وصايا للأطباء والطبيبات


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعــد:

أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه فرصة طيبة أن نلتقي في هذا المكان وفي هذا المستشفى لنتحدث عن بعض المسائل التي تهم الطبيب المسلم، هذه الثغرة في المجتمع التي سدها تتطلب إيماناً بالله واحتساباً للأجر، وعلماً شرعياً ودعوةً إلى الله سبحانه وتعالى، وتذكراً وتذكيراً، فالطبيب المسلم صاحب رسالة، ولما ميزناه بقولنا: المسلم؛ علمنا بأنه صاحب رسالة شرعية إسلامية قبل أن تكون مهمةً طبية أو علاجية ونحو ذلك، وقد سبق أن تحدثنا في محاضرة سابقة بعنوان (رسالة إلى الطبيب المسلم) عن بعض الأمور المتعلقة بالطب والأطباء، ونستكمل إن شاء الله الكلام عن بعض هذه الأمور التي تهم الأطباء والطبيبات، وقد ذكرنا في المحاضرة الماضية أموراً منها:

أن الطبيب ينبغي أن يتقي الله سبحانه وتعالى في عمله، وتقوى الله عز وجل هي الضمان لعدم انحراف الطبيب عن مهمته، والله عز وجل قد كرر الأمر بالتقوى في آيات كثيرة وهي وصية الله للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تدفع الطبيب إلى عدم ممارسة الطب وهو لا يتقنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تطبب ولم يعلم منه طب؛ فهو ضامن) وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطبيب يتقن عمله، ولا يقدم وصفةً أو علاجاً إلا وهو متأكدٌ منها، وتقواه تمنعه من أن يجعل نفسه متاجراً مع شركات الأدوية لتجريب الأدوية في مرضى دول العالم الثالث كما يقولون.

وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطبيب المسلم لا ينظر إلى المرأة الأجنبية أكثر من نظر الفجأة، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك في حالات الكشف الطبي والعلاج؛ إذا لم يتيسر من يقوم بذلك من النساء، والله عز وجل قد قال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30].

وقد ذكر العلماء ترتيباً معيناً للمرأة المسلمة إذا أرادت أن تتطبب، فقالوا: تقدم الطبيبة المسلمة ثم الطبيبة الكتابية فالكافرة ثم الطبيب المسلم ثم الطبيب الكافر، والطبيب المسلم لا يكشف إلا ما تدعو الحاجة إلى كشفه في عورات النساء والرجال، وإذا كشف على امرأة للضرورة فبحضرة محرمها من الزوج أو غيره، وإذا احتاج ولم يوجد؛ فلا يجوز أن يكشف بخلوة إطلاقاً، بل لا يجوز أن يخلو بها حتى لو كان بغير كشف.

تقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطبيب المسلم يحس بالحرج، وهو يأمر بالكشف أو يغض بصره، وليس يتقدم دون حياء ولا خجل طالباً من المريض الكشف وبسرعة، والطبيب المسلم عند فحص مواضع الضرورة من قبل المرأة لمريض من الرجال، أو الرجل لمريضة من النساء؛ فإن أمكن الفحص بالوصف فقط؛ فلا يجوز النظر ولا اللمس، وإذا كان يكفي النظر فلا يجوز اللمس، وإذا كان لابد من اللمس؛ فمن وراء حائل، ولو فرضنا أنه لابد أن يكشف عن الموضع من غير حائل، فإنه لابد أن يقدر الضرورة بقدرها، فلا يتعدى المكان ولا الوقت اللازمين للفحص، ولا يدعها تكشف أمامه حتى تصل إلى مكان المرض، بل تكشف من وراء الستارة حتى تصبح جاهزة للكشف على موضع الضرورة، وهناك أمورٌ لا يصح مطلقاً -يتنافى مع التقوى تماماً- كشفها، مثلما يحدث من التساهل في فحص المرأة لحالة فتاق عند الرجل بموضع العورة المغلظة مثلاً.

