبيرة كقضية قتل أو اغتصاب أو ما أشبه ذلك، فهناك محامون يدافعون عن هؤلاء المتهمين؛ لأن الدستور السوداني يا مولانا ينص بأنه: أي متهم له الحق بأن يوكل محامياً يدافع عنه, كما أن الدولة تتكفل بإحضار محام ينوب عنه، فنريد أن نعرف ما حكم الشرع في المحامي الذي يدافع عن شخص مجرم، أو شخص متهم في قضية أخلاقية، أو ما أشبه ذلك؟

الشيخ: أكرمك الله نجيبك إن شاء الله.

المتصل: عندي ثلاثة أسئلة: السؤال الأول: ما الفرق بين الشهادة والرؤية في الصيام؟

السؤال الثاني: هل يجوز الإتيان بالصلاة الإبراهيمية في التشهد الأول خلف الإمام؟

السؤال الثالث: ما حكم الحناء للرجال في أي طرف كان؟

الشيخ: نجيبك إن شاء الله.

الشيخ: بالنسبة للمحامي الذي يدافع عن مجرم في جريمة قتل أو اغتصاب أو غير ذلك، فنقول: بأن المحاماة: عبارة عن وكالة. والوكالة من العقود الجائزة التي تصح بإجارة وبغير إجارة، والمحامي مأجور إن كان غرضه بيان الحق وإيصال الكلام الذي لا يستطيع موكله إيصاله، فهو مأجور في عمله ذلك، وهو في عمل مبرور إن شاء الله، أما إذا كان غرضه تحريف الكلم عن مواضعه، وتلبيس الحق بالباطل من أجل أن ينتزع البراءة لمن يعلم بأنه قد أسرف على نفسه، وأن الإجرام قد أحاط به؛ لأنه قد ارتكب ما حرم الله عليه؛ ففي هذه الحالة يكون داخلاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من دخل في خصومة لا يعلمها كان في سخط الله حتى ينزع )، أو كما قال عليه الصلاة والسلام؛ فلذلك نقول: هناك فرق بين محامي غرضه إظهار الحق، وبين محامي غرضه تلبيس الحق بالباطل.

السؤل: أخونا متوكل يسأل عن الفرق بين الشهادة والرؤية، ويقصد بذلك الصيام والإفطار وما إلى ذلك من العبادات المتعلقة بالأهلة؟

الجواب: نقول: الرؤية: أن يرى الإنسان بنفسه، والشهادة أن يشهد غيره بأنه قد رأى الهلال، ونبينا صلى الله عليه وسلم بكلا الأمرين قد عمل، فتارة كان يرى بنفسه، وتارة كان يشهد شاهد أو شاهدان، ومن هنا قال علماؤنا رحمهم الله: بأن الصيام والإفطار كلاهما يلزم حكمهما إما برؤية الشخص بنفسه، وإما بأن يشهد شاهدان مسلمان عدلان بأنهما قد رأيا الهلال، وإما بالاستفاضة، أي: بأن يستفيض بين الناس أن غداً رمضان، أو أن غداً شوال، أو أن غداً هو الأول من ذي الحجة، ثم الطريق الرابعة هي إكمال العدة ثلاثين، فإذا اكتمل شعبان ثلاثين لم يبق إلا أن اليوم الذي بعده هو الأول من رمضان، وكذلك لو اكتملت عدة رمضان ثلاثين فالذي بعده هو الأول من شوال، وقل مثل ذلك في سائر الشهور.

الشيخ: وبالنسبة للصلاة الإبراهيمية في التشهد الأول فلا مانع، فلو أن الإنسان فرغ من التشهد قبل إمامه فلا حرج عليه أن يأتي بالصلاة الإبراهيمية، وهو في ذلك مأجور، ولو أنه دعا أيضاً فهو مأجور، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا فرغ أحدكم من التشهد قبل إمامه فليتخير من الدعاء أطيبه ).