وهناك كثيرٌ من الحالات التي لا يعتبر الإسلام مسئولاً نهائياً أبداً عن حدوثها؛ لأنها وجدت في حال انحراف، فلابد من تصحيح الأصل، وليس أن نقول: وقعنا في ورطة ونحن في ضرورة، نقول: من قواعد الضرورة أنه يجب السعي إلى إزالتها، وليس أن نبقى باستمرار في حالة ضرورة، وفحص المرأة المتدربة للمرأة المريضة أهون من فحص المرأة المتدربة لرجل مريض، ولذلك نقول ونوصي دائماً: إنه في حالة التدريس؛ يجب السعي باستمرار إلى حصول الفصل التام ما أمكن ذلك بين الرجال والنساء، وينبغي السعي لإيجاد التخصص في علاج النساء من قبل النساء وعلاج الرجال من قبل الرجال، وحالات الضرورة التي تستدعي تدخل الاستشاري مثلاً أو غيره لها أحكامها.

ومن الأمور التي تجعل الطبيب المسلم لا يتعدى الضرورة، فيصحب بالقفاز مثلاً إذا لم توجد الحاجة للفحص باليد مباشرةً لاشك أن هذا منبعه تقوى الله سبحانه وتعالى، ولذلك فإننا نشعر بالعار عندما نسمع عن امرأة تُلزم أو طبيب رجل يُلزم طالبات الطب بالكشف على رجل، في أمور يستطيع أن يفعلها رجل آخر، كأخذ درجة الحرارة ونبض القلب ونحو ذلك، مع أن بإمكان المرأة أن تتدرب على امرأة وليس على رجل أجنبي.

وهنا يطالعنا بعض الناس في قضية الامتحانات وهل تعتبر ضرورة أم لا؟ فنقول: إن بعض العلماء يرى أنها لا تعتبر ضرورة مطلقاً، وأن المرأة إذا لم تجد امرأة في المستقبل تتعالج عندها، فإنها تتعالج عند رجل للضرورة، فلا الرجل يأثم ولا المرأة تأثم، وكذلك إذا قلنا: إن المرأة تكشف على المرأة وتتدرب عليها؛ سداً للحاجة في المستقبل للرجال؛ فإن هذا أمرٌ وجيه وحسن نستبدل به حالات كثيرة من كشف الرجال على النساء، ولا أقول جميع الحالات؛ لأن الواقع يثبت أن هناك حالات تستدعي تدخل الرجل ونقول: هذه الضرورة والضرورة تقدر بقدرها، على أن بعض أهل العلم يرى أنه في حال الامتحانات إذا اضطرت المرأة أن تكشف على رجل؛ فإنها تكشف بالنظر دون اللمس، وأضافوا قيداً آخر وهو أمن ثوران الشهوة من الفاحص والمفحوص، وهذه مسألة تدرس بالممارسة.

ولكننا نعيد الكرة لنقول: لماذا تجعل المرأة المسلمة في حالة حرج عندما تجبر على الكشف على الرجال؟ وما هي الضرورة لاختلاط الطبيبات بالأطباء؟ أو قل طالبات الطب بالطلاب في التدريب العملي إذا أمكن أن يجعل لكل منهم قسم مستقل، والواقع يشهد بأن هناك مفاسد وعلاقات محرمة نشأت بين الطالبات والطلاب، وضبطت أوضاع محرمة بسبب الاختلاط، بل إن بعض طالبات الطب ممن لا يخفن الله تنشأ لهن علاقة خاصة مع بعض الدكاترة مع كثرة المحادثة التي تكون تحت ستار أخذ المعلومات، واختلاط بعض الدارسات مع الدكاترة في أوقات خارج التدريب العملي بزعمها الاستزادة من العلم ونحو ذلك، أو لكي يعرف أنها مهتمة، وأنها تسأل شفوياً بدل أن تتصل بالهاتف، كل هذه المبررات التي تؤدي إلى مفاسد شرعية واضحة، ولو اضطرت الأحوال إلى أن يكون الذكور والإناث في مكان واحد، فلا أقل من أن تكون النساء خلف الرجال مع غاية النقاب والحشمة، وأن يراعي هذا الطبيب أو المتخصص الذي يدرس وجود المرأة في الفصل، فلا يأتي بحالات فيها صور انتصاب ونحوها مما يخدش الحياء ويعرضه على مسامع ومرأى من النساء الموجودات في الفصول الدراسية، وبعض الأحوال التي حدثت تثبت أن الفصل بين النساء والرجال ممكن، لكن الذي يحول بين هذا وحدوثه وجود رجل لا يخاف الله، كمسئول عن الصالات من النصارى ونحوهم من الذين لا يهمهم إحداث الفصل بين النساء والرجال.

وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطبيب المسلم لا يخلو بالمرأة أبداً، ولا يقال إن وجود عين سحرية من الخارج يزيل الخلوة، أو أن الباب المفتوح يزيل الخلوة، وهو يجلس في زاوية الغرفة والممر خالٍ والغرفة نائية، بل ينبغي إذا حدثت الحاجة لهذا ولم يوجد شخص ثالث في الغرفة؛ أن يكون الوضع أمام المارين، وإذا كانت الغرفة زجاجية؛ فيكون الزجاج من الأعلى إلى الأسفل بحيث يكون الأمر لا يخفى مطلقاً، ولا يقال أيضاً بالاكتفاء بالكاميرات الإلكترونية للمراقبة، فإنها قد تتعطل لأي سبب، أو لا يكون المراقب حاضراً لأي سبب، أو يكون فاسقاً يريد نشر الفاحشة في الذين آمنوا.

وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطبيب المسلم لا يخلو بالمرأة الأجنبية ولو كان لدقائق أو دقيقة أو ثوانٍ في مصعد المستشفى، وهناك حالات تحدث أحياناً، أنه يدخل مجموعة في مقعد ثم يخرج مجموعة في أحد الطوابق فلا يبقى إلا رجل وامرأة في مقعد، وهنا تقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تدفع الرجل للخروج من المصعد؛ حتى لا يخلو بالمرأة في هذا الوقت الباقي، ثم يواصل الصعود بعد ذلك.

وبعض الناس يظن أن مس يد المرأة الأجنبية من وراء حائل جائز بإطلاق، وهذا لا يجوز بل الأصل أنه حرام، ولا يجوز إلا للضرورة، وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطالبة المسلمة إذا كانت دراستها تفرض عليها ترك الحجاب أن تقدم الدين والحجاب ولاشك في ذلك.

والطبيب المسلم والطبيبة المسلمة من صفاتهما أيضاً: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، والإخلاص لله هو الذي يدفع الطبيب والطبيبة لاحتساب الأجر في العلاج قبل أخذ المال، احتساب الأجر في زيارة المريض لأن فيها أجراً عظيماً، الأجر في زيارة المريض قبل أن يكون الوضع معالجة وواجباً يومياً زيارة مقررة وتفقداً روتينياً ونحو ذلك، فالطبيب الذي يخلص لله سبحانه وتعالى يطلب الأجر والاطمئنان على أخيه المسلم، ولذلك فهو يقف ويسأل عن الحال ويلاطف ويرفع المعنويات، ويحتسب الأجر الذي ورد في الحديث الصحيح كما جاء عن سويد عن أبيه قال: (أخذ علي بيدي فقال: انطلق بنا إلى الحسن بن علي نعوده، فوجدنا عنده أبا موسى الأشعري ، فقال علي لـأبي موسى : عائداً جئت أم زائراً؟ فقال: عائداً، فقال علي : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلمٍ يعود مسلماً غدوةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، ولا يعوده مساءً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة).

الطبيب المسلم من إخلاصه أنه يبقى خارج الدوام ويتبرع بوقته ولو بغير مقابل ولا راتب وخصوصاً في الحالات الطارئة، وكذلك في أوقات الكروب والأزمات، ويتقدم ليقدم ما عنده وينفع المسلمين.

والطبيبة المسلمة من إخلاصها أنها تحتسب الأجر في المجيء خارج الدوام؛ لتوليد النساء عندما لا يكون هناك إلا طبيب رجل، فتحتسب الأجر وتبتغي وجه الله؛ لإنقاذ أختها المسلمة من الحرج، باطلاع رجل أجنبي على عورتها المغلظة.

كذلك فإنه لابد للطبيب المسلم من الفقه والعلم (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) الطبيب المسلم يدرس من أحكام الفقه ما يعينه على أداء رسالته الطبية والعلاجية ولا ينسى عبادته مع الله سبحانه وتعالى، وبعضهم قد يقدم المهنة على العبادة، فيضيع صلوات بدون مبرر شرعي.