الشيخ: الحناء للرجال يا متوكل ! لا ينبغي إلا في التداوي، أعني بذلك: اليدين والرجلين، فالرجل لا يخضب يديه ولا رجليه إلا على سبيل التداوي، أما على سبيل التزين فلا؛ لأنها زينة خاصة بالنساء، وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم النساء.

وأما الرجال فإنهم يخضبون رءوسهم ولحاهم، وأما اليدين والرجلين فهذه زينة خاصة بالنساء، وقد ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال )، ( ولعن الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل )، ونسأل الله أن يهدينا جميعاً، والأعراف الفاسدة إن شاء الله يأتي على الناس زمان تتغير فيه كما تغيرت أعراف كثيرة كان الناس متلبسين بها، فقيض الله من غيرها، ومن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.

المتصل: عندي سؤال: دخلت المسجد في صلاة المغرب والإمام راكع في الركعة الثانية، وكان معي رجل فكبرنا معاً تكبيرة الإحرام قبل أن يقول الإمام: سمع الله لمن حمده, فلما سلم الإمام قمت للركعة الأولى التي فاتتني, وأما صاحبي الذي كان معي وكبرنا تكبيرة الإحرام معاً صلى ركعتين، مما جعلني أشك بأننا لم ندرك الركعة الثانية فهل كانت صلاتي ناقصة أو صاحبي صلاته زائدة؟ نرجو التوضيح.

السؤال: بالنسبة لصيام عاشوراء بعض الناس صام اليوم، وبعضهم قال: الصيام غداً فأنا أريد أن أتأكد هل الصيام اليوم أم غداً؟

الجواب: لا ليس اليوم، وإنما الذين صاموا اليوم يريدون أن يجمعوا بين الحسنيين، فيريدون أن يصوموا التاسع والعاشر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ).

عندي سؤال: رجل عنده لي دين فأراد أن يضحي، فقلت له: الإنسان إذا كان عليه دين فليس عليه أضحية، فقال لي: الحكم هذا للحجاج فقط, ولا ينطبق على غير الحاج؟

الشيخ: سأجيبك إن شاء الله.

المتصل: عندي سؤالان:

السؤال الأول: اللون الأصفر هل يعتبر طهراً بالنسبة للمرأة؟

السؤال الثاني: كان علي قضاء قديم من رمضان فسألت فقالوا لي: إن عليك الكفارة، والكفارة هي أن تطعم عن كل يوم مسكيناً، وعندما أردت أن أطعم وجدت أن الوجبة بألف أو بألفين، فما رأيكم؟

الشيخ: نجيبك إن شاء الله.

المتصل: إذا رأى رجل الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، لكن ما رآه بعينه، وإنما يشعر أنه بجانبه ويتكلم معه بخير وما رآه رأي العين، فهل هذه تعتبر رؤية أو من الشيطان؟

الشيخ: نجيبك إن شاء الله.

المتصل: عندي سؤال: هناك حديث يقول: ( نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء )، فهل يدخل فيها الرسوم التي تأخذها هيئة المياه، وأيضاً الناس الذين يكون ما عندهم ماء ويشترون بالكارو (الوايت) أو له معنى آخر؟

السؤال: ما هو تفسير الآية التي في سورة الواقعة: عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:37], وجزاك الله خيراً؟

الجواب: قول الله عز وجل: عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:37]، هذا في وصف نساء الجنة من الحور العين، بين ربنا جل جلاله أن من نعيم أهل الجنة -نسأل الله أن يجعلنا منهم- أنهم يستمتعون بالحور العين، بعدما ذكر ربنا بأن أهل الجنة فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة:28-34]، الله عز وجل قال عن الحور العين: إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً [الواقعة:35]، أي: خلقهن الله عز وجل بحكمته، وقد أحسن كل شيء خلقه، إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا [الواقعة:35-36]، أبكاراً جمع بكر، وهي التي لم توطأ، وقوله تعالى: عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:37]، عرباً: جمع عَروب, أي: متحببات لأزواجهن متعشقات، أتراباً: أي: على سن واحدة، يعني: كلهن على سن واحدة، كما أن أهل الجنة كلهم يدخلون على سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة, وعلى طول واحد، طول أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء، وفي حسن يوسف عليه السلام, وهذا لمزيد من الألفة؛ لأن الشاب الصغير لو جلس مع الشيخ الطاعن فربما لا يأتلفان، ولذلك كان أهل الجنة كلهم في سن واحد، وكلهم في طول واحد، وكلهم على حسن يوسف عليه السلام.