تعلم أحكام الصلاة والوضوء والنجاسة

الطبيب المسلم من فقهه أن يعلم أحكام الصلاة وأحكام النجاسات، والوضوء للمس عورة المريض، ويحتاط لنجاسة العينات، وفي حالة الجمع بين الصلاتين لا يفعل ذلك إلا إذا كان مضطراً من حيث توقيت العملية، فإذا كان يمكن أن يوقتها بحيث يصلي كل صلاة في وقتها فلا يجوز أن يجعلها في وقت يضطر فيه لجمع الصلاتين، وإذا كان يمكن لطبيب آخر أن يدخل فيساعده ويسانده ريثما يؤدي الصلاة ثم يرجع لإتمام ما بيده؛ فإنه لا يجوز له أن يجمع الصلاتين وهكذا.

عدم إكراه المريض على الطعام والشراب

الطبيب المسلم من فقهه أنه لا يكره المريض على الطعام والشراب؛ لأنه يعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب؛ فإن الله يطعمهم ويسقيهم) وهذا مجرب في الواقع العملي، فإن بعض المرضى يتركون من الطعام ما لو امتنع عنه وهو صحيح لهلك، الله هو الذي يتولى حفظ قواهم ويصبرهم على الجوع والعطش، وهذا لا يعني عدم وضع الأشياء اللازمة للمريض مثل المغذي ونحو ذلك، بل هذا من الأمور المهمة التي يفعلها الطبيب بحسب الحاجة والمصلحة.

تلقين المحتضر الشهادة

ومن فقهه أنه يلقن المحتضر الشهادة إذا عرف أنه يحتضر، ويأمره بها قائلاً: قل لا إله إلا الله، فقد عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأنصار، فقال: (يا خال! قل لا إله إلا الله) فإن لم يتأكد الطبيب أن المريض في حالة احتضار، وخشي إن لقنه الشهادة أو أمره بها أن يصاب بإحباط نفسي، أو تزداد حالته سوءاً أو يضيق صدره ونحو ذلك؛ فإنه يردد على مسمعه ذكر الله وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويأمر المريض بعموم الذكر إذا كان تخصيص أمره بالشهادة يسبب له أضراراً، أو يقول له: اذكر الله، فيقول المريض تلقائياً: لا إله إلا الله.

والطبيب من فقهه أنه إذا حدثت الوفاة؛ سعى أولاً: إلى إغماض عيني الميت؛ لأن الروح إذا قبض تبعه البصر.

وثانياً: يغطيه بثوب يستر جميع بدنه.

وثالثاً: يعجل بتجهيزه ودعوة أوليائه لأخذه، وعدم تأخيره في الثلاجة، وعدم إبقائه على السرير بين المرضى؛ فذلك يؤذيهم، وكذلك أن يخبر بما رأى عليه من علامات حسن الخاتمة كأن مات وهو يذكر الله، أو مات في عمل صالح، أو مات برشح الجبين وتهلل الوجه ونحو ذلك؛ لأن من السنة الثناء على الميت الصالح والشهادة له بالخير.

دراسة الطب النبوي

والطبيب المسلم من فقهه وعلمه الشرعي أنه يدرس الطب النبوي؛ لأنه مسلم، ونبيه صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأشياء تتعلق بالطب، فلا أقل من أن يلم بأشياء منها، فمن ذلك مثلاً: أنه يعلم الارتباط بين الأسباب والتوكل على الله، وأن الأخذ بالأسباب الشرعية لا ينافي التوكل على الله، وهو لا يعتمد على الأسباب فيقع في شرك الأسباب، ولا يترك الأسباب الشرعية؛ فيقع في التواكل والتفريط، وهو يعلم القواعد في الحمية الشرعية، وتبريد الحمى بالماء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حم أحدكم، فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليالٍ من السحر) ويعلم علاج العسل لاستطراق البطن.

عدم نفي ما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام من أمراض

والطبيب المسلم من فقهه وعلمه أنه لا ينفي بجهلٍ أثر ما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام من أمراض ولو كانت بعض النفوس تتقزز منه، مثل وصف بول الإبل لمرض الاستسقاء، فإنه قد ثبت في صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام قد وصف بول الإبل في علاج مرض الاستسقاء كما جاء في رواية مسلم : (فلما أصاب القوم عظمت بطونهم وارتهشت أعضاؤهم) وهذا من أعراض مرض الاستسقاء.

وكذلك لا ينفي الطبيب المسلم بجهل أثر الحجامة كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يحتجم في الأخدعين والكاهل، وأوصى بالحجامة يوم السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين، وإذا كانت يوم الإثنين والخميس فهو أحسن كما جاءت الوصية بذلك في الأحاديث الحسنة والصحيحة، وتكون على الريق وليس على الشبع كما جاءت الوصية بذلك في الأحاديث الصحيحة.

والطبيب المسلم يعلم أيضاً أنه يوجد في الطب النبوي علاج لمرض عرق النسا وهو ألية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء، ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء.

عدم إنكار أثر الرقية الشرعية في الشفاء

والطبيب المسلم لا ينكر أثر الرقية الشرعية في الشفاء من الأمراض الجسدية والنفسية، ولا ينفي صرع الجن الإنسي، وأثر القرآن في شفاء ذلك، ويعلم أيضاً أهمية العلاجات الدينية الشرعية في الشفاء من الأمراض النفسية كالوسوسة وغير ذلك، وأن من الأذكار الشرعية ما يعالج كثيراً من الأمراض النفسية، ومع الأسف أنه يوجد في كتب الأطباء الكفرة شيء يقال له: (باي بلفافي) ولا يوجد ما يقابل ذلك في الكتب فيما يتعلق بالعلاج بالقرآن والأذكار الشرعية، وكثيرٌ من الأمراض النفسية لها علاقة مباشرة بقضية الإيمان بالقضاء والقدر، بحيث لو أنها شرحت من قبل الطبيب المسلم شرحاً جيداً لتركت آثاراً لا يستهان بها في نفس المريض النفسي، ذلك لأن كثيراً من الأمراض النفسية سببها في الحقيقة المصائب، فبعض الناس نفوسهم ضعيفة لا تقوى أمام المصائب، فإذا حصلت له مصيبة؛ أصيب بالانهيار والإحباط، أو أصابته حالة الاكتئاب والحزن ونحو ذلك من الأمراض النفسية المعروفة لدى الأطباء النفسانيين، فنقول: الطبيب المسلم يعتني بذلك وعلمه وفقهه يقودانه إلى استخدام هذه الأشياء الواردة في الكتاب والسنة واستخدام هذه الأشياء في العلاج.

فقه جراحات التجميل

وكذلك فإن من الأمور الشرعية المتعلقة بقضايا العلاج الفقه في قضية جراحات التجميل ما يجوز منها وما لا يجوز، فإن الشيطان من طرقه أنه سيأمرهم ليغيروا خلق الله: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119] وتغيير خلق الله من الأشياء المنتشرة في عالم جراحات التجميل.

من فقه الطبيب المسلم أنه يفرق بين إزالة عيب حدث لإرجاع ما كان إلى ما كان عليه، مثل جراحات الحروق، ويفرق الطبيب المسلم في عمليات جراحة التجميل بين إزالة الضرر كالإصبع الزائد الذي يمنع الشخص من الكتابة والسلام والتصرف، وبين عمليات أخرى لا يقصد بها إلا التجميل مثل تصغير الثدي والأنف وليس فيها أي مصلحة بدنية.

الطبيب المسلم يفرق بين حالات وشر الأسنان وبردها بالمبرد وتفليجها وتفليقها وهو المنهي عنه لما لعن النبي عليه الصلاة والسلام الواشرات والمستوشرات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، وبين عمليات تقويم الأسنان المباحة التي لا حرج فيها، وهو يفرق بين تفليج الأسنان وبين إزالة سن من الأسنان يسبب ضرراً للشخص.

قواعد شرعية مهمة

وكذلك فإن من القواعد الشرعية أن الطبيب يسعى لإزالة المرض وهذا لاشك أنه بدهي، ومن فقه الطبيب أن يعلم أن الجسد فيه حق لله وحق للعبد، وأنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في حق غيره إلا بإذنه، وأنه إذا اجتمع شيء فيه حق لله وحق للإنسان؛ فلا يسقط حق الله بمجرد إسقاط الإنسان لحقه.