الشيخ: بالنسبة لحديث ( نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء )؛ لأن الناس شركاء في ثلاثة: الماء، والكلأ، والنار، ولكن هذه الثلاثة إذا كان فيها مؤنة، وفيها كلفة، فلا مانع من البيع، فمثلاً الآن بعض الناس قد يتكلف فيأتي بالماء وينقله فيما يسمى بالتانكر أو الوايت أو ما كان يجر بواسطة الدواب ونحو ذلك، فهذه كلفة، وكذلك مثل من يبيع الماء بالثلج يقول لك: برد جوفك، فهذا لا مانع أنه يبيع؛ لأن الثلج هذا فيه مؤنة، ولكن الممنوع: بيع الماء الذي لا مؤنة فيه، ويمنع بيع الماء لابن السبيل المحتاج إليه وهو ظمآن ولعله لا يملك ثمنه، وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان عنده فضل ماء فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا إن أعطي منها رضي، وإن منع منها سخط، ورجل حلف على سلعة بعد العصر أنه اشتراها بكذا وهو كاذب ).

الشيخ: أخونا محمد الفاتح يقول: بأنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، لكن ما رآه رؤيا واضحة ظاهرة بينة بوجهه الشريف المبارك، وإنما جاءه إحساس وشعور بأن الذي يكلمه هو النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وقد أمره بالخير، كما هي عادته وكما هو دينه وديدنه صلوات ربي وسلامه عليه, لا يأمر إلا بالخير والبر والمعروف، فنقول لك يا أخانا محمد : أبشر بخير إن شاء الله، وهذه رؤيا لكن ليست رؤيا كاملة، فإن بعض الناس قد يرى النبي صلى الله عليه وسلم مولياً ظهره، يراه من ظهره, ولربما يرى النبي صلى الله عليه وسلم من جانب، ولربما يكون في مجلس ما يرى وجهه لكن يأتيه شعور بأن هذا الذي يتكلم أو هذا الجالس هو النبي الأكرم والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم, والرؤيا الكاملة: أن يراه بوجهه الأنور، وجبينه الأزهر صلوات ربي وسلامه عليه، يراه بوجهه الذي وصفه الصحابة بأنه كان في وجهه تدوير أبيض مشرباً بحمرة, أزج الحواجب في غير قرن, بينهما عرق يدره الغضب، وأنه صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية تملأ لحيته صدره، ويقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلوات ربي وسلامه عليه, فأنت استبشر بهذه الرؤيا، وإني موصيك ونفسي بأن نحرص على اتباع السنة وإحيائها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، فنتبع سنته في جميع أمره صلوات ربي وسلامه عليه أقوالاً وأفعالاً وصفات وتقريرات.

السؤال: الأخت أم المنذر سألت عن اللون الأصفر، هل يعتبر طهراً؟

الجواب: نقول: لا يعتبر، فالمرأة إذا حاضت ثم بعد ذلك بدأ الدم يقل تدريجياً ولونه يتغير إلى أن صار أصفر؛ فلا تتعجل الحكم بالطهر، وإنما تنتظر حتى ترى القصة البيضاء، كما كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تقول: ( لا تعجَلْن حتى تريْن القصة البيضاء )، أو إذا كان طهرها بالجفوف تنتظر حتى ترى الجفوف.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2824 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2650 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2508 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2477 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2466 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2444 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2407 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2407 استماع