ومن فقه الطبيب أن يعلم أنه إن أمكن تحصيل المصالح كلها فالحمد لله، فإن تعذر حصل المصلحة الأعلى، وأنه يحصل أعلى المصلحتين إذا تعارضتا، فإذا تعذرت المفاضلة جاز الاختيار، وأن يعلم الطبيب المسلم أنه يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، وأن الضرر ضرورة تقدر بقدرها، وأن الضرر لا يزال بمثله.

وكذلك لا تنقلب الرخصة التي أنشأها الشرع للطبيب أو الجراح لممارسته عمله على أجسام الناس إلى حق إلا برضى المريض، ويستثنى من ذلك حالات الضرورة والاستعجال، يعني: لا يجوز للطبيب أن يتصرف في جسد المريض إلا بإذنه، لكن هناك حالات جراحة تستوجب التدخل كالتصرف في بدن المريض استئصالاً أو عمل شيء معين لا يمكن أخذ موافقة المريض عليها، لأن الحالة تستدعي تدخلاً عاجلاً، ففي هذه الحالة يتدخل وهو محسن، وما على المحسنين من سبيل.

الهدف هو رد الصحة المفقودة ما أمكن

كذلك من فقه الطبيب المسلم أن يعلم أن من هدف الصحة الموجودة رد الصحة المفقودة ما أمكن، وإزالة العلة أو تقليلها قدر الإمكان، وتحمل أدنى المفسدتين بإزالة أعظمهما، وكذلك أنه يجب ألا يصل بعلاجه لإزالة علة بأن يوجد علة أخرى أعظم وأكثر، فمن ذلك أن بعض الأطباء قد يفرط في إعطاء المريض مثلاً إبر (المورفين) للتسكين، صحيح أن إزالة الألم شيء طيب، لكن إذا كان يترتب عليه أن يتحول المريض إلى مدمن للمخدر، فإن هذا لا يجوز مطلقاً، وإذا كانت العلة لا يمكن علاجها؛ امتنع الطبيب عن العلاج.

علاج من ليس مريضاً

بعض الأطباء يضحكون على المرضى يريدون أخذ المال، فيعلم أنه لا يمكن أن يعالج هذا المرض، فيعالجه لأخذ المال، والقاعدة في هذا أن الطبيب إذا عرف أنه لا يمكنه إزالة العلة بالعلاج؛ فإنه لا يجوز له أن يعالج إلا إذا كان العلاج لشيء نفسي، كأن يرفع معنويات المريض بدلاً من إخباره بأن حالته ميئوس منها مثلاً.

عدم تجريب العلاجات

وكذلك بالنسبة للأدوية لا يجوز للطبيب أن يجرب الأدوية في أجساد الناس، وإنما يعطي الدواء المعروف بأثره الإيجابي، ولا يجوز أن يجرب دواءً بما تخاف عاقبته، وإنما إذا أراد أن يجرب دواءً؛ يجرب دواء ليس له أضرار جانبية سلبية؛ لأنه في بعض الحالات قد لا يوجد لديه علاج معروف للمرض لكنه يجرب علاجاً، فلا يجوز أن يجرب علاجاً إلا وهو متأكد أنه لا يحدث أضراراً سلبية.

وكذلك فإن من قواعد الشرع الشرعية في العلاج أن يعالج الأسهل فالأسهل، فلا ينتقل من الدواء البسيط المعتاد إلى الدواء المركب إلا إذا تعذر استعمال الأول، وكذلك لا يقوم بإجراء عملية فيها إيذاء وشق وإيلام وتشويه لما يمكن أن يعالج بالأدوية، ويحدث عند بعض أطباء النساء والولادة من إجراء العمليات القيصرية والتساهل فيها، بعضهم خبثاً حتى لا تكون المرأة المسلمة في إنجاب دائم متواصل، وهذا حصلت له حالات من بعض أطباء الكفار في نساء المسلمين، أو أنه يرى الشق أسهل، أو أنه ينظر إلى أن العملية أقل ألماً، لكن لا ينظر إلى أن العملية تسبب تفويت مقصد من مقاصد الشارع وهو كثرة النسل، فهو من قلة فقهه ينظر إلى الأقل ألماً، ولا ينظر إلى مقاصد الشرع الأخرى في قضية تكثير النسل على سبيل المثال.

وينبغي أن يفرق في فشل العلاج بين المجتهد المخطئ وبين المقصر والمهمل، فالطبيب إذا بذل جهده ووسعه ثم فشل العلاج أو مات المريض؛ فإنه لا يتحمل مسئولية لأن الله يقول : مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91] بخلاف ما إذا كان مفرطاً ومهملاً.

الطبيب المسلم من فقهه أن يعلم أحكام الصلاة وأحكام النجاسات، والوضوء للمس عورة المريض، ويحتاط لنجاسة العينات، وفي حالة الجمع بين الصلاتين لا يفعل ذلك إلا إذا كان مضطراً من حيث توقيت العملية، فإذا كان يمكن أن يوقتها بحيث يصلي كل صلاة في وقتها فلا يجوز أن يجعلها في وقت يضطر فيه لجمع الصلاتين، وإذا كان يمكن لطبيب آخر أن يدخل فيساعده ويسانده ريثما يؤدي الصلاة ثم يرجع لإتمام ما بيده؛ فإنه لا يجوز له أن يجمع الصلاتين وهكذا.

الطبيب المسلم من فقهه أنه لا يكره المريض على الطعام والشراب؛ لأنه يعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب؛ فإن الله يطعمهم ويسقيهم) وهذا مجرب في الواقع العملي، فإن بعض المرضى يتركون من الطعام ما لو امتنع عنه وهو صحيح لهلك، الله هو الذي يتولى حفظ قواهم ويصبرهم على الجوع والعطش، وهذا لا يعني عدم وضع الأشياء اللازمة للمريض مثل المغذي ونحو ذلك، بل هذا من الأمور المهمة التي يفعلها الطبيب بحسب الحاجة والمصلحة.

ومن فقهه أنه يلقن المحتضر الشهادة إذا عرف أنه يحتضر، ويأمره بها قائلاً: قل لا إله إلا الله، فقد عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأنصار، فقال: (يا خال! قل لا إله إلا الله) فإن لم يتأكد الطبيب أن المريض في حالة احتضار، وخشي إن لقنه الشهادة أو أمره بها أن يصاب بإحباط نفسي، أو تزداد حالته سوءاً أو يضيق صدره ونحو ذلك؛ فإنه يردد على مسمعه ذكر الله وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويأمر المريض بعموم الذكر إذا كان تخصيص أمره بالشهادة يسبب له أضراراً، أو يقول له: اذكر الله، فيقول المريض تلقائياً: لا إله إلا الله.

والطبيب من فقهه أنه إذا حدثت الوفاة؛ سعى أولاً: إلى إغماض عيني الميت؛ لأن الروح إذا قبض تبعه البصر.

وثانياً: يغطيه بثوب يستر جميع بدنه.

وثالثاً: يعجل بتجهيزه ودعوة أوليائه لأخذه، وعدم تأخيره في الثلاجة، وعدم إبقائه على السرير بين المرضى؛ فذلك يؤذيهم، وكذلك أن يخبر بما رأى عليه من علامات حسن الخاتمة كأن مات وهو يذكر الله، أو مات في عمل صالح، أو مات برشح الجبين وتهلل الوجه ونحو ذلك؛ لأن من السنة الثناء على الميت الصالح والشهادة له بالخير.

والطبيب المسلم من فقهه وعلمه الشرعي أنه يدرس الطب النبوي؛ لأنه مسلم، ونبيه صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأشياء تتعلق بالطب، فلا أقل من أن يلم بأشياء منها، فمن ذلك مثلاً: أنه يعلم الارتباط بين الأسباب والتوكل على الله، وأن الأخذ بالأسباب الشرعية لا ينافي التوكل على الله، وهو لا يعتمد على الأسباب فيقع في شرك الأسباب، ولا يترك الأسباب الشرعية؛ فيقع في التواكل والتفريط، وهو يعلم القواعد في الحمية الشرعية، وتبريد الحمى بالماء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حم أحدكم، فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليالٍ من السحر) ويعلم علاج العسل لاستطراق البطن.

والطبيب المسلم من فقهه وعلمه أنه لا ينفي بجهلٍ أثر ما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام من أمراض ولو كانت بعض النفوس تتقزز منه، مثل وصف بول الإبل لمرض الاستسقاء، فإنه قد ثبت في صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام قد وصف بول الإبل في علاج مرض الاستسقاء كما جاء في رواية مسلم : (فلما أصاب القوم عظمت بطونهم وارتهشت أعضاؤهم) وهذا من أعراض مرض الاستسقاء.

وكذلك لا ينفي الطبيب المسلم بجهل أثر الحجامة كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يحتجم في الأخدعين والكاهل، وأوصى بالحجامة يوم السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين، وإذا كانت يوم الإثنين والخميس فهو أحسن كما جاءت الوصية بذلك في الأحاديث الحسنة والصحيحة، وتكون على الريق وليس على الشبع كما جاءت الوصية بذلك في الأحاديث الصحيحة.

والطبيب المسلم يعلم أيضاً أنه يوجد في الطب النبوي علاج لمرض عرق النسا وهو ألية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء، ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء.

والطبيب المسلم لا ينكر أثر الرقية الشرعية في الشفاء من الأمراض الجسدية والنفسية، ولا ينفي صرع الجن الإنسي، وأثر القرآن في شفاء ذلك، ويعلم أيضاً أهمية العلاجات الدينية الشرعية في الشفاء من الأمراض النفسية كالوسوسة وغير ذلك، وأن من الأذكار الشرعية ما يعالج كثيراً من الأمراض النفسية، ومع الأسف أنه يوجد في كتب الأطباء الكفرة شيء يقال له: (باي بلفافي) ولا يوجد ما يقابل ذلك في الكتب فيما يتعلق بالعلاج بالقرآن والأذكار الشرعية، وكثيرٌ من الأمراض النفسية لها علاقة مباشرة بقضية الإيمان بالقضاء والقدر، بحيث لو أنها شرحت من قبل الطبيب المسلم شرحاً جيداً لتركت آثاراً لا يستهان بها في نفس المريض النفسي، ذلك لأن كثيراً من الأمراض النفسية سببها في الحقيقة المصائب، فبعض الناس نفوسهم ضعيفة لا تقوى أمام المصائب، فإذا حصلت له مصيبة؛ أصيب بالانهيار والإحباط، أو أصابته حالة الاكتئاب والحزن ونحو ذلك من الأمراض النفسية المعروفة لدى الأطباء النفسانيين، فنقول: الطبيب المسلم يعتني بذلك وعلمه وفقهه يقودانه إلى استخدام هذه الأشياء الواردة في الكتاب والسنة واستخدام هذه الأشياء في العلاج.

وكذلك فإن من الأمور الشرعية المتعلقة بقضايا العلاج الفقه في قضية جراحات التجميل ما يجوز منها وما لا يجوز، فإن الشيطان من طرقه أنه سيأمرهم ليغيروا خلق الله: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119] وتغيير خلق الله من الأشياء المنتشرة في عالم جراحات التجميل.

من فقه الطبيب المسلم أنه يفرق بين إزالة عيب حدث لإرجاع ما كان إلى ما كان عليه، مثل جراحات الحروق، ويفرق الطبيب المسلم في عمليات جراحة التجميل بين إزالة الضرر كالإصبع الزائد الذي يمنع الشخص من الكتابة والسلام والتصرف، وبين عمليات أخرى لا يقصد بها إلا التجميل مثل تصغير الثدي والأنف وليس فيها أي مصلحة بدنية.

الطبيب المسلم يفرق بين حالات وشر الأسنان وبردها بالمبرد وتفليجها وتفليقها وهو المنهي عنه لما لعن النبي عليه الصلاة والسلام الواشرات والمستوشرات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، وبين عمليات تقويم الأسنان المباحة التي لا حرج فيها، وهو يفرق بين تفليج الأسنان وبين إزالة سن من الأسنان يسبب ضرراً للشخص